المقدمة - سرد الامثال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سرد الامثال - نسخه متنی

لؤی حمزة عباس

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المقدمة

ذكروا أن ملكاً من ملوك حِمْيَر خَرجَ مُتصيّداً ومعه نديم لـه كان يُقربّه ويكرمه، فأشرف على صخرة مَلْساء ووقَف عليها، فقال لـه النديم: لو أن إنساناً ذُبِحَ على هذه الصخرة إلى أين كان يبلغُ دمه؟ فقال الملك: اذبحوه عليها ليرى دمه أين يبلغ، فذُبح عليها، فقال الملك: رُبَّ كلمة تقول لصحابها دَعْني.

بمثل هذه الحكاية تنفتح (صيغة المثل) وتمتد بوصفها عين القلادة، وبين القصيد، ونُكتة المسألة، متجاوزةٌ الحضور المباشر للمثل وما يضرب فيه، جاعلةً لـه أعماقاً وظلالاً، ومحرزةً بما تجسده من مواقف وما تلتقطه من أحداث موقعاً في الشعور يرتفع بصيغة المثل، مؤداه اللفظي، من التجريد إلى التمثيل والتشخيص اللذين يرفدان الصيغ بتجارب من أولى مهماتها المعروفة تعيين مناسبة (المثل) والوقوف على قائله. وإذا كان المثل قد سُميّ باسمه تبعاً لسماته الجوهرية وهي سمات المقارنة التصويرية التي تجعل منه، بناءً على أحد معانيه الاشتقاقية، عرضاً في صورةً حسيّة، فإن قصة المثل، واقعته، وتجربة صيغته هي ما يؤمِّن العرضَ ويفتح أفقه باتجاه الخيال الذي تفيض بصورهِ كُتبُ الأمثال مخترقةً، في حركةٍ فنيةٍ فاعلة، حدود الزمان والمكان، مانحةً العربيّة جانباً مؤثراً من جوانب ثرائها، ومعبرةً في جزء حي من أدبها عن أحاسيس أناسها.

وعلى الرغم مما حظيت به (الأمثال) من دراسات مختلفة المناهج والاتجاهات، فقد بقيت قصصها خارج الدرس والمعاينة، لم تجد مَنْ يُعنى بها بعيداً عن معيار الصدق والكذب الذي هيمن على اهتمامات الدارسين ونحا بالدراسات مناحي تاريخية أو مقارنة موضوعاتية في أفضل الأحوال، وهذا وجهٌ من وجوه المشكلة، أما وجهها الآخر فيتمثل بتركيز دراسات السرد العربية الحديثة على أنواع نثرية معيّنة ظلت ولأكثر من عقدين من الزمان مركز الفحص والمعالجة، مسهمةً بدرجة أو بأخرى بربط مشكلات دراسة السرد العربي بما تتعامل معه من نصوص، وليظل سؤال النوع الأدبي موقوفاً على الليالي، والمقامات، والسير، وهي، بلا شك، من أجلى مظاهر الأدب العربي القديم وأقربها لميادين الدرس النقدي الحديث لما تنطوي عليه من خصائص واضحة وما تتميّز به من سمات جعلت من بعضها أنموذجاً مؤثراً من نماذج الأدب الإنساني الذي ما يزال يتجدد مع كل قراءة ويُكتشف، بيد أن ذلك لم يمنع الباحث من مواجهة الحقيقة الصعبة التي تشير إلى بقاء جوانب مهمّة من أدبنا العربي وأنواعه بعيداً عن نور البحث، سيما أنواعه النثرية المبكّرة التي يبدو الطريق لدراستها، دراسة فنية، محفوفاً بالمخاطر والصعاب، وربما كانت من أولى الصعوبات التي حاقت بالدراسات السابقة آخذةً نصيباً وافراً من اهتمامها ومن جهود باحثيها، ملاحظة علاقة هذه النصوص بعصور إنتاجها، من منظور تاريخي، وفيما إذا كانت نتاجاً لإنسان أزمانها، أو أنها سعت بجهود علماء اللغة والأدب اللاحقين، لأهدافٍ مختلفةٍ وغايات، للتعبير عن تلك العصور بعدما غامت صورها الأصلية وأمحت أغلب ملامحها وهي تنتقل، أو ما تبقى منها من الجاهلية إلى الإسلام، وهو أمرٌ يجنبنا الخوضَ في التوجَهُ المباشر للنصوص، ومحاولة رصد فاعليتها التي منحتها موقعاً في تراتبيّة الأنواع الأدبيّة، وذلك ما لن تُدرك أهميته في دراسة الأمثال أو سواها من الأنواع، رئيسيّةً أو ثانويّةً، بغير النظر الفاحص لخارطة السرد العربي القديم، التي تزداد عناصرها، كلما اقتربنا منها، ثراءً.

توجّهت الدراسة في طموحها لملاحظة التشكيل السردي لكتب الأمثال، لتحديد العناصر المكونة لنصوصها، بعد أن قسمت مواد كتب الأمثال بحسب ما تكشفه أشكالها على امتداد مراحل التأليف فيها إلى تكوين ثلاثي الأركان: نص، صيغة، قصة، وقد عالجت تفاصيل ذلك في (التمهيد) وهي تبيّن رؤيتها لحقل عملها وتضيء منهجها، ثم انتقلت إلى موقع أدق في معاينة العناصر المكونة لقصص الأمثال في ارتباطها بـ(صيغ الأمثال) وفي تجليها داخل (النصوص)، في سبيل الوقوف على جانب من جوانب الشخصيّة الأدبيّة لهذه النصوص، والنظر، على نحو خاص، لمقوماتها الحكائية عبر إدراك عملية الاختيار والترتيب التي تخضع لها عناصرها الرئيسية: الإطار، والأحداث، والشخصية، والفضاء، وقد اختص بكل منها فصلٌ من فصول الدراسة الأربعة، هذه العناصر التي اقتُرحت من خلال تأمل مكوّنات النصوص، بما تكشفه من ميّزات وما تقيمه بينها من علاقات، للوقوف على فاعليّة أشكالها فإنما الشيء كشكله، بجملة أكثم بن صيفي، أو إن الشكل، شكل التعبير، بجملة دراسات النقد الحديثة، هو الذي يحدد فاعلية النوع الأدبي حسب قوانينه الخاصة ويحرّكه في سياق ثقافي ـ اجتماعي، إذ إن (الأمثال) بوصفها صور معرفةٍ تحمل، بين أهم ما تحمل، بجملة البحث، أطياف التجربة الإنسانية وهي تنعكس أبنيةً وانساقاً على مرآة العقل.

إن الدراسة تطمح ـ وهي تنظر من جديد لحكاية ملك حِمْيَر وقد جف دمُ نديمهِ على الصخرة الملساء، وغاب هو في تضاعيف الزمان، لتظل كلمته حيّةً لا تنوشها يد الحدثان ـ أن تُضيء، على قدر جهدها، وجهاً مهماً من وجوه (الأمثال) القديمة التي بقيت لأكثر من عشرة قرون مدارَ اهتمام علماء العربيّة، وباباً من أبواب إبداعها لم يستغنِ عنه سفرٌ من أسفار أدبها.

البصرة

1 تشرين أول 2001م

14 رجب 1422هـ

/ 89