قوم آخرون - سرد الامثال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سرد الامثال - نسخه متنی

لؤی حمزة عباس

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

قوم آخرون

تشابه السلوك: الإساءة إلى أشراف القوم.

ونقرأ في المثل رقم (24) أن (عمرو بن جدير بن سلمى) كانت عنده امرأة جميلة معجبة لـه وكان ابن عمه (يزيد بن المنذر بن سلمى) بها معجباً، وأن عمراً دخل بيته ذات يوم فرأى منهما ما كرهه، فطلق المرأة وأعرض عن ابن عمه، فمكث يزيد ما شاء الله لا يقدر على النظر إلى وجه (عمرو بن جدير) حياءً، ثم أن الحي أُغير عليه، فابتدر الفوارس عمراً فطعنوه وصرعوه ثم تنازلوا عليه، ورآه يزيد فحمل عليهم فصرع بعضهم وأخذ فرس ابن عمه واستنقذه ثم قال لـه: اركب وانج، فلما ركب قال لـه يزيد (تلك بتلك فهل جزيتك) ليشكّل (محو الإساءة بالإحسان) موضوعاً تنتظم على أساسه قصة المثل وتتصل وحداته، فالإساءة تقع أولاً لتفرّق بين شخصيتي القصة الرئيستين وإن بقيتا متجاورتين في مكان واحد لسببين متلازمين: إدامة الإحساس بالإثم لدى المسيء، وانتظار الفرصة للتكفير وطلب العفو، وذلك لا يكون إلا بحدث جديد يغيّر من مجرى القصة ومواقع شخصياتها، فيقع (عمرو بن جدير) موقع الحاجة إلى العون فيسعى (يزيد بن المنذر) تحت ضغط السببين السابقين لمواجهة الفوارس وإنقاذ (عمرو) ليسارع قبل أن يسكن مُثارُ النقع إلى إعلان إحسانه والتخفف من ثقل ذنبه.

الموضوع: (محو الإساءة بالإحسان)

الصيغة: تلك بتلك فهل جزيتك: تلك (الأولى) اعتداء يزيد على عمرو إساءة

تلك (الثانية) إنقاذ يزيد لعمرو إحسان

الجزاء: إحسان يزيد يمحو إساءته.

يمكننا ملاحظة خصوصية القسم الثاني (الاختتام بالشعر) وهو يشكّل نسبة (35.3%) من مجموع أمثال (المفضّل) وأهمية وروده في موضع الخاتمة خلافاً للاختتام بالشعر في كتب الأمثال اللاحقة إذ أنه يشكّل وحدةً عضويةً مع قصة المثل ينتقل عبرها التشكيل السردي من النثر إلى الشعر من دون أن تتعثر حركته، إنها تمتد بما يُمكن أن يضيفه الشعر إلى القصة، أو يرتفع به من تفاصيلها ملخصاً حدثها أو معلقاً عليها عبر عدد من الشخصيات يمكن تقسيمها كما يأتي:

1. شخصية مشارِكة: تُسهم بالحدث وتكون عنصراً من عناصره، فهي تلخّص شعراً قصةً شاركت في أحداثها أو تعلّق عليها بما يكشف وجهة نظرها ويضيء موقفها من حدث معين أو شخصية أخرى من بين أحداث أو شخصيات القصة.

2. شخصية غير مشاركة: وهي التي لا تسهم بقصة المثل على نحو مباشر ويمكن تقسيمها قسمين:

أ ـ شخصية غير مشاركة قريبة: على الرغم من عدم إسهامها بقصة المثل إلا أن لها من الروابط مع شخصيات القصة ما يمكِّنها من التلخيص أو التعليق الشعريين.

ب ـ شخصية غير مشاركة بعيدة: وهي منفصلة عن حدث القصة وشخصياتها يُستخدم بعضُ شعرها الذي يستوحي القصةَ خاتمةً (وربما امتدت الخاتمة لأكثر من مقطع شعري يستوحي فيها أكثرُ من شاعر جانباً من جوانب القصة).

تُلاحظ على سبيل الدراسة خاتمتا المثلين (13) و(37) وهما تستعينان بالشعر (لتلخيص) موضوع قصة المثل مستأنستين بأهم عناصرها، ففي المثل رقم (13) يُلخّص (السليك بن السلكة التميمي) ما وقع لـه عند إغارته على بني شيبان وقتله لـ (يزيد بن رويم الشيباني)، فالشعر وهو يشكّل خاتمةَ نص المثل إنما يُلخّص ما سبق أن روي من حدث على لسان شخصيته الرئيسة:




  • وعاشيةٍ رجٍّ بطانٍ ذعرتها
    فبات لها أهل خلاء فناؤهم
    وباتوا يظنون الظنونَ وَصُحبتي
    وما نلتها حتى تصعلكتُ حقبةً
    وحتى رأيت الجوعَ بالصيف ضَرَّني
    إذا قمتُ يغشاني ظلالٌ فأَسْدَف



  • بصوت قتيلٍ وَسْطَها يَتَسيّفُ
    ومرَّت بهم طيرٌ فلم يتعيفوا
    إذا ما علوا نشزاً أهلّوا وأوجفوا
    وكدتُ لأسباب المنيّة أَعرفُ
    إذا قمتُ يغشاني ظلالٌ فأَسْدَف
    إذا قمتُ يغشاني ظلالٌ فأَسْدَف



وفي المثل رقم (37) تُلخص الخاتمةُ القصةَ بشعر قاله (بعض شعراء طيء) الذين وقعت القصة في قبيلتهم، فالشاعر هنا، وإن لم يُذكر على نحو صريح، يمتُّ بصلة إلى (رقاش) التي كانت تغزو برجال طيء فهي مركز القصة وأساس حدثها، إذ إن قصة المثل تروي ما وقع لها عندما أُعجبت بأحد أسرى قبيلتها فدعته إلى نفسها فوقع عليها فحملت، وحين حلَّ أوان الغزو أَتوها لتغزو بهم فجعلت تقول (رويد الغزو ينمرق) بمعنى يمرُّ سريعاً ويُصيب، فلما عاودوا المجيء رأوها نفساء مرضعاً قد ولدت غلاماً، فالشاعر الذي لا يعبّر عن حضوره على نحو مباشر (شخصية غير مشاركة قريبة) يُلخص حدث القصة تلخيصاً لا يخلو من موقف تنمُّ عنه سخريةُ المقطع الشعري:




  • نُبئت أنَّ رقاشِ بعد شماسها
    فالله يحظيها ويرفعُ ذكرها
    كانت رقاشِ تقودُ جيشاً جحفلاً
    دُرّي رقاش فقد أصبتِ غنيمةً
    فحلاً يَصُورك أن تقودي جحفلا



  • حبلت وقد ولدت غلاماً أَكحلا
    والله يلحقها كشافاً مقبلا
    فَصَبَتْ وحق لمن صبا أن يحبلا
    فحلاً يَصُورك أن تقودي جحفلا
    فحلاً يَصُورك أن تقودي جحفلا



وفي (التعليق) يسعى المقطع الشعري للتركيز على حدث محدد من أحداث قصة المثل فهو لا يلخص الحدث بقدر ما يكشف موقعه، ويحدد قيمته، فالخاتمة الشعريّة بذلك ترفع تفصيلاً قصصياً عبر إعلانها موقفاً صريحاً منه، ويُلاحظ، كما في (تلخيص الحدث) عدم اعتماد مستوى معين من العلاقة بين الشاعر صاحب الخاتمة وبين قصة المثل، فقد يكون شخصيةً مشاركةً تؤكد حدثاً أو تُعلن موقفاً مباشراً من شخصية أخرى من بين شخصيات القصة كما في المثل رقم (16) إذ إن (أوفى بن مطر المازني) صاحب المقطع الشعري قال معيّراً (جابر بن عمرو) بعد أن خرجا صحبة (شهاب بن قيس) في طلب رجلين، فهرب جابر بعد أن تبيَّن بأس الرجلين وشدتهما، فالمقطع، إذن، يرفع (فرار جابر) إلى مستوى من الأهمية عبر استعادته شعراً على سبيل التعليق وتحديد الموقف:




  • فلا تسقِ فيهم ولا تَغْسِلِ
    وليتك في البطنِ لم تُحملِ
    وليتَ قناتَك من مغزلِ
    وليتَ سنانَك صنارةٌ



  • إذا ما أَتيتَ بني مازنٍ
    فليتكَ لم تُدعَ من مازنٍ
    وليتَ سنانَك صنارةٌ
    وليتَ سنانَك صنارةٌ



وقد يرد التعليق من خارج قصة المثل عبر (شخصية غير مشاركة بعيدة)، فالشاعر صاحب الخاتمة الشعريّة لا يمتُّ إلى شخصيات القصة بصلة غير أن ذلك لا يمنعه عن التلويح بما في القصة من إنقاص أو انتصار أو محبة أو حقد، كما في المثل رقم 23) إذ يُعرِّض (اللعين المنقري) بـ (بني مالك بن سعد رهط العجاج) وكان يقال لهم (بنو العفيل) نتيجة حدث وقع لجدتهم (رهم بنت الخزرج بن تيم الله) تختص قصة المثل بسرده:




  • ما في الدوائر من رجليّ من عَقَلٍ
    عند الرهانِ وما أُكوى من العَفَلِ



  • عند الرهانِ وما أُكوى من العَفَلِ
    عند الرهانِ وما أُكوى من العَفَلِ



نلاحظ في القسم الثالث (الاختتام بالنتيجة التي تغيّر من مجرى القصة) وهي تشكّل نسبة (14.8%) من مجموع أمثال (المفضل) ارتباط الخاتمة بقصة المثل، فهي تَرِد مباشرةً بعد صيغة المثل التي تُقدِّم خلاصةً وتركيزاً لقصته فيحدث بعد ذكر الصيغة تحول مباشر في القصة فتوفى حاجة، أو يُعاد أسير، أو يُكف عن شر، أو يُمتنع عن عدوان، فالخاتمة بذلك ترتبط ارتباطاً عضوياً بموضوع القصة، وهي تُروى على لسان راوي قصة المثل نفسه فلا يستشهد معها بقول شعري أو نثري يفصل بينه وبين القصة فاصل، ففي المثل رقم

(35) على سبيل الدراسة يكون الاختتام بـ (الكف عن فعل) مُلحَقاً بصيغة المثل وناتجاً منها، فـ (الحارث بن أبي شمر الغساني) سأل (أَنس بن الحجيرة) عن بعض الأمر فأخبره به فلطمه، فقال أنس (ذُلَّ لو أجدُ ناصراً) ثم قال الحارث: الطموه، فقال أنس (لو نُهي عن الأولى لم يَعُد للآخرة) فقال: زيدوه، فقال أنس: أيها الملك (ملكت فإسجح) فأرسلها مثلاً فأمر أن يُكفَّ عنه.

إن اختتام المثل لا يصف ولا يُلخّص ولا يُعلّق على حدث منته أو مستمر، بل يحرف مسار الحدث ويغيّر اتجاهه بناءً على ما تؤديه صيغته من تأثير في الشخصيات، فلم يُكف عن إحداث الأذى كما في المثل السابق لولا وجود الصيغة وقدرتها على استيعاب القصة والتهيئة لتغيير مجرى حدثها.

وفي المثل رقم (36) يكون (النقص) موضوعاً، فقد (شردت إبل بني صحار بن وهب ابن قيس بن طريف) فيركب (الجميح وهو منقذ بن الطماح بن قيس) في طلبها ليحدث معه ما يحدث فترد الإبل جميعها إلا ناقة يقال لها اللفاع يراها مع رجلين يحلبانها، فيطلب منهما تركها فيضرط البائن (البائن هو الذي يقف من جانب الحلوبة الأيمن، ومن يقف من جانبها الأيسر يسمى المستعلي) ويقول المستعلي: والله ما هي لكما، فقال الحارث (إست البائن أعلم) فأرسلها مثلاً ورد الإبل، ليكون (إكمال النقص) نتيجةً مبينةً على صيغة المثل وملحقة بها مباشرة.

وفي المثل رقم (52) يكون الاختتام بـ (الاستجابة) بعد أن كان (الرفض) موضوعاً، تفصل بين كل منهما صيغة المثل نفسها، فقد أغار (الهذيل بن هبيرة) على أناس من ضبة فغنم ثم انصرف، فخاف طلب القوم لهم وأسرع السير، فقال لـه أصحابه: اقسم بيننا غنيمتنا، فرفض محتجاً بالخوف من أن تشغلهم القسمة فيدركهم الطلب، فأعادوا عليه مراراً، فلما رآهم لا يأخذون برأيه قال (إذا عَزَّ أخوك فهن)، وتابعهم على القسمة.

يسعى القسمان الأخيران من أقسام خاتمة أمثال (المفضل الضبي): (الاختتام بالتفسير) و (الاختتام بالخبر) وهما يمثلان نسبتي (6.9%) و(4.6%) من مجموع الأمثال لإيضاح صيغة المثل أو ما يتعلق بها من خلال تفسير ما غمض من لفظها أو إكمال موضوعها فالخاتمة الأولى لا تنتمي لحدث القصة أو تهتم بفعل أو قول إحدى شخصياتها بقدر ما تهتم بتفسير الصيغة لتقريب المعنى، ففي المثل رقم (5) على سبيل الملاحظة تعتمد الخاتمة تفسير كلمة مذقة (المذقة شربة ممزوجة) الواردة في صيغة المثل (هذا ومذقة خير)، وخاتمة المثل رقم (44) تفسر كلمتي (الصبوح: شراب النهار، والغبوق: شراب الليل) الواردتين في نص مثل (أعن صبوح ترقق)، في حين تعمل خاتمة القسم الأخير على إضافة حدث لاحق بعد إكمال قصة المثل، فهي عبر اعتمادها (خبراً) معيناً تضيف ما يوسّع من نص المثل ويفتح حدوده عبر الامتداد بحدث من أحداث قصته كما في الأمثال (9، 29، 38)، إذ يهتم المثل رقم (9) بحمق (مالك بن زيد مناة بن تميم) مورداً قصة زواجه من (النوار بنت جد بن عدي بن عبد مناة) بما يتنظم فيها من صيغ الأمثال حتى تختتم جرياً على عادة (المفضل) بصيغة (أستي أخبثي)، لكن نص المثل يمتد لخبر مَنْ ولد للنوار ومالك مضيفاً إليه ما قاله الشاعر الفرزدق.

وفي المثل رقم (29) يلاحظ اكتمال النص عبر اعتماد عدد من المقاطع الشعرية للحارث ابن ظالم، وللفرزدق في ذكر قصة المثل والوقوف على بعض تفاصيلها، حتى ينتهي النص بجملة (فأتى على ذلك ما شاء الله) ليتمم بعدها بخبر الحارث ومصيره.

وفي المثل رقم (38) يقدم النص تمام قصة (الحارث بن جبلة الغساني) مع (المنذر ابن امرئ القيس) وما حدث فيها من وقائع وصولاً لمواجهة جيشهما ومقتل المنذر ليلحق ذلك بخبر (عمرو بن شمر بن عمر) الذي ادعى أنه مَنْ قتل المنذر بعد أن رأى مصرعه فأخذ بُرداً كان عليه، فقال لـه الحارث حين رآه: (أتتك بحائن رجلاه) فيمتد الخبر بعد ذلك لذكر ما جرى بينهما ويتابع مصير عمرو حتى بعد تنفيذ الجزاء.

يلاحظ على هذا القسم متابعته لمجريات الحدث القصصي، وإضافته لما لا يغير من منحى القصة واتجاه أحداثها، بل إنه يُقدِّم تعليقاً على حدث، أو متابعةً لإحدى الشخصيات بعد تمام قصة المثل باعتماد خبر من أخبارها، بغض النظر عن أهمية هذه الشخصية، ودورها في قصة المثل، فنص المثل يوسِّع عبر اعتماده الخبر من دائرة سرده، ويمنح قصته النظر خارج حدودها.

قدمت كتب الأمثال اللاحقة، تبعاً لاهتمامها بمادتها اللغوية واستجابتها لمنهج تأليفها، نماذج متعددة للخاتمة يمكن أن تضيء جانباً من جوانب دراستنا لبنية الإطار السردي وهي تنجز باتساع نماذجها ما يهيؤها لاختبار حيوية الصياغة الأدبية في تحولها وشمولها، إذ قدم كتابا (أبي فيد) و(أبي عكرمة) من صور الخاتمة ما توجّه للعناية باللغة تفسيراً واستشهاداً، وبالشعر جمعاً وتمثيلاً، مثلما اهتما، وإن بدرجة أدنى من العناية بقصة المثل، وصيغته، فضلاً عن توجههما لاستضافة بعض الأحاديث النبوية الشريفة، بما يحدد سمة أخرى من الانفصال بينها وبين صور خاتمة أمثال (المفضّل الضّبّي) بانشغالها بالصياغة الفنيّة في سبيل إقامة أقصى ما يمكن من العلاقة العضوية بينها و بين نص المثل، والقصة منه على نحو خاص.

تتعدد صور الخاتمة في كتابي (أبي فيد مؤرج السدوسي) و(أبي عكرمة الضبّي)، وتختلف أشكالها بما يمكن دراسته كما في الجدول الآتي:

كتاب أبي عكرمة

كتاب أبي فيد

الاختتام

ت

62

19

الاختتام بالمعنى اللغوي للشعر

1.

25

45

الاختتام بالشعر

2.

16

10

الاختتام بتفسير الشعر

3.

5

10

الاختتام بقصة المثل

4.

2

11

الاختتام بصيغة المثل

5.

1

-

الاختتام بالخبر

6.

-

9

الاختتام بالصيغة اللغوية التي تقوم مقام المثل

7.

-

1

الاختتام بالحديث النبوي الشريف

8.

111

104

المجموع

يشكّل الاهتمام (بمعاني اللغة) و(الشعر) موقعاً مركزياً بين صور خاتمة أمثال كل منهما، ففي الوقت الذي ينصرف فيه (أبو عكرمة الضبّي) للعناية بالجانب اللغوي، وهو يشكّل نسبة (55.9%) من بين صور خاتمة أمثاله، تلاحظ عناية (أبي فيد مؤرِّج السدوسي) بالشعر فهو يشكّل نسبة (43.3%) من بين صور الخاتمة في كتابه، إلى الدرجة التي عُدَّا فيها كتابي لغة أكثر من كونهما كتابي أدب، حيث تحوَّل كل منهما إلى ((خزانة صغيرة لمختارات من الشعر القديم))، في إكثارهما من الأشعار التي يفسرانها متوسلين (الأمثال) حجة لذلك، بما يُغيّر من نُظم السرد وطرائقه في معالجة موضوعاته وقد غيرت من مراكز اهتمامها، فلم تعد العلاقة بين قصة المثل وبين لواحق خاتمته مهمة بما يؤمِّن انتظاماً سردياً لمجمل أمثال الكتاب، بقدر ما استأثرت العناية اللغوية بالاهتمام، فهي حتى في حال اتفاقها موضوعياً مع أحد أقسام الخاتمة في كتاب (المفضّل الضّبّي) تختلف فيما تقيمه من علاقة بين خاتمتها وبين نص مثلها، كما في الاختتام بالشعر وقد ورد في كتب (المفضل) و(أبي فيد) و(أبي عكرمة)، إذ يلاحظ الدارس سعي الأخيرين إلى إيراد المقطع الشعري، طال أم قصر، تمثيلاً أو تفسيراً لمعنى لغوي أو مناسبة، فقد خضع نظام السرد في الكتابين لتغيّر نوعي لم يَعُد في المثل من التفصيل والانتظام ما يدعوه للتعليق أو التلخيص كما لوحظ في كتاب (المفضل)، فالشعر يورد في كتاب (أبي فيد) مجرداً من مناسبته، ومقطوعاً في معظم الأحيان عما قبله إلا بما يؤكد نمطية الاستشهاد بـ (الصيغة) كما في المثل رقم (3) من كتاب أبي فيد: ((قبل الرماءِ تُملأ الكنائن)) يقول: خُذْ أهبة الأمر، قبل أن ينزل بك. قال الأعشى لمالك بن سَعْد بن ضُبَيعَة:




  • كفى قومهُ شيبانَ إِنَّ عظيمةً
    متى ما تَحِنْ تُؤخَذْ لها أَهَباتُها))



  • متى ما تَحِنْ تُؤخَذْ لها أَهَباتُها))
    متى ما تَحِنْ تُؤخَذْ لها أَهَباتُها))



أو كما في المثل رقم (51) من كتاب أبي عكرمة:

((وقولهم: ((ما يساوي فلان طليةً)) قال الأصمعي: الطلية: الخويط والخويصة يُجعل في عنق الجدي، على هيئة الرِّبق. يقال: قد طلا البَهْمَة، إذا فعل ذلك بها. والطَّلْية مشتقة من الطُّلية، وهي صفحة العُنق. وفي العنق طُليتان.

قال ذو الرُّمة، يذكر بعيراً:




  • أضلَّه راعيا كلبيّةٍ صَدَرا
    عن مُطِلبٍ وطُلَى الأَعناق تضطَرِبُ))



  • عن مُطِلبٍ وطُلَى الأَعناق تضطَرِبُ))
    عن مُطِلبٍ وطُلَى الأَعناق تضطَرِبُ))



وفي المجال نفسه حقق (تفسير الشعر) حضوراً بين صور خاتمة أمثال الكتابين مشكّلاً نسبة (9.7%) بين صور خاتمة كتاب (أبي فيد) و(14.5%) بين صور خاتمة كتاب (أبي عكرمة)، بما يشير لأهمية العناية الشعرية وهي ترتفع للمراتب الثلاث الأول في جدول خاتمة نصوص أمثال الكتابين متقدمة الاختتام بقصة المثل وصيغته وقد تراجع دوراهما حتى لا يكاد أن يُلحظان في كتاب (أبي عكرمة) على نحو خاص، فقصة المثل لا تتشكل في نصوصه على النحو الذي صادفنا في كتاب (المفضل) إذ أنها على الدوام تأخذ صورة الخبر القصير الذي يؤتى به في ختام المثل لتفسير قول، أو ذكر تقليد أكثر مما يُستحضر بوصفه تجربةً أنتجت صيغة المثل وأمّنت لها من الدقة والعناية ما يمكّنها من الارتفاع إلى موروث الجماعة والإسهام برصيد تجاربها، كما في المثل رقم

(70) وهو يورد قول الأصمعي في تفسير معنى (لئيم راضع) التي قامت في كتاب (أبي عكرمة) مقام المثل:

((قال الأصمعي: عَرَض لصٌ لبعض العرب، ومعه صِرْمَة من إِبل، فقال: خَلِّ عنها، فإنك لا ترضع منها. قال: لكني أحتلب فأشرب)).

وقد يُعتنى في تغيّر تشكيل النصوص، وانفتاح مجالها اللغوي، بما هو تأريخي يُستحضر في ختام قول من أقوال الكتاب التي تقوم مقام المثل معتمدةً من الخبر ((ما يغلب عليه قول الحقيقة، ويشير إلى سرد شيء من التاريخ))، تماشياً مع سعي الكتاب لتفسير بعض من أقوال العرب وبيان معانيها، بما يساوي بين الخبر وبين ما يسبقه من مقاطع شعرية أو تفسير نثري كما في المثل رقم (5) من أمثال (أبي فيد) وهو يعتمد قول العرب: (قد بلغ السيلُ الزُّبى) إذ يُختتم بسلسلة سند وصولاً إلى مفاد الخبر:

((قال: أتى معاذ بن جبلٍ بثلاثة نفرٍ، قتلهم أسدٌ في زُبْيةٍ، فلم يدر كيف يفتيهم، فسأل عليَّ ابن أبي طالب عليه السلام، فقال: قصُّوا عليَّ خبركم، قالوا، صدنا أسداً في زُبْيةٍ، فاجتمعنا عليه، فتدافع الناسُ عليها، فَرَمُوْا برجلٍ فيها، فتعلَّق الرجل بآخر، وتعلَّق الآخرُ برجلٍ آخر، فهَوَوْا فيها ثلاثتُهم، فقضى فيها علي بن أبي طالب أَن للأول رُبْع الديَّة وللثاني النِّصف، وللثالث الدِّية كلها)).

ويُلاحظ على استخدام (الخبر) خاتمةً ما يكون بينه وبين (الصيغة) من انفصال، سواء كانت مثلاً أو قولاً، فالأساس المعتمد في الصلة بينهما هو تأصيل قول أو الاستشهاد عليه، ففي المثل الأول يورد (أبو عكرمة) قول الأصمعي بغية تأكيد (قول العرب) وتحديد مناسبته، مثلما يتوجّه (أبو فيد) للاستشهاد بخبر من أخبار القضاء في الدولة الإسلامية في سبيل بيان معنى كلمة (زُبْية) التي تضمنتها جملة المثل، لذا لا يكاد الباحث يلمس من الصلة مثلما تحقق في كتاب (المفضّل)، فلم يكن التغير في نصوص كتابي (أبي فيد) و(أبي عكرمة) خاصاً، يمتد لجزء محدد أو جانب من جوانب نص المثل بقدر ما كان تغيّراً كلياً يتخطى الجزء والجانب إلى المفهوم وما يقتضيه من تغيّر في بنية نص المثل، الأمر الذي قدَّم مع كتاب (أبي عبيد بن سلام) أنموذجاً مختلفاً، تُتطلب ملاحظتُه على نحو مفرد، عبر انتظام منهجيته وموسوعية اهتمامه على الرغم من كونه ((يميل إلى شيء من الإيجاز، ولا يحتفل كثيراً في إيراد قصة المثل على طولها))، إذ إن نظام تبويبه يقترح طريقة خاصة للتعامل مع نص المثل لا يشكّل النص بمفرده مركز اهتمامها، مثلما يعتمد اندراج المثل في باب، واندراج الأبواب في جمع أبواب الأمثال في موضوع معيّن، مما يتطلب النظر إلى النص بمختلف وحداته بوصفه وحدة صغيرة توصل بما بعدها بما يؤمِّن امتداد السلسلة ودقة حلقاتها بين مثل وآخر وهي تؤثر في نص المثل نفسه باستهلاله وخاتمته بشكل خاص، وهو يقيم ارتباطاً مع جهتي السلسلة، فاستهلال المثل يوثّق ارتباطاً بما قبله من أمثال، مثلما تَعتمد خاتمته صياغةً أسلوبيةً محددةً تهيئ لما بعده، بما يمكن أن نلاحظه على أبواب الكتاب جميعاً على النحو الآتي:

/ 89