محور التجاوزی فی شعر المتنبی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

محور التجاوزی فی شعر المتنبی - نسخه متنی

أحمد علی محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

لقد جرت العادة في الكلام على الرؤية الشعرية النظر إليها من منظار التجربة الفنية عامة, وعندما نقول تجربة فنية أو شعرية ينصرف الوهم إلى التجارب المعاصرة, لأنّ المتكلمين على التجربة أمثال محمد غنيمي هلال في كتابه المهم (النقد الحديث) قد حصروا مؤدى كلامهم في الشعر الحديث الذي ينقل تجارب نعيها ونهتم بها ونحدد منطلقاتها, وغاياتها ومن ثم نتعلم منها, ونستقي ما يعمق وعينا بمشكلات عصر نعيش تفصيلاته بكلّ دقة. وأرى أن توسيع كلام المتحدثين عن التجارب الشعرية ليشتمل على نتاج عبقري كالمتنبي ليس خطأ جسيماً, لأنّه في واقع الأمر من القلائل الذي خاضوا تجارب فنية لم تنته بعد.

إنّ التجربة الشعرية تنزع إلى تجسيد رؤية في نهاية المطاف, وليس كلّ مبدع بمقدوره أن يصوغ تجاربه لترتقي إلى حدّ التصديق؛ لأنّ التجربة لها أركان تتمثل بعنصرين أساسيين: الثقافة أو العقل, والعاطفة أو الانفعال, فإذا كانت الثقافة تسعف بتمثل التجارب بمعزل عن كون المنشىء قد عاش تفصيلاتها حقاً, إذ الصدق الفني الناجم عنها لا يستلزم أكثر من تصوير الأوضاع تصويراً يشي كما لو أنّها حدثت, وهذا هو العنصر المقصود بالثقافة التي تغني الأديب عن خوض التجارب بصورة حقيقة, فإنّ العاطفة أو الانفعال يستلزمان الصدق الشعوري بكلّ ما تعنيه كلمة صدق, وعليه تقف كلّ تجربة على أحد ركنين: ركن ثقافي عقلي, وهذا يستلزم صدقاً فنياً يُعنى بتمثيل التجربة كما لو أنها وقعت, والركن العاطفي الانفعالي الذي يستلزم نقل التجربة كما عاشها المبدع في الحقيقة, ولا يمنع أن يلتقي الركنان في تجربة واحدة, على أن تكون الأهمية في الجانبين تدور حول انبثاق رؤية عميقة تحيل على حمل الموعظة وإثراء الإحساس, وتفسير الظواهر, وقراءة المستقبل بصور تشي بالدّقة والوضوح.

لم يتسنَ لكثير من الشعراء إدخال نتاجاتهم ضمن إطار ما يسمى بالتجربة الفنية, حتّى لو كانوا من المعاصرين, وعيار ذلك إنّما هو المتلقي الذي يحتاج دائماً مزيداً من الإقناع بأنّ ما يقوله الأديب يعنيه تماماً, وما يصوره يلامس حياته بدقة, وما يرمي إليه يقصده دون أقنعة أو رموز. وعليه كم من النتاجات الفنية الزائفة التي تزعم أنها للمتلقي وليست له, وكم من الآثار التي خطبت ودّه ثم عجزت عن إقناعه فألقيت في زوايا النسيان لتكون زاداً فجاً يغص في ابتلاعه الإهمال. إنّ تراث أبي الطيب لا يزال يعني المتلقي, وتجربته لا تزال قائمة, ولعلّ أكثر من تكلم على ذلك دعاة الحداثة في العصر الحديث بصور غير مباشرة, أو حتّى أولئك الذين ناهضوا الحداثة التي تزيت بزي ثقافي غير عربي, فكان أن التقى الجمعان حول إثارة السؤال حول سرّ شعر المتنبي, ومن ثم اعتبار فنه نموذجاً قابلاً للاحتذاء بغية الخروج من رحله التيه التي دخل فيها الشعر المعاصر, فكان النموذج الأمثل عند الفريقين أن المتنبي وشعره حال فريدة للإبداع لأنّها تجسّد تجارب فنية قديمة وحديثة, حداثية وأصيلة, مستحسنة ومرذولة, أو أنّ الزّمن قد التقى في شعر المتنبي في كلّ تفصيلاته, وتجلت فيه تجربة الإنسان بقوتها وضعفها, وخصوصيتها وعموميتها, وفرادتها وتشابهها, من أجل ذلك كتب لشعره الصمود على هذا النحو المذهل. إنَّ مدار التجربة ومنطلق الرؤية في القصيدة الآنفة يتمثلان في البيت الذي وقف عنده الثعالبي, إذ أشار إلى أنّ المتنبي قد جعل قافية البيت الثامن والثلاثين الهلاك فهلك, وقد عدّ البيت لذلك من عجائب أبي الطيب؛ لأنّه اعتقد أنّ المتنبي في أثناء نظم القصيدة كان على أحس حال فقال: "ارتحل عن شيراز بحسن حال ووفور مال, فلما فارق أعمال فارس حسب أنّ السلامة تستمر به كاستمرارها في مملكة عضد الدولة, ولم يقبل ما أشير إليه من الاحتياط باستصحاب الخفراء والمبذرقين, فجرى ما هو مشهور من خروج سرية من الأعراب عليه ومحاربتهم إياه, وتكشف الواقعة عن قتله وابنه مُحسّد ونفر من غلمانه وذلك في سنة أربع وخمسين وثلثمائة".

وما فهمه الثعالبي من دلالة البيت شيء, وتحليله ما وقع بعد نظم القصيدة شيء آخر تماماً, لأنّ المتنبي عندما اختار الهلاك قافية للبيت كان ذلك من صميم الرؤية التي استشف من خلالها النهاية, نهايته هو, وما وقع بعد نظم القصيدة شيء آخر هو في الواقع أمر خارج القصيدة, إذ المتنبي توقع الهلاك فيها, وقد صدق ذلك فيما بعد, والمسافة بين قول القصيدة وما حدث هو الرؤية, وكان من الممكن ألا تصدق لأنّه في البيت الآنف توقع ثلاثة أشياء: الأذى أو النجاة أو الهلاك, وهو لم يرجح واحداً مما ذكر, ولم ينحز عاطفياً إلى أمر منها دون آخر،

/ 82