2-شخصيات نصوص الأمثال الخاصة - سرد الامثال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سرد الامثال - نسخه متنی

لؤی حمزة عباس

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

2-شخصيات نصوص الأمثال الخاصة

تنفتح نصوص هذا القسم في إفادتها من مراجع شخصياتها إلى الدرجة التي تتعدَّد معها صورها وتتباين مهماتها محققة لكل منها (رتبةً) داخل النص تقوم على ما تتمتع بن الشخصيّة من مستوى وما يُكشف عنها من معلومات، متدرجةً كما يأتي:

أ-الشخصية الرئيسة:

وهي الشخصية التي يستند النص إلى تجربتها في تقديم وقائع صيغه وتمثّل في قوة حضورها مركز الحدث وأساس حركته، وهي تستمد سماتها من واقع معلوم تنفصل فيه عن شخصيات النوع السابق في كونها تُقدَّم داخل النص باسمها وكنيتها ولقبها، وقد يمتد النص ليشمل بإضاءته صفاتها الجسدية والمعنويّة.

ب-الشخصية الثانويّة:

وهي الشخصية لا يميّزها حضور خاص ولا يعتني النص بصفاتها وملامحها الجسدية والمعنوية بل تدور الشخصيّة الرئيسة وتتصل بها اتصالاً مباشراً يُنمّي الحدث عبرَ تلاحم أفعالهما ويوسع المساحة الإنسانية للنص، ولا تكون التجربة إلا بما يقع بين هاتين الشخصيتين من تعارض أو اتفاق.

ج-الشخصيّة الهامشيّة:

وهي الشخصيّة التي تقع في آخر المشهد فتتساوى في حضورها مع عناصر تكميلية أخرى يعتمدها النص في تجسيد وقائعه من دون أن تكون لها ميزة أو سمة أو اتصال مباشر بالشخصيّة الرئيسة لنص المثل.

وبناءً على ما تقدِّمه النصوص فإن الشخصيات المذكورة لا تنتظم انتظاماً هندسياً ولا تعتمد صورةً تتكرر على مدار نصوص الكتاب، بل إن نوعاً من الفاعلية يُلمس في حضورها تؤمِّنه حيوية حركتها وتباين أهميتها بين النصوص وهي تسعى لتشكيل صور التجارب والخبرات التي تمثّل صيغ الأمثال رصيدها وعنوان دوامها، فقد يُكتفى بشخصية رئيسة واحدة كما في نص المثل رقم (13) الذي يتجلّى بوصفه التقاطاً لجانب من تجارب (السليك بن السلكة التميمي)، بينما ينفتح آخر على أكثر من شخصية رئيسة تكاد تتساوى في مقدار المعلومات المعطاة عن كل منها، كما في شخصيات نصي المثلين (5)، (8) إذ تمثل شخصيات (عمرو بن عمرو، ودختنوس بنت لقيط، وعمير بن معبد) صوراً لتعدُّد الشخصيات الرئيسية في نص المثل الأول، مثلما تمثل شخصيتا (تقن والريب) صورتين للشخصية الرئيسة في الثاني، فالنص يُقدَّم بوصفه ناتج خبرة تسهم ببلورتها أكثر من شخصية، تنمُّ عنها (الصيغة) وتكشف محتوى تجاربها.

تتوزع شخصيات نص المثل رقم (5) بين رئيسية وهامشية متجاوزة حضور الشخصيات الثانويّة، إذ أن النص يشمل شخصياته الثلاث بأنماط متساوية من التعريف تقدّمها معلومات (الاسم والكنية واللقب، والصفة الجسدية منها والمعنوية) التي تكشف رتبتها وتحدد موقعها كما في الجدول الآتي:

هامشية

ثانويّة

رئيسة

الشخصية

--

--

--

--

عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم

دختنوس بنت لقيط بن زرارة بن زيد بن عبد الله بن دارم

عمير بن معبد بن زراره

الخادمة

تتجسد الشخصيات الرئيسية الثلاث عبر تقديم خصائصها التعريفية على النحو التالي:

1-عمرو بن عمرو: الاسم: عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم

الكنية: أبو شريح

الصفة:

أ-جسدية: كبر سنّه

ب-معنويّة: أكثر قومه مالاً وأعظمهم شرفاً:

2-عمير بن معبد: الاسم: عمير بن معبد بن زرارة

الصفة:

أ-جسدية: شاب.

ب- معنويّة: قليل المال.

3-دختنوس: الاسم: دختنوس بنت لقيط بن زرارة بن زيد بن عبد الله بن دارم.

الصفة: - -

أ-جسدية: --

ب-معنويّة: ابنة عم عمرو بن عمرو.

ابنة عم عمير بن معبد

ويُلاحظ اعتماد النص صيغتي مثل (الصيف ضيَّعتِ اللبن، هذا ومذقةٌ خير) ترددان على لساني شخصيتين من بين شخصياته الرئيسية (عمرو بن عمرو، ودختنوس) في تأكيد مركزية حضورهما، مثلما يُلاحظ اختصاص شخصية (عمرو بن عمرو) بوجه من وجوه التكريم تقدّمه (الكنية) فتزيد من أهمية موقعه داخل النص. إن الكنية ترتفع برصيد الشخصيّة وتحقق لها حضوراً مضاعفاً تملك معه أكثر من نمط من أنماط التعريف، فالكنى "ليست ببساطة مجرد أسماء أساسها الابن الأكبر للشخص بل هي أشكال من المخاطبة للتشريف أو الشهرة" ، ومن المهم الإشارة إلى أن حضور الكنية في نصوص الأمثال لا يمتد محيطاً بالشخصيات الثلاث (الرئيسية والثانويّة والهامشيّة) بل يرتفع بخصوصية ارتباطه ببعض الشخصيات الرئيسة التي تكون بدرجة ما مركز التجربة فيُضفي عليها ملمحاً من الإجلال يستثمر من خلاله النص السردي تقاليد التسمية وأعرافها في الحياة العربية، من دون أن يقلل ذلك من أهمية الشخصيّة الرئيسة الثالثة التي مثّلت فضلاً عن حضورها الخاص نقيضاً للشخصية الأولى في صفاتها الجسدية والمعنويّة:

شيخ شاب

كثير المال قليل المال

مثلما عبّرت عن تغيّر المرأة وتقلّب أهوائها مما أفقدها الحاجة في عزَّ تطلّبها، بيد أنها تدافع، ربما في التفاته من النص لكشف قّوة رغباتها الجديدة، عن اختيارها. بينما نلاحظ تفاوت حضور شخصيات نص المثل رقم (8) بين رئيسية وثانويّة وهامشيّة على النحو الآتي

هامشية

ثانويّة

رئيسية

شخصية

--

تقن بنت شريق

(1)

--

الريب بن شريق

--

الضرة

--

الحميت

(2)

--

أبوه

--

سفيان بن شريق

--

الحي

(3)

تتجسد قدرة النص في التعامل مع شخصياته، كما تَقدَّم، من خلال تباين ما يُعطى من (معلومات) حول كل منها تدفعها لشغل مواقع متفاوتة، وتهيؤها وإن على نحو غير مباشر لتأدية أدوارها. ومن المهم الإشارة إلى أن بعضاً من الخصائص المعنويّة للشخصية لا تُقدَّم منفصلةً عن أفعالها، بل إن الأفعال في الغالب تسهم بكشف خصيصة معنويّة تحدد محتوى الشخصيّة وتضيء دوافعها، وهي صورة من صور تلاحم الوصفي بالسردي وعدم انفصال مهماتها في نصوص الأمثال، كما سنلاحظ ذلك في الفصل اللاحق، فالنص يهتم بما تُوَّفر لـه من مساحة سرديّة ببيان سمات شخصياته، الرئيسة منها على نحو خاص، مثلما يتوجّه لبيان أفعالها. وإذا كانت نصوص السرد العربي المعروفة على اختلاف أنواعها: ألف ليلة وليلة، المقامات، السير الشعبية، كليلة ودمنة، البخلاء، قد عملت على تقديم صور تعبيريّة عن شخصياتها هُيِّئت لها في معظم الأحيان مقاطع وصفيه منفصلة ، فإن نصوص الأمثال وبما عين لها من أهداف تقف معها في المنطقة الحرجة بين الواقع والأدب، وبين التجربة وإعادة إنتاجها بمصطلح البحث، تقتضي تعاملاً خاصاً مع الشخصيّة لتظل معه أكثر عناصر البنية السرديّة اتصالاً مع واقع تجربتها مرجع إنتاجها، فهي تعمل تحت تأثير حساسيتها هذه على تمثيل خصائص شخصياتها تمثيلاً سردياً تُدمج (صفة) الشخصيّة خلاله مع (أفعالها) وهي تُعدُّ في معظم الأحيان سبباً للفعل لما لصيغ الأمثال من دلالة على الطبائع الإنسانية وهي تقيم في اختلافها وتنوّعها أرضا خصبةً للتجارب والعِبر.

من هنا يكون توزيع الشخصيات إلى مستويات أمراً قائماً يجسده وضع الشخصيّة وفاعلية مشاركتها في واقعة النص، إذ يُلاحظ تدرّج التسمية بوصفها أولى المعلومات التي تُحدِد بها النصوص شخصياتها، تبعاً لتدرّج أهمية الشخصيات وارتباط الرئيسة والثانويّة جميعها بشخصية مركزية تمثّل وحدها المستوى الأول من مستويات حضور الشخصيّة، مع العلم بأن الشخصيات الرئيسة لا تنتمي جميعها إلى المستوى الأول على الرغم من تقارب المعلومات المعطاة عن كل منها، إذ أن تحديد المستوى يعتمد بالأساس مركزية حضور الشخصيّة وفاعلية دورها، كما يمكن ملاحظة ذلك على حضور شخصية (تقن بنت شريق) في نص المثل رقم (8) التي يُستمد من مركزية حضورها حضور باقي الشخصيات التي تتدرج في ارتباطها بها على النحو الآتي:

(1) تقن بنت شريق أحد بني عثم من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم

(2)الريب بن شريق (أخوها)

(3)تحت رجل من قومـ (ها)

(4)ضرتـ (ها)

(5)الحميت، إبن ضرتـ (ها)

(6)سفيان بن شريق أخو الريب، أخو (ها)

وهي سمة يُمكن ملاحظتها في معظم نصوص الأمثال التي تتوجّه لتقديم واقعة محددة من حياة شخصية تنبثق عن تجربتها صيغة المثل، مثلما يُلاحظ عليها ضعف حضور الشخصيات بين مستوى وآخر لتغدو مع شخصيات المستوى الأخير مجرد تسمية عامة لا يميزها جنس أو ضمير فتندفع إلى آخر المشهد مكتفيةً بدور (هامشي) يكمّل النص ويوسّع من فضائه فلا طاقة لها للإسهام بتّحول الحدث أو كشف عناصره لمحدودية المعلومات المعطاة عنها، كما يُلاحظ مع (الحي) في نص مثلنا:

(ثم لحق الحي وهم سائرون، فقال: مَنْ أحسَّ من بكرٍ أورقَ ضل من إبلي؟ فيقولون: ما رأيناه)

يُلاحظ مع المثل رقم (13) أسلوبٌ آخر في تقديم الشخصيّة وإضاءة سماتها يمثل منطقةً وسطى بين النصوص السابقة التي تكشف جواب محددة من الشخصيّة لا تتجلى فيها، رئيسة أو ثانويّة، إلا بما يتناسب مع حضور التجربة ويدخل ضمن حدودها الزمانية والمكانية، وبين شخصيات النوع اللاحق التي تعتمد وقائع عامة تتجاوز حضور التجربة وتوسّع من حدودها الزمانية والمكانية بما يؤثر على بناء النصوص أنفسها كما أشار الدكتور إحسان عباس "فإن الأمثال حول الأحداث يضبطها سياق متسلسل، بينا تجيء الأمثال حول "الأبطال" في صورة "عناقيد مفّرقة" ليس فيها وحدة الحكاية" ، إن تفرقة عناقيد النصوص إلى (حبّات) في تحوّلها من العناية بالحدث إلى العناية بـ (الأبطال) أسلوب يتطلّب مساحة سرديّة أوسع لتجلية الشخصيّة وكشف خصائصها بمختلف "الترسبات الحكائية والأسطوريّة التي تراكمت بفعل العملية الخيالية الإبداعية" كما سنلاحظ ذلك في المبحث اللاحق.

إن ما يهمنا هو ملاحظة دور (العناصر) في التأثير على طرائق صوغ النصوص ونُظم بنائها بما يهيئ لها إمكانية متباينة لمد جسور مع واقع خارجي تتحكم عبرها بنوع الصلة المقامة معه ومستوى المسافة الفاصلة بينها وبين مراجعها الواقعية. إن نصوص مبحثنا تعتمد من وضوح الشخصيات ما يُعدُّ مركزاً من مراكز متتالياتها وهي تسعى في سبيل تحقيق مركزيتها لتقديم أكثر ما يمكن من المعلومات كما في نص مثل رقم (13) وهو يوّسع من مساحة شخصية (السليك بن السلكة التميمي) على النحو الآتي:

1-الاسم: السليك بن السلكة التميمي أحد بني مقاعس: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة.

2-الصفة:

1.

جسدية: من أشد فرسان العرب

أجودهم عدواً

كانت أمُهُ سوداء

ب.معنويّة: أنكر فرسان العرب وأشعرهم

أدلُّ الناس بالأرض

3-اللقب: يدعونه سليك المقانب، والمقنب ما بين الثلاثين إلى الخمسين.

4-من أقواله: زعموا أنه كان يقول: اللهم إنك تهيئ ما شئت لما شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنتُ عبداً، ولو كنتُ امرأةً كنت أمةً، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة .

إن الغزارة النسبية في المعلومات توفر للشخصية وضوحاً يُمكّنها من الانتقال بين حبات النصوص في تراكيبها (عناقيد متفّرقة)، فالسليك يظل شخصية رئيسةً في متتاليتي نص المثل تنمو من خلال أفعالها الأحداث وتتشعب:

هامشية

ثانويّة

رئيسة

الشخصيّة

--

السليك

متتالية (1)

--

رجل (1)

--

رجل (2)

--

الرعاء

--

السليك

متتالية (2)

--

عمرو

--

عاصم

--

يزيد بن رويم

--

الابن

--

الزوجة

إن اعتماد رصيد الشخصيّة من المعلومات فاتحةً للنص يؤِّمن حضوراً نوعياً لها، تظل محافظة معه مهما اتسع نشاطها وتعدّدت تجاربها على صورتها الأولى، أو سماتها المقدَّمة عبر نمط التعريف المذكور، إن المعلومات المعطاة تُعين، وهي تؤسس نوعاً من (الرصيد) الإنساني، على فهم أفعال الشخصيّة وتسوّغ انتقالاتها، إن وظيفة ما يُمنح من معلومات بجملة أخرى وظيفة مركبة، تقدم ما ينبغي من الوضوح للشخصية داخل النص وتشير، في الوقت نفسه، إلى حضور خارجي -بغض النظر عن فعلية وجوده أو عدمه -يحقق اثنتين من خصائص واقعة المثل: مصداقيتها التجريبية وسبقها الزمني للحادثة التي تُستحضر الصيغةُ معها.

ومثلما تُلاحظ على النص عنايته التفصيليه بشخصيته الرئيسة يُلاحظ ما يعتمده من تسوية في تعامله مع شخصياته الثانويّة إلى درجة يُستخدم بها (التلخيص) في سبيل عدم تكرار فقرتين متشابهتين تضمان شخصيتين من شخصياته كما في شخصيتي الصعلوكين في نص مثلنا، الأولى بحضورها التفصيلي المتضمن الفعل والحوار، والثانية بتحديد حضورها من خلال ما وقع بينها وبين الشخصيّة السابقة من مماثلة:

(ثم قال لـه السليك: مَنْ أنت؟ قال: أنا رجل افتقرتُ فقلتُ لأخرجنَّ فلا أرجعنَّ حتى استغني فآتي أهلي وأنا غنيّ، قال: فانطلق معي. قال: فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعاً..) .

إن اعتماد المقطع السابق (التلخيصَ) في تقديم شخصيته الجديدة يُسهم في تحقيق وظيفتين من وظائفه، الأولى هي التقديم العام لشخصية جديدة، والوظيفة الثانية هي عرض الشخصيات الثانوية التي لا يتسع النص لمعالجتها معالجة تفصيلية ، مما يعزِّز من تراتيبه الشخصيات ويحقق لمستوياتها حضوراً ملموساً تؤدي كل منها، تبعاً لمستواها الخاص، وظيفة داخل نص المثل.

3-نصوص أخبار الشخصيّة وصيغ أمثالها:

إذا كانت الشخصيّة قد تجسدت في النقطتين السابقتين بوصفها عنصراً يُنتج داخل نص المثل بما يتماشى مع واقعة صيغته أحياناً، أو بما يُستفاد من محدودية أخباره خارج النص أحياناً أخرى، فإن (نصوص أخبار الشخصيّة وصيغ أمثالها) تتوّجه بالأساس لتنظيم تجارب نوع خاص من الشخصيات يملك حضوراً مسبقاً ممتداً في إرث الجماعة الحكائي، مثلما يحمل العديد من التعالقات الأسطوريّة التي يصعب معها حصر تأريخيته أو الوقوف على مرجعية مُعينّة له، إذ يكون مسوّغ حضوره داخل النصوص هو ما أثر عنه من صيغ ارتبطت بشخصياته لما اشتهر عنها من سمات جسدية أو معنويّة أو ما تناقل من أخبار وقائعها، بما يهيئ لنصوص الأمثال، مثلما هيأ لنصوص سرديّة غيرها، مادةً ثرّيةً لصوغ متتالياتها.

بناءً على ما تقدم يمكن أن نحدد، بدءاً، انفصالاً أساسياً بين النوعين مفاده اقتصار شخصيات النوع الأول على صور مُعيّنة تحيا تداخل نصوص الأمثال وتتنوّع وقائعها بتنوع الصيغ وتعدّدها، بينما تشكّل شخصيات مبحثنا حضوراً مختلفاً يستمد وجوده من قوّة وجود خارجي تشكّلت الشخصيّة فيه لعمقها وامتداد ظلالها من مجموعة متراكبة من الطبقات إلى الدرجة التي يشعر معها دارس هذا النوع من الشخصيات أنه إزاء عدة أشخاص يحمل كل منهم الاسم ذاته، كما في شخصية لقمان التي تسحب وراءها خليط ظلال آشوريّة وفرعونيّة وسريانيّة وعربيّة، وليس بينهم لقمان الذي ورد ذكرهُ في القرآن الكريم أو حتى لقمان صاحب النسور، إذ أن القصة نفسها يُرجَّح إنتاجها بين 650 -500 ق. م كما يُشير الأستاذ أنيس فريحه ، بما يمنح نصوص الأمثال وهي تختص بجانب مُعيّن من الجوانب العديدة لتلك الشخصيات، ميّزة مهمةً تُسهم من خلالها بصياغة وجه من وجوه ثراء النص السردي العربي، فالشخصيّة التي يتشكّل حضورها في الميثولوجيا وتتردد أصداؤها في الحكايات الشعبيّة والمسامرات تنبعث حيّةً، واضحة الملامح، في كتب الأمثال التي تعمل في إعادة إنتاجها على وفق نظام سردي كما في كتاب (المفضّل الضبّي) وبحسب صيغ أمثالها التي تُعدُّ، هذه المرَّة، مفتاحَ حياتها وربما استلهمت هذه النصوص جانباً مُعيّناً من جوانب الشخصيّة، وسمةً من سماتها تتجلى بوصفها (حافزاً حراً Motiflibre) ، يُسهم بصياغة نصوص الشخصيّة مهما امتدت وقائعها وتعدّدت صيغ أمثالها، كما في شخصية (امرئ القيس) التي تكتفي نصوص كتاب أمثال المفضّل الضبّي بما تناقل عنها من عجز مع النساء، هذه الشخصيّة التي كانت سعة أخبارها وتضاربها مسّوغاً للارتفاع بها إلى مصاف الأسطورة إذ إن "امرئ القيس، إن يكن قد وجد حقاً. فإن الناس لم يعرفوا عنه شيئاً إلا اسمه هذا، وإلا طائفة من الأساطير والأحاديث تتصل بهذا الاسم" ، نراه يتجلى مع كل نص (مئناثاً مفّركاً يفتقد أهم ما يُطلب في الزواج وما من أجله تتزّوج المرأة) وقد تستثمر النصوص في بناء نسائجها السرديّة ما عُرف عن الشخصيّة من أخبار بوصفها مرجعاً حكائياً تشترك فيه مع نصوص السرد العربي، مثلما تشترك فيه مع كتب تاريخ الأدب العامة، فهي بذلك، تعمل على إعادة إنتاج جانب من المتخيل العربي في عملية تمثيل سردي عمادي (صيغ أمثال الشخصيّة) ومادتها (ما عُرف من أخبارها)، وربما واجه الباحث سؤال حول أهمية ما تؤديه كتب الأمثال، وكتاب الضبّي منها على نحو خاص، إذا كانت المادة موجودةً كلاً أو تفصيلاً قبل هذه الكتب، سيمثل السؤال فرصةً لتأمل النظام الأدبي بوصفه طريقةً لأداء العقل، فالمادة التي طُرحت سابقاً سواء ما تعلّق منها بشخصية امرئ القيس أو بسواه تهيئ الإمكانية لإنتاج تآليف متنوعة، تبعاً لقدرة العقل وقابليته على اقتراح سبل جديدة للتأليف، فالواقعة النصيّة هنا تتفتح، في وجه من وجوه ثراء كتب الأمثال، في إمتياحها من مياه مُتعدّدةٍ في سبيل توطيد صيغ أمثالها بوصفها ثمار تجارب جماعية.

ويمكن الإجابة عن اختصاص نصوص أمثال المفضّل الضبّي من حياة امرئ القيس وأخباره بجانب علاقته بالمرأة وما نتج منها من صيغ أمثال باهتمام الكتاب الواضح بالعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة -وفي الغالب الجنسية -الأمر الذي لفت اهتمام معظم الباحثين الذين تطرقوا لدراسة الجانب الموضوعي من الكتاب، وفحص منظوره للعصر الجاهلي وطبيعة علاقاته الاجتماعية على نحو خاص . بيد أننا نلمس مقدار الخسارة التي مُني بها هذا النوع من الأدب بتركيزه، لغاية ما، على جانب محدد من العلاقات الإنسانية التي كان يمكن لها أن تُقدِّم بتشابكها والتحام عناصرها صورةً بانورامية للعصر الجاهلي -بغض النظر عن حقيقة وقائعها، إذ إنها تعالج، بجملة الدكتور عبد المجيد عابدين، أمثالاً تصوّر في صياغتها وموضوعها نزعةً جاهليةً -مثلما توفر بتشعب موضوعاتها وغزارة تفاصيلها فرصةً مهمّةً للارتفاع ببناء نصوصها.

يُلاحظ على نَصّي صيغ أمثال (امرئ القيس) (39)، (47) اعتمادها الخبر المذكور مسّوغاً لإضاءة واقعتي الصيغتين (أصبح ليل، ومرعىً ولا كالسعدان) مع إضافة مناسبة صيغة المثل (اليوم خمرٌ وغداً أمرٌ) في ختام النص الثاني في خبر مختزل. إن اعتماد النص تقديم صفة الشخصيّة وتحديد بعض شؤونها مع النساء يُسهم بإنجاز صورةٍ مُعيّنة لها لا تتغيّر بتغير النصوص والصيغ، بل إن الصيغ تعتمد على ما يقوم بين الشخصية وباقي شخصيات النصين، وهي شخصيات نسائية، من علاقات مركزها الصفة المعلنة بما يُسهم بإنتاج أفق محدد لتجربتها داخل نصوص الأمثال.

يتضح ذلك أكثر عبر تحوّل النص في تقديمه صفة الشخصيّة من (الإخبار) إلى (الحوار) لتأكيد حضورها بين الاستهلال والمتن، فإذا كانت جملتا استهلال النصين تقومان على ما يُنتقى من صفات الشخصيّة وسمات حياتها فإن ا لحوار يعتمد مواجهة (الصفة) والشعور بها عبر الشخصيات أنفسها وهي تقع تحت وطأتها وتعاني من ربقتها كراهيةً ونكراناً، بما يتطلب توّجه النص لاستضافة بعض ما أثُر عن الشخصيّة وتطويعه لصالح واقعة صيغته كما في النص رقم (39) وهو يُعمّق أثر صفة شخصيته الرئيسة عبر الحوار الآتي:

"فلما أصبح قال لها: قد رأيت ما صنعتِ الليلة، وقد عرفتُ إن ما صنعتِ ذلك من كراهية مكاني في نفسك، فما الذي كرهت مني؟ قالت: ما كرهتك، فلم يزل بها حتى قالت: كرهت منك أنك خفيف العجزة، ثقيل الصدرة، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة.." .

تَحدُّ هيمنةُ الصفة المحورية في نَصّي (امرئ القيس) من فاعلية الشخصيّة وتنّمط علاقاتها مع سواها من الشخصيات، على الرغم من تَعدُّد صيغ أمثالها، على العكس مما يشغله حضور شخصية (لقمان) من مساحة تتعدّد خلالها الصفات وتتداخل الأخبار إلى الدرجة التي يُلمس بعضُ التناقض في تقديمها سببه اختلاف الأخبار وهي تصور القوّة والحكمة مثلما تصّور الضعف والوهن، من دون أن تفصل بينها فواصل سرديّة زمانية أو مكانية يمكن أن تُشير لتغير أحوال الشخصيّة وتسوّغ التباين الحاصل بين صفاتها، بما يؤكد جانباً من حضورها (الإشكالي) في الأدب العربي القديم، لقدمها البالغ، وتعدُّد صورها، وتناقض صفاتها أحياناً بين المظان المختلفة: الأسطوريّة والشعبيّة والدينيّة، وقد لعبَ ذلك دوراً في تقسيم شخصية لقمان إلى مراحل تتسم في كل منها بصفات خاصة، فقد زعم ( Heller) أن شخصية لقمان مرّت بثلاث مراحل:

أولاً. مرحلة جاهلية: وفيها يتراءى لقمان الأسطوري.

ثانياً: مرحلة قرآنية: وفيها يبدو لقمان بصورة يسودها الصلاح والحكمة، كما في قوله تعالى: ولقد آتينا لقمان الحكمة

ثالثاً. مرحلة متأخرة: وهي المرحلة التي نُسج فيها ولفّق قصصٌ كثيرة يخص الشخصيّة.

ويؤكد د. شوقي ضيف عدم صحة تقسيم ( Heller) لأن لقماناً، حسب تصوره، ليس شخصاً واحداً يمكن تقسيم وجوده إلى مراحل، بل شخصيتان، الأولى تُعنى بها كتب الأمثال، والثانية تعنى بها كتب الفقه والتفسير ، إن توزع أخبار شخصية (لقمان) بين النصوص (62، 64، 66) بتعدُّدها (ثمانية أخبار) وتباين حصيلتها من الصيغ: النص الأول (تسع صيغ) النص الثاني (أربع صيغ) النص الثالث (صفر) يفتح مجالاً متسعاً لاحتضان عدد وافر من الشخصيات التي مثّلت شخصية (لقمان) مسوغاً لاستحضارها كما في النص رقم (66) الذي يجعل من (لقمان) مناسبة نصيّة لخلوه من الصيغ، إذ يتشكل الخبر وتتنوع وحداته بما يكون بينها وبين الشخصيّة الرئيسة من تلازم واتصال، وهو يهيئ فضلاً عن ذلك فرصة مثلى لاستحضار صفات لقمان الإعجازية بعد أن كَبُر، على لسان جاريته التي تُعدُّ لحكمتها وذكاء ردودها، وهي تعيش واقعة اختبار بالغة القدم مع قوم من (العمالقة) البائدة ، صدى لشخصية مركزية مثل شخصية (لقمان) التي يمكن ملاحظة صفاتها الإعجازية المُقدَّمة خلال منظومة أخبارها.

تقودنا النقطتان السابقتان (تَعدُّد أخبار الشخصية وتناقضها أحياناً، وانفتاح النصوص لاستحضار عدد وافر من الشخصيات الثانويّة والهامشيّة) إلى النظر في إمكانية الشخصيّة على النهوض بمهمتي النص الأساسيتين: الإخبار والتمثيل، وهي تتحرّك بتعدُّد صورها على مساحة سرديّة متسعة تمكّنها من تجاوز هيمنة صفة مُعينّة، كما في نَصّي (امرئ القيس) بل إنها تحقق من الأهمية لشخصياتها الثانويّة ما يمنحها فرصةَ التعبير عن نزوعاتها ورغباتها، أي إن النصوص تعمل على بلورة صفات هذه الشخصيات، لا الشخصيّة المركزية حسب، وهي تَمدُّ شبكة علاقاتها مع الشخصيّة الرئيسة، وفيما بينها بدرجة أقل، مما يسمح بتشكيل مستوى أول يستمد فاعليته من حضور شخصية (لقمان) التي بقيت حتى في حال انسحابها عن الحدث، كما في النص

رقم (66)، مركز حركته.

بخلاف نصوص أمثال أيام العرب حيث تظهر الشخصيات وتختفي تبعاً لإرادة (الحدث) وهو يُقيم بُعدَه المركزي في بناء النصوص، تُقدِّم نصوص أمثال الشخصيّة صورةً مقرَّبةً لشخصية محددة تُسهم الأخبار بامتداد أحداثها، وتواشج متتالياتها، بإضاءة صفاتها وتجلية وقائع صيغتها. يغدو الحدث في نصوص أمثال الأيام كلما تداعت الوقائع واتصلت النسائج نقطةً مولِّدةً ينشغل النص بمتابعة آثارها على الناس والأشياء، ليكون النص عندئذ صدىً لواقعة محددة، بينما تسعى أخبار الشخصيّة وصيغ أمثالها إلى خلق مساحة سرديّة خاصة تمارس فيها الشخصيّة وجودها شبه المستقل ضمن فضاء الكتاب العام، إنها تُقدَّم مثل لوحة فسيفساء كبيرة كل قطعة صغيرة منها ترصد صفةً من صفات الشخصيّة من دون أن تنظر لما يكون بين صفات القطع الصغيرة من تناقض واختلاف ضمن حضور الشخصيات بتباين مواقعها وتواتر علاقاتها، وإنتاج الصيغ التي تُضيء مهما ابتعدت عن الشخصيّة الرئيسة سمةً مُعيّنةً من سماتها، كما في الجدول الآتي:

نص رقم (62)

صيغ الأمثال

الصفة

هامشية

ثانويّة

رئيسة

الشخصيّة

على أهلها تجني براقش.

صاحب غنم

لا يطعم لحوم الإبل

--

لقمان

تقن

أخوتها

خبر (1)

هذا حرٌّ معروف..

ذو أدب ودهاء

--

--

--

لقمان

أخته

زوجته

زوج أخته

خبر (2)

ذنب صحر..

لقم: من أحزم الناس وأنكرهم.

--

--

--

لقمان

لقيم

صحر

خبر (3)

كان برحل باتت.

برحلها باتت لقم.

أشبه شرجٌ شرجاً..

في نظم سيفك ما ترى..

لي الغادرة والمتغادرة...

الغزو إذا اشتد الشتاء

--

--

لقمان

لقيم

خبر (4)

سدَّ ابن بيض الطريق

قطع الطريق

--

--

--

لقمان

ابن بيض التاجر ابنُه

خبر (5)

نص رقم (64)

رمُيتُ فَرَميت..

الخداع والمكر

--

--

--

لقمان

عمرو بن تقن

كعب

خبر (1)

لا فتى إلا عمرو.

إحدى حظيات لقمان

أضرطاً آخر اليوم

--

--

--

لقمان

المرأة

عمرو

خبر (2)

نص رقم (66)

حدّة البصر.

كثرة الأكل.

دقة الرماية.

القوّة.

--

--

--

--

لقمان

الجارية

أَمَة

ثمانية من سادة العماليق

خبر (1(

يكشف الجدول عن فاعلية أداء شخصيته الرئيسة والثانويّة، حيث تُسهم الأخيرة بتطوير الحدث وتنظيم تغيراته وهي تُقيم علاقةً متكافئة مع الشخصية الرئيسة، فيُقدِّم النصان (64)، (66) مثلما يُقدّم الخبر رقم (2) من النص الأول فرصةً للارتفاع بحضور الثانويّة، وهي تفكر وتعمل في سبيل تحويل أفكارها إلى وقائع تغيّر من مجرى النصوص، لنكون مع الخبرين (3) و(4) من النص نفسه بمواجهة شخصيتين رئيستين هما (لقمان) و(لقيم) اللتان تجسدان بتوازن الفكر والتجربة بينهما صورةً لرغبةِ شخصيةٍ سابقةٍ هي أخت (لقمان) التي تمنّت أن يكون لها ابن يحمل صفات خاله. إن نصوص أخبار الشخصيّة، بذلك، تتسع باتساع شبكة علاقات شخصيتها الرئيسة، من دون أن يؤثر ذلك في وضوح الشخصيات الثانويّة ويقلل من قدرتها على التعبير عن رغباتها، وإذا كان الحدث قد امتدَّ بين السبب والنتيجة، كما لوحظ في الفصل السابق، فإن شخصيات هذه النصوص تولد وتنمو نتيجةَ رغبةِ شخصيةٍ سابقة تُسهم على نحو واضح بتطور مجرى الحدث وخلق نوع من التوازن بين شخصياته.

/ 89