تأثيرهما في منح نظرة جديدة نحو المسائل
حول البيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والذبح في منى يحسّ
حرجاً شديداً في تطبيق عمل الحج على هذه الفتاوى، ولكن تزايد وفود حجاج
بيت اللّه عبر الزمان يوماً بعد يوم أعطى للفقهاء روَى وسيعة في تنفيذ تلك
الاَحكام على موضوعاتها، فأفتوا بجواز التوسع في الموضوع لا من باب الضرورة
والحرج، بل لانفتاح آفاق جديدة أمامهم في الاستنباط.
الرابع: تأثيرهما في منح نظرة جديدة نحو المسائل
إنّ تغير الاَوضاع والاَحوال الزمنية تضفي للمجتهد نظرة جديدة نحو
المسائل المطروحة في الفقه قديماً وحديثاً. ولنذكر بعض الاَمثلة:
1. كان القدماء ينظرون إلى البيع بمنظار ضيّق ويفسرونه بنقل الاَعيان
وانتقالها، ولا يجيزون على ضوئها بيع المنافع والحقوق، غير انّ تطور الحياة
وظهور حقوق جديدة في المجتمع الاِنساني ورواج بيعها وشرائها، حدا بالفقهاء
إلى إعادة النظر في حقيقة البيع، فجوّزوا بيع الامتيازات والحقوق عامة.
2. أفتى القدماء بأنّ الاِنسان يملك المعدن المركوز في أرضه تبعاً لها دون
أيّ قيد أو شرط، وكان الداعي من وراء تلك الفتوى هو بساطة الوسائل
المستخدمة لذلك، ولم يكن بمقدور الاِنسان الانتفاع إلاّ بمقدار ما يعدّتبعاً
لاَرضه، ولكن مع تقدم الوسائل المستخدمة للاستخراج، استطاع أن يتسلّط على
أوسع مما يُعد تبعاً لاَرضه، فعلى ضوئه لا مجال للاِفتاء بأنّ صاحب الاَرض يملك
المعدن المركوز تبعاً لاَرضه بلا قيد أو شرط، بل يحدد بما يعد تبعاً لها، وأمّا
الخارج عنها فهو إمّا من الاَنفال أو من المباحات التي يتوقف تملّكها على إجازة
الاِمام. وليست هذه النظرة الشمولية مختصة بالفقه بل تعم أكثر العلوم.