ـ سمات العناصر السردية.ـ علاقة نصوص الأمثال بـ (فن الخبر).ـ أثر حركة السياق الثقافي في نصوص الأمثال.توجّهت الدراسة في طموحها بتأمل مسالك مضافة من ثراء أدبنا العربي، للتصدي إلى تراث الأمثال وهي تُشكّل سِفراً مهماً من أَسفار العربيّة، امتدت معالجته والتأليف فيه أكثر من عشرة قرون، أسهم فيها خيرة علماء الأمة وأدبائها، فكان بحق مرصداً من مراصد الحياة، مثلما قدَّم في غنى مراحل تأليفه بانتقالها من التدوين العام إلى التنظيم الموسوعي والمعجمي صورةً للعقل العربي وهو يلتقط سمات كل عصر وملامحه المنهجيّة ليُعيد من خلالها تنظيم رصيد الأمثال، وقراءتها قراءةً جديدةً، وهو وإن وُصِم بالشكِّ ومجانبة الحقيقة يظل أشدَّ وجوه الأدب صلةً بالإنسان وهو يؤسس عبر تجاربه مع أخيه الإنسان نمطاً من الحياة، يكون بمستطاع الأمثال القبض على جوهره وكشف تفرده، مرتفعةً به من العارض واليومي الزائل إلى ما يتوهج في الحس والشعور على امتداد التجارب والأزمان.وقد سعت الدراسة لاستقراء القابلية السرديّة في كتب الأمثال، والنظر إلى مختلف تشكيلاتها، من خلال تأمل عناصر نصوصها وهي تلتحم مكونةً مجالها الحكائي الخاص تحت لافتةٍ معلومةٍ هي صيغة المثل: مؤداه اللفظي الذي لقي من العناية في تراثنا النقدي والبلاغي ما أسهم بعزل وتغييب كل ما عداه من أركان النصوص، مثلما ساعد على تحجيم النظرة (النوعيّة) للأمثال، وربما إلغائها، ودفعها على الدوام جهة الدرس اللغوي، أو البحث المقارن؛ وإذا كانت الأمثال قد اعتُمدت في دراسات منفردة فإنما لمعالجة ما عداها من جوانب النشاط الإنساني وهي تصادر، بجملة أحد الباحثيين، (دور الأيديولوجيا وتدخل في عمق الأنا الأعلى للفرد وللجماعة فيفعل فيهما فعلها البليغ، وتوجّههما كما تشاء))، فتسعى هذه الدراسات لالتقاط ما تنمُّ عنه الأمثال واكتشاف ما تُشير إليه، وتظل هي بمكونات نصوصها، ووحداتها خارج مجال البحث والمعاينة، تنتظر قبل الشروع بالدراسة محاولةً تبدو أكثر صعوبةً لإدراك حضورها النوعي الذي لا يتشكل إلا عبر النظر في جانبيها الفني والتأريخي، إذ إن دراسة النوع وتحديد مستوى أهميته ترتبط بدرجة مؤثرة بدراسة أشكاله التعبيرية والنظر إلى موقعه بين أنواع السرد العربي التي شهدت دراساتها اتساعاً ملحوظاً، من دون أن تُحمَّل عبر أهداف الدراسة وطموحات الباحثين ما لا طاقة لها عليه، فإن ذلك مما يزيد غربة الأمثال ويُطيل من أمد هجرانها، فإن أسمى صورة ينشدها البحث تتجلى في المعاينة الفنيّة التي تُعيد لجانب مؤثر من جوانب الإبداع العربي حياته، وتؤمِّن مجالاً لاتضاح سماته، وتُسهم بما تحققه من إنجاز في فتح الأفق باتجاه معاينة إرث يملك من الأهمية ما يُعدَّ مشهد الإبداع العربي قاصراً من دونه، لا يغطي مراحل الحياة ولا يُضيء هواجس إنسانها، إذ إن الأدب، أي أدب، لا يؤدي دوره الفاعل في الحياة من دون أن تتصل حلقاته وتُستطلع مجاهله في النثر كما في الشعر، على امتداد عصوره، خصوصاً المبكرة منها، بما تحمله من مشاق وما تتكشف عنه من صعوبات، مثلما يتجسد ذلك على نحو أشد أهمية في أدبنا العربي وهو يُبنى على رصيد من المرويات النثريّة التي عُدَّت مظهراً ثقافياً مميزاً لما تنطوي عليه من جماليات خضع بعضُها لتبدّل السياق الثقافي وعانى وهو يمر، أو ما تبقى منه، من الجاهلية إلى الأعصر الإسلامية، لكننا نظل، على الرغم من ذلك أسيري ما أورده الجاحظ من أن ((ما تكلمت به العربُ من جيّد المنثور، أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يُحفظ من المنثور عُشرُه، ولا ضاع من الموزون عُشْرُه))، يحدونا التطلّع لدراسة ما بين أيدينا من بقية العشر النثري وهو، لعمري، واسع وثري يفيض بدفق الحياة وعفويتها.عملت الدراسة في آن واحد من إجراءاتها المنهجية على نقل منظورها من (المثل) إلى (النص) متحولةً بذلك من الجزء إلى الكل بما يسحبه من ظلال حكائية تعاين بالدرجة نفسها من الاهتمام الذي تُعاين به صيغة المثل ضمن حدودها النصيّة، لتنفتح النصوص بمكونات وحداتها الحكائيّة والتفسيريّة والاستشهاديّة على رصيد الخبر العربي مستجيبةً لحركة السياق الثقافي وهو يوجّه النصوص وجهاتٍ مختلفةً، توزع الدراسة بناءً على ذلك نتائجها على نقاط ثلاث، تنظر النقطة الأولى إلى سمات العناصر السرديّة المكوّنة للنصوص في مختلف تشكّلاتها، وتهتم الثانية بملاحظة علاقة النصوص ـ وقد أُضيأت وحداتها وفاعلية عناصرها ـ بفن الخبر العربي، فيما تتوجّه النقطة الثالثة لتَبيّن أَثر حركة السياق الثقافي في نصوص الأمثال.