حددت الدراسةُ العناصرَ السرديّةَ المكوّنةَ لنصوص الأمثال في أربع عناصر هي، بحسب دورها أو بحسب فاعلية إسهامها في التشكيل السردي:أ. الإطار: (الاستهلال، والفصل والوصل، والخاتمة).ب. الأحداث.ج. الشخصيّة.د. الفضاء: (الزمان والمكان)يعتمد (الإطار) في كتب الأمثال، بما ينطوي عليه من وحدات، عدداً من الصيغ، يقترح الاستهلال قسماً منها بوصفها نظاماً خاصاً لا يكتفي بالانفتاح على (ما بعده) من وحدات، بل يتعدّى ذلك للإشعار (بما قبله)، فهو يُشير إلى سلسلة رواة لا تحقق حضوراً كاملاً في صيغة الاستهلال الراهنة، ولا تنسحب انسحاباً كلياً، إنما تؤمِّن لصوتها منفذاً مناسباً للامتزاج بصوت الراوي الأخير من دون أن يُسلِّم هذا الراوي بصدق ما تروي، وهو يُلاحَظ بأوضح أشكاله مع صيغة (زعموا أن) في كتاب (المفضّل الضّبّي) التي تكشف فضلاً عن سلسلة الرواة الغائبين، عن (موقع) الصياغة السرديّة لنص المثل بالنظر لما بين (التجربة) و(إعادة إنتاجها) من مسافة تمنح الراوي الأخير فرصة العناية والتوجيه الأدبيين.شكّل (الفصل والوصل) في كتب الأمثال، وفي كتاب (المفضّل الضّبّي) على نحو خاص انتظاماً سرديّاً تجلى بأوضح صوره بانتقال صيغة الاستهلال من مفتتح نص المثل إلى متنه، للحفاظ على موقع راوي المثل، وعلى الحكم المُتضَمن على ما يُروى، فلا ينتقض ما تتضمنه صيغة (زعموا أن) من حكم، وهي تعمل صيغةَ استهلال بصيغة فصلٍ تتضمن التصديق والتسليم، بل إن الانتظام يكشف في معظم صور (الفصل والوصل) عن عناية سردية تمنح نص المثل إمكانية التشكل تحت معيار واحد ينتظم النصوص ويوحّد حركة عناصرها مانحاً بذلك انشغاله الموضوعي فرصة جمع عدد من صيغ الأمثال في مجالٍ سرديٍ واحد.تُسهم (الخاتمة) في نصوص الأمثال بإنجاز وظائف تتباين بتباين الكتب واختلاف موجهات تأليفها، وهي تمنح صيغها من العناية ما يشير لخصوصيتها وأهمية دورها في النصوص، فضلاً عن قدرتها على الاستجابة لنظام سردي تُراعى فيه مناسبة المثل وتُعتمد قصته كما في كتاب (المفضّل الضّبّي).تنبثق الخاتمة في نصوص (أمثال العرب) انبثاقاً عضوياً بما يتحقق بينها وبين عناصر المثل ووحداته من صلات، تُعتَمد لتلخيص حدث أو إضاءة جانب من جوانب المثل، وتكون في الغالب نتاج شخصية مشاركة تُسهم بحدث القصة، أو شخصية غير مشاركة تبتعد عن الحدث بمقدار، لكنها تحافظ في قسميها على مستوى من الاتصال مع تجربة المثل لتتمكن من وعي ما يُنتج من هذه التجربة من قيم، أو مواعظ، أو أحكام تُشكل بدورها خاتمةً مناسبةً.على الرغم من تقليدية أنساق بناء الحدث، والثبات النسبي لحضور (الخبر) داخل نصوص الأمثال، تُلاحظ قدرةُ النصوص على الارتفاع بأساليب صياغة أحداثها مما يؤكد جدارتها بالدرس والمعاينة، حيث يكون بمقدور متتاليتها (التامة، وغير التامة، والمزدوجة) أن تنظم مكوناتها البنيوية بما يشير لخصوصية موضوعاتها، ومناسبات صيغها، عبر إشعار بالفقدان، أو إشعار بتوازن جديد، أو المطالبة به، وبما يوحّد نسائجها السرديّة بالتنويع والأرصاد اللذين يشدان الأخبار إلى بعضها داخل النص، ويوطدان الصلة بينها.في سمة أساسية من سمات التشكيل السردي لنصوص الأمثال تُلاحظ حيوية (الشخصيّة) وهي تنتقل بين وقائع الصيغ المختلفة مجسدة مظهراً إنسانياً لا يتحدد بصورة ثابتة ولا يستجيب لمعيار واحد حيث تقدم في نماذج متباينة تقتضيها نوعية التجربة ومستوى الإخبار فيها، مما يمنح النصوص فرصةً لتعميق علاقتها بمراجعها ومن ثم تأمين أكثر من حيّز سردي لاحتضان أنواع من الشخصيات يتميّز كل منها بسمات تفيد، ضمن الفضاء العام للنصوص، مما تنطوي عليه الصيغة أو تشعر به من خصائص إنسانية.تنقسم الشخصيّة، بناءً على ما تقدم، إلى أقسام ثلاثة:ـ تُعدّ في الأول وعلى نحو شبه كلي، إجراءً نصياً تُمثّل فيه واقعةُ صيغة المثل تمثيلاً خيالياً، فيها تفيد نصوص القسمين الأخيرين من مراجع شخصياتها، إذ تموّل نصوص القسم الثاني حضور شخصياتها بما عُرف عنها من سمات تاريخية، خارج نصيّة، إلى الدرجة التي تحقق كل منها (رتبةً) تقوم على ما تتمتع به الشخصيّة من مستوى داخل النص، وما يُكشف عنها من معلومات. فيما تعمد نصوص القسم الثالث إلى تنظيم تجارب نوع من الشخصيات يحمل العديد من التعالقات، الأسطورية في الغالب، التي يصعب معها حصر تاريخيته أو الوقوف على مرجعية معينة له.يستجيب (الفضاء) في نصوص الأمثال لهيمنة الحدث وفاعلية حضوره مجسداً عبر (الصورة السرديّة) التي تتشكل بالأساس نتيجة التحام الوصف بالسرد في تقديم عنصريهما (الزمان، المكان)، وتُعدّ مسؤولةً إلى حد بعيد عن الصورة المنجزة للفضاء داخل النصوص، حيث تنشغل صيغ الأمثال بالتعبير عن المحتوى الزماني للتجربة الإنسانية وتفيد من خصوصية المكان التي تمنحه تجسداً بسيطاً يشير إلى جانب من وعي (الفضاء) عبر منظومة التجارب والعلاقات التي تنم عنها الصيغ.