2- القصة ثنائية الأحداث - سرد الامثال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سرد الامثال - نسخه متنی

لؤی حمزة عباس

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

2- القصة ثنائية الأحداث

تُقدِّم القصة ثنائية الأحداث إنموذجاً مهماً من بين نصوص أمثال (المفضّل الضّبي)، على الرغم من ضعف نسبتها أمام نسبة القصة أحادية الحدث، إذ أنها تشكل (5.7%) من مجموع الأمثال بيد أنها بتحولها من نسق التتابع إلى نسق التنضيد، وعنايتها بقصص (الشخصيات) تقدم مقترباً آخر لتأمل سردية نصوص الأمثال وفحص أساليب صياغتها، فإذا كان نسق التتابع يقوم بالأساس على تقديم أحداث القصة جزءاً بعد آخر، فإن نسق التنضيد يتوجّه لتقديم تتابع قصصي تستقل كل قصة فيه عن الأخرى ((تصل فيما بينها شخصية مشتركة)) مما يمنح الخبر فرصة أكبر في التنظيم وهو يستجيب لرابط فني لم يكن يتوفر في نصوص القسم الأول باعتمادها تقديم خبر محدد بمتوالية تامة، أو غير تامة، أحادية، أو مزدوجة ترتبط بالحدث وبسبل أدائه بالدرجة الأساس، في حين تواجهنا القصة ثنائية الأحداث باستجابتها لنسق التنضيد- الذي لا يقل بدائية وشيوعاً عن سابقه- بوضوح عنايتها بشخصية معينة إنما تتوحد في إطارها الأحداث ويعتمد نص المثل سرد وقائعها، كما يوضح الجدول الآتي:

صيغة المثل

الأحداث

الشخصية

رقم المثل

ت

أسرع من نكاح أم خارجة

ماله أُلَّ و غلَّ

أ.خبر نكاح أم خارجة

ب.خبرها مع بعض ولدها

أم خارجة

10

1.

إن الليل طويل وأنت مقمر

أضرطاً وأنت الأعلى

العاشية تهيج الآبية

أ.صفته وخبر خروجه للغزو

ب.خبر آخر من أخبار غاراته

السليك بن السلكة

13

2.

بمثل جارية فلتزن الزانية

عوف يرنأ في البيت

أ.خبر وقوعه على امرأة من خثعم

ب.خبر ابن جارية من المرأة

جارية بن سليط بن الحارث

19

3.

رُميتُ فرَميت..

لا فتى إلا عمر

إحدى خطْيات لقمان

أضرطاً آخر اليوم..

أ.خبر لقمان والإبل

ب.خبره مع امرأة بن تقن

لقمان بن عاد

64

4.

استنوق الجمل

-------

أ.خبره طفلاً مع المتلمس

ب.خبر مقتله

طرفة بن العبد

87

5.

قد تقوم قصة المثل، كما في القسم السابق، على تقديم أحداثها في متتالية تامة أو مجزوءة تُطوى إحدى حلقاتها ويُختزل أثرُها في حلقة لاحقة بما يمكننا من تأشير الحلقة المفقودة وتعيين أثرها، ولا تكتفي القصة، كما يبين الجدول، بخبر واحد فهي تنفتح على خبرين توحِّد بينهما شخصية معينة، وتضم عدداً من (صيغ الأمثال) يستجيب لتنوع الأحداث التي توسع من مساحة (الخبر) وتزيد من مدى حلقاتها بما يهيئ المجال لتلمّس أنساق ضمنية تنتظم داخلها الأحداث وتتعدد الصيغ. وتجدر الإشارة إلى الصلة بين الخبرين وهما يتنضدان في قصة واحدة تتوجه بالأساس لجمع أحداث قد تتفق موضوعياً كما في المثلين (10)،

(13) اللذين يتوجهان للجمع بين خبرين متآلفين يكشف الأول بعضاً من سيرة أم خارجة، ويلتقط الثاني خبرين من أخبار غارات السليك بن السلكة، وقد ينفصل الخبران موضوعياً على الرغم من اتفاق شخصيتيهما كما في الأمثال الأخيرة (19)، (64)، (87)، فيقدم المثل الأول خبر مثل جارية وإعجاب امرأة من الخثعم به، وهو يتوجه في خبره الثاني لسرد بعض من طبائع ولدهما، مثلما تقدم قصة المثل رقم (64) في أحداثها خبرين منفصلين من أخبار لقمان بن عاد، وتقدِّم قصة المثل الأخير إنموذجاً مختلفاً يُلتقط فيه خبران من أخبار طرفة بن العبد يتوزعان بين طفولته ومقتله من دون أن تضاء المدة الفاصلة بينهما. إن فاعلية نسق التنضيد وحيويته تمنح نص المثل فرصة لتطوير نُظم صياغته وتأمين مساحة أوسع لإنتاج مناسبة سردية لاحتضان (صيغ الأمثال) التي ستتعدد هي الأخرى بتعدد وحدات نصل المثل وتعقّد أحداثها، كما في المثل

رقم (13):

1.توازن: السليك بن السلكة التميمي من أشد فرسان العرب وأكثرهم شعراً

2.عملية التغيير: افتقر حتى لم يبقَ لـه شيء (سبب)

خرج رجاء أن يصيب شيئاً. اشتمل الصماء في ليلة باردة (نتيجة)

بينا هو نائم جثم عليه رجل قصد أسره

السليك يقول: (إن الليل طويل وأنت مقمر)

الرجل يؤذي السليك، يُخرج الأخير يده فيضم الرجل ضمّةً ضرط منها

السليك يقول: (أضرطا وأنت الأعلى)

يتحادثان ثم يتبيّن السليك فقرَ صاحبه، فينطلقان معا

يصادفهما رجل قصته مثل قصتهما فيمضون جميعاً

يصلون جوف مراد الذي باليمن وإذا نعَمٌ قد ملأ كل شيء

السليك ينفصل عن صاحبيه ليستطلع حال الحي

يتيبن بُعدَ رجال الحي إن طلبوا لم يدركوا

يكيد برعاء الحي فيغني منادياً صاحبيه:




  • يا صاحبيّ ألا لا حي بالوادي
    أنتظران قليلاً ريث غفلتهم
    أم تعدوان فإن الريحَ للعادي



  • إلا عبيدٌ وآمٌ بين أذوادٍ
    أم تعدوان فإن الريحَ للعادي
    أم تعدوان فإن الريحَ للعادي



3.توازن جديد: صاحبا السليك يسمعان غناءه فيأتيانه، يطردون الإبل ويذهبون بها من دون أن يلحق بهم أحد.

2.عملية التغيير: خرج السليك ومعه عمرو وعاصم للإغارة (نتيجة/ب)

مروا على بني شيبان وهم مخصبون

السليك يُغير على بيت يزيد بن رويم الشيباني

الشيخ يزيد وامرأته بفناء البيت، لم يلبث أن أراح ابن لهما إبله

الشيخ غضب وقال لابنه: هلا كنت عشيتها، قال الابن: إنها أبت العشاء.

قال الشيخ (العاشية تهيج الآبية) ثم أرجعها إلى مرتعها حتى رتعت.

الشيخ يرجع إلى العشاء مغطياً وجهه بثوبه من البرد.

السليك يتبع الشيخ ثم يضربه فيطير رأسه.

3.توازن جديد: السليك يصيح بالإبل فيطردها، يعاونه صاحباه عليها

يهيئ نص المثل رقم (13) فرصة لملاحظة عدد من التغيرات الحاصلة على نسيجه السردي، وهو يعمل على تطوير موضوعه منوّعاً تفاصيل خبَريه، ويشمل عدداً أكبر من (الصيغ) التي يكون السرد بتنوعه وانفتاح أفقه حاضناً لها. يُلاحظ، منذ البدء، اعتماد الخبرين سبباً واحداً (افتقار السليك حتى لم يبقَ لـه شيء) مثلما يعتمدان (توازناً) هو نوع من العرض أو تقديم الشخصية المركزيّة بما عليه صفتها وما عُرف عنها بما يؤمِّن المجال لحضور (الخبر) في قصة المثل بوصفه واقعةً أو تجربةً معلومةً يُعيد النص تنظيم وحداتها ويحدد مواقع صيغها، محققاً نوعاً من الصلة المضافة التي يسري بين طرفيها- خبريها- حكم (زعموا أن) وهي تعمل في وقت واحد استهلالاً لنص المثل وصيغة وصل بين قسميه، فالنص بذلك يُقيم أكثر من صلة بين القسمين: موضوعية وإطارية، تُسهم الأولى بإضاءة صفة الشخصية وتعيين وحدات التغيير في تجربتها التي يقوم نص المثل على تنظيمها وإعادة إنتاجها، وتعمل الثانية على تنظيم نسيج السرد وهو يتحرك من خبر إلى آخر، بما يفسح مجال حلقات متتالية ويوسّع حدودها لتضم قصصاً أصغر قد تعد محاولة لملء فراغ العمل، أو بحثاً عن التنويع، الذي لا يكتفي السرد معه بإضاءة حدثه داخل حدود خبر معيّن كما في (القصة أحادية الحدث)، بل يعتمد قصصاً ثانوية تقوم معها قصة المثل بدور الإطار حسب تعبير شلوفسكي، وهي توحِّد أجزاء القصص الصغيرة وتنظم مجال عملها، وقد تعتبر بالإضافة إلى ذلك نوعاً من تعليق الحدث الأساس والانشغال بحدث آخر لا يتشكّل إلا داخل حدود الحدث السابق، بما يُعد مسوّغاً مناسباً لتقديم أكثر من (صيغة مثل)، فالصيغ الثلاث الواردة في المثل رقم (13) تنتمي لتنويعات الخبر أكثر من انتمائها للخبر نفسه، وإذا كانت الصيغتان الأوليان (إن الليل طويل..) و(أضرطا..) قد انبثقتا عن فعل يرتبط بالشخصية الأساسية لنص المثل (السليك بن السلكة التميمي)، فإن الصيغة الأخيرة (العاشية تهيج الآبية) لم تنبثق إلا نتيجة حوار بين شخصيتين ثانويتين (يزيد بن رويم وابنه) وهما بالأساس وليدتا تنويع يقدمه الخبر الثاني.

ويُلاحظ على نص المثل عدم عنايته بما يكون بين خبرية من اتصال زمني، فهما من عموم أخبار الشخصية التي يمثل النص مناسبة لاستحضارهما معاً، ويمكن أن يُقدَّم أيٌّ منهما على الآخر من دون أن يؤثر في موضوعية قصة المثل أو يغيّر من قيمة حضور كل منهما، فالنص يتشكل بوصفه إطاراً سردياً مناسباً لتآلف الخبرين ولخلق مسوغ موضوعي لتلاحمهما دونما رابط زمني معين، إنهما نقطتان، أيُّ نقطتين، على منحنى حياة الشخصية، الأمر الذي يتطابق فيه المثل رقم (13) مع المثلين (10) و(64) وهي تقدم بنصوصها الثلاثة إنموذجاً يخضع لعمومية التأليف واعتباطيته الزمنية، على العكس من نَصي المثلين (19) و(87) اللذين يلحق الخبرُ الثاني في كل منهما الخبرَ الأول زمنياً، وينبني عليه موضوعياً، وإن ظلت المسافة بينهما مجهولة إلا بما يقترحه موضوعا النصين من تواشج بين زمنيهما، ففي نص المثل رقم (19) تكون المسافة الزمنية بين الخبرين هي عُمْر ابن جارية الذي تمتد زمنية الخبر الأول منهما من وقوع (جارية بن سليط بن حارث) على امرأة من خثعم بعد أن استحسنته المرأة في سوق عكاظ حتى فطام وليدها لراس ثلاثة أحوال ولقائهما في عكاظ أيضاً فدفعت المرأة الغلام إليه فسماه عوفاً، في حين يتوجّه الخبر الثاني لذكر بعض من صفات عوف وبأسه وقد كبر وشب.

ويقدم نص المثل رقم (87) إنموذجاً يُضاء فيه طرفا عمر الشخصية، طفولتها ومماتها، بما يقترح مسافة زمنية ممتدة بين الخبرين امتداد حياة الشخصية نفسها، إن المدة الزمنية المغفلة بين الخبرين تكشف عنها طبيعة الحدث ومستوى التلازم يبن خبريه بما يفتح المجال لنوع من النبوءة والرصد لم يكن ليتضح في القسم السابق من النصوص، فارتباط الخبر الثاني بالأول، وانشغالهما بشخصية معينة أو بشخصيتين معينتين كما في نص المثل الآتي، يُهيئ للخبر الأول فرصة التنبؤ ورصد بعض أحداث الخبر الثاني، كما يُهيئ للخبر الثاني بناء على ما تقدم من كشف لشخصيتيه فرصة التنبؤ بنهاية إحداها ورصد خاتمة نص المثل على النحو الآتي:

نص المثل (87)

1.توازن: المتلمس أشعر أهل زمانه يُنشد في مجلس بني قيس بن ثعلبة.

وطرفة بن العبد يلعب مع الغلمان.

2.عملية التغيير: أقبل طرفة مع الغلمان يسمعون. (سبب)

3.فقدان التوازن: المتلمس يُنشد:

وقد أتناسى الهمَّ عند احتضاره

بناجٍ عليه الصيعريةُ مُكدم

طرفة يقول: (استنوق الجمل) (صيغة مثل)

المتلمس يغضب وينظر إلى لسان طرفة قائلاً:

-ويل لهذا من هذا. (نبوءة 1) (نتيجة)

1.توازن: عمر بن المنذر بن امرئ القيس، عم النعمان، يرشح أخاه قابوساً ليملك بعده

2.عملية التغيير: قدم عليه المتلمس وطرفة فجعلهما في صحابة قابوس وأمرهما بلزومه

قابوس يجهد الشاعرين ولا يمنحهما أذناً صاغية (سبب)

طرفة يهجو قابوساً (نتيجة)

3.فقدان التوازن: قابوس يذكِّر عبد عمر بن بشر، ابن عمر طرفة، وكانت بينهما عداوة بهجاء طرفة لـه (سبب/ب)

عبد عمر يُنشد هجاء طرفة لقابوس (نتيجة ب)

4.عملية التغيير: قابوس يكتب لعامله على هجر أن يقتل المتلمس وطرفة

أخبرهما أنه قد كتب لهما بحباء ومعروف، ثم أعطى كلاً منهما صحيفته

(نتيجة ب/2)

المتلمس يدفع صحيفته لغلمان يقرأون عليه أمر قابوس فيلقي صحيفته في الماء.

يقول لطرفة: أطعني وألقِ كتابك (نبوءة/2)

طرفة يعارض، حتى أتى به عامل قابوس فقتله.

يُلاحظ تطور سمة النبوءة في نص المثل مع انفتاح النص على خبرين متواشجين، فإذا كانت المتتالية الأولى في نص المثل رقم (88) من أمثال القسم الأول (القصة أحادية الحدث) قد قدّمت إرصاداً لحدث لاحق هو هلاك الأخ بلدغة الحية، كما تقدم، فإننا مع نص المثل رقم (88) لنكون بمواجهة مستوى آخر من النبوءة والرصد يُعد فيه الخبر الثاني جميعه فضاء سردياً لتحقق نبوءة الخبر الأول واكتمال دائرتها، فالويل الذي أنذر المتلمس به طرفة من لسان طرفة إنما يتحقق بهلاك الأخير ونجاة المتلمس، وكان حرياً بهما أن يهلكا معاً، ولكن للسرد إرادته التي تقرر مع اقتراب الخاتمة إطلاق نبوءتها الثانية على لسان المتلمس أيضاً بصيغة الطلب هذه المرة (أطعني وألقِ كتابك)، لكن تمام النص لا يكون إلا بانحراف طرفة عن طاعة المتلمس لطاعة أمر السرد.

3-القصة عنقودية الأحداث:

يدعونا هذا القسم من أقسام نصوص أمثال (المفضّل الضّبي) وهو يمثل نسبة (7.9%) إلى معاينة نص المثل بوصفه (منظومة خبرية) تتوجه عبر إطاري الشخصية والموضوع إلى مغادرة ما سعت الدراسة حتى الآن لكشفه وبيان أساليب صياغته: وهو إنتاج مجال سردي مناسب باعتماد واقعة معينة تمثل حاملاً خبرياً لصيغة المثل، يتحقق بينها وبين صيغة المثل من التلازم ما يشير إلى عمق الوشائج بينهما وبما يُعلن أهمية مزدوجة، فيروى خبر التجربة بمسوغ صيغة المثل، والصيغة لم تكن لتخلق مجال تداولها بغير الخبر، لكننا نلاحظ في قصص هذا القسم سعي النصوص لتقديم إنموذج توجه الخبر فيه عناية خاصة يمتد معها خارج دوره السابق، لتتراجع عندئذ صيغة المثل أمام هيمنة الخبر وأهمية حضوره وفاعلية نظامه السردي التي تجترح موقعاً خاصاً في كتاب (أمثال العرب)، ينحرف من خلاله لمدِّ أفق أحداثه وتنويع مجرياته ووقائعه باتجاه أيام العرب وملاحمها وغريب حوادثها التي لا تكتفي بخبر مجزوء أو حضور عارض، بل تشكل قابلية مضافة تتلاحم معها الأخبار وتتواشج الوقائع مؤيدة وحدة المظهر والنسيج الداخلي التي تمثلها ((ملحمية هذه الأيام وتنفي عنها صفة الثبات التي لاحقتها من تجزئتها وضعتها في مختلف الكتب))، لتشكل وحدة النسيج عاملاً أول يُعِدُّ نص المثل بامتداده وتنوع موضوعاته لاحتضان مادة روايات الأيام، بالإضافة إلى السمة الملحمية التي هيأت لنص المثل بثرائها وتشعّب موضوعاتها، وباختلاف الأنساق السردية التي تتشكل منها بنيتها مثل الأسطورة والحكاية الخرافية والقصص المتعلق بأعمال البطولة مساحة أوسع: سردية وموضوعية، فهي فضلاً عن كونها أطول نصوص الكتاب- وتلك واحدة من سمات الملحمة التي يُشير أرسطو إلى ما يمكن أن يؤتى فيها بفضل أسلوبها الروائي السردي من ((أجزاء كثيرة تفعل في وقت واحد))- تمثل أكثر مواده غزارة وأقربها إلى التاريخ الأسطوري كما مثلته على نحو خاص قصتا لقمان والزباء، ويمكننا توزيع نصوص القصة عنقودية الأحداث إلى قسمين يضم الأول منهما نصوص الأمثال (33)، (38)، (62)، (83) وهي بانشغالها الكامل بشخصية معينة تعمل على تنظيم مجرى أحداثها على وفق ما تقترحه سمات الشخصية من قوة، أو غرابة، أو حمق ليرتفع النص ببناء أحداثه من تواتر متوالياته إلى نوع من التواشج يمثل منطقة بنائية وسطى بين كل من القسمين السابقين وهما يؤمِّنان لمتتاليات أخبارهما تواتراً ملحوظاً والقسم اللاحق وهو يعمل بامتداد أخباره وانفتاحه على أيام العرب وملاحمها على إعادة إنتاج أخباره الصغار، كما ستبين الدراسة، في خبر واحد كبير.

إن نصوص أمثال سعد بن زيد مناة، وبيهس، ولقمان، ودغة، تقدم في كل خبر من أخبار أمثالها منظومة صغرى تنطوي في غالب الأحيان على أكثر من صيغة فالتشكيل العنقودي للأحداث يكون استجابة لتطلع النص للانفتاح على التجربة ومدِّ خزين أحداثه على النحو الآتي:

صيغ الأمثال

الأخبار

صاحب المثل

رقم المثل

ت

قد لا يقاد بي الجمل

والله لا أرى سن الحسل

والله لا أسرح فيها الوّة الفتى هبيرة

حتى يجتمع معزى الفزر

-------

1.خبر سعد وكبر سنّه

2.خبر سعد مع ولدين من أولاده

3.رواية ثانية للخبر السابق

سعد بن زيد مناة

(22)

1.

لكن بالأثلات لحماً لا يظلل

لو خيّرك القوم لاخترتِ

يا حبذا التراث لولا الذلة

دعوني فكفى بالليل خفيراً

ألبس لكل حالة لبوسها..

مكره أخوك لا بطل

1.خبر حمقه ومقتل أخوته

2.خبر عودته إلى أهله وبعض حمقه

3.خبر حمقه مع خاله

بيهس

(28)

2.

على أهلها تجني براقش

هذا حِرٌ معروف وكنت البارحة في حِر منكر.

ذنب صحر.

كأن برحل باتت

وبرحلها بات لقم

أشبه شرج شرجاً لو أن أُسيمراً

في نظم سيفك ما ترى يا لقم

لي الغادرة والمتغادرة والأفيل النادرة

سدَّ ابن بيض الطريق.

1.خبره مع زوجته براقش

2.خبره مع أخته وولادة لقيم

3.خبره مع لقيم

4.خبر آخر مع لقيم

5.خبره مع ابن بيض لتاجر

لقمان

(62)

3.

نعم ويدعو أباه

أحمق من دغة

هين لين وأودت العين

القوم ما طَبَون

1.خبر زواجها وولادتها

2.خبر حسد النساء لها

3.خبر رهان زوجها عليها

دغة

(83)

4.

يبدو تلاحم الأخبار في هذا القسم ضرورياً بما يُشير إلى جانب مهم من جوانب توزيع صيغ الأمثال داخل الخبر الواحد وامتدادها بين مجموعة أخبار داخل النص الواحد، فإن أهمية حكايات هذا الصنف من الأبطال، سيما لقمان في هذا القسم والزباء في القسم اللاحق، بوصفها قطعاً متطورة من أساطير، كما يشير د.أحمد كمال زكي ((ظلت تتردد صدى للوجدان الجماعي، وكثير منها تسلل بدوره إلى أيام العرب))، تجلى لتضم عدداً مهماً من صيغ الأمثال بما يدعونا لملاحظة الدور الذي تؤديه الشخصية بين قسم وآخر من أقسام البحث مستفيدة من مرجعها وما تسحبه وراءها من أسطورية التصور لتشتمل على عدد من صيغ الأمثال يواجهنا تسللها إلى قصص أُخر في مرحلة متأخرة من مراحل كتب الأمثال، فالشخصية، بجملة أخرى تترك أثرها على ما يجتمع تحت ظلها من صيغ، تتساوى في هذا التصور شخصية المثل الأساسية، إنسانية أو حيوانية، كما سيبين القسم الأخير من الدراسة، وهي كلما امتد أثرها في الذاكرة والوجدان ازداد رصيدها من الصيغ، فالنص، هنا، يسعى لإقامة صلة أعمق بين الشخصية وما يُنتج من وقائع حياتها وتجاربها من صيغ إنما تُضاء بما تختزنه الذاكرة وما يؤثره الوجدان.

يقدِّم القسم الثاني من (القصة عنقودية الأحداث) بنصوصه الثلاثة (27)،

(51)، (60) إنموذجاً لانفتاح نص المثل في كتاب المفضل يُمنح معه الخبر فرصة لكسر نظام سابق هو الترتيب المتواتر للحدث، الذي يمكن لمتتاليته أن تحدد الخبر وتُشعر بمجال عمله وامتداده سواء وردت تامة ومجزوءة، أحادية أو ثنائية أو مزدوجة، لتتسنى لها الحركة في مجال جديد تذوب فيه الحدود بين أخبار كل نص من النصوص، وتتماهى في شكل تملك فيه (الواقعة) من الأهمية ما يدفعها لتتقدم صيغة المثل نفسها. إن عدم التناسب البيِّن بين طول النص، بوقائعه وتلاحم أخباره، وعدد الصيغ يدعونا للنظر إلى عناية كتاب (أمثال العرب) بالنص نفسه، وانشغاله بنقل الخبر على امتداده وتداخله مع (أيام العرب) عن تنظيم مجال خبري محدد لإنتاج صيغة المثل. إن ذلك يدعونا لملاحظة أثر الأيام على إنتاج الأمثال العربية، ما اختص منها بوقائع الجماعة وأخبار غزواتها على نحو خاص فمن الباحثين مَنْ يُرجِّح هذا الأثر إلى الدرجة التي يعد معها ((أن الأيام هي التي أنطقت الرجال والنساء أمثالاً تُعبّر عن تجارب قائليها، إن ذكروا، فهم من الذين كان لهم دور في تلك الأيام))، إن نص المثل في هذا القسم يحقق انحرافين في وقت واحد: فني وموضوعي، يكون الأول بالخروج على محدودية الخبر ووضوح نظامه، ويتجلى الثاني بعنايته بالمحمول، أو الفضاء المنتج أكثر من عنايته السابقة بالخبر بوصفه مجالاً لإنتاج الصيغة، فإذا كان الخبر في ما تقدم من نصوص قد مثَّل مناسبة سردية لتأمين موقع صيغة المثل في تجربة معينة، فإن الخبر في هذا القسم يتجسد بوصفه واقعة معلومة تملك لأهميتها ولخصوصية موقعها أن تنفتح فتضم عدداً من صيغ الأمثال، وعلى الرغم من كون رواية أيام العرب وذكر وقائعها تمثل الجانب الأبرز في جهود (المفضّل الضّبّي) في الأخبار، سواء منها ما تعلق بأخبار داحس والغبراء التي نشبت بين عبس وذبيان وذكر إنها دامت أربعين سنة، أو وقائع الحرب التي دارت بين المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة والحارث بن جبلة ملك الغساسنة، فإننا نلاحظ تباين الطرائق التي يَرِد بها الخبر، واختلاف الآلية التي يتصل بها مع سواه من الأخبار، فإذا كان ((الرواة يغلبون الجانب القصصي عند سردهم للحوادث على النسق التاريخي)) فإن عنايتنا بالجانب السردي تدعونا لملاحظة خصوصية هذا النموذج بين نصوص أمثال (المفضّل الضّبّي)، وهي تتفرق بين الخبر المختزل الذي لا يكاد يضم غير المتحاربين وذكر اليوم كما في نص المثال رقم (75): ((زعموا أن سليحاً من قضاعة طلبوا غسان في حرب دارت بينهم، فادركوهم بالقسطل، فقالوا: يوم كيوم القسطل، فذهبت مثلاً))، والخبر الطويل الذي يضم من التفاصيل ما يضيء جهد (المفضّل الضّبّي) ويُبرز عنايته بهذا الضرب من الأخبار، بما يقترح صلة معينة، عارضة نوعاً ما ولا تؤمن ارتباطاً تفصيلياً بين الخبر في القسم الأول وصيغة مثله كما في نص المثل السابق وما يخلق وشائج واضحة بين الخبر في القسم الثاني وصيغة مثله التي تنبثق في الغالب عن تفصيل محدداً وواقعة جزئية مثل: (جري المذكيات غلاب)، (لا تركض مركضا)، (رويدا يعلون الجدد).. الخ التي ترد في معظم الأحيان حواراً لإحدى شخصيات الحدث المركزية بما يزيد من ارتباطها بالحدث واقترابها من الواقعة، في حين يمثل الأنموذج الأول (يوم كيوم..) تعليقاً خارجياً عامَّاً يُراد منه الإشارة لعنف اليوم وقوة واقعته.

يمكن ملاحظة أثر الانحراف الأول (الفني) عبر صعوبة الفصل بين مكوّنات قصة المثل من الإخبار، وملاحظة الانحراف الثاني (الموضوعي) بتمام الوقائع المقدَّمة في نص المثل، وهي تسعى لإقامة مستوى من التكامل القصصي بين عناصرها، كما في خبر (ابنة الزباء)، بشكل خاص، ويمكنا النظر إلى تواشج الأخبار وتلاحمها، ومواقع صيغ الأمثال فيها، عبر المقترحات الثلاثة الآتية لقراءة النصوص، من دون أن ندَّعي نهائية هذه القراءة لصعوبة الفصل بين وحدات هذه النصوص إلا على أساس الفصل التقريبي بين حدث وآخر:

المثل رقم (27):

1.خبر داحس

2.خبر إغارة قيس بن زهير على بني يربوع.

3.خبر الرهان بين قيس بن زهير وحذيفة بن بدر.

4.خبر الرهان: ترك الخداع من أجرى من مائة غلوة (صيغة المثل)

جري المذكيات غلاب (صيغة المثل)

إنك لا تركض مركضا (صيغة المثل)

رويداً يعلون الجدد (صيغة المثل)

5.خبر كمين بني فزارة

6.خبر مقتل عوف بن بدر على يد قيس بن زهير.

7.خبر مقتل مالك بن زهير.

8.خبر الربيع، ووقوع الحرب: وحسبك من شر سماعه (صيغة المثل)

9.خبر مقتل جنيدب على يد مالك بن بدر.

10.خبر (الخاثرة): اجتماع بني فزارة وثعلبة على بني عبس، وهزيمة عبس لهم.

11.خبر توجّه حذيفة مع رجاله ورجال بني ذبيان لبني عبس:

اتق مأثور القول بعد اليوم (صيغة المثل)

12.خبر مسير بني عبس حتى وقوعهم باليمامة.

13.خبر رجل من الضباب أسرته بنو عبد الله بن غطفان.

14.خبر إغارة قرواش بن هني العبسي على بني فزارة ومقتله.

15.خبر ارتحال بني عبس عن بني عامر إلى بني تغلب.

16.خبر يمين الحصين بن ضمضم المرّي.

17.خبر غضب فزارة وحصن وبني عبس لمقتل الحصين.

18.خبر الصلح بين بني مُرّة وبني فزارة.

المثل رقم (51):

1.خبر كليب: أعز من كليب بن وائل (صيغة المثل)

2.مقتل كليب وناقة البسوس: تجاوزت شبيثاً والأحص (صيغة المثل)

أشأم من ناقة البسوس (صيغة المثل)

3.خبر جساس بن مُرَّة: أسته أضيق من ذاك (صيغة المثل)

4.خبر الحارث بن ضبيعة: لا ناقة لي في هذا ولا جمل (صيغة المثل)

5.خبر بني تغلب مع مرَّة بن ذهل بن شيبان (صيغة المثل)

6.خبر مقتل بجير بن الحارث: بؤ بشسع نعل كليب (صيغة المثل)

7.خبر مقتل عمر بن أبان على يد أبي بجير

8.خبر أسر كثيف.

9.خبر مقتل عمر بن الزبان على يد كثيف: آخر البز على القلوص (صيغة المثل)

أشأم من خوتعة (صيغة المثل)

أثقل من حمل الدهيم (صيغة المثل)

10.خبر نذر الزبان: إيتِ فقد أَنى لك (صيغة المثل)

المثل رقم خبر (60):

1.خبر ابنة الزباء.

2.خبر حصارها دومة الجندل: تمرَّد مارد وعزَّ الأبلق (صيغة المثل)

3.خبر جذيمة الأبرش وطلبه الزواج منها: لا يُطاع لقصير رأي (صيغة المثل)

4.خبر مضي جذيمة إليها: وإنها لا يشق غبارها (صيغة المثل)

ببقةُ صُرم الأمر (صيغة المثل)

أشوار عروس ترى (صيغة المثل)

لا يحزنك دم هراقه أهله (صيغة المثل)

5.خبر نجاة قصير: يا ضُلَّ ما تجري به العصا (صيغة المثل)

6.خبر عمرو بن عدي اللخمي خليفة جذيمة وابن أخته وطلب الثأر من ابنة الزباء:

خير ما جاءت به العصا (صيغة المثل)

أمنع من عقاب الجو (صيغة المثل)

فأعنّي وخلاك ذم (صيغة المثل)

لإمرٍ ما جدع قصير أنفه (صيغة المثل)

قد جئت بما صاء وصمت (صيغة المثل)

بيدي لا بيديك يا عمرو (صيغة المثل)

7.خبر إعجاب جذيمة بعدي بن نصر وتوليته كأسه

وإعجاب رقاس أخت جذيمة به

8.خبر ولادة رقاس غلاماً سمته عمراً

9.خبر استطارة الجن لعمرو: أعطي العبد كراعاً فطلب ذراعا (صيغة المثل)

10.خبر عودة عمرو إلى أمه: شبَّ عمرو عن الطوق (صيغة المثل)

وإقامته مع خاله إلى أن خرج إلى ابنة الزباء.

يقودنا اهتمام نصوص الأمثال بتفاصيل الخبر والعناية بوحداته الصغرى إلى ملاحظة حركة النصوص وتأمل قدرتها على الملاءمة بين أهدافها، بوصفها منظومات خبرية تحتضن الصيغ وترتفع بها، وخصوصياتها النصية وهي ((تزداد ثراء بتفاعلها مع سياقات ثقافية متغيرة))، فنصوص أمثال (المفضّل الضّبّي) كما تُشير الدراسة لم تختط لنفسها أنموذجاً محدداً شكّل قانون الكتاب وقالبه، بقدر ما وفرت لها عناية التأليف منطقة من الاختيار والتركيب تدرجت فيها النصوص فتباينت إمكانياتها السردية وأسهمت بمنح كتاب (أمثال العرب) خصوصيته: حلقة مؤثرة في سلسلة كتب أمثال العربية وإنموذجاً لافتاً من نماذج أدبها.

/ 89