تغيّرات النصوص حركة السياق الثقافي وأثرها في بناء الأحداث - سرد الامثال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سرد الامثال - نسخه متنی

لؤی حمزة عباس

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تغيّرات النصوص حركة السياق الثقافي وأثرها في بناء الأحداث

مثلما أثرت موجّهات الثقافة ومتغيراتها في الحياة العربية بمختلف أنشطتها الأدبية والفكرية، أثرت في نص المثل، وهو جانب مهم من جوانب الحياة، وغيّرت من نُظم التأليف فيه مع دخول كتبه مرحلة شهدت تغيراً في سياق التلقي واستجابة لنوع من الموجّهات اقتضته طبيعة المرحلة وخصوصية عملها، لا بما خضعت لـه نصوص الأمثال من نظر في سياق (التلقي التاريخي) بوصفها مرويات جاهلية عوملت معاملة مرويات سردية ونثرية أخرى كالقصص والخطابة ونثر الكهان، بل بما سحب هذا الضرب من التأليف إلى جهة الدرس اللغوي وإخضاعه لعناية تفسيرية وضعت نصب اهتمامها مقتضيات عصرها وحاجاته اللغوية أكثر من اهتمامها بالنصوص نفسها. الأمر الذي يمكن أن يُجيب عن سؤال التغير النوعي في مفهوم (المثل) نفسه بين كتاب (المفضّل الضّبّي) والكتب اللاحقة، باعتماد الأول نمطاً محدداً من صيغ المثل المعروفة، وتوخي إضاءة ما علُق بها من أخبار، إنما قامت في سبيل إحياء التجربة بالدرجة الأساس والتقاط تفاصيلها، وبتوجه الكتب اللاحقة لتطويع نصوص الأمثال لغايةٍ هي الاستقصاء والاستزادة اللغويين بما يجيب ضمناً عن تحول بعض كتب الأمثال إلى مختارات شعرية أو نوع من المعاجم اللغوية. إن تغير السياقات وتباعد أهدافها يؤثر، بالضرورة، في النصوص وهي تستجيب في كل مرة لإيقاع مختلف يشمل بآثاره نُظم التأليف وأساليبه مثلما يشمل عناصره ووحداته، والحدث واحد من العناصر التي خضعت لتغيرات كمية ونوعية، انسحبت معها عن أداء دورها الأساس كما تمثَّل في كتاب (المفضّل الضّبّي) لتشغل موقعاً ثانوياً لا يتعدى عُشر نصوص أمثال الكتاب أو أدنى من ذلك تاركاً مكانه لحضور تفسيري يصبغ الكتب بصبغته ويخلخل مركزها القصصي، إذ إن الحدث، فضلاً عن محدودية وجوده، لا يتشكل إلا من خلال تعليق مؤلف الكتاب نفسه وهو يهشّم الوحدات ويجزئها بما يحد من فاعلية حضورها السابق، فالحدث لم يعد يُطلب، في كتاب أبي فيد وأبي عكرمة على نحو خاص، لذاته أو لإضاءة تجربة المثل على أبعد تقدير بل بما يمكن أن يعزز من حضور الملفوظ الذي أصبح تبعاً لاختلاف الموجّهات مركزاً من مراكز هذا النوع من الكتب بما يحقق لصاحب الكتاب بوصفه عالم لغة بالدرجة الأساس، موقعاً يتحكم من خلاله ((تحكماً كلياً في شكل القص ولغته، أو بمعنى آخر، يتحكم في طريقة السرد وفي أبعاده اللغوية والدلالية والإشارية)) فيقدِّم جانباً من جوانب النص ويؤخر آخر، مشكِّلاً أكثر من مظهر لنص المثل وموجّهاً النصوص جميعها نحو الهدف الأساس للتأليف وغايته الأولى بما يمكن معه تحديد أنواع ثلاثة لصياغة النصوص هي:

1.النصوص اللغوية.

2.نصوص الحديث النبوي الشريف.

3.نصوص الأحداث، أو تجارب المثل.

يشكّل القسم الأول جانباً مركزياً من جوانب كتاب أبي فيد وأبي عكرمة على نحو خاص، وهو يمكن أن يمتدّ ليشمل القسمين الأخيرين وإن توجه كل منهما وجهة مختلفة، يعتمد النص فيه على نحو كامل على ما يُقدَّم من تفسير للفظ مفرد أو جملة تقوم بوصفها مثلاً، أو ما يعادل المثل تُلتقط على أثر حركة جديدة قامت بها فئة معلمي اللغة ورواتها منذ أواخر القرن الثاني بوصفها شواهد لغوية، وتتطلب من العناية والاهتمام ما يتطلبه المثل، فألفاظ مثل (المبسل)، (الفنع)، (الرعلاء)، (التعتة)، (العرص)، (الوقبة)، وجمل مثل (ما به قلبه)، (لبيك وسعديك)، (نادم سادم)، تقوم في الكتابين مقام المثل وتعامل معاملته، وهي تعتمد من جانب آخر العناية اللغوية وجهاً من وجوه تقديم الأمثال وإنتاج نصوصها، فلا يُضاء من المثل في هذا الجانب إلا وجهه اللغوي بحثاً عن معنى أو تفسير واستشهاداً بما يناسب من الشعر لتقريب الصيغة وتأمين عملها مثل:

((بدت جنادعُهُ)) قال أبو فيد: سمعت أبا الدقيش يقول:




  • قد خرجت جنادعُهْ
    والشَّرُّ ليسَ وادعُهْ



  • والشَّرُّ ليسَ وادعُهْ
    والشَّرُّ ليسَ وادعُهْ



والجنادع: دواب أمثال الجداجد، تكون قريباً من الضَّب، فإذا خرجت تلك فهو عنده [كذا] دُنُوه) (وقولهم: ((لا تُبَلِّم عليه))، أي لا تقبِّحْ عليه.

وأصله: من أبلمت الناقة، إذا وَرِم حياؤها من شدة الضبعة، ومن قولهم: قد أبلمَ الرجل إذا ورمت شفتاه، ورأيت شفتي فلان مبلمتين. المعنى لا تشدد عليه).

لا تُعتمد في هذا القسم أخبارُ المثل أو منظومة أحداثها، ولا يُنظر في معظم الأحيان لقائله أو مناسبة قوله، بل يُكتفى بالمعنى والتفسير الذي يوجّه عنايته جهة تداول صيغة المثل (اللفظ والجملة) من دون أن يمنح جهة الإنتاج عناية تُذكر.

ويتداخل القسم الثاني (نصوص الحديث النبوي الشريف) مع القسم الأول من حيث عنايته اللغوية والتفسيرية، غير أنه يختص بأحاديث الرسول مضيفاً لكتب الأمثال ركناً جديداً يستجيب على نحو واضح لجدة الموجِّهات وتغيّر السياقات الثقافية التي عملت على تأسيس نمط من العلاقة بين النص القرآني والحديث النبوي وبين آثار علماء الأمة، فإذا كان كتاب المفضّل الضّبّي قد اعتمد بشكل كامل على موروث نص المثل، مقترحاً موقعاً معيناً لراويه بين سلسلة رواة معلومين ومجهولين، فإن الكتب اللاحقة في مرحلة دراستنا اقترحت نوعين من المزاوجة بين نص المثل، أو صيغته كما عُرِفت في كتاب المفضل، وما كان بين أيدي مؤلفيها من نصوص- يدخل من ضمنها الحديث النبوي الشريف- مضيئاً موقعاً جديداً لراوي المثل ومنظِماً مع تغير مفهوم (المثل) صورة أولية لمستجد الأمثال، عمِلت الكتب المتأخرة على تحديد مجالٍ خاص لها، وهي خصيصة أخرى يُضيفها البحث للتمييز بين كتاب المفضل وما لحقه من كتب باعتماده الكامل على نصوص ماضية، وانفتاح الكتب اللاحقة على نصوص معاصرة لها، بغض النظر عن نوعية هذه النصوص ومستوى حضور (المثل) فيها.

إنها خصيصة يمكن أن تكشف عن أهميتها المرجعية التاريخية والابستمولوجية إذا ما نُظر لها في إطار عصر التدوين (القرن الثاني والثالث الهجريين) وما اتبع فيه من عقائد ومعارف وتشريعات ورؤى لم تتحدد بنوع معين من التأليف ولم تختص بمجال دون غيره، وهي تضيف لبحثنا ملاحظة ذات شطرين يصب الأول في حركية نص المثل- ومفهومه من قبل- وهو يخضع ضمن آلية تأليف كتب الأمثال لتغير حدوده واختلاف سياقاته، ويُشير الثاني إلى دور هذه الكتب وموقعها في الثقافة العربية التي تدعوها للاستجابة لتغير موجِّهات هذه الثقافة بما يقلل من أهمية فكرة الهامش التي طُرد إليها هذا النمط من التأليف طويلاً وينقله إلى موقع مركزي، لا على أساس نوع الكتب بل بحسب استجابتها لتغيّرات السياق الثقافي.

ويمكن ملاحظة كتاب أبي عبيد بن سلام في هذا الباب بوصفه إنموذجاً لمنهجية لم تكن تتوفر في الكتب السابقة، عومل معها الحديث النبوي معاملة خاصة فهو يضم أكثر من خمسة وتسعين حديثاً تقع معظمها في فاتحة أبواب الكتاب، في الوقت الذي اختلطت فيه الأحاديث النبوية في كتب أبي فيد وأبي عكرمة مع سواها من أمثال العرب وأقوالهم وغريب ألفاظهم، واقتصر وجودها على عدد محدود (حديثان في كتاب أبي فيد، وتسعة عشر حديثاً في كتاب أبي عكرمة).

ومن المهم الإشارة إلى طريقَتي استضافة الحديث النبوي الشريف في كتب الأمثال، ففي الأولى يُقدَّم في مفتتح النص كما تقدَّم صيغ الأمثال، معتمداً لأهميته ولخصوصيته اللفظية التي تتوجَّه الكتب في معظم الأحيان لبيان معانيها كما في الأمثلة الآتية:

(وأخبرني أبو فيد، قال: بلغني أن النبي قال:

(((نعم الحيُّ بنو مُدْلِج، إذا أهلّوا عجوا، وإذا نحروا ثجّوا)))

(قال أبو عبيد: جاءنا الخبر عن النبي أنه قال:

إنما المرء بخليله، فلينظر امرؤٌ مَنْ يُخالُّ. ومع هذا إنه المثل السائر في:




عن المرء لا تسألُ وسَلْ عن قرينهِ
فكلُّ قرينٍ بالمقارن مُقتَدِ وهذا


البيت لعديِّ بن زيد العبادي).

(وقولهم: "اطلبوا الخير من حِسان الوجوه")

يُروى ذلك عن رسول الله الوجوه ها هنا: المطالب، أي اطلبوا الخير من أحسن المطالب، التي تحِلُّ بكم وتحسُن بكم).

وفي الطريقة الثانية يُعتمد الحديث لبيان معنى معيّن أو تفسير لفظ أو تحديد دلالة فهو يقع في نص المثل موقع الاستشهاد بالشعر وبعض ما نُقل من سير الخلفاء وأقوال العلماء، فالحديث النبوي بذلك يُسهم بتشكيل النصوص في وحدة تتساوى في هدفها مع وحدات أُخر شعرية أو نثرية فضلاً عن خصوصية موقعها في الثقافة العربية. كما في الاستشهاد في الحديثين الآتيين في كتاب أبي عبيد:

(الحرب خدعة)، و(ما صدقة أفضل من صدقة قول).

والاستشهاد بالأحاديث الآتية في كتاب أبي عكرمة:

(إذا رأيت سواداً في الليل فلا تكن أجبن السوادين، فإنه يخافك كما تخافه)

و(إذا سلك أحدُكم طريقاً، فلا يرجع على حافرته)

و(ارجعن مأزورات غير مأجورات)

ويُقدِّم القسم الثالث (نصوص الأحداث، أو تجارب المثل) جانباً من جوانب التغيير الذي لحق نص المثل ومناسبةً للحديث عن انفصال آخر في العناية والاهتمام بين كتاب (المفضّل الضّبّي) والكتب اللاحقة، لا يتحدد بقلة عدد النصوص المعتمِدة على أحداث أو تجارب، وهي ميّزة لا يمكن إنكار أهميتها، بل ينسحب على نوعية الحدث وآلية تشكيله السردي التي خضعت لتقطع واضح يفسح المجال داخل نص المثل لاستشهاد أو تفسير، وقد يُعتَمد الحدث نفسه للاستشهاد على لفظ مُعيّن، وليس للإحاطة بالتجربة أو بيان مناسبة الصيغة والتعريف بقائلها، فالخبر في قسم مهم من أقسام الكتب لم يعد يستجيب لمثل هذه المحددات لحداثته النسبية ولانحرافه عن خصوصية الأثر الأدبي، وتراجع موقعه في النص، كما تقدَّم في الفصل الأول، فضلاً عن السبب الأساس أي تحول هدف التأليف تبعاً لتغيّر سياقات الثقافة وموجهاتها.

تواجهنا في كتاب أبي فيد وأبي عكرمة مجموعة من النصوص المنطوية على حدث (تسعة نصوص في كتاب أبي فيد، وثلاثة في كتاب أبي عكرمة) تتباين في توجهاتها وأساليب صياغتها مثلما تباينت في أعدادها، ولعل من الجدير بالإشارة هو ما يحدث من تداخل وانتقال بين الأخبار والأحاديث والمعاني داخل النص الواحد، وهو جانب يعيد أمامنا فكرة الإملاء وأثرها في تأليف كتب الأمثال، ففي الوقت الذي تنتظم فيه النسائج السردية لكتاب المفضّل حتى تنحرف في أخبارها الطوال بخاصة جهة أيام العرب، تنحرف الكثير من نصوص كتب أبي فيد وأبي عبيد وأبي عكرمة ومعها الكثير من نصوص الأصمعي وأبي زيد نحو كتب الأمالي بآلية تأليفها التي تعتمد انفتاح النصوص وتنقلها بين الموضوعات، ولاختلاف ما تنقله عن السلف فقهاء وعلماء لغة ورواة شعر، فضلاً عن عدم مراعاتها حدود إنتاج المثل الصياغية أو المفهومية.

نلاحظ أولاً الأخبار المنقولة وآلية النقل التي تعتمد التصريح بالمصدر فيما يخصُّ الأخبار العامة والتعريفات، وإقامة سلسلة سند بالأحاديث النبوية الشريفة، وتجارب الخلفاء والصحابة، كما في نص أبي فيد (قد بلغ السيلُ الزبى)، ونص أبي عكرمة (لا يفارق سوادي سوادك)، إذ يروي أبو فيد خبراً من أخبار قضاء الإمام علي بن أبي طالب بعد أن يورد الصيغة ويفسِّر معنى كلمة (الزُبْيَة) التي ذُكرت الصيغة من أجل بيانها وجلاء معناها، ثم يستشهد عليها بمقطعين شعريين، ثم يذكر بعد سلسلة سند حديث القضاء الذي يتوجّه بالأساس لكشف معنى (الزُبْية)، الأمر الذي نجد مثيله في كتاب أبي عكرمة إذ تُعتمد الصيغة ما يستشهد به من شعر أو نثر لبيان معنى (السَّواد: الشخص) فبعد أن يورد النص معنى الكلمة مباشرة يورد شعراً لزهير بن أبي سلمى، ثم شعراً لحسان بن ثابت، ثم شعراً لراجز، ثم يتوجّه لحديث الصحابي سلمان الفارسي (وحولي هذه الأساود) المتضمن حديث الرسول : (لتكن بلغةُ أحدكم مثلَ زاد الراكب) ثم يُلحق بحديث آخر (إذا رأيت سواداً... الخ) يوسع من معنى الكلمة ويستشهد على وجه آخر من وجوهه، ثم يُختتم النص ببيت للأعشى، ليفارق هذا الأسلوب في صياغة نص المثل بتعدد طبقاته واختلاف أهدافه أسلوب صياغة نص المثل كما لاحظناه في كتاب (المفضّل الضّبّي).

لكننا ما نعدم أن نجد نصوصاً تتضمن تجارب خاصة إنما تروى لأجل إضاءة عمل الصيغة وتحديد مجالها كما في نصوص أمثال أبي فيد الآتية:

المثل رقم (11): أنا إذاً كراعي المعزى.

المثل رقم (14): عطر منشم.

المثل رقم (19): اليوم ظلَمْ

وفي كتاب أمثال أبي عكرمة:

المثل رقم (96): هو على يدي عدل

تُلاحظ على هذا القسم من النصوص سمتا الاختزال والعناية بالخبر الذي يتضمن حدثاً معيناً لا ينقطع تتابع وحداته بالتفسير وطلب المعنى بل يؤجل ما يعتمد فيه من الشعر أو التفسير حتى تمام الخبر كما في إلحاق بيتي الأعشى وزهير في ختام نص المثل رقم (14)، وتأخير التفسير حتى اكتمال الخبر كما في المثل رقم (19)، وهو يستجيب، في انتظامه وتتابعه وعدم انقطاعه، لمعيار القسم الأول من أقسام نصوص المفضّل الضّبّي (القصة أحادية الحدث) معتمداً في الغالب متتالية تامة أو مجزؤة تضيء تجربة (الصيغة) وترتفع بها.

مثلما قدَّم القسم الأخير من أمثال المفضّل الضّبّي إنموذجاً فنياً خضعت فيه آلية احتضان الخبر وطريقة الربط بين مجموعة أخبار ضمن النص لتشكيل خاص يقيم مستوى من التنضيد يقترب فيه بمعاونة موضوع ذي سمة بطولية من أيام العرب ووقائع أبطالها، يُقدِّم هذا القسم أنموذجاً آخر يتوجّه كتاب أبي فيد بتوسعه والربط من خلاله، ربطاً موضوعياً، بين أكثر من مثل لما يمكن أن نُطلق عليه سلسلة أمثال الحيوان التي ستكوّن مع مضي عقود التأليف جانباً ثرياً من جوانب المثل العربي الذي تتجاوز فيه الموضوعة- أي قصص الحيوان- حضورها كـ(موتيفة بلاغية ينتهي دورها بانتهاء الموقف الذي مَثُلَتْ فيه) إلى الإسهام بإنتاج نمط من النسائج السردية القائمة على انفتاح التجربة الإنسانية ومراقبتها لما حولها، حيث تكون نصوص هذه الأمثال صدىً مهماً لمرحلة مبكرة من مراحل الملاحظة البشرية. وإذا كان القسم الأخير من أمثال المفضّل قد توجَّه فنياً وموضوعياً جهة الأيام، فإن هذا القسم يُقيم مع (الفابولات: قصص الحيوان) في الأدب العربي بوصفها نوعاً اتصالاً بيّناً يتعدى الإطار الوعظي لمثل هذا النوع من القصص إلى مستوى التمثيل والمشاركة الذي تتقاسم فيه الشخصية الإنسانية الأهمية مع الحيوان كما تقدم في دراسة المثل رقم (88) من أمثال المفضّل الضّبّي (كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟) أو مستوى من الاختصاص الذي يُحدد لحيوان معيّن صفةً تُصبح في الغالب مدارَ أخبار نصوص أمثاله مثلما تُصبح إطار وجوده في الفكر والأدب، والنص بهذا يحقق سمة أخرى يُعامل بها الحيوان معاملة الشخصية الإنسانية، فكما كان لحمق دغة، أو حمق بيهس، على سبل المثال، موقع في المثل العربي بخاصة والأدب بعامة، كان لحمق الضبع أو النسناس ما يوحد أخبارهما مع بني البشر، وهو ما تقدمه نصوص الأمثال (12) (13) (60) من أمثال أبي فيد في توجهها وجهةً موضوعيةً يجمع النصان الأولان منها أخبار الضبع، ويُقدِّم الثالث خبراً في حمق النسناس. ويمكن ملاحظة آلية الأخبار وانتظامها قبل تحليل نصي المثلين (12) (13) كما في النقاط الآتية:

1.امتداد موضوع المثل (حمق الضبع) بين النصين إلى أكثر من خبر، تعتمد في أحداثها تأكيد الموضوع والتمثيل له.

2.وفرة الأخبار (ثمانية أخبار).

3.لا تنطوي الأخبار جميعها على صيغ أمثال.

4.انفصال الأخبار عن بعضها.

5.اعتماد التعليل والتفسير للوصل بين الأخبار.

تقدم النقاط عبر تأكيدها تلاحق أخبار المثلين صورةً من صور التنضيد التي يتسع النسق معها أفقياً من خلال تتالي أخباره من دون أن يضيف لموضوعه إشارة نوعية تحرف اتجاهاً أو تغيّر أثراً كما في نصوص الأيام والوقائع، بل إنها تسعى مع كل خبر جديد لتأكيد موضوعها الأساس والامتداد داخل حدودها، إلى الدرجة التي دعت أحد الباحثين إلى الإشارة إلى أن أول ظهور لقصص الحيوان في الأمثال العربية كان في كتاب أبي فيد السدوسي ((حيث تشكّل قصص الأمثال التي أوردها حول حمق الضبع وطباعه الأخرى مجموعة فريدة يكاد ينفرد بها دون غيره من رواة الأمثال وجامعيها)) وهي في وفرتها وتباينها تفتح أمامنا مجالاً للتفكير بثراء الرصيد الموضوعي للمثل الذي سيبدو بأكثر صوره كمالاً في مرحلة لاحقة من مراحل التأليف، إذ سيخلق الجهد الموسوعي في الجمع والتبويب مناسبةً للمؤاخاة بين النصوص والنظر المنهجي إلى الأمثال بنصوصها وصيغها وسلاسل أحداثها بوصفها وعاءً للتجربة الإنسانية وواحدة من أقدم صور معارفها.

تضيء النقطة الثالثة أمامنا ملاحظة أساسية وهي تجمع أخباراً لا تنطوي على صيغ أمثال، مفادها عناية نصوص الأمثال، ومؤلفيها من قبل، بتنويع الوحدات القصصية داخل النص الواحد مما يؤدي إلى انفصال الأخبار وعدم تلاحمها، فالخبر، هنا، وحدة صغرى مكتملة بنفسها تشدّها نسائج تعليمية إلى وحدات مجاورة لتكوّن جميعُها نص مثل في موضوع معيّن، إن ما يعنينا بالدرجة الأساس هو تغير المسافة السردية بين أخبار نصوص كتب الأمثال، ففي الوقت الذي تتحدد فيه هذه المسافة وتنتفي أو تكاد بين أخبار نصوص المفضّل الضّبّي، مقدمةً أكثر الأبنية استجابة لفاعلية أنساق بنائها، نراها تمتد وتتسع في كتب أبي فيد وأبي عبيد وأبي عكرمة، فاعتماد جمل التفسير والتعليل والاستشهاد يُشكّل لازمةً من لوازم بناء نصوصها كما يتضح في النصين الآتيين:

المثل رقم (12)

(خامري حضا جر) (صيغة المثل)

تعليل 1: وإنما قليل للضبع...

استشهاد 1: وقال الراجز..

تعليل 2: وإنما قيل للرجل الواهن (خامري حضا جر) و..

تعليل 3: خبر (1)

ومما قالت العرب:

خبر (2)

وزعموا إنها:

خبر (3)

وذكروا أنها:

خبر (4) وهي التي أبصرت الظبية

خبر (5)

1 ووجدت الضبع تمرةً

خبر (6): سميعاً دعوت (صيغة 2)

في بيته يؤتى الحكم (صيغة 3)

حرٌ انتصر (صيغة 4)

حدِّث حديثين امرأة (صيغة 5)

ويُقال فيها:

إن الضبع تأكل العظام، ولا تدري ما قدر استها (صيغة 6)

تعليل 4: وهي مع حمقها

استشهاد 2: ألا ترى الحطيئة..

استشهاد 3: دعا رجل على شاء رجل..

المثل رقم (13)

(عيثي جعار) (صيغة 1)

تعليل 1: يقال ذلك للرجل المفسد

استشهاد 1: قال القحيف العقيلي..

خبر (1):

وسال سيل بالضبع فطرحها في البحر، ختام السلسلة

ففتحت عينيها وقالت: وذا ماء!

يُلاحظ الدارس على نصي المثلين، خلافاً لما تقدم في انتظام الأخبار في نصوص أمثال المفضّل الضّبي، توجهاً لإحاطة أخبارهما بإطار من التعليل والاستشهاد يكون محتواه الأداء القصصي لسلسلة أخبار الضبع بما يؤكِّد موضوعه الأساس (حمق الضبع) عبر تنضيد خبري لا يقدَّم ضمن مجال نصي مفتوح بعد عتبة استهلال بل ينبثق انبثاقاً عن تعليل أو استشهاد، إذ إن الخبر في كتابي أبي فيد وأبي عكرمة على نحو خاص لا يحقق حضوره إلا عبر استجابته لغاية النص وهدفه بوصفه أثراً لغوياً يُضيء عدداً من صيغ الأمثال، التي لا تكون هدفاً بذاتها.

/ 89