احتمال بغي القوم تأكيد عدم بغي (الإنارة، الكشف، الإيضاح)أما من الناحية المكانية فإن صيغ الأمثال تعتمد في جانب أساسي من جوانبها على خبرة خاصة لا يبدو معها المكان ظرفاً منفصلاً عن وقوع التجارب والأحداث بل إن لـه من الأثر ما يشير إلى أهمية دوره في التجربة نفسها، كما في الجدول رقم (2):الصفحة والسطرالصيغةالكتاب68/15أزمت شجعات بما فيهن(أمثال العرب)62/11أضرطاً وأنت الأعلىالمفضّل الضبّي56/16أعركتين بالضفير50/5أينما أوجّه ألقَ سعداً145/2ببقة صُرم الأمر130/10تجاوزت شبيثاً والأحص156/1سدَّ ابن بيض الطريق70/10عوف يرنأ في البيت50/7في كل وادٍ بنو سعد110/7لكن بالاثلات لحماً لا يظلل65/5أبقى من حجركتاب الأمثال52/6البئر جُبارأبو فيد السدوسي47/19في بيته يُؤتى الحكم81/9في كل أرض سعد بن زيد82/9قد أرضَ فلان أرضه40/8قد بلغ السيلُ الزبى73/9لا حر بوادي عوف95/10أحمق لا يتوجّه(كتاب الأمثال)73/1أرض لا يطير غرابهاأبو عكرمة الضبي110/10أعطاه ما قطع البطحاء93/1ضاقت به بلادي74/5ضقت به ذرعاً83/13فوق كل طامّة طامّة109/11ماله مال ولا عقاريتشكّل المكان رابطة واضحة تجمع بين صيغ الجدول وتوحِّد توجّهاتها في النظر إلى محيط تجاربها، فلا تكتفي هذه الصيغ بالتعامل مع الحدود الجغرافية لأماكن وقوع أحداثها، بل تمتد إلى تأكيد جوهرية إسهامها فيها وإضاءة جدلية العلاقة بين الأماكن والأفعال التي أولتها الصيغ من العناية ما حقق لها تنوعاً ملحوظاً، فلا ينبثق المكان من ملاحظة تولّدها لحظة زمنية عابرة بقدر ما يقدم من الصلة مع صيغ الأمثال في مراقبتها لمحيط تجاربها ما يؤكد وجوده عنصراً فاعلاً من عناصرها، مشيراً إلى مستوى الوعي القائم على الملاحظة والتأمل الذي تُسهم صياغةُ المثل بتجسده وبيان أهميته، وإذا كان الأدب على مختلف وجوه إبداعه قد أولى المكان عنايةً بيّنةً فإن صيغ الأمثال تشكّل أنموذجاً خاصاً من التعامل الأدبي مع المكان نظراً لانبثاقها عن نمط المعرفة القائمة بالدرجة الأساس على ملاحظة العالم، عالم لغة المثل ومحيط تجسدها بما فيه من ثوابت ومتغيّرات، والمكان بلا شك واحد من العناصر التي يتخلّق وعي الإنسان وتتشكّل تجاربه عبر تماسه معها، فهو بذلك ليس وعاءً مجرداً لوقوع الحدث، أو حيزاً للحياة فحسب، بل صورةٌ مهمةٌ من صور وجودها، وهو يمثل في صيغ الأمثال ملمحاً لحضوره في السرد العربي القديم لتجسده عن علاقة إلفة واعتياد تمكّنه من تشكيل وجه قريب من وجوه الحياة في الأدب، مثلما يشكّل صورةَ الخبرة وبيان حضورها لما انطوى عليه من سمات وعي خاص، قائم على التجربة، تنظمه الصيغ وترتفع به، بتعيينه مرةً وترك التعيين أخرى؛ إن أبرز ما يصادفنا من أساليب احتضان المكان داخل صيغ الأمثال هو اعتماد الأماكن (المُتَعيّنة) والمثل من هذا الجانب يُعدّ وجهاً من وجوه الذاكرة التي نقع فيها على ما اندرس من أماكن أو تجارب أو ممارسات، مما يُهيء لاستعادته نمطاً حياتياً يقوم بالأساس على التشبيه بتجارب مستمرة، فالضفير، وشبيث والأحص، وبقة، ووادي عوف، وأماكن أخرى تُستحضر بأسمائها وقد تختص الصيغة بواحدة من صفاتها، تشكّل حضوراً معرفياً يكون عماد التجربة ومفاد مثلها، على العكس مما يُستحضر من أماكن غير مُتَعيّنة، وإن اعتمدت الصيغة صفةً من صفاتها، فالأرض، والطريق، والزُبيّة، والبطحاء مواقع عامة تشير لانتباهةٍ كليةٍ، طبيعية في الغالب، مقترحةً مجالاً دلالياً متسعاً كما في الصيغ الآتية:1.أبقى من حجر.2.أرض لا يطير غرابها.3.قد بلغ السيلُ الزُبى.الأولى بدلالتها على البقاء، والثانية على الكثرة، والثالثة على بلوغ الأمر منتهاه.إن تحديد دلالة الصيغة على الرغم من عدم تعيينها مكانياً يرتبط بالخبرة التي تتجاوز في بعض الأحيان تفسيرات كتب الأمثال، فإذا كانت الملاحظة تقوم في الصيغتين الأوليين على صفة محددة يضيؤها التفسير: (البقاء في الأولى، والكثرة في الثانية) فإن الصيغة الثالثة تستثمر صفة المكان متجاوزةً مستواها اللغوي العام، إلى مستوى من الممارسة أكثر عمقاً، فـ (الزُبيّة) كما تُرى في كتاب (أبي فيد مؤرِّج السدوسي):((غير القُتَرة، الزُبيّة تُحفر للأسد فيُصاد فيها، وهي ركية بعيدة القعر، إذا وقع فيها لم يستطع الخروج منها لبعد قعرها))، إن دلالة الصيغة على (بلوغ الأمر منتهاه) تقوم في كتاب أبي فيد على نوع (الزبية) وأهميتها التي تميزها عن (القُتْرَة والناموس والبُرْأة) التي تحتفر على موارد الوحش (غير الأسد)، كأن السيل يمرُّ بمصائد الحيوان جميعها ثم يصل الزُبية التي لا يبلغها لعمقها وبُعد موقعها غيرُ السيل العظيم، بيد أننا نلاحظ في مجمع أمثال الميداني اعتماد أصل اللفظة في تفسير الصيغة ((هي حفرة تُحفر للأسد إذا أرادوا صيده، وأصلها الرابية لا يعلوها الماء، فإذا بلغها السيلُ كان جارفاً مجحفاً))، نحن إذن، أمام توجيهين، تفسيرين للصيغة يجمعهما الميداني ويكتفي أبو فيد بأحدهما، بما يفتح من دلالة اللفظة (والصيغة من بعد) على بُعدين من أبعاد المعنى: مباشر يتوخى معنى اللفظة، وغير مباشر يتوجّه لاستخدامها في مجال معيّن، كما نلاحظ على النحو الآتي:قد بلغ السيل [الزُّبى](رَكِيَّة) تحفر للأسد(الرابية) لا يعلوها الماء(معنى مباشر)(معنى غير مباشر)إن اعتماد غير المُتعيّن في صيغ الأمثال يُهيئ الصيغ للانتقال في تماسها من المكان أو المحيط بسعتهما وشمولهما إلى (الوسط) بارتباطه بالموضوع، وافتراضيته، ونظام عناصره الذي يُسهم الزمان بإنتاجه. إن المكان يتشكّل عبر مجموع مكوناته التي تستثمر الصيغ خصائصها معلنةً رصيد أناسها من الخبرة والملاحظة، وقدرتهم على إعادة إنتاجها في صيغ مؤثرة، كما في الصيغة الأولى (أبقى من حجر) التي يتواشج كلٌ من الزمان والمكان في فتح أفق دلالتها، إن البقاء والخلود يخترقان المكان لانتقاء علامته وتأمين رمزيته، وهو ما تُنجزه بإيجاز بالغ صيغة (أفعل) التي تسعى إلى تعيين أنموذجها عبر عزله عما سواه، لتمتلئ الصحراء بحكمة الحجر التي لا تعبأ بالزمان، مشيرةً إلى مستوى من التلازم الفاعل بين كل من الزمان والمكان في إنتاج الصيغ وتنظيم مجالات دلالتها، فلم يكن الشعور بالظاهرة ليتجزأ إلى مجموعة من الملاحظات يمكن معها الفصل بين صيغ الزمان وصيغ المكان، فإن صيغةً مثل (أبقى من حجر) تعتمد مثل هذا الترابط الزمكاني المبني على وعي التحوّل والثبات، ففي الوقت الذي تتغير فيه الأشياءُ بفعل الزمان يبقى الحجرُ بإشارته الواضحة ودلالته المكانية صورةً للوجود الذي تبدو الحوادثُ عنه وهو ملموم.إن الشعور بالمكان (المُتَعيّن منه وغير المُتَعيّن) ينتظم تحت منظور زمني تفصح عنه الصيغ وتؤمِّن حركة علامتها بما يُشير إلى نوع من القياس القائم على الربط بين المكان والزمان، وهو ما يُضيء أفق الصيغة ويجمع في محتواها الدلالي بين طرفي الفضاء كما في صيغة (أخذ الدنيا بحذافيرها)، فالدنيا امتداد زماني يُقاس في الصيغة بما هو مكاني (الحذافير: الجوانب والأطراف) موحداً أثر الفضاء في الصيغتين مع اختلاف محمول كل منهما:أبقى من حجر :البقاء والخلودأخذ الدنيا بحذافيرها : التملّك