التوازن ـ عملية التغيير ـ فقدان التوازن ـ عملية إعادته ـ التوازن الجديد
يشير (تودوروف) إلى تعامله مع الأحداث في ((مستواها الأكثر تجريداً)) وهي تضم عدداً أدنى من الجمل يمكن أن تَرد متتاليتها مكتملةً بمواقفها الخمسة، وقد تنقطع في أحد هذه المواقف أو يُطوى بعضُها فتعدُّ، عندئذ، غيرَ مكتملة، من دون أن يغيّر ذلك من هيكلها. وقد حدد (تودوروف) عبر دراسة المظهر التركيبي للنصوص نوعين من الأنظمة التي يمثل النص الأدبي فرصةً مهمةً لامتزاجها، يجمع في الأول منها العلاقات الزمنية والسببية التي تمنح الأحداث فرصة التعاقب المنطقي بما ينشأ بينها من تلازم وارتباط، والنوع الثاني هو العلاقة المكانية التي تُمنح الوحدات من خلالها ترتيباً مطّرداً، وتتجاور أَجزاء النص لرسم سطح معيّن.ويمكننا رصد قصص الأمثال، وتبيّن ترتيب أحداثها مستعينين بالمتتالية السابقة وهي تتوجّه لاستقصاء الهيكل القصصي اعتماداً على وعيها القصة بوصفها متواليةً من الأحداث، إنما تحقق عبر تشكّلها السردي ((أمثلة لافتراضات وقيم ثقافية عامة)) بما يحافظ على سمة معيّنة، أو يُعرف بها، أو بما يُفترض من انتقال بين السمات والأحوال، ليضيف إلى عاملي الزمنيّة والسببيّة عاملاً آخر هو ((الاهتمام الإنساني)) الذي ((يقرر ما إذا كانت الأحداث والأسباب تتلاءم في عقدة ذات بداية ونهاية)). يمكن دراسة قصص الأمثال من خلال تأمل أحداثها، ومعاينة الوحدات التي تشكّل تلك الأحداث مستجيبة في ترتيبها لنظام سردي معيّن، عبر تقسيم القصص بحسب اعتمادها على ما تُقدِّم من أحداث، أحاديّة، أو ثنائيّة، أو عنقوديّة، وهي تعتمد (الخبر) وحدةً أساسيّةً إنما تتشكّل القصة وتُقيم عالمها تبعاً لعنايتها به، مستجيبةً لأصول ((وقواعد القص المصطلح عليها آنذاك، وهي السرد المتتابع الذي يخلو من التعليق ومن التركيز على الدوافع الداخلية للشخصية المحكي عنها)).تُقَسَّم القصة في نصوص كتب الأمثال تبعاً لعنايتها بـ (الحدث) إلى قصة أحادية الحدث، أو ثنائية الحدث، أو عنقودية الأحداث، وهي تنشأ على ما يُلتقط من أخبار تشكّل رصيداً مهماً في أفق المثل العربي الذي ينفتح على تجربة تعد خزانته ومنبع صيغته، فهي في الوقت الذي (تخبر) فيه تستحضر واقعة، وتمثل عالماً يفترق عن (القول) في كونه يحافظ على زمنية صيغته، ففي الوقت الذي ((يبرز القول في إنجاز الكلام بصدد ما هو قيد الوقوع.. يتمثل الإخبار في إنجاز الكلام بصدد ما وقع)). لتشكّل قصة المثل وجهاً خاصاً من وجوه التعامل مع الخبر، فإذا كان الأخير قد حقق على أساس تراكمي للأحداث حضوره في الأنواع السرديّة المتصلة بالقصة نظراً لأصالتها وثباتها، ولإمكان وجودها متعالية عن الزمان والمكان، فإنه مع قصة المثل قدَّم أنموذجاً خاصاً لم يُستحضر لذاته بقدر ما استُثمرت خصوصيته في إنشاء مجال سردي مناسب لاحتضان صيغة المثل، وتوفير فضاء نصي مناسب لها، بما يعلل تفوّق حضور القسم الأول من القصة بشكل ملحوظ بين قصص أمثال (المفضّل الضّبّي) وانسحاب القسمين الأخيرين على النحو الآتي:1. القصة أحادية الحدث (75) مثلاً.2. القصة ثنائية الأحداث (5) أمثال.3. القصة عنقودية الأحداث (7) أمثال.يُعين القسم الأول وهو يمثل نسبة (85.3%) من مجموع قصص (أمثال العرب) على فهم دور (الخبر) في إنشاء قصة المثل، وإضاءة تجربته، وهو يمتد في الموروث الثقافي من جانب، ويجيب من جانب آخر عن تساؤل أساسي يواجه دارس كتب الأمثال إذ يلاحظ الثبات النسبي الذي ميّز نص الأمثال على الرغم من تغيّر نُظم التأليف، واختلاف عصوره وموجّهاته، بالمقارنة مع أنواع سرديّة أُخرى استطاعت أن تقترح لنفسها من الحركيّة والتحوّل ما أَمَّن لها حضوراً مهماً لا في تاريخ السرد العربي حسب، بل بما قدَّمته من إثراء للنوع ما يزال أنموذجه الإنساني حياً، فإن اهتمام نص المثل بإضاءة تجربته، واقعية كانت أو خيالية، في سبيل تأمين مجال سردي مناسب لصيغته، دفع قصته للعناية بـ (الخبر) بوصفه أصغر وحدة حكائيّة تتميّز بالثبات وتعدّ أصلاً سردياً يتجلى ـ عبر مبدأي التراكم والتكامل ـ على أساس ارتباطه بـ (الحدث)، في حين يتصل نوعان مثل القصة والسيرة على أساس ارتباطهما (بالشخصية)، بيد أن قصص الأمثال تقدم أنموذجاً للخبر يمكنه ـ عبر المبدأين نفسيهما ـ الارتباط بالحدث في حال اعتماده مفرداً، وبالحدث والشخصيّة في حال تقديم مجموعة من الأخبار ثنائية أو عنقودية كما سنلاحظ في نصوص أمثال السليك بن السلكة، وطرفة، أو داحس والغبراء.