مصادر الفقه الإسلامی و منابعه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
يقول ابن قيم الجوزية في تقرير القاعدة: فإذا حرّم الربُّ تعالى شيئاً، وله
طرق ووسائل تُفضي إليه، فانّه يحرّمها ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له،
ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً
للتحريم، واغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كلّ الاباء، بل
سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك، فانّ أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من
شيء ثمّ أباح لهم الطرق و الاَسباب والذرائع الموصلة إليه لعدّ متناقضاً، ولحصل
من رعيته وجنده ضدّ مقصوده، وكذلك الاَطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه
من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلاّ فسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظن
بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال،
ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أنّ اللّه تعالى ورسوله سدّالذرائع المفضية إلى
المحارم بأن حرّمها ونهى عنها.ثمّ استدل بوجوه كثيرةعلى إثبات تلك القاعدة بلغت تسعة وتسعين وجهاً
(1) فمن أراد فليرجع إليها. (2)وقد أكثر الاِمام مالك العمل بهذه القاعدة حتى انّه أفتى لمن رأى هلال
شوال وحده أن لا يفطر لئلا تقع ذريعة إلى افطار الفسّاق، محتجين بما احتج به. ولكن كان في وسع مالك أن يجوِّز له الافطار عملاً بقول الرسول - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم -
«صوموا عند الروَية وأفطروا عند الروَية» (3) وفي الوقت نفسه يمنعه عن التظاهر
به، ويجمع بين القاعدتين.