ليله و نهاره لا يخلو عن ذنب أو خطا أو زلة أو تقصير في العبادة و القيام بشكر النعمة و ان جل قدره و خطره عند الله تعالى اذ قد سبق اليه من الله تعالى من النعم و الاحسان ما لو أخذ بشكر ذلك لم يقدر على أداء شكر واحدة منها فضلا عن أن يؤدى شكرا لكل فيحتاج إلى تكفير ذلك اذ هو فرض ففرضت الصلوات الخمس تكفيرا لذلك ( فصل )و أما عددها فالخمس ثبت ذلك بالكتاب و السنة و إجماع الامة ( أما )الكتاب فما تلونا من الايات التي فيها فرضية خمس صلوات و قوله تعالى حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى اشارة إلى ذلك لانه ذكر الصلوات بلفظ الجمع و عطف الصلاة الوسطى عليها و المعطوف المعطوف عليه في الاصل فهذا يقتضى جمعا يكون له وسطى و الوسطى ذلك الجمع و أقل جمع يكون له وسطى و الوسطى ذلك الجمع هو الخمس لان الاربع و الست لا وسطى لهما و كذا هو شفع اذ لوسط ما له حاشيتان متساويتان و لا يوجد ذلك في النفع و الثلاث له وسطى لكن الوسطى ليس الجمع اذ لاثنان بجمع صحيح و السبعة و كل وتر بعدها له وسطى لكنه ليس بأقل الجمع لان الخمسة أقل من ذلك ( و أما )السنة فما روينا من الاحاديث و روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما علم الاعرابى الصلوات الخمس فقال هل على شيء هذا فقال عليه الصلاة و السلام لا الا أن تطوع و الامة أجمعت على هذا من خلاف بينهم و لهذا قال عامة الفقهاء ان الوتر سنة لما ان كتاب الله و السنن المتواترة و المشهورة ما أوجبت زيادة على خمس صلوات فالقول بفرضية الزيادة عليها باخبار الاحاد يكون قولا بفرضية صلاة سادسة و انه خلاف الكتاب و السنة و إجماع الامة و لا يلزم هذا أبا حنيفة لانه لا يقول بفرضية الوتر و انما يقول بوجوبه ( و الفرق )بين الواجب و الفرض كما بين السماء و الارض على ما عرف في موضعه و الله أعلم ( فصل )و أما عدد ركعات هذه الصلوات فالمصلى لا يخلو اما أن يكون مقيما و اما أن يكون مسافرا فان كان مقيما فعدد ركعاتها سبعة عشر ركعتان و أربع و أربع و ثلاث و أربع عرفنا ذلك بفعل النبي صلى الله عليه و سلم و قوله صلوا كما رأيتموني أصلي و هذا لانه ليس في كتاب الله عدد ركعات هذه الصلوات فكانت نصوص الكتاب العزيز مجملة في حق المقدار ثم زال الاجمال ببيان النبي صلى الله الله عليه و سلم قولا و فعلا كما في نصوص الزكاة و العشر و الحج و غير ذلك و ان كان مسافر فعدد ركعاتها في حقه احدى عشرة عندنا ركعتان و ركعتان و ثلاث و ركعتان و عند الشافعي سبعة عشر كما في حق المقيم ( فصل )و الكلام في صلاة المسافر يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان المقدار المفروض من الصلاة في حق المسافر و الثاني في بيان ما يصير المقيم به مسافرا و الثالث في بيان ما يصير به المسافر مقيما و يبطل به السفر و يعود إلى حكم الاقامة ( أما )الاول فقد قال أصحابنا ان فرض المسافر من ذوات الاربع ركعتان لا و قال الشافعي أربع كفرض المقيم الا أن للمسافر أن يقصر رخصة من مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة و الا كمال رخصة و هذا التلقيب على أصلنا خطأ لان الركعتين من ذوات الاربع في حق المسافر ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر و الا كمال ليس رخصة في حقه بل هو إساءة و مخالفة للسنة هكذا روى عن أبى حنيفة أنه قال من أتم الصلاة في السفر فقد أساء و خالف السنة و هذا لان الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الاصلى لعارض إلى تخفيف و يسر لما عرف في أصول الفقة و لم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا إذا الصلاة في الاصل فرضت ركعتين في حق المقيم و المسافر جميعا لما يذكر ثم زيدت ركعتان في حق المقيم و أقرت الركعتان على حالهما في حق المسافر كما كانتا في الاصل فانعدم معنى التغيير أصلا في حقه و فى حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ و الشدة لا إلى السهولة و اليسر و الرخصة تنبئ عن ذلك فلم يكن ذلك رخصة في حقه حقيقة و لو سمى فانما سمى مجاز الوجود بعض معاني الحقيقة و هو التغيير ( احتج )الشافعي بقوله تعالى و إذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة و لفظه لا جناح تستعمل
(92)
في المباحات و المرخصات دون الفرائض و العزائم و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ان الله تعالى تصدق عليكم بشطر الصلاة الا فاقبلوا صدقته و المتصدق عليه يكون مختارا في قبول الصدقة كما في التصدق من العباد و لان القصر ثبت نظرا للمسافر تخفيفا عليه في السفر الذي هو محل المشقات المتضاعفة و التخفيف في التخيير فان شاء مال إلى القصر و ان شاء مال إلى الا كمال كما في الافطار في شهر رمضان ( و لنا )ما روى عن عمر رضى الله عنه انه قال صلاة المسافر ركعتان و صلاة الجمعة ركعتان تام قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم و روى تمام قصر و روى الفقية الجليل أبو أحمد العياضى السمرقندي و أبو الحسن الكرخي عن ابن عباس رضى الله عنه هكذا و روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت فرضت الصلاة في الاصل ركعتين الا المغرب فانها وتر النهار ثم زيدت في الحضر و أقرت في السفر على ما كانت و روى عن عمران بن حصين رضى الله عنه انه قال ما سافر رسول الله صلى الله عليه و سلم الا وصلى ركعتين الا المغرب و لو كان القصر رخصة و الاكمال هو العزيمة لما ترك العزيمة الا احيانا إذا لعزيمة أفضل و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يختار من الاعمال الا أفضلها و كان لا يترك الافضل الا مرة أو مرتين للرخصة في حق الامة فاما ترك الافضل أبدا و فيه تضييع الفضيلة عن النبي صلى الله عليه و سلم في جميع عمره فما لا يحتمل و الدليل عليه انه صلى الله عليه و سلم قصر بمكة و قال لاهل مكة أتموا يا أهل مكة فانا قوم سفر فلو جاز الاربع لما اقتصر على الركعتين لوجهين أحدهما انه كان يغتنم زيادة العمل في الحرم لما للعبادة فيه من تضاعف الاجر و الثاني انه صلى الله عليه و سلم كان اماما و خلفه المقيمون من أهل مكة فكان ينبغى أن يتم أربعا كيلا يحتاج أولئك القوم إلى التفرد ولينا لو افضلية الائتمام به في جميع الصلاة و حيث لم يفعل دل ذلك على صحة ما قلنا و روى أن عثمان رضى الله عنه أتم الصلاة بمنى فأنكر عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قال لهم انى تأهلت بمكة و قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من تأهل بقوم فهو منهم فدل إنكار الصحابة رضى الله عنهم و اعتذار عثمان رضى الله عنه ان الفرض ما قلنا اذ لو كان الاربع عزيمة لما أنكرت الصحابة عليه و لما اعتذر هو اذ لا يلام على العزائم و لا يعتذر عنها فكان ذلك إجماعا من الصحابة رضى الله عنهم على ما قلنا و روى عن ابن عمر رضى الله عنهما انه سئل عن الصلاة في السفر فقال ركعتان ركعتان من خالف السنة كفر اى خالف السنة اعتقاد الا فعلا و روى عن ابن عباس رضى الله عنه ان رجلين سألاه و كان أحدهما يتم الصلاة في السفر و الآخر يقصر عن حالهما فقال للذي قصر أنت أكملت و قال للآخر أنت قصرت و لا حجة له في الآية لان المذكور فيها أصل القصر لا صفته و كيفيته و القصر قد يكون عن الركعات و قد يكون عن القيام إلى القعود و قد يكون عن الركوع و السجود إلى الايماء لخوف العد و لا بترك شطر الصلاة و ذلك مباح مرخص عندنا فلا يكون حجة مع الاحتمال مع ما ان في الآية ما يدل على ان المراد منه ليس هو القصر عن الركعات و هو ترك شطر الصلاة لانه علق القصر بشرط الخوف و هو خوف فتنة الكفار بقوله ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا و القصر عن الركعات لا يتعلق بشرط الخوف بل يجوز من خوف و الحديث دليلنا لانه أمر بالقبول فلا يبقى له خيار الرد شرعا اذ الامر للوجوب و قوله المتصدق عليه يكون مختارا في القبول قلنا معنى قوله تصدق عليكم أى حكم عليكم على ان التصدق من الله تعالى فيما لا يحتمل التمليك يكون عبارة عن الاسقاط كالعفو من الله تعالى و ما ذكر من المعنى سديد لان هذا ليس ترفيها بقصر شطر الصلاة بل لم يشرع في السفر الا هذا القدر لما ذكرنا من الدلائل و لقول ابن عباس رضى الله عنه لا تقولوا قصرا فان الذي فرضها في الحضر أربعا هو الذي فرضها في السفر ركعتين و ليس إلى العباد إبطال قدر العبادات الموظفة عليهم بالزيادة و النقصان الا ترى ان من أراد أن يتم المغرب أربعا أو الفجر ثلاثا أو أربعا لا يقدر على ذلك كذا هذا و لا قصر في الفجر و المغرب لان القصر بسقوط شطر الصلاة و بعد سقوط الشطر منهما لا يبقى نصف مشروع بخلاف ذوات الاربع و كذا لا قصر في السنن و التطوعات لان القصر بالتوقيف و لا توقيف
(93)
ثمة و من الناس من قال بترك السنن في السفر و روى عن بعض الصحابة انه قال لو أتيت بالسنن في السفر لا تممت الفريضة و ذلك عندنا محمول على حالة الخوف على وجه لا يمكنه المكث لاداء السنن و على هذا الاصل يبنى ان المسافر لو اختار الاربع لا يقع الكل فرضا بل المفروض ركعتان لا و الشطر الثاني يقع تطوعا عندنا و عنده يقع الكل فرضا حتى لو لم يقعد على رأس الركعتين قدر التشهد فسدت صلاته عندنا لانها القعدة الاخيرة في حقه و هي فرض و عنده لا تفسد لانها القعدة الاولى عنده و هي ليست بفرض في المكتوبات بلا خلاف و على هذا الاصل يبنى اقتداء المقيم بالمسافر انه يجوز في الوقت و فى خارج الوقت و فى ذوات الاربع و اقتداء المسافر بالمقيم يجوز في الوقت و لا يجوز في خارج الوقت عندنا لان فرض المسافر قد تقرر ركعتين على وجه لا يحتمل التغيير بالاقتداء بالمقيم فكانت القعدة الاولى فرضا في حقه فيكون هذا اقتداء المفترض بالمتنقل في حق القعدة و هذا لا يجوز على أصل أصحابنا و هذا المعنى لا يوجد في الوقت و لا في اقتداء المقيم بالمسافر و لو ترك القراءة في الاوليين أو في واحدة منهما تفسد صلاته لان القراءة في الركعتين في صلاة ذات ركعتين فرض و قد فات على وجه لا يحتمل التدارك بالقضاء فتفسد صلاته و عند الشافعي أيضا تفسد لان العزيمة و ان كانت هى الاربع عنده لكن القراءة في الركعات كلها فرض عنده و لو اقتدى المسافر بالمقيم في الظهر ثم أفسدها على نفسه في الوقت أو بعد ما خرج الوقت فان عليه ان يصلى ركعتين عندنا و عنده يصلى أربعا و لا يجوز له القصر لان العزيمة في حق المسافر هى ركعتان عندنا و انما صار فرضه أربعا بحكم التبعية للمقيم بالاقتداء به و قد بطلت التبعية ببطلان الاقتداء فيعود حكم الاصل و عنده لما كانت العزيمة هى الاربع و انما أبيح القصر رخصة فإذا اقتدى بالمقيم فقد اختار العزيمة فتأكد عليه وجوب الاربع فلا تجوز له الرخصة بعد ذلك و يستوى في المقدار المفروض على المسافر من الصلاة سفر الطاعة من الحج و الجهاد طلب العلم و سفر المباح كسفر التجارة و نحوه و سفر المعصية كقطع الطريق و البغى و هذا عندنا و قال الشافعي لا تثبت رخصة القصر في سفر المعصية وجه قوله ان رخصة القصر تثبت تخفيفا أو نظرا على المسافر و الجانى لا يستحق النظر و التخفيف ( و لنا )ان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب الفصل بين مسافر و مسافر فوجب العمل بعمومها و إطلاقها و يستوى فيما ذكرنا من اعداد الركعات في حق المقيم و المسافر صلاة الا من و الخوف فالخوف لا يؤثر في نقصان العدد مقيما كان الخائف أو مسافرا و هو قول عامة الصحابة رضى الله عنهم و انما يؤثر في سقوط اعتبار بعض ما ينافى الصلاة في الاصل من المشي و نحو ذلك على ما نذكره في صلاة الخوف ان شاء الله تعالى ( فصل )و اما بيان ما يصير به المقيم مسافرا فالذي يصير المقيم به مسافرا نية مدة السفر و الخروج من عمران المصر فلا بد من اعتبار ثلاثة أشياء أحدها مدة السفر و أقلها مقدر عند أصحاب الظواهر و عند عامة العلماء مقدر و اختلفوا في التقدير قال أصحابنا مسير ثلاثة أيام سير الابل و مشى الاقدام و هو المذكور في ظاهر الروايات و روى عن أبى يوسف يومان و أكثر الثالث و كذا روى الحسن عن أبى حنيفة و ابن سماعة عن محمد و من مشايخنا من قدره بخمسة عشر فرسخا و جعل لكل يوم خمس فراسخ و منهم من قدره بثلاث مراحل و قال مالك أربعة يرد كل بريد اثنا عشر ميلا و اختلفت أقوال الشافعي فيه قيل ستة و أربعون ميلا و هو قريب من قول بعض مشايخنا لان العادة ان القافلة لا تقطع في يوم أكثر من خمسة فراسخ و قيل يوم و ليلة و هو قول الزهرى و الاوزاعى و أثبت أقواله انه مقدر بيومين اما أصحاب الظواهر فاحتجوا بظاهر قوله تعالى و إذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة علق القصر بمطلق الضرب في الارض فالتقدير تقييد لمطلق الكتاب و لا يجوز الا بدليل ( و لنا )ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال يمسح المقيم يوما و ليلة و المسافر ثلاثة أيام وليا لها جعل لكل مسافر أن يمسح ثلاثة أيام و لياليها و ان يتصور أن يمسح المسافر ثلاثة أيام و لياليها و مدة السفر أقل من هذه المدة و قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الاخر ان تسافر
(94)
ثلاثة أيام الا مع محرم أو زوج فلو لم تكن المدة مقدرة بالثلاث لم يكن لتخصيص الثلاث معنى و الحديثان في حد الاستفاضة و الاشتهار فيجوز نسخ الكتاب بهما ان كان تقييد المطلق نسخا مع انه لا حجة لهم في الآية لان الضرب في الارض في اللغة عبارة عن السير فيها مسافرا يقال ضرب في الارض أى سار فيها مسافرا فكان الضرب في الارض عبارة عن سير يصير الانسان به مسافرا لا مطلق السير و الكلام في انه هل يصير مسافرا بسير مطلق من اعتبار المدة و كذا مطلق الضرب في الارض يقع على سير يسمى سفرا و النزاع في تقديره شرعا و الآية ساكتة عن ذلك و قد ورد الحديث بالتقدير فوجب العمل به و الله الموفق ( و احتج )مالك بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فيما دون مكة إلى عسفان و ذلك أربعة برد و هو غريب فلا يقبل خصوصا في معارضة المشهور وجه قول الشافعي ان الرخصة انما ثبت لضرب مشقة يختص بها المسافرون و هي مشقة الحمل و السير و النزول لان المسافر يحتاج إلى حمل رحله من أهله و حطه في أهله و السير و هذه المشقات تجتمع في يومين لانه في اليوم الاول يحط الرحل في أهله و فى اليوم الثاني بحمله من أهله و السير موجود في اليومين بخلاف اليوم الواحد لانه لا يوجد فيه الا مشقة السير لانه يحمل الرحل من وطنه و يحطه في موضع الاقامة فيقدر بيومين لهذا ( و لنا )ما روينا من الحديثين و لان وجوب الاكمال كان ثابتا بدليل مقطوع به فلا يجوز رفعه الا بمثله و ما دون الثلاث مختلف فيه و الثلاث مجمع عليه فلا يجوز رفعه بما دون الثلاث و ما ذكر من المعنى يبطل بمن سافر يوما على قصد الرجوع إلى وطنه فانه يلحقه مشقة الحمل و الحط و السير على ما ذكر و مع هذا لا يقصر عنده و به تبين ان الاعتبار لاجتماع المشقات في يوم واحد و ذلك بثلاثة أيام لانه يلحقه في اليوم الثاني مشقة حمل الرحل من أهله و السير و حطه في أهله و انما قدرنا بسير الابل و مشى الاقدام لانه الوسط لان أبطأ السير سير العجلة و الاسر ع سير الفرس و البريد فكان أوسط أنواع السير سير الابل و مشى الاقدام و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم خير الامور أوساطها و لان الاقل و الاكثر يتجاذبان فيستقر الامر على الوسط و على هذا يخرج ما روى عن أبى حنيفة فيمن سار في الماء يوما و ذلك في البر ثلاثة أيام انه يقصر الصلاة لانه لا عبرة للاسراع و كذا لو سار في البر إلى موضع في يوم أو يومين و انه بسير الابل و المشي المعتاد ثلاثة أيام يقصر اعتبارا للسير المعتاد و على هذا إذا سافر في الجبال و العقبات أنه يعتبر مسيرة ثلاثة أيام فيها لا في السهل فالحاصل أن التقدير بمسيرة ثلاثة أيام أو بالمراحل في السهل و الجبل و البر و البر و البحر ثم يعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه و ذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه و التقدير بالفراسخ سديد لان ذلك يختلف باختلاف الطريق و قال أبو حنيفة إذا خرج إلى مصر في ثلاثة أيام و أمكنه أن يصل اليه من طريق آخر في يوم واحد قصر و قال الشافعي ان كان لغرض صحيح قصر و ان كان من غرض صحيح لم يقصر و يكون كالعاصى في سفره و الصحيح قولنا لان الحكم معلق بالسفر فكان المعتبر مسيرة ثلاثة أيام على قصد السفر و قد وجد و الثاني فيه مدة السفر لان السير قد يكون سفر أوقد لا يكون لان الانسان قد يخرج من مصره إلى موضع لا صلاح الضيعة ثم تبدو له حاجة أخرى إلى المجاوزة عنه إلى موضع آخر ليس بينهما مدة سفر ثم و ثم إلى أن يقطع مسافة بعيدة أكثر من مدة السفر لا لقصد السفر فلا بد من النية و المعتبر في النية هو نية الاصل دون التابع حتى يصير العبد مسافرا بتية مولاء و الزوجة بنية الزوج و كل من لزمه طاعة غيره كالسلطان و أمير الجيش لان حكم التبع حكم الاصل و أما الغريم مع صاحب الدين فان كان مليا فالنية اليه لانه يمكنه قضأ الدين و الخروج من يده و ان كان مفلسا فالنية إلى الطالب لانه لا يمكنه الخروج من يده فكان تابعا له و الثالث الخروج من عمران المصر فلا يصير مسافرا بمجرد نية السفر ما يخرج من عمران المصر و أصله ما روى عن على رضى الله عنه أنه لما خرج من البصرة يريد الكوفة صلى الظهر أربعا ثم نظر إلى خص امامه و قال لو جاوزنا الخص صلينا ركعتين و لان النية انما تعتبر إذا كانت مقارنة للفعل لان مجرد العزم عفو و فعل السفر لا يتحقق الا بعد الخروج من المصر فما لم يخرج لا يتحقق قران النية بالفعل فلا يصير
(95)
مسافرا و هذا بخلاف المسافر إذا نوى الاقامة في موضع صالح للاقامة حيث يصير مقيما للحال لان فية الاقامة هناك قارنت الفعل و هو ترك السفر لان ترك الفعل فعل كانت معتبرة و ههنا بخلافه و سواء خرج في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره حتى لو بقي من الوقت مقدار ما يسع لاداء ركعتين فانه يقصر في ظاهر قول أصحابنا و قال محمد بن شجاع البلخى و إبراهيم النخعي انما يقصر إذا خرج قبل الزوال فاما إذا خرج بعد الزوال فانه يكمل الظهر و انما يقصر العصر و قال الشافعي إذا مضى من الوقت مقدار ما يمكنه اداء أربع ركعات فيه يجب عليه الاكمال و لا يجوز له القصر و ان مضى دون ذلك اختلف أصحابه فيه و ان بقي من الوقت مقدار ما يسع لركعة واحدة لا أو للتحريمة فقط يصلى ركعتين عندنا و عند زفر يصلى أربعا ( اما )الكلام في المسألة الاولى فبناء على ان الصلاة تجب في أول الوقت أو في آخره فعندهم تجب في أول الوقت فكلما دخل الوقت أو مضى منه مقدار ما يسع لاداء الاربع وجب عليه اداء أربع ركعات فلا يسقط شطرها بسبب السفر بعد ذلك كما إذا صارت دينا في الذمة بمضي الوقت ثم سافر لا يسقط الشطر كذا ههنا و عند المحققين من أصحابنا لا تجب في أول الوقت على التعيين و انما تجب في جزء من الوقت معين و انما التعيين إلى المصلى من حيث الفعل حتى انه إذا شرع في أول الوقت يجب في ذلك الوقت و كذا إذا شرع في وسطه أو آخره و متى لم يعين بالفعل حتى بقي من الوقت مقدار ما يصلى فيه أربعا و هو مقيم يجب عليه تعيين ذلك الوقت للاداء فعلا حتى يأثم بترك التعيين و ان كان لا يتعين للاداء بنفسه شرعا حتى لو صلى فيه التطوع جاز و إذا كان كذلك لم يكن اداء الاربع واجبا قبل الشروع فإذا نوى السفر و خرج من العمران حتى صار مسافرا تجب عليه صلاة المسافرين ثم ان كان الوقت فاضلا على الاداء يجب عليه اداء ركعتين في جزء من الوقت معين و يتعين ذلك بفعله و ان لم يتعين بالفعل إلى آخر الوقت يتعين آخر الوقت لوجوب تعيينه للاداء فعلا و كذا إذا لم يكن الوقت فاضلا على الاداء و لكنه يسع للركعتين يتعين للوجوب و يبنى على هذا الاصل الطاهرة إذا حاضت في آخر الوقت أو نفست و العاقل إذا جن أو أغمى عليه و المسلم إذا ارتد و العياذ بالله و قد بقي من الوقت ما يسع الفرض لا يلزمهم الفرض عند أصحابنا لان الوجوب يتعين في آخر الوقت عندنا إذا لم يوجد ا لاداء قبله فيستدعى الاهلية فيه لاستحالة الايجاب على الاهل و لم يوجد و عندهم يلزمهم الفرض لان الوجوب عندهم بأول الوقت و الاهلية ثابتة في أوله و دلائل هذا الاصل تعرف في أصول الفقة و لو صلى الصبي الفرض في أول الوقت ثم بلغ تلزمه الاعادة عندنا خلافا للشافعي و كذا إذا أحرم بالحج ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة لا يجزيه عن حجة الاسلام عندنا خلافا له وجه قوله ان عدم الوجوب عليه كان نظرا له و النظر له هنا الوجوب كيلا تلزمه الاعادة فاشبه الوصية حيث صحت منه نظرا له و هو الثواب و لا ضرر فيه لان ملكه يزول بالميراث ان لم يزل بالوصية ( و لنا )ان في نفس الوجوب ضررا فلا يثبت مع الصبي كما لو لم يبلغ فيه و انما انقلب نفعا بحالة أنفقت و هي البلوغ فيه و انه نادر فبقى عدم الوجوب لانه نفع في الاصل المسلم إذا صلى ثم ارتد عن الاسلام و العياذ بالله ثم أسلم في الوقت فعليه اعادة الصلاة عندنا و عند الشافعي لا اعادة عليه و على هذا الحج و احتج بقوله تعالى و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة علق حبط العمل بالموت على الردة دون نفس الردة لان الردة حصلت بعد الفراغ من القربة فلا يبطلها كما لو تيمم ثم ارتد عن الاسلام ثم أسلم ( و لنا )قوله تعالى و من يكفر بالايمان فقد حبط عمله و قوله تعالى و لو أشركوا و اقتراب عنهم ما كانوا يعملون علق حبط العمل بنفس الاشراك بعد الايمان و اما الآية فنقول من علق حكما بشرطين و علقه بشرط فالحكم يتعلق بكل واحد من التعليقين و ينزل عند أيهما وجد كمن قال لعبده أنت حر إذا جاء يوم الخميس ثم قال له أنت حر إذا جاء يوم الجمعة لا يبطل واحد منهما بل إذا جاء يوم الخميس عتق و لو كان باعه فجاء يوم الخميس و لم يكن في ملكه ثم اشتراه فجاء يوم الجمعة و هو في ملكه عتق بالتعليق الآخر و اما التيمم فهو ليس بعبادة و انما هو طهارة و أثر الردة في إبطال العبادات الا انه لا ينعقد مع الكفر لعدم الحاجة و الحاجه ههنا متحققة و الردة لا تبطلها لكونه مجبورا على الاسلام فبقيت
(96)
الحاجة على ما ذكرنا في فصل التيمم ( و اما )الكلام في المسألة الثانية فبناء على أصل مختلف بين اصحابنا و هو مقدار ما يتعلق به الوجوب في آخر الوقت قال الكرخي و أكثر المحققين من أصحابنا ان الوجوب يتعلق بآخر الوقت بمقدار التحريمة و قال زفر لا يجب الا إذا بقي من الوقت مقدار ما يؤدى فيه الفرض و هو اختيار القدوري و بني على هذا الاصل الحائض إذا طهرت في آخر الوقت و بلغ الصبي و أسلم الكافر و أفاق المجنون و المغمى عليه و أقام المسافر أو سافر المقيم و هي مسألة الكتاب فعلى قول زفر و من تابعه من أصحابنا لا يجب الفرض و لا يتغير الا إذا بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه الاداء و على القول المختار يجب الفرض و يتغير الاداء و ان بقي مقدار ما يسع للتحريمة فقط وجه قول زفران وجوب الاداء يقتضى تصور الاداء و اداء كل الفرض في هذا القدر لا يتصور فاستحال وجوب الاداء ( و لنا )ان آخر الوقت يجب تغيينه على المكلف للاداء فعلا على ما مر فان بقي مقدار ما يسع لكل الصلاة يجب تعيينه لكل الصلاة فعلا بالاداء و ان بقي مقدار ما يسع للبعض وجب تعيينه لذلك البعض لان تعيين كل الوقت لكل العبادة تعيين كل أجزائه لكل أجزائها ضرورة و فى تعيين جزء من الوقت لجزء من الصلاة فائدة و هي أن الصلاة لا تتجزأ فإذا وجب البعض فيه وجب الكل فيما يتعقبه من الوقت ان كان لا يتعقبه وقت مكروه و ان تعقبه يجب الكل ليؤدى في وقت آخر و إذا لم يبق من الوقت الا قدر ما يسع التحريمة وجب يحصيل التحريمة ثم تجب بقية الصلاة لضرورة وجوب التحريمة فيؤديها في الوقت المتصل به فيما وراء الفجر و فى الفجر يؤديها في وقت آخر لان الوجوب على التدريج الذي ذكرنا قد تقرر و قد عجز عن الاداء فيقضى و هذا بخلاف الكافر إذا أسلم بعد طلوع الفجر من يوم رمضان حيث لا يلزمه صوم ذلك اليوم لان هناك الوقت معيار للصوم فكل جزء منه على الاطلاق لا يصلح للجزء الاول من العبادة بل الجزء الاول من الوقت متعين للجزء الاول من العبادة ثم الثاني منه للثاني منها و الثالث للثالث و هكذا فلا يتصور وجوب الجزء الاول من العبادة في الجزء الثاني أو الخامس من الوقت و لا الجزء الخامس من العبادة من الجزء السادس من الوقت فإذا فات الجزء الاول من الوقت و هو ليس بأهل فلم يجب الجزء الاول من العبادة لاستحالة الوجوب على الاهل فبعد ذلك و ان أسلم في الجزء الثاني أو العاشر لا يتصور وجوب الجزء الاول من الصوم في ذلك الجزء من للوقت لانه ليس بمحل لوجوبه فيه و لان وجوب كل جزء من الصوم في جزء من الوقت و هو محل أدائه و الجزء الثاني من اليوم لا يتصور أن يكون محلا للجزء الاول من العبادة فلا يتصور وجوب الجزء الاول فلا يتصور وجوب الجزء الآخر لان الصوم لا يتجزأ وجوبا و لا أداء بخلاف الصلاة لان هناك كل جزء مطلق من الوقت يصلح ان يجب فيه الجزء الاول من الصلاة إذا التحريمة منها في ذلك الوقت لان الوقت ليس بمعيار للصلاة فهو الفرق و الله الموفق ثم ما ذكرنا من تعلق الوجوب بمقدار التحريمة في حق الحائض إذا كانت أيامها عشرا فاما إذا كانت أيامها دون العشرة فانما تجب عليها الصلاة إذا طهرت و عليها من الوقت مقدار ما تغتسل فيه فان كان عليها من الوقت ما لا تستطيع ان تغتسل فيه أولا تستطيع أن تتحرم للصلاة فليس عليها تلك الصلاة حتى لا يجب عليها القضاء و الفرض ان أيامها إذا كانت أقل من عشرة لا يحكم بخروجها من الحيض بمجرد انقطاع الدم ما لم تغتسل أو يمضى عليها وقت صلاة تصير تلك الصلاة دينا عليها و إذا كانت أيامها عشرة بمجرد الانقطاع يحكم بخروجها عن الحيض فإذا أدركت جزأ من الوقت يلزمها قضأ تلك الصلاة سواء تمكنت من الاغتسال أو لم تتمكن بمنزلة كافر أسلم و هو جنب أو صبى بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضأ تلك الصلاة سواء تمكن من الاغتسال في الوقت أو لم يتمكن و هذا لان الحيض هو خروج الدم في وقت معتاد فإذا انقطع الدم كان ينبغى ان يحكم بزواله لان الاصل ان ما انعدم حقيقة انعدم حكما الا انا لا نحكم بخروجها من الحيض ما لم تغتسل إذا كانت أيامها أقل من عشرة لاجماع الصحابة رضى الله عنهم قال الشعبي حدثنى بضعة عشر نفرا من الصحابة ان الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل و كان المعنى في ذلك ان نفس الانقطاع ليس بدليل على الطهارة لان ذلك كثيرا ما يتخلل في زمان الحيض فشرطت زيادة
(97)
شيء له أثر في التطهير و هو الاغتسال أو وجوب الصلاة عليها لانه من أحكام الطهر بخلاف ما إذا كانت أيامها عشرا لان هناك الاجماع و مثل هذا الدليل المعقول منعدمان و لان الدليل قد قام لنا ان الحيض لا يزيد على العشرة و هذه المسألة تستقصى في كتاب الحيض و هل يباح للزوج قربانها قبل الاغتسال إذا كانت أيامها عشرا عند أصحابنا الثلاثة يباح و عند زفر لا يباح ما لم تغتسل و إذا كانت أيامها دون العشرة لا يباح للزوج قربانها قبل الاغتسال بالاجماع و إذا مضى عليها وقت صلاة فللزوج ان يقربها عندنا و ان لم تغتسل خلافا لزفر على ما يعرف في كتاب الحيض ان شاء الله تعالى ( فصل )و اما بيان ما يصير المسافر به مقيما فالمسافر يصير مقيما بوجود الاقامة و الاقامة تثبت بأربعة أشياء أحدها صريح نية الاقامة و هو ان ينوى الاقامة خمسة عشر يوما في مكان واحد صالح للاقامة فلا بد من أربعة أشياء الاقامة و نية مدة الاقامة و اتحاد المكان و صلاحيتة للاقامة ( اما )نية الاقامة فامر لا بد منه عندنا حتى لو دخل مصر أو مكث فيه شهرا أو أكثر لا نتظلر القافلة أو لحاجة أخرى يقول أخرج اليوم أو غدا و لم ينو الاقامة لا يصير مقيما و للشافعي فيه قولان في قول إذا أقام أكثر مما أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك كان مقيما و ان لم ينو الاقامة و رسول الله صلى الله عليه و سلم أقام بتبوك تسعة عشر يوما أو عشرين يوما و فى قول إذا أقام أربعة كان مقيما و لا يباح له القصر ( احتج )لقوله الاول ان الاقامة متى وجدت حقيقة ينبغى ان تكمل الصلاة قلت الاقامة أو كثرت لانها ضد السفر و الشئ يبطل بما يضاده الا ان النبي صلى الله عليه و سلم أقام بتبوك تسعة عشر يوما و قصر الصلاة فتركنا هذا القدر بالنص فنأخذ بالقياس فيما وارءه و وجه قوله الآخر على النحو الذي ذكرنا ان القياس ان يبطل السفر بقليل الاقامة لان الاقامة قرار و السفر انتقال و الشئ ينعدم بما يضاده فينعدم حكمه ضرورة الا ان قليل الاقامة لا يمكن اعتباره لان المسافر لا يخلو عن ذلك عادة فسقط اعتبار القليل لمكان الضرورة و لا ضرورة في الكثير و الاربعة في حد الكثرة لان أدنى درجات الكثير ان يكون جمعا و الثلاثة و ان كانت جمعا لكنها أقل الجمع فكانت في حد القلة من وجه فلم تثبت الكثرة المطلقة فإذا صارت أربعة صارت في حد الكثرة على الاطلاق لزوال معنى القلة من جميع الوجوه ( و لنا )إجماع الصحابة رضى الله عنهم فانه روى عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه انه أقام بقرية من قرى نيشابور شهرين و كان يقصر الصلاة و عن ابن عمر رضى الله عنهما انه أقام بآذربيجان شهرا و كان يصلى ركعتين و عن علقمة انه أقام بخوارزم سنتين و كان يقصر و روى عن عمران بن حصين رضى الله عنه انه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام فتح مكة فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلى الا الركعتين ثم قال لاهل مكة صلوا أربعا فانا قوم سفر و القياس بمقابلة النص و الاجماع باطل ( و اما )مدة الاقامة فاقلها خمسة عشر يوما عندنا و قال مالك و الشافعي أقلها أربعة أيام و حجتهما ما ذكرنا و روى ان النبي صلى الله عليه و سلم رخص للمهاجرين المقام بمكة بعد قضأ النسك ثلاثة أيام فهذه اشارة إلى ان الزيادة على الثلاث توجب حكم الاقامة ( و لنا )ما روى عن ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهم انهما قالا إذا أدخلت بلدة و أنت مسافر و فى عزمك أن تقيم بها خمسة عشر يوما فاكمل الصلاة و ان كنت لا تدري متى تظعن فاقصر و هذا باب لا يوصل اليه بالاجتهاد لانه من جملة المقادير و لا يظن بهما التكلم جزافا فالظاهر انهما قالاه سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و روى عبد الله بن عباس و جابر و أنس رضى الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أصحابه دخلوا مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة و مكثوا ذلك اليوم و اليوم الخامس و اليوم السادس و اليوم السابع فلما كان صبيحة اليوم الثامن و هو يوم التروية خرجوا إلى منى و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى بأصحابه ركعتين و قد وطنوا أنفسهم على اقامة أربعة أيام دل ان التقدير بالاربعة صحيح و ما روى من الحديث فليس فيه ما يشير إلى تقدير أدنى مدة الاقامة بالاربعة لانه يحتمل انه علم ان حاجتهم ترتفع في تلك المدة فرخص بالمقام ثلاثا لهذا لا لتقدير