إذا كانت الزمانية، بحسب ما تقدم، هي الطابع الذي يأخذه كل ما يتحقق في الزمان، فإن النصوص السردية تقترح طرائق متعددةً لانتظام زمنيتها وتوجيه عناصرها وهي تسعى لتقديم ترتيب مقنع لأحداثها، فتعمل في سبيل ذلك على توفير سمتين تُناط بهما على نحو مباشر مهمةُ ترتيب الأحداث وانتظامها في نسق مُعيّن هما الزمانية والسببية يصعب أن تتواشج الأحداث ويمتد الحكي من دون توافرهما فإن ((الحكي لا يكتسب دلالته إلا ضمن الشرط الزماني الذي يتحقق من خلاله))، وهو يُنشيء عالماً يتجسد ويرتقي بما يتجلّى فيه من حضور للسمتين السابقتين، وما يُؤثِرهما السرد به من فاعلية تميّز النصوص عن بعضها وتمنحها أهميةً متفاوتةً.ومن المهم ملاحظة طبيعة التفكير الزماني في المرحلة التي نهضت نصوص الأمثال على كشف تجارب أناسها والاستعانة بنمط خبراتهم في توفير مادة سرديّة مناسبة لإنتاج صيغها، فالزمن كما يُستَّدل عليه من انتباهات الشاعر الجاهلي زمنان: طبيعي واجتماعي، يتصل الأول بحركات الكواكب وتغيّر الليل والنهار فهو زمن عياني يقوم على ما تتطلبه الطبيعة من ارتباط وما تقتضيه من ملاحظة تتغيّر بتغيّر الموقع الجغرافي ونوعية الحياة، ويتصل الثاني بالمتغيّرات والثوابت التي توجد داخل الزمن السابق كالناس والملوك والوقائع، فهو زمن حدثي يتميز عن الأول بعدم ثباته وشدة تماسه مع حياة الإنسان وواقع تجاربه.ويمكن تلَمّس أثر طبيعة التفكير الزماني على النصوص وهي تعمل على ربط إشارات زمنها الداخلي بالزمنين الطبيعي والاجتماعي اللذين يكتنفان نشاط إنسانها ويبلوران، إلى حد، وعيه.إن سؤال الزمان ينفتح في نصوص الأمثال على حصيلة التجربة بين ماضٍ زائلٍ وحاضر مرصود ومستقبل مُتأَمل، وقد تغيب الحدود وتتماهى الأزمان في زمنٍ واحدٍ هو زمن التجربة التي يتخلّق على أساسها السرد وينمو مشكّلاً أحداث نصوصه، كما تَقدَّم في الفصل الثاني، على وفق متواليات حدثيّة تقوم بالدرجة الأساس على حضور السمتين السابقتين: الزمانية والسببية وتعاضدهما إلى الحد الذي تؤدي معه كل منهما إلى الأخرى أو تُشعر بها، فالسببية تعتمد، في نصوص دراستنا على نحو خاص، عنصراً زمنياً يكون نواةً لحركة زمنية في أفق السرد، مثلما تنطوي الزمنية على عنصر سببي يمثل علةً لما بعده وسبباً موجباً يندفع معه السرد خطوة إلى الأمام، بناءً على هذا التصور يمكننا دراسة المظهر الزماني ضمن الحدود القصصية السابقة التي تجلّت عبرها النصوص وتشكّلت وقائعها كما يأتي:1-الزمان في القصة أحاديّة الحدث.2-الزمان في القصة ثنائيّة الحدث.3-الزمان في القصة عنقوديّة الأحداث.تنبغي الإشارة قبل التوجّه لدراسة زمنية النصوص في محورها العمودي إلى أن كل متتالية حدثية تقترح بنيتها الخاصة التي يمكن أن تمتد امتداد النصوص، أو تكتمل مع متتالية محددة فتجاور بنية أخرى داخل النص، قد تحتوي العناصر نفسها بغير زيادة أو نقصان، وقد تزيد أو تنقص مع اختلاف نظام تشكلّها الذي تتخلق بموجبه بنية زمنية جديدة.نُلاحظ من القسم الأول (الزمان في القصة أحادية الحدث) نَصّي المثلين(32) و (1) اللذين يقومان على متتاليتين مختلفتين، تامةٍ في النص الأول، ومزدوجةٍ في النص الثاني وهما يقدمان أنموذجين زمنيين يعتمدان، أسوة بنصوص الأمثال، تضافر الأسباب والنتائج التي تتحدد معها بنية زمنية تامة في النص الأول، وتتجاور في ظلها بنيتان زمنيتان، في النص الثاني، تختص كل منهما بمتوالية من متواليتي النص.يستهل النص رقم (32) حركته السرديّة بتنظيم محور أفقي يحتوي بالإضافة إلى درجة الصفر حلقته الوسطى مكّوناً نمطاً زمنياً أنموذجياً يقتضي تحولين:*الأول: من زمن الرواية إلى زمن المروي: (زعموا أن) رجلاً (في الجاهلية).*الثاني: من زمن المروي (العام والمطلق) إلى زمن الواقعة: (في الجاهلية) (كانت لـه فرس...)ليبدأ بعدها بناء زمنه عبر انتظام متتالية أحداثه في خمس انتقالات تتلازم فيها السببية والزمنية في تقديم محوره العمودي الذي يمتد بتطوّر الأحداث وتنوعها، وهو هنا يقوم على أساس بيان تجربةٍ تشكّلها متتاليةٌ تامة تقوم بإضاءة منحنى زمني يعتمد، فضلاً عن تعيين الأولوية وأسبقية الوقوع، على اقتراح مساحة زمنية للأحداث ابتداءً من زمن الواقعة (الفعل الماضي الناقص وما يليه) حتى صيغة المثل التي تقوم مقام خاتمة النص:زعموا أن: رجلاً في الجاهلية(درجة الصفر) كانت له..المحور الأفقي بعثه قومه(زمن الرواية) أسرطلب منهعودة الفرس(صيغة المثل)عرفتني نسأها اللهأما في النص رقم (1) فإن توزيع الأحداث بين متتاليتين يقدم أنموذجاً مختلفاً ينطوي على بنيتين زمنيتين تكتفي كل منهما بنفسها، وتتصل اللاحقة اتصالاً سببياً بسابقتها، ويخضع المحور العمودي في مثل هذا الأنموذج لمجموعة من (الثغرات) التي لا يذكر السرد في نصنا ديمومة ما يسقط من زمن أو مدته، بل يعمل على تحديد موقعه فاصلاً بين بنيتيه ليقوم على تأكيد الحدث والربط بين عناصره مهما امتد الزمان بين أحداثه فجملة مثل (ثم أتى على ذلك ما شاءَ اللهُ أن يأتي..) تعمّق أثر البنية الأولى، وتفتح المجال، بما تفيد من ترتيب، لما بعدها من أحداث.أما من جهة ما تختص به كل بنية من البنيات فنُلاحظ انغلاق الأولى على (الليل) مجالاً زمنياً لا يُقاس باعتماد زمان طبيعي معلوم فحسب، بل يخضع لشعور متصل بالفقدان، فللزمان الشعوري دور في تأمين مظهر طبيعي واحد يضم البنية جميعها، بعكس البنية الزمنية اللاحقة التي تستغرق أحداثها زمناً أطول وتتفرق إلى أربعة مواقف هي: (السير، والتعرّف، والقتل، واللوم) يضمها جميعاً زمن (الأشهر الحرم) من دون أن يحدد النص يوماً معيّناً أو شهراً معلوماً منها، وهي سمة كثيراً ما تواجهنا في نصوص الأمثال، إذ إن ميل النص لانفتاح مجاله الزمني يتوجّه، فضلاً عن دلالته، إلى التوسيع من مجال التجربة لتبدو صورةً سرديّةً لحياة أكثر مما هي تدوين آني لوقائع معلومة، يمكننا أن نتأمل المخطط الزمني لنص المثل السابق كما يأتي:زعموا أن: ضبة بن أد بن طابخة(درجة الصفر) وكان لـه ابنانالمحور الأفقي نفور الإبل(زمن الرواية) م(1) خروج سعد وسُعَيدعودة سعدصيغة (1): أسعدٌ أم سُعَيدالحارث يحدث ضبّةمعرفة ضبّةصيغة(2): إن الحديث لذو شجونم(2) قتل الحارثاللومصيغة(3): سبق السيف العذلتُقدِّم المتواليتان، كما قدمت متوالية النص السابق، واحدةً من السمات الأساسية في زمنية نصوص الأمثال وهي المعالجة الحركيّة للزمان، إذ إن هذه النصوص تعمل على تعيين تغيرات زمنها من خلال تغير الأفعال نفسها، وهي ملاحظة يمكن أن تشير لمستوىً أولي في التعامل مع الزمان داخل النص السردي، فهو لا يُمنح من الخصوصية ما يُضيء تفاصيله المختلفة، بل يُقدَّم، في هذا النوع من النصوص، بوصفه نمطاً حركياً يساعد على دوران عجلة السرد وينبثق عنها، فإن أفعالاً مثل: نفر، خرج، عاد، قُتل، تنظم ترتيباً يُعين الدارس على ملاحظة التغيرات الزمنية للحدث، على الرغم من اعتمادها جميعاً صورة الفعل الماضي فالترتيب هنا يُنشيء نوعاً من التلازم الزماني الذي يمد النص بالفاعلية الزمنية لأحداثه، وهو ما يُلاحظ بوضوح على (الزمان في القصة ثنائية الحدث) التي تقوم بالأساس على العناية بزمان أحداثها وتحديد المنحى الطبيعي لها مرتفعةً بمستوى تعاملها مع الزمن، فإن اعتماد حدثين مختلفين من منحنى حياة الشخصية يتطلّب إجراءً زمنياً قادراً على احتواء هذين الحدثين والمؤالفة بين عناصرهما فضلاً عن اعتماد مسوغ محدد يكون بمثابة النول الذي تُلَّف عليه خيوط السرد، من هنا يمكن ملاحظة حضور أكثر وضوحاً للزمان الطبيعي الذي يتحرّك داخله حدثا النص الأساسيان، ويهيئان المجال للأحداث الصغيرة (التنويع) للظهور والمشاركة بإدامة أفعال السرد. إن نصوص أمثال أم خارجة، والسليك بن السلكة، وجارية بن سليط، ولقمان بن عاد، وطرفة بن العبد تعنى بزمان أحداثها عناية تمكنها من المؤالفة بين الوقائع المعتمدة في النص من جانب، وتوجيه ما تنطوي عليه من صيغ توجيهاً يتناسب مع موقع الحدث وأثره في منحنى حياة الشخصية من جانب آخر، وهي تعتمد في سبيل ذلك ما يمكن أن تسميه (المؤشر الزمني) الذي يمكن أن يكون مكاناً أو واقعةً أو حدثاً، لكنه يتوجّه لأداء وظيفة عمادها الربط الزمني بين العناصر وخلق فضاء لانتظام وحداتها القصصية كما في نصوص الأمثال(10) و (19) و (87)، إذ يكون في المثل الأول زواج (أم خارجة) مؤشراً لحركة زمنيّة على الرغم منَ كونه صفةً ميّزت الشخصية ومنحتها موقعاً خاصاً، نلاحظ طريقة تعامل النص مع الموضوع على كشف بُعده الزماني ثانياً، فانتقال (أم خارجة) بين أزواج عدة يقتضي زمناً يقيسه السرد بما تلد لكل منهم (ولدت لعمر بن تميمة ثلاثةً، وولدت لبكر بن عبد مناة ثلاثةً، وولدت لمالك بن ثعلبة اثنين)، ويكون سوق عكاظ في المثل رقم (19) مؤشراً زمنياً يلتقي فيه (جارية بن سليط) امرأةً ويواقعها ثم يتواعدان لرأس ثلاثة أحوال في عكاظ، فلا يكتفي (عكاظ) بكونه مكاناً لنشاط معيّن، بل يُسهم بثوابت زمنه بتحديد زمنية نص المثل وتعيين انتقالاتها، مثلما تكون حياة (طرفة بن العبد) في المثل رقم (87) مؤشراً تُرهَّن به زمنية النص، فزمان النص، المذكور منه والمحذوف، يعمل داخل حدود حياة طرفة ابتداءً من استماعه للمتلمس وهو طفل يلعب مع الغلمان حتى نجاة المتلمس وقد أسنَّ يومها وهلاك طرفه، إن ترهين النصوص وإضاءة جانبها الزمني يتطلّب تأمين مدى أكثر سعةً لمواضيعها ليكون بمستطاعها تعيين زمنية النص بطريقة غير مباشرة تقترحها موضوعة (المؤشر الزمني) على اختلاف أنواعها وأساليب تجليها في النصوص، أو بطريقةٍ مباشرةٍ من خلال اعتماد لوازم الزمان الطبيعي وعناصره اعتماداً مباشراً، من دون أن يعني ذلك أننا سنكون بمواجهة زمن تفصيلي، تخضع فيه الأحداث لعنايةٍ زمنيةٍ دقيقةٍ، لكن على الرغم من ذلك يبدو الزمان في هذه النصوص أكثر وضوحاً وأشد ارتباطاً بالأحداث مما هو عليه في سابقتها.تقوم درجة الصفر الزمني في نص المثل رقم (13) وهو يعتمد بعض تجارب (السليك بن السلكة التميمي) على تقديم مستوى أفقي يتسع لعدد من الصفات والخصائص التي تُهيء لحضور الشخصيّة داخل نص المثل، من دون أن يحدد جانباً معيّناً من الصفات فهو يجمع بين صفات الفروسية (أحد بني مقاعس، من أشد فرسان العرب، أنكرهم، أشعرهم) والصفات الجسدية (كانت أمه سوداء، يدعونه سليك المقانب، والمقنب ما بين الثلاثين والخمسين، وصفات الصعلكة (أدل الناس بالأرض، أجودهم عدواً، لا تَعلُق به الخيل) في مقام واحد، بالإضافة إلى ملفوظ الشخصية الذي تُمنح معه حضوراً مهماً تتكرر صيغة الاستهلال (زعموا أن) فيه مرتين، تتوجّه الأولى لتعيين زمن الرواية والإعداد لزمن المروي الذي يفتح بملفوظ الشخصيّة نفسها، لتستمر بعدئذ حركة المستوى العمودي بانتقالاتها الزمنية المختلفة، مؤشرةً في كل انتقالة منها مظهر الزمان الطبيعي المرتبطة به، ومن المهم الإشارة إلى مستوى من التلازم الحاصل، في هذا النوع من النصوص، بين الحدث وزمان وقوعه، نظراً لما يتطلّبه الموضوع (حياة الصعلكة وغاراتها) من استغلال لظروف مناخية يصادفنا في حدثي النص منها (ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة، مرّ على بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، انطلق وقد أمسى وجنَّ عليه الليل) التي يمكن أن توميء لقابلية النص السردي على استيعاب التجربة وتهيئه اشتراطات أحداثها في سبيل خلق تباين ملموس بين نص وآخر يعتمد بالأساس نوعية التجربة ونمط أحداثها. يمكن أن نُلاحظ مخطط النص على النحو الآتي:زعموا أن: السليك بن السلكة زعموا أنه كان يقول(درجة الصفر) افتقر، خرجالمحور الأفقي اشتمل الصماء في ليلة باردة(زمن الرواية) جثم عليه رجلٌصيغة(1): إن الليل طويل وأنت مقمرم(1) الرجل يؤذي السليكصيغة(2): أضرطاً وأنت الأعلىانطلقاصادفهما رجلٌ لـه مثلُ قصتهماأتوا جوف مراد الذي باليمنانطلق السليك وبقي صاحباهصاحباه يلحقانه ويطردان الإبلخرج ومعه ابنا سري بن الحارثمرَّ على بني شيبان في ربيعالشيخ يطلب من ابنه أن يعشّي الإبلم(2) صيغة(3): العاشية تهيج الآبيةالسليك يتبع الشيخ ثم يضربهالسليك يصيح بالإبل يعاونه صاحباهونُلاحظ في القسم الثالث (الزمان في القصة عنقودية الأحداث) قدرة نص المثل على الارتفاع بفاعلية الزمان فيه وتحقيق مستوى من الانتظام الناتج من تشكيل حلقات النص ومتتالياته التي لم تَعدّ تخضع، في الغالب، لاشتراطاتٍ موضوعيةٍ معيّنةٍ، بل إنها تلتقط من بين تجارب شخصياتها وأنماط وجودها مواقف يدخل فيها عنصر التتابع الزمني مرتقياً خلال حركات الحوادث والمواقف، وفي كل صورة منها بحسب تعبير د. عبد المجيد عابدين لفظ يُعين على هذا الترقّي الزمني، الذي يتعدى مؤداه ما يشير إليه د. عابدين من مدلول لفظي، إلى الإسهام بإنجاز انتظام أكثر وضوحاً يلمع باتساع حلقاته للزمان بوصفه فعل تراكم نوعي يستند إلى رصيد النص من تجارب شخصيته ومقدار التباين والتنويع بين تجربة وأخرى. إن الزمان في هذا القسم لا يحافظ على انتظام سلسلته وتتابع حلقاتها، كما في القسمين السابقين، مهما امتدت بينها الساحة المغفلة متوجهاً لإنتاج زمنيته بوصفها تعييناً جدليّاً للوقائع والتجارب والأحداث، مرتفعاً عن زمنيّة الفرد التي تبدو معياراً لنصوص الشخصيات إلى تواشج حيوات يلاحظ بأوضح صوره مع النصوص التي تستفيد من رصيد حوادث أيام العرب ووقائعها، حيث تشهد العوالم الزمانية والمكانية التي تقع فيها الأفعال انفتاحاً ملموساً، مثلما يشهد الانتظام (الأكرونولوجي) للزمان هزاتٍ واختلالاتٍ تُسهم بإضافة خصيصةٍ سرديّة لهذا القسم من النصوص، وتعيّن أثراً مهماً لحركة الزمان في نصوص السرد العربي القديم، بعد أن عملت خلال قسميها السابقين على تهيئة المجال لمثل هذه التغيّرات ابتداءً من التواتر الزمني للمتتالية التامة، ومروراً بالانشغال بالزمان بوصفه نمطاً حركياً تُلتقط تغيّراتُه عبر تغيّر الأفعال أنفسها في نصوص المتتاليات المزدوجة، إلى اعتماد المؤشر الزمني بمختلف أنواعه للإفصاح عن أثر الزمان وصولاً لانفتاح زمنية النصوص بوصفها فاعليةً خاصةً تُسهم إلى حد بعيد بتحقق مستوى من التنوع في سرديّة نص المثل.تجتهد النصوص عنقوديّة الأحداث في تنظيم وحداتها متنقلةً من خبر إلى آخر بمسوغ صيغة المثل التي تُعدّ بالأساس مسوغاً لتأليف كتبها، إذ تُهيء فاعلية النظام السردي وهي تحقق زمنيتها انتظاماً أمثل لنصوص كتاب (أمثال العرب) التي انشغلت انشغالاً كلياً بإعادة إنتاج أخبارها على وفق مقتضيات أسهمت إلى حد بعيد بإنتاج أدبية نص المثل التي تتجاوز (هيكل البنية كانتظام إلى فاعليتها الخاصة)، ومن ثم إلى كشف خصوصية موقعها وتعيين أهمية حضورها في أفق سردي غير محدود، فالزمان في القصة عنقودية الأحداث يخضع لمستوى أوضح من الاستجابة والتغيير، فهو يستجيب بما يُرى على وحداته من تنوع أو تراتب أو تقديم أو تأخير لإيعاز السرد الذي يعمل على الارتفاع بنسائجه النصيّة باقتراحه طرائق وصياغات يشهد فيها الزمان تغيّرات مختلفةً متأثراً بأهداف التأليف وغاياته التي تنحرف في كتاب المفضّل الضّبّي عن التدوين التأريخي العام أو السيري إلى تحقيق نوع من خصوصية التجربة التي يكون بمقدورها الارتفاع ركناً أولياً من أركان السرديّة العربية.نلاحظ من بين أنساق الأداء الزمني سيادة نسق (التراتب) على ما يمكن أن يتبع من أنساق بناء الزمان في نصوص الأمثال ذوات الأحداث العنقودية، لاعتماد هذه النصوص على نحو شبه كلي على نسق (التنضيد) في تقديم أحداثها والربط بين أخبارها، ولما يقتضيه هذا النسق من تراتبيّة معيّنة تنظم الأحداث في أسبقيةٍ نصيّةٍ تختلف فيها مع نسق قريب آخر من أنساق البناء التقليدي هو (التتابع) لما يعنيه من استحضار الوقائع والأحداث بحسب ترتيبها الزمني، فلا تعتمد النصوص في الغالب في تقديم سلاسل أحداثها انتظاماً زمنياً معلوماً تتابع الحلقات فيه بحسب أسبقية وقوعها- وهو ما دفع كتب الأمثال اللاحقة سيما المجامع باجتهادها الموسوعي إلى دسِّ حلقاتٍ خبرية لم تكن موجودةً في كتب مرحلة دراستنا، لانفتاح هذا النسق واستعداده للتحوّل إلى منظومة حكايات عمادها صيغ الأمثال- إننا نكون مع تراتبية الأحداث إزاء أسبقية نصية تنظم فيها الإخبار تحت ظل شخصية معينة كما في نص المثل رقم (62) حيث تتوزع منظومته الخبريّة المكوّنة من خمسة أخبار إلى ثلاث حلقات زمنية على النحو الآتي:حلقة(1) 1.خبر لقمان مع زوجته براقش: على أهلها تجني براقش.2.خبره مع أخيه وولادة لقيم: هذا حِرٌّ معروف3.خبره مع لقيم السير بالليل والسير بالنهارلقيم يسبق لقمان: ذنب صحر...حلقة(2) 4.خبر آخر مع لقيم الغزو في البردبعد أن شب لقيم: كأن برحل باتتوبرحلها باتت لقممسارا فأغارا فأصابا إبلاًأشبه شرج شرجاً لو أن أسيمراحلقة(3) 5.خبره مع ابن بيض التاجر: سدَّ ابن بيض الطريق.تتباين الحلقات تبعاً لمحمول أخبارها فيتسع أفق زمنها أو يضيق من دون أن تحقق صلةً معنويةً ملموسةً بين أخبار كل حلقة من حلقاتها، إن عنقودية الأحداث تتطلّب نوعاً من التوالي الزمني لوقائع كل حلقة، كما تتطلب نوعاً من الانفصال، فكل حلقة من الحلقات الثلاث تنغلق على تفاصيل وقائعها لتنتظم بعدئذ في (تراتب) زمني مع الحلقات الأُخر فتبدو شخصيات مثل: براقش، لقيم، ابن بيض التاجر، سمات لحلقات متعينة مركزها (لقمان بن عاد) الذي يقوم التدرج الزمني للنص على أساس بيان تجاربه، على عكس النصوص التي تفيد من أيام العرب ومجريات وقائعها، فهي تعتمد على رصيد جماعي من التجارب وإن انضوت جميعها تحت مسمى معين (شخصية: كليب، جذيمة، داحس، حليمة، أو موقع: القسطل، عين إباغ، ذي حُسَّى، الفروق) بما يُهيء مجالاً أنسب لتتابع النصوص باعتماد وحداتها [السبب ـ النتيجة] نظام حركة وأسلوب تدرّج زمني للأحداث حيث يتماهى الزمني مع الموضوعي فيغدو الثاني دليلاً على حضور الأول، وقد يغدو سببٌ واحدٌ يُقدَّم في مفتتح النص مسؤولاً عن عدد كبير من النتائج التي يجتهد النص في التقاط اشتجارها بين شخصيات تتوالد تبعاً لدوران عجلة الأحداث، الأمر الذي منح هذا القسم من النصوص إمكانية التنويع الزمني بما يُلمس على بعضها من تقديم وتأخير يحقق السرد فيه واحداً من تغيّراته المهمة وهو يعمل على خلخلة نسق بناء الزمان كما في النص المثل رقم (60) الذي يمكن ملاحظة انتظام حلقاته الزمنية على النحو الآتي:1. خبر ابنة الزباء.حلقة (-1) 2. خبر حصارها دومة الجندل: تمرَّد مارد وعزَّ الأبلق.3. خبر جذيمة الأبرش وطلبه الزواج منها: لا يُطاع لقصير رأي.حلقة(2) 4. خبر مضي جذيمه إليها: وإنها لا يُشق غبارُهاببقة صُرم الأمرأشوار عروسٍ ترىلا يحزنك دمٌ هراقه أَهلهحلقة (3) 5. خبر تجاه قصير: يا ضُلَّ ما تجري به العصا.6. خبر عمرو بن عدي اللخمي خليفة جذيمة وطلب الثأر من ابنة الزباء.خير ما جاءت به العصاأمنع من عقاب الجوحلقة(4) فأعني وخلاك ذملامر ما جدع قصير أنفهبيدي لا بيديك يا عمر7. خبر إعجاب جذيمة بعدي بن نصر وتوليته كأسه وإعجاب رقاش أخت جذيمة به.8. خبر ولادة رقاش غلاماً سمته عمراً.حلقة(1) 9. خبر استطارة الجن لعمرو: أُعطي العبد كراعاً فطلب ذراعاً.10. خبر عودة عمرو لأمه: شبَّ عمرو عن الطوقوإقامته مع خاله إلى أن خرج إلى ابنه الزباء.تنتظم زمنية النص المركزية عبر الحلقات (2، 3، 4) وهي تُمثّل مجموع أخبار جذيمة الأبرش في علاقته بالزّبّاء (أو ابنتها) وطلبه الزواج منها حتى مقتله في الخبر رقم (6) وظهور شخصية عمرو بن عدي اللخمي خليفةً لـه ومطالباً بثأره من ابنه الزّبّاء. مما يتطلّب الملاحظة هو التأطير الزمني للحلقات السابقة بحلقتي ابتداء واختتام تحملان الرقمين (-1) (1)، إذ إن نص المثل يُفتتح بمنظومة خبريّة صغرى تضم بعضاً من أخبار الزّبّاء التي يختلط فيها التاريخ بالأسطورة في إعداد النص لوقائع الأخبار اللاحقة التي تغيب فيها الملامح التأريخية لشخصية الزّبّاء وتُستحضر السمات الأسطورية، إن الحلقة (-1) تعمل على التقاط شذرات من زمن خارجي لا يمتُّ إلى حدث النص المركزي بصلة مباشرة وإن عمل على تجسيد شخصية (الزّبّاء) وتهيئتها لدخول نص المثل بأحداث عظيمة (شق الفرات، جعل الأنفاق بين مدينتها، الغزو والقتال، حصار مارد حصن دومة الجندل، والأبلق حصن تيماء) لتتسلسل الحلقات بعدئذ تبعاً لإزمان أخبارها مؤثِرةً خلق المجال الأنسب لانتظام سرديتها فلا تكتفي زمنياً بأن يسبق الأول فيها الثاني، بل تُحمِّل السابقَ بذرةَ اللاحقِ معمقةً الوشائج بين الحلقات وصولاً إلى الحلقة رقم (1) ـ التي تُعدُّ نصيّاً الحلقة رقم (5) ـ وفيها يتم الرجوع إلى ماضٍ لم يُذكر من قبل، لنكون بذلك إزاء نوعين من الاسترجاع، الأول استرجاع خارج نصي يتضمن استعادة معلومات عن شخصية (الزّبّاء) لا تتعلق على نحو مباشر بأحداث النص، وهي ترتبط على الرغم من ذلك بصيغة مثلها (تمرَّد مارد وعزَّ الأبلق)، والثاني استرجاع داخل نصي يُستعاد فيه ما أُسقط سابقاً من أخبار شخصية (عمرو بن عدي اللخمي) ومنحه من ظلال الأسطورة بعضاً مما مُنحت (الزّبّاء) فقد استطارته الجن فلم يُحْسَنْ، ربما ليعادل في حضوره حضور (الزّبّاء) التي ظل زمنُ أخبارها مترجحاً بين حقيقة وخيال.