ج. إنّ طبيعة الاجتهاد خاضعة للنقاش والنقد، فلو اجتهد النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - في بعض الاَحكام فنظره كغيره قابل للنقد و النقاش، ومعه كيف يكون حلال محمد حلالاً إلى يوم القيامة وحرامه حراماً إلى يوم القيامة، وكيف تكون شريعته خاتمة الشرائع؟! كلّ ذلك يعرب عن أنّ نسبة الاجتهاد إلى النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - بعيدة عن الصواب، وإنّما يتفوّه بها من ليس له أدنى إلمام بمقامات الاَنبياء، لا سيما خاتم النبيين أفضل الخليقة. قال الشوكاني: اختلفوا في جواز الاجتهاد للاَنبياء في الاَحكام الشرعية على مذاهب: المذهب الاَوّل: ليس لهم ذلك لقدرتهم على النص بنزول الوحي، وقد قال سبحانه: "إِنْهُوَ إِلاّوَحْيٌ يُوحى" . (1) والضمير يرجع إلى النطق المذكور قبله بقوله: "وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى" وقد حكى هذا المذهب الاَُستاذ أبو منصور عن أصحاب الرأي، وقال القاضي في «التقريب»: كلّ من نفى القياس أحال تعبّد النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - بالاجتهاد.قال الزركشي: وهو ظاهر اختيار ابن حزم. واحتجّوا أيضاً بأنّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - كان إذا سُئل ينتظر الوحي ويقول: «ما أنزل عليَّ في هذا شيء» كما قال لما سئل عن زكاة الحمير فقال: لم ينزل عليّإلاّ هذه الآية الجامعة: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْمِثْقالَذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ" . (2) وكذا انتظر الوحي في كثير ممّا سئل عنه، ومن الذاهبين إلى هذا المذهب أبو علي وأبو هاشم. (3)