عن الفضاء في السرد العربي القديم (مدخل) - سرد الامثال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سرد الامثال - نسخه متنی

لؤی حمزة عباس

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عن الفضاء في السرد العربي القديم (مدخل)

إذا كانت نصوص الأمثال تنطوي في جانب مهم من جوانبها على (حدث) يُقيم تجربة المثل، ويحدد موقع صيغته، فإن هذا الحدث لا ينتظم خارج حدود (فضاء) معيّن، مهما اختلفت نوعية هذا الفضاء، أو تباينت المساحة التي يشغلها داخل النص، فهو يشكّل حيز تحقق الفعل، ومجال تجسده في زمان ومكان معلومين، يعمل النص بوصفه واقعةً لغويةً على بلورته داخل نظامه السردي، محافظاً على درجة إسهامه في تأمين المجال المناسب للأحداث؛ والفضاء في العمل الحكائي يظل (تمثيلاً ذهنياً) يتجلّى بما يُوفر لـه من (حيّز) داخل النص، ويختلف تبعاً لاختلاف قابلية النصوص وفاعلية عناصرها وهي تقيم ما يمكن من علاقات فيما بينها في سبيل إضاءة وقائعها وتجسيد تجارب صيغ أمثالها.

يمكن ملاحظة أثر الفضاء في النص الأدبي، وتبيّن أهمية موقعه، وقدرته على التعبير عن وعي النصوص من خلال استجابته لمنطقها، وتأثره بنظرتها للتجربة الأدبيّة وللعالم في وقت واحد، بما يحققه من تمثل يتغيّر بتغيّر النصوص وتحوّل نظرتها وهو يسعى لـ (إدماج الحكي في فضاء المحتمل) بما يتجاوز التصور الذي يرى الأدب، كقاعدة عامة، يلح "على بعض التجسيد الزماني، ويتيح للتمثيل المكاني أن يظل غير محدد تماماً" ، فالفضاء بجملة أخرى، يُعين على توجيه نصوص الأمثال، وبلورة أثرها على الرغم من بساطة حضوره فيها، بما يملكه من موقع جوهري في العملية الأدبيّة، وهو يتأثر بنمط المعارف والموجّهات وتبدّل السياقات التي تخضع لها تلك العملية، بما يشير لحساسية موقعه وقدرته على أن يلمع في السرديّة العربيّة لحيوية هذا الترابط، عبر تجليه في مختلف أنواعها، ومن خلال ما يرتفع به من أثر يكشف، بالضرورة، عن منطق النصوص، مثلما يُسهم بإضاءة ركن من أركان معرفة عصر معيّن التي يمثل النص الأدبي، مهما اختلف نوعه، أحد تجلياتها المهمة، فقد خضع الفضاء في (ألف ليلة وليلة) على سبيل المثال لمؤثرات عصر إنتاج الحكايات، مستجيباً في وصف (البيئة) كما تشير د. سهير القلماوي لمؤثرين قويين "أما المؤثر الأول، وكان الأقوى والأعم، فهو مؤثر الحياة الحاضرة للقاص، وأما المؤثر الثاني فكان ما برز في أذهان الشعب من أخبار التاريخ العام عن عصر الإسلام الذهبي))، إن للمعرفة في تشكيل فضاء (ألف ليلة وليلة) وهي تتوجّه جهتي الحاضر: واقع إنتاج النص وأفق منتجه، والماضي: ما تشكّل من أطياف عصر ذهبي تمثل الذروة فيه خلافة (هارون الرشيد)، دوراً في تنويع الفضاء وإضفاء طابع الغرابة عليه وصولاً (لاصطناع الحيز المستحيل، والحيز البعيد الذي لم يره أحد قط) اللذين ينبعان من تضافر المعارف والقدرات الممكنة منها والسحريّة في خلق نماذج خاصة من الفضاء. مثلما تكشف مقارنة الفضاء ضمن نماذج النوع الواحد عن مقدار المهمة التي يضطلع بها للإسهام في التعبير عن محتوى رسالة النص الأدبي وفاعلية الإبلاغ فيه، إذ تبيّن مقارنة الفضاء بين مقامات الحريري والهمذاني تغيّر الأُطر الزمانية- المكانية، واختلاف تمثلها في كل منهما من ناحية احترام التسلسل المنطقي التي يكون نص الحريري فيها أقرب للزمان الطبيعي، على الضد مما في مقامات البديع التي تتجاوز تنقلات شخصياتها الحد المنطقي بحركتها عبر زمن يتعدى القرنين مما لا يتلاءم والنظرة الواقعية للزمن، ومن ناحية اختلاف تجليات المكان في عمل كل منهما ففي الوقت الذي تنحصر حركة بطل البديع وراويه بين المدن الواقعة ضمن حدود الدولة البويهية، تنفتح تنقلات شخوص الحريري من المدن الواقعة تحت الهيمنة السلجوقية حتى مصر الفاطمية، مما يُهيء المقام للحديث عن مسوغات تباين الفضاء في نصوص السرد العربي في مراحله المختلفة، وقدرته على التعبير عن تطلعات تلك النصوص وتغيّر أهدافها.

إن تباين أهمية الفضاء في أنماط السرد العربي القديم يدعونا للسؤال عن دوره في حلقة مهمة من حلقات تشكيل السرديّة العربيّة، نصوص الأمثال بخصوصية موقعها وهي تمثل عبر معاينتها لما حولها مرحلةً من مراحل وعي التجربة وإعادة إنتاجها بما تنطوي عليه من خصوصية تتطلب ملاحظة النصوص وهي تشكّل فضاء أحداثها عبر إشارات مختزلة للمكان، ولا تمنح تبدلاتها الزمنية عناية خاصة بل إنها تُعلَن في الغالب بما يتركه النص من (ثغرات)، أو ما يقدمه من (تلخيص) لمدد زمنية مجهولة في أفضل الأحوال، وعلى الرغم من ذلك فإن الزمان والمكان يظلان مقولتين إجرائيتين تسهمان في ضوء مفهومية عامة يقترحها العصر وتقتضيها أنماط معارفه، بتأمين موقع خاص لنصوص الأمثال في السرد العربي القديم من خلال ما يقدمه هذا السرد من تباين العناصر واختلاف الآليات.

إن ارتباط كل من الزمان والمكان في نصوص الأمثال بالحركة والانتقال في الوحدات السرديّة يدعو لملاحظة نقطتين أساسيتين تتوجّه الأولى للنظر إلى (التغيّر) وفحص قدرته وهو يُحرِّك أحداث النصوص وينوّع في وجهتها، على إضاءة عناصره الزمانية والمكانية، إذ إن ما يصادفنا من تحول في الأحداث وانتقال بين متتالياتها نابع من تصوّر يقوم على أن الزمان، في هذه النصوص، لا يجلب التغيير، وإنما التغيير، بجملة (نيقولاي برد يائيف)، وهو الذي يجلب الزمان، فـ ((الزمان ليس إلا حالة من حالات الأشياء)) مثلما يبدو المكان موضعاً لتجلي الحدث أو مظهراً من مظاهره، إن الزمان والمكان بجملة أخرى يتجليان في نصوص الأمثال بمقدار ارتباطهما بالحدث ومستوى تعبيرهما عن مراحل الصراع والتحوّل فيه.

وتتوجّه النقطة الثانية للنظر إلى ما يكون بين عنصري الزمان والمكان من تلازم يُعدّ سمةً سرديّة من سمات نصوص الأمثال، فهما يتصلان في وحدة

لا تنفصل هي مُتّصل الزمان المكاني أو المكان الزماني، وهما في حالة

حركة دائمة.

إن نصاً سرديّاً مثل نص المثل يقوم بالأساس على تهيئة سبل الحكي الممكنة من أجل إضاءة تجربته وكشف محمول صيغته، يتطلب نظراً خاصاً في معالجة فضاء أحداثه فهو لا يعتمد الوقفات السرديّة المميزة كما في (ألف ليلة وليلة) وهي تنتقل بنسيج حكاياتها من السرد إلى الوصف بغية تحقيق جماليات فضائها بما يمنح المكان أبعاده المختلفة التي ترتفع بالخصائص البنائية للعمل، ولا يُعطي زمان أحداثه من الأهمية ما يُعطاها الزمان في (المقامات) أو (السير) وهي تُلخّص أزماناً وتوسع مدى أزمان، بل يفتح مجالاً مباشراً لحضور الحدث ويُهيء المقام لبلورة (الصورة السرديّة) التي تقوم بالأساس على التحام الوصف بالسرد في تقديم عنصريهما، فإذا كان عنصر الزمان يتبدى من خلال السرد، وعنصر المكان يتبدى في خلال الوصف، فإن (الصورة السرديّة) هي نتاج امتزاج الوصف بالسرد وهي ما يمكن ملاحظة حضوره في مجمل نصوص الأمثال، وقد خضعت سمات الفضاء فيها لهيمنة الحدث وفاعلية تجسده.

/ 89