وقد روى البلاذري ما جرى بين أمير المؤمنين عليه السلام، وبين مسافر بن عفيف الأزدي المنجم، حينما نهاه عن المسير إلى أهل النهروان في ساعة معينة، حيث قال له عليه السلام أخيرا.«لئن بلغني أنك تنظر في النجوم لأخلدنك الحبس، ما دام لي سلطان، فوالله ما كان محمد منجم ولا كاهن[62]، أو كما قال وفي نص آخر: لأخلدنك في الحبس ما بقيت وبقيت ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان»[63].وقد كان المنجمون من أعوان الحكام، والمقربين إليهم، وكانوا يحصلون منهم على الصلات، والجوائز مقابل خدماتهم لهم في هذا المجال.وقد أشير إلى حصول المنجمين على المال عن هذا الطريق في فقه الرضا أيضاً حيث جعل النجوم من أصناف الصناعات، التي حكم بحلية تعليمها والعمل بها، وأخذ الأجرة عليها، إذا كانت تصرف في وجوه الحلال فراجع[64].وواضح: أن الإجراء الذي اتخذه عليه السلام ضد هذا المنجم، إنما هو من موقع الولي الحاكم. الذي يريد منع ممارسة هذه المهنة، ومنع الارتزاق عن هذا الطريق، ثم الحفاظ على عقيدة الناس بالله سبحانه، وعلمه وقدرته، من أن ينالها وهن أو سوء. بسبب تصديق المنجمين، ورواج سوقه.
المنع من البيع في غير الأماكن المقررة:
ويدخل في نطاق الضوابط، ما روي من أن بعض المسلمين كانوا يشترون الطعام من الركبان، على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه، حتى ينقلوه، حيث يباع الطعام[65].وعن ابن عمر، قال: كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه، قبل أن نبيعه[66].وقال ابن الإخوة: «إن النبي صلى الله عليه وآله، نهى عن تلقي الركبان، ونهى عن بيع السلع حتى تهبط الأسواق..»[67].وهذا الإجراء إنما اتخذ لمواجهة أولئك الذين أصروا على مخالفة نهي النبي صلى الله عليه وآله، القاضي بالمنع من تلقي الركبان، ومن بيع حاضر لباد[68].وقد حدد تلقي الركبان بما دون أربع فراسخ، أما ما فوق ذلك، فليس بتلق، بل هو جلب[69].وقد علل هذا المنع بأن القادم لا يعرف السعر[70] فينبغي أن يبيعه حاملوه، من القرى والسواد بأنفسهم في السوق، وهذا خاص بأهل القرى والبوادي، أما من يحمل من مدينة إلى مدينة فلا ضير في ذلك، ويجري مجرى التجارة حسبما ذكروه[71].