إن من الواضح: أن الإسلام قد أمر بالتجارة، وحث عليها[3]، واعتبرها تزيد في العقل، كما أن تركها ينقص منه[4]، وقرر: أن فيها تسعة أعشار الرزق[5]، وأنها عزّ للإنسان حتى ليقول الإمام الصادق عليه السلام لبعضٍ من أصحابه: «أغد إلى عزّك»[6].والروايات التي تؤكد على أهمية التجارة، وتحث عليها كثيرة لسنا هنا بصدد تتبعها واستقصائها، وسيأتي كلام أمير المؤمنين عليه السلام في عهد الأشتر حول أهمية التجارة والتجار إن شاء الله تعالى.
أحكام وضوابط:
وإذا كان الإسلام يعطي للتجارة هذه القيمة الكبيرة، وإذا كانت التجارة لها تشعباتها الكثيرة، ومشاكلها الكبيرة، وأن أي خلل أو هنات تعرض لها، فلسوف تترك آثارها ـ سلباً أو إيجاباً ـ على قطاع كبير في المجتمع والأمة ـ إذا كان كذلك ـ فإن من الطبيعي أن يكون الإسلام قد رسم لها القوانين، وبيّن لها الأحكام والضوابط الدقيقة، التي تلم تشعباتها، وتجمع بين متفرقاتها، وتحفظها من التعرض لأي خلل أو خطل، ولأي أثر من آثاره السلبية، التي يمكن أن تنشأ عنه.وتجعلها قادرة على تحقيق الأهداف المتوخاة منها، في خدمة الإنسان، والحفاظ على الإنسانية، وتوفير العزة والكرامة لهذا الكائن، كما أراد الله سبحانه.وتلك هي الآيات الكثيرة إلى جانب المئات بل الألوف من الروايات، التي تكفلت ببيان تلك الأحكام، وتفصيلاتها.. ولا نرى حاجة إلى التعرض لها ما دامت متوفرة في كتب الحديث المعدة لذلك، والمتداولة بالفعل..
التنفيذ والإجراء:
ولكن من الواضح: أن مجرد جعل القانون، وتشريع الحكم، لا يكفي لتنفيذه، بل لابد من توفير الأجواء والمناخات، واتخاذ الإجراءات المساعدة على تنفيذه، وإجرائه عملياً.. فما هي الخطوات، التي اتخذها الإسلام في هذا المجال يا ترى.إن هذا البحث يحاول الإجابة على هذا السؤال بالذات. ونستطيع أن نقسم هذه الضمانات والإجراءات إلى قسمي.الأول: الضمانات الذاتية. الثاني: الضمانات السلطوي.
الضمانات الذاتية وروافدها:
فأما بالنسبة إلى الضمانات الذاتية وروافده.فإننا نلاحظ: أن الإسلام قد اهتم بإيجاد الضمانات الذاتية بدرجة كبيرة، بل لقد اعتبر ذلك هو المحور والأساس لكل حركة التشريع في حياة الإنسان، ولم يلجأ إلى الضمانات السلطوية، إلا في صورة الضرورة وفي الحالات التي لا يبقى فيها للضمانات الذاتية تأثير يذكر.وبإلماحة سريعة إلى مقصودنا من الضمانات الذاتية، نقو.إننا نقصد بها: القوة الرادعة أو الدافعة التي تنبع من داخل نفس الإنسان، ومن وجدانه..إن هذه الضمانة تقوم على محورين أحدهما ينتهي إلى الآخ.الأول: ينطلق من مقولة: إن كل ما في الوجود، ليس فقط لا يخرج عن إرادة الله سبحانه، وعن قدرته، وإنما هو ملك له سبحانه، والإنسان ما هو إلا خليفة لله تعالى في ملك الله، فلابد وأن يقوم بمسؤولياته بأمانة ووعي وليس له حق في التعدي عن المقررات، والحدود التي رسمها له المستخلف له، والمالك الحقيقي للمال الذي يتصرف فيه.