فزُلْ يا بُعْدُ عن أيدي ركابٍ لها وقعُ الأسنةِ في حشاكا
لها وقعُ الأسنةِ في حشاكا لها وقعُ الأسنةِ في حشاكا
فقال: هذه استعارة حسنة لأنه خاطب البعد وجعل لـه حشا, ثم نظر في قوله:
وأياً شئتِ يا طُرقي فكوني أدْاةً أو نجاةً أو هلاكا
أدْاةً أو نجاةً أو هلاكا أدْاةً أو نجاةً أو هلاكا
فقال: "جعل قافية البيت الهلاك فهلك".هذه الإشارة موضع اهتمام, فجملة ما يحصّله النّظر فيها أنّها قرارة القصيدة وأعمق نقطة فيها, لأنّها متولدة أساساً من شعور غامض بالنهاية, لهذا لفتت انتباه الثعالبي, وغيره ممن تجرد عن كلّ حكم سابق على المتنبي وعبقريته, إضافة لذلك فإنّ القصيدة في مجملها لم تكن معرضاً لتتبع سرقات المتنبي, وما لاحظه الشارحون إزاء تشابه بعض معاني القصيدة مع غيرها من معاني الشعراء ملاحظات ليست بذات معنى لسبب وجيه أنّ المتنبي فيها لم يكن قد بالغ في الكلام على نفسه وتفرده وعنفوانه وموهبته, وإنّما كانت حديثاً خالصاً يجسد لحظة الضعف الإنساني في وقت عجزت فيه الحيلة عن تحقيق المراد, وقصرت الآلة عن الوصول إلى الأهداف. ومن العجيب أن يتمثل المتنبي هذه اللحظات الموجعة في حضرة أمير غير عربي, وهو من جعل من شعره نشيداً للعرب وعن العرب, والذي دعاه إلى ذلك تلك اللحظات التي شعر وكأن الزمان قد جرده من كلّ شيء, ولم يعد لكل ما كان معنى الآن, وقد طوى تاريخه سلسلة من الأحداث, وقطع زمانه كلّ ما كان يحلم به, ولم تبق لـه بعد الرحلة الطويلة في الحياة إلا أن يقول: لن تصمد في وجه الزمن إلا اللحظات الشعرية التي يمكن أن تخرج وحدها من حساب النصر والهزيمة, والربح والخسارة, والصمود والاندحار, والموت والحياة, فلا نصر إلا لمن يستطيع أن يخرج عن حدود الأزمنة, وفي هذه الناحية أبصر موقعه في الوجود ليكون ذلك الموقع طريقه إلى الذاكرة. والسؤال الأخير الذي يمكن أن يستحوذ بكامل الاهتمام: أين الرؤية في النص, وكيف يمكن تصنيفها لمصلحة المتنبي? هنا؟