تتوجّه نصوص أمثال المفضّل الضبّي لكشف تجارب صيغها وبيان وقائعها باعتماد (زمن داخلي) ينتظم على أساس ما يقترحه الحدث وما تتطلبه التجربة، فالزمان من هذا الجانب، مكوّن سردي يخضع، أسوة بمكونات السرد الأخرى، لغايات النصوص وأهدافها ويتأثر، بما يُحدد لـه من موقع في العملية السرديّة، بسبل أداء النصوص وأساليب عملها، وهي تتوجّه، في الوقت نفسه، لإضاءة (زمن خارجي) تشير من خلاله لموقع الحدث في سلسلة لا نهائية من الأحداث، وموقع التجربة في سلسلة لا نهائية من التجارب، إن النصوص تُؤثر بانتظام زمنيها فتح مجال عملها والتوسيع من دائرة خبرتها، مُستعيدةً تجارب بالغة القدم ومحاورِةً أحداثاً لا زمان معلوماً لوقوعها، وعلى الرغم من توجّهها لتحديد مواقع حكائية لتجاربها في منحنى الزمان التاريخي، فإن فاتحةً زمنيةً مثل (في الدهر الأول) أو (في الجاهلية) تقوم مقام (كان يا ما كان) في الحكاية الشعبية وتعمل عملها، وهي تفتح لمروياتها مجالات زمنية لا نهائية تسمح لها بالحركة الحرّة بين عالمي الحدث الواقعي والخيالي، بمعقولية الأول وإمكانية وقوع حوادثه، ولا معقولية الثاني واستحالة وقوع حوادثه، إنها تقترح بذلك مسوغها لتجسيد الفضاء المستحيل، إذ يتفق سرد نصوص الأمثال مع الحكاية الشعبية في جانبٍ مهم من جوانب الصياغة الزمنية لنصوصهما وهو انحرافها عن تحديد مجال زمني معلوم في الوقت الذي يتطلب السرد ذلك، فهي غالباً ما تمتد خارج التعيين التاريخي مستبدلةً معلومية الزمان بماضٍ مطلق وإن ارتبط في بعض الأحيان بمؤشر زمني:شخصيّة أو حدث أو عادة متبعة، فيبدو (الزمن الخارجي) بناءً على ذلك ممتداً خارج حدود زمنية النص نفسه من دون أن يحقق حضوراً تاريخياً واضحاً.يمكننا ملاحظة تنويعات زمنية تقوم مقام حلقة وسطى بين جملة الاستهلال (زعموا أن) وأحداث نص المثل، وتؤدي دوراً خاصاً في تحديد تاريخ للتجارب والأحداث تتوزع على النحو الآتي:
1-في الدهر الأول:
المثل رقم (33): زعموا أن قوماً كانوا في جزيرة من جزر البحر في الدهر الأول..المثل رقم (67): زعموا أن رجلاً مضى في الدهر الأول..
2-في الجاهلية:
المثل رقم (17) كان مرباع مالك بن حنظلة في الجاهلية في زمان صخر بن نهشل بن دارم لصخر..المثل رقم (32) زعموا أن رجلاً في الجاهلية..
3-فيما مضى:
المثل رقم (88) زعموا أن أخوين كانا فيما مضى..
4-طلوع الشمس وغروب القمر:
المثل رقم (40) كان الناس يتبايعون على طلوع الشمس وغروب القمر..
5-الوقائع والأيام:
المثل رقم (27) وكان من أمر داحس وما قيل فيه من الأشعار..المثل رقم (45) زعموا أن سليحاً من قضاعة وغسان احتربوا..إذا ما استثنينا النموذجين الأخيرين اللذين يقومان على قياس الزمن التأريخي للنصوص على زمان بعض العادات التي كانت قائمة في وقت ما، أو على بعض الوقائع والأيام التي تُعتمد في نصوص الأمثال بشكل خاص، وفي نصوص الأدب الجاهلي بشكل عام، بوصفها معالم زمنية يُحدد تاريخ حدث ما بحسب اقترابه منها أو ابتعاده عنها، فإن النماذج المتبقية تُثير عدداً من الأسئلة تتوجّه جميعها للاستفهام عن الخصوصية الزمنية لأحداث نصوصها، وتأريخية هذه الأحداث التي يمكن أن تُضاء بجمل مثل (في الدهر الأول) أو (في الجاهلية) أو (فيما مضى)، التي تتطلب أن يكون الدهر دهوراً مقسمةً في الأولى، والتي تحدد موقعاً جاهلياً للمثلين (17) و (32) وحدهما في الثانية، في حين تعمل الجملة الثالثة على النظر إلى ما مضى من دون أن تحدد تاريخاً واضحاً يعضّد أحداثها غير ما يَنمُّ عنه النص من ماضٍ أسطوري في إشارته لمرحلة خاطب الحيوانُ فيها الإنسانَ وتقاسم معه الأمن والثروات.وتُلاحظ معادلة الاستخدامات المذكورة في بنيتها اللغوية لـ (الظروف المبهمة) التي لا تُشير على الرغم من وظيفتها الزمنية، إلى وقت معلوم فهي تمتد للدلالة على (قدر من الزمان غير معيّن نحو: أمد، وأبد، وحين، ووقت، وزمان) مما يوسع من تجارب الأمثال ويفتح نصوصها على مدى زمني تتقاطع فيه مع قصص العربي الأولى التي تكشف بواكير خبرته.إن التنويعات الزمنية السابقة لا تشكل أفقاً تاريخياً يُضاء معه (الزمن الخارجي) لنصوص الأمثال بقدر توجهها لإنتاج حلقة تتوسط بين الزمنين المعالجين في المبحث السابق (زمن الرواية/ زمن المروي)، وتستمد من الزمان التاريخي أهميتها من دون أن تُعيّن مرحلةً معلومةً لوقوع أحداثها، إن النصوص تبذر بتنويعاتها تلك بذرةً زمنيةً تقوم على ما يقترحه زمان الواقعة من إشارات قد تبتعد حتى (الدهر الأول) أو تقترب مقترنةً بزمن عادة أو تقليد، على الرغم مما يكون بين (الدهر) و (الزمان) في العربية من مشاكلة واتفاق، لتوفر فضاءً قادراً على إنضاج البذار الزمنية للتجربة التي تتطلب كما يقدم مفتتح الحكاية الشعبية مدى زمنياً شاملاً تُستعاد فيه الحوادث والتجارب وتستنبط المواعظ والحكم، إن دور الحلقة الوسطى يقوم بالأساس على تهيئة المجال للزمن الداخلي، زمن النص الذي يتشكل كما تقدم بانتظام الحوادث والصيغ على المحور العمودي.