( فصل )و أما بيان ما تصح به و ما تفسد و ما يكره أما ما تصح به فكل ما يعتبر شرطا الصحة سائر الصلوات من الطهارة الحقيقة و الحكمية و استقبال القبلة و ستر العورة و النية يعتبر شرطا لصحتها حتى انهم لو صلوا على جنازة و الامام طاهر فعليهم إعادتها لان صلاة الامام جائزة لعدم الطهارة فكذا صلاتهم لانها بناء على صلاته و لو كان الامام على الطهارة و القوم على طهارة جازت صلاة الامام و لم يكن عليهم إعادتها لان حق الميت تأدى بصلاة الامام و دلت المسألة على ان الجماعة ليست بشرط في هذه الصلاة و لو أخطؤا بالرأس فوضعوه في موضع الرجلين وصلوا عليها جازت الصلاة لاستجماع شرائط الجواز و انما الحاصل بغير صفة الوضع و ذا لا يمتنع الجواز الا انهم ان تعمدوا ذلك فقد أساؤا لتغييرهم السنة المتوارثة و لو تحروا على جنازة فأخطؤا القبلة جازت صلاتهم لان المكتوبة تجوز فهذه أولي و ان تعمدوا خلافهم لم تجز كما في اعتبار شرط القبلة لانه لا يسقط حالة الاختيار كما في سائر الصلوات و لو صلى راكبا أو قاعدا من عذر لم تجزهم استحسانا و القياس أن تجزئهم كسجدة التلاوة و لان المقصود منها الدعاء للميت و هو لا يختلف و الاركان فيها التكبيرات و يمكن تحصيلها في حالة الركوب كما يمكن تحصيلها في حالة القيام وجه الاستحسان ان الشرع ما ورد بها الا في حالة القيام فيراعى فيها ما ورد به النص و لهذا لا يجوز إثبات الخلل في شرائطها فكذا في الركن بل أولى لان الركن أهم من الشرط و لان الاداء قعودا أو ركبانا يؤدى إلى الاستخفاف بالميت و هذه الصلاة شرعت لتعظيم الميت و لهذا تسقط في حق من تجب إهانته كالباغى و الكافر و قاطع الطريق فلا يجوز اداء ما شرع للتعظيم على وجه يؤدى إلى الاستخفاف لانه يؤدى إلى أن يعود على موضوعه بالنقص و ذلك باطل و لو كان ولي الميت مريضا فصلى قاعدا وصلى الناس خلفه قياما أجزأهم في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و قال محمد يجزئ الامام و لا يجزئ المأموم بناء على اقتداء القائم بالقاعد و قد مر ذلك و لو ذكروا بعد الصلاة على الميت انهم لم يغسلوه فهذا على وجهين اما ان ذكروا قبل الدفن أو بعده فان كان قبل الدفن غسلوه و أعادوا الصلاة عليه لان طهارة الميت شرط لجواز الصلاة عليه كما ان طهارة الامام شرط لانه بمنزلة الامام فتعتبر طهارته فإذا فقدت لم يعتد بالصلاة فيغسل و يصلى عليه و ان ذكروا بعد الدفن لم ينبشوا عنه لان النبش حرام حقا لله تعالى فيسقط الغسل و لا تعاد الصلاة عليه لان طهارة الميت شرط جواز الصلاة عليه لما بينا و روى عن محمد انه يخرج ما لم يهيلوا عليه التراب لان ذلك ليس بنبش فان أهالوا التراب لم يخرج و تعاد الصلاة عليه لان تلك الصلاة لم تعتبر لتركهم الطهارة مع الامكان و الآن فات الامكان فسقطت الطهارة فيصلى عليه و لو دفن بعد الغسل قبل الصلاة عليه صلى عليه في القبر ما لم يعلم انه تفرق و فى الامالي عن أبى يوسف انه قال يصلى عليه إلى ثلاثة أيام هكذا ذكر ابن رستم عن محمد أما قبل مضى ثلاثة أيام فلما روينا ان النبي صلى الله عليه و سلم صلى على قبر تلك المرأة فلما جازت الصلاة على القبر بعد ما صلى على الميت مرة فلان تجوز في موضع لم يصل عليه أصلا أولى و أما بعد الثلاثة أيام لا يصلى لان الصلاة مشروعة على البدن و بعد مضى الثلاث ينشق و يتفرق فلا يبقى البدن و هذا لان في المدة القليلة لا يتفرق و فى الكثيرة يتفرق فجعلت الثلاث في حد الكثرة لانها جمع و الجمع ثبت بالكثرة و لان العبرة للمعتاد و الغالب في العادة أن يمضى الثلاث يتفسخ و يتفرق أعضاؤه و الصحيح ان هذا ليس بتقدير لازم لانه يختلف باختلاف الاوقات في الحر و البرد و باختلاف حال الميت في السمن و الهزال و باختلاف الامكنة فيحكم فيه غالب الرأي و أكبر الظن فان قيل روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين فالجواب ان معناه و الله أعلم انه دعا لهم قال الله تعالى وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم و الصلاة في الآية بمعنى الدعاء و قيل انهم لم تتفرق أعضاؤهم فان معاوية لما أراد ان يحولهم وجدهم كما دفنوا فتركهم و تجوز الصلاة على الجماعة مرة واحدة فإذا اجتمعت الجنائز فالإِمام بالخيار ان شاء صلى عليهم دفعة واحدة و ان شاء صلى على كل جنازة على حدة لما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم صلى يوم أحد على كل عشرة من الشهداء صلاة واحدة و لان ما هو المقصود و هو الدعاء و الشفاعة للموتى يحصل بصلاة واحدة فان أراد أن يصلى على كل واحدة على حدة فالأَولى أن يقدم الافضل فالأَفضل فان لم يفعل فلا بأس به ثم كيف توضع الجنائز إذا اجتمعت فنقول لا يخلو اما
(316)
ان كانت من جنس واحد أو اختلف الجنس فان كان الجنس متحدا فان شاؤوا جعلوها صفا واحدا كما يصطفون في حال حياتهم عند الصلاة و ان شاؤوا وضعوا واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ليقوم الامام بحذاء الكل هذا جواب ظاهر الرواية و روى عن أبى حنيفة في رواية الاصول ان الثاني أولى من الاول لان السنة هى قيام الامام بحذاء الميت و هو يحصل في الثاني دون الاول و إذا وضعوا واحدا بعد واحد ينبغى أن يكون أفضلهم مما يلى الامام كذا روى عن أبى حنيفة انه يوضع أفضلهما مما يلي الامام و أسنهما و قال أبو يوسف و الاحسن عندي أن يكون أهل الفضل مما يلي الامام لقول النبي صلى الله عليه و سلم ليليني منكم أولو الاحلام و النهى ثم ان وضع رأس كل واحد منهم بحذاء رأس صاحبه فحسن و ان وضع شبه الدرج كما قال ابن أبى ليلي و هو أن يكون رأس الثاني عند منكب الاول فحسن كذا روى عن أبى حنيفة انه ان وضع هكذا فحسن أيضا لان النبي صلى الله عليه و سلم و صاحبيه دفنوا على هذه الصفة فيحسن الوضع للصلاة على هذا الترتيب أيضا و أما إذا اختلف الجنس بان كانوا رجالا و نساء توضع الرجال مما يلى الامام و النساء خلف الرجال مما يلي القبلة لانهم هكذا يصطفون خلف الامام في حال الحياة ثم ان الرجال يكونون أقرب إلى الامام من النساء فكذا بعد الموت و من العلماء من قال توضع النساء مما يلى الامام و الرجال خلفهن لان في الصلاة بالجماعة في حال الحياة صف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة فكذا في وضع الجنائز و لو اجتمع جنازة رجل وصبى و خنثى و إمرأة و صبية وضع الرجل مما يلي الامام و الصبي وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية و الاصل فيه قول النبي صلى الله عليه و سلم ليليني منكم أولوا الاحلام و النهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم و لانهم هكذا يقومون في الصف خلف الامام حالة الحياة فيوضعون كذلك بعد الموت و لو كبر الامام على جنازة ثم أتى بجنازة أخرى فوضعت معها مضى على الاولى و يستأنف الصلاة على الاخرى لان التحريمة انعقدت للصلاة على الاول فيتمها فان كبر الثانية ينويهما فهي للاولى لانه لم يقصد الخروج عن الاولى فبقى فيها و لم يقع للثانية و ان كبر ينوى الثانية وحدها فهي للثانية لانه خرج عن الاولى بالتكبيرة مع النية كما إذا كان في الظهر فكبر ينوى العصر صار منتقلا من الظهر فكذا هذا بخلاف ما إذا نواهما جميعا لانه ما رفض الاولى فبقى فيها فلا يصير شارعا في الثانية ثم إذا صار شارعا في الثانية فإذا فرغ منها أعاد الصلاة على الاولى أى يستقبل و الله أعلم ( فصل )و أما بيان ما تفسد به صلاة الجنازة فنقول انها تفسد بما تفسد به سائر الصلوات و هو ما ذكرنا من الحدث العمد و الكلام و القهقهة و غيرها من نواقض الصلاة الا المحاذاة فانها مفسدة في هذه الصلاة لان فساد الصلاة بالمحاذاة عرف بالنص و النص ورد في الصلاة المطلقة فلا يلحق بها غيرها و لهذا لم يلحق بها سجدة التلاوة حتى لم تكن المحاذاة فيها مفسدة و كذا القهقهة في هذه الصلاة لا تنقض الطهارة لانا عرفنا القهقهة حدثا بالنص الوارد في صلاة مطلقة فلا يجعل واردا في غيرها فرق بين هاتين المسئلتين و بين البناء فانه لو سبقه الحدث في صلاة الجنازة يبنى و ان عرف البناء بالنص و انه وارد في صلاة مطلقة و الفرق ان القهقهة جعلت حدثا لقبحها في الصلاة و قبحها يزداد بزيادة حرمة الصلاة و لا شك ان حرمة الصلاة المطلقة فوق حرمة صلاة الجنازة فكان قبحها في تلك الصلاة فوق قبحها في هذه فجعلها حدثا هناك لا يدل على جعلها حدثا ههنا و كذا المحاذاة جعلت مفسدة في تلك الصلاة تعظيما لها و ليست هذه مثل تلك في معنى التعظيم بخلاف البناء لان الجواز و تحمل المشي في أعلى العبادتين يوجب التحمل و الجواز في أدناهما دلالة و لأَنا لو لم نجوز البناء ههنا تفوته الصلاة أصلا لان الناس يفرغون من الصلاة قبل رجوعه من التوضؤ و لا يمكنه الاستدراك بالاعادة لما مر و لو لم تجوز البناء هناك لفاتته الصلاة أصلا فلما زجا البناء هناك فلان يجوز ههنا أولى ( فصل )و اما بيان ما يكره فيها فنقول تكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس و غروبها و نصف النهار لما روينا من حديث عقبة بن عامر انه قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نصلى فيها و ان نقبر فيها موتانا و المراد من قوله أن نقبر فيها موتانا الصلاة على الجنازة دون الدفن اذ لا بأس بالدفن في هذه
(317)
الاوقات فان صلوا في أحد هذه الاوقات لم يكن عليهم إعادتها لان صلاة الجنازة لا يتعين لادائها وقت ففى أى وقت صليت وقعت اداء لا قضأ و معنى الكراهة في هذه الاوقات يمنع جواز القضاء فيها دون الاداء كما إذا أدى عصر يومه عند تغير الشمس على ما ذكرنا فيما تقدم و لا تكره الصلاة على الجنازة بعد صلاة الفجر و بعد صلاة العصر قبل تغير الشمس لان الكراهة في هذه الاوقات ليست معنى في الوقت فلا يظهر في حق الفرائض لما بينا فيما تقدم و لو أرادوا أن يصلو على جنازة و قد غربت الشمس فالأَفضل أن يبدؤوا بصلاة المغرب ثم يصلون على الجنازه لان المغرب آكد من صلاة الجنازة فكان تقديمه أولى و لان في تقديم الجنازة تأخير المغرب و انه مكروه ( فصل )و أما بيان من له ولاية الصلاة على الميت فذكر في الاصل ان امام الحى أحق بالصلاة على الميت و روى الحسن عن أبى حنيفة ان الامام الاعظم أحق بالصلاة ان حضر فان لم يحضر فأمير المصر و ان لم يحضر فامام الحى فان لم يحضر فالأَقرب من ذوى قراباته و هذا هو حاصل المذهب عندنا و التوفيق بين الروايتين ممكن لان السلطان إذا حضر فهو أولى لانه امام الائمة فان لم يحضر فالقاضي لانه نائبه فان لم يحضر فامام الحى لانه رضى بإمامته في حال حياته فيدل على الرضا به بعد مماته و لهذا لو عين الميت أحدا في حال حياته فهو أولى من القريب لرضاه به الا انه بدأ في كتاب الصلاة بإمام الحى لان السلطان قلما يحضر الجنائز ثم الاقرب فالأَقرب من عصبته و ذوى قراباته لان ولاية القيام بمصالح الميت له و هذا كله قول أبى حنيفة و محمد فاما على قول ابى يوسف و هو قول الشافعي القريب أولى من السلطان لابى يوسف و الشافعي ان هذا أمر مبنى على الولاية و القريب في مثل هذا مقدم على السلطان كما في النكاح و غيره من التصرفات و لان هذه الصلاة شرعت للدعاء و الشفاعة للميت و دعاء القريب أرجى لانه يبالغ في إخلاص الدعاء و إحضار القلب بسبب زيادة شفقته و توجد منه زيادة رقة و تضرع فكان أقرب الي الاجابة و لابي حنيفة و محمد ما روى ان الحسن بن على لما مات قدم الحسين بن على سعيد بن العاص ليصلى عليه و كان واليا بالمدينة و قال لو لا السنة ما قدمتك و فى رواية قال لو لا ان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن التقدم لما قدمتك و لان هذا من الامور العامة فيكون متعلقا بالسلطان كإقامة الجمعة و العيدين بخلاف النكاح فانه من الامور الخاصة و ضرره و نفعه يتصل بالولي لا بالسلطان فكان إثبات الولاية للقريب انفع للمولى عليه و تلك ولاية نظر ثبتت حقا للمولى عليه قبل الولى بخلاف ما نحن فيه أما قوله ان دعاء القريب و شفاعته أ رجلى فنقول بتقدم الغير لا يفوت دعاء القريب و شفاعته مع ان دعاء الامام أقرب الي الاجابة على ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ثلاث لا يحجب دعاؤهم و ذكر فيهم الامام ثم تقدم امام الحى ليس بواجب و لكنه أفضل لما ذكرنا انه رضيه في حال حياته و أما تقديم السلطان فواجب لان تعظيمه مأمور به و لان ترك تقديمه لا يخلو عن فساد التجاذب و التنازع على ما ذكرنا في صلاة الجمعة و العيدين و لو كان للميت وليان في درجة واحدة فأكبرهما سنا أولى لان النبي صلى الله عليه و سلم أمر بتقديم الاسن في الصلاة و لهما أن يقدما غيرهما و لو قدم كل واحد منهما رجلا على حدة فالذي قدمه الاكبر أولى و ليس لاحدهما أن يقدم إنسانا الا باذن الآخر لان الولاية ثابتة لهما الا انا قدمنا الاسن لسنة فإذا أراد أن يستخلف غيره كان الآخر أولى فان تشاجر الوليان فتقدم أجنبي بغير اذنهما فصلى ينظر ان صلى الاولياء معه جازت الصلاة و لا تعاد و ان لم يصلوا معه فلهم اعادة الصلاة و ان كان أحدهما أقرب من الآخر فالولاية اليه و له أن يقدم من شاء لان الابعد محجوب به فصار بمنزلة الاجنبي و لو كان الاقرب غائبا بمكان تفوت الصلاة بحضوره بطلت ولايته و تحولت الولاية إلى الابعد و لو قدم الغائب غيره بكتاب كان للابعد أن يمنعه و له أن يتقدم بنفسه أو يقدم من شاء لان ولاية الاقرب قد سقطت لما ان في التوقيف على حضوره ضررا بالميت و الولاية تسقط مع ضرر المولى عليه فتنقل إلى الابعد و المريض في المصر بمنزلة الصحيح يقدم من شاء و ليس للابعد منعه و لان ولايته قائمه ألا ترى ان له أن يتقدم مع مرضه فكان له حق التقديم و لا حق للنساء و الصغار و المجانين في التقديم لانعدام ولاية التقدم و لو ماتت إمرأة و لها زوج و ابن بالغ عاقل فالولاية للابن دون الزوج لما روى عن عمر رضى الله عنه انه ماتت له إمرأة
(318)
فقال لاوليائها كنا أحق بها حين كانت حية فأما إذا ماتت فأنتم أحق بها و لان الزوجية تنقطع بالموت و القرابة لا تنقطع لكن يكره للابن أن يتقدم أباه و ينبغي أن يقدمه مراعاة لحرمة الابوة قال أبو يوسف و له في حكم الولاية أن يقدم غيره لان الولاية له و انما منع من التقدم حتى لا يستخف بأبيه فلم تسقط ولايته في التقديم و ان كان لها ابن من زوج آخر فلا بأس بأن يتقدم على هذا الزوج لانه هو الولى و تعظيم زوج أمه واجب عليه و سائر القرابات أولى من الزوج و كذا مولى العتاقة و ابن المولى و مولى الموالاة لما ذكرنا ان السبب قد انقطع فيما بينهما فان تركت أبا و زوجا و ابنا من هذا الزوج فلا ولاية للزوج لما بينا و أما الاب و الا بن فقد ذكر في كتاب الصلاة ان الاب أحق من غيره و قيل هو قول محمد و أما عند أبى يوسف فالإِبن أحق الا انه يقدم الاب تعظيما له و عند محمد الولاية للاب و قيل هو قولهم جميعا في صلاة الجنازة لان للاب فضيلة على الابن و زيادة سن و الفضيلة تعتبر ترجيحا في استحقاق الامامة كما في سائر الصلوات بخلاف سائر الولايات و مولى الموالاة أحق من الاجنبي لانه التحق بالقريب بعقد الموالاة و لو مات الابن و له أب و أب الاب فالولاية لابيه و لكنه يقدم أباه الذي هو جد الميت تعظيما له و كذلك المكاتب إذا مات ابنه أو عبده و مولاه حاضر فالولاية للمكاتب لكنه يقدم مولاه احتراما له ثم إذا صلى على الميت يدفن ( فصل )و الكلام في الدفن في مواضع في بيان وجوبه و كيفية وجوبه و فى بيان سنة الحفر و الدفن و ما يتصل بهما أما الاول فالدليل على وجوبه توارث الناس من لدن آدم صلوات الله عليه إلى يومنا هذا مع التكبير على تاركه و ذا دليل الوجوب الا ان وجوبه على سبيل الكفاية حتى إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود ( فصل )و أما سنة الحفر فالسنة فيه اللحد عندنا و عند الشافعي الشق و احتج أن توارث أهل المدينة الشق دون اللحد و توارثهم حجة و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم اللحد لنا و الشق لغيرنا و فى رواية اللحد لنا و الشق لاهل الكتاب و روى ان النبي صلى الله عليه و سلم لما توفى اختلف الناس أن يشق له أو يلحد و كان أبو طلحة الانصاري لحادا و أبو عبيدة بن الجراح شاقا فبعثوا رجلا إلى أبى عبيدة و رجلا إلى أبى طلحة فقال العباس بن عبد المطلب أللهم خر لنبيك أحب الامرين إليك فوجد أبا طلحة من كان بعث اليه و لم يجد أبا عبيدة من بعث اليه و العباس رضى الله عنه كان مستجاب الدعوة واهل المدينة انما توارثوا الشق لضعف أراضيهم بالبقيع و لهذا اختار أهل بخارى الشق دون اللحد لتعذر اللحد لرخاوة أراضيهم وصفة اللحد ان يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيه الميت وصفة الشق أن يحفر حفيرة في وسط القبر فيوضع فيه الميت و يجعل على اللحد اللبن و القصب لما روى انه وضع على قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم طن من قصب و روى انه صلى الله عليه و سلم رأى فرجة في قبر فأخذ مدرة و ناولها الحفار و قال سد بها تلك الفرجة فان الله تعالى يحب من كل صانع أن يحكم صنعته و المدرة قطعة من اللبن و روى عن سعيد بن العاص انه قال اجعلوا على قبرى اللبن و القصب كما جعل على قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و قبر أبى بكر و قبر عمر و لان اللبن و القصب لابد منهما ليمنعا ما يهال من التراب على القبر من الوصول إلى الميت و يكره الآجر و دفوف الخشب لما روى عن إبراهيم النخعي انه قال كانوا يستحبون اللبن و القصب على القبور و كانوا يكرهون الآخر و روى ان النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن تشبه القبور بالعمر ان و الآجر و الخشب للعمران و لان الآجر مما يستعمل للزينة و لا حاجة إليها للميت و لانه مما مسته النار فيكره أن يجعل على الميت تفاؤلا كما يكره أن يتبع قبره بنار تفاؤلا و كان الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل البخارى يقول لا بأس بالآجر في ديارنا لرخاوة الاراضى و كان أيضا يجوز دفوف الخشب و اتخاذ التابوت للميت حتى قال لو اتخذوا تابوتا من حديد لم ار به بأسا في هذه الديار ( فصل )و أما سنة الدفن فالسنة عندنا أن يدخل الميت من قبل القبلة و هو أن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر و يحمل منه الميت فيوضع في اللحد و قال الشافعي السنة أن يسل إلى قبره و صورة السل أن توضع الجنازة على يمين القبلة و تجعل رجلا الميت إلى القبر طولا ثم تؤخذ رجله و تدخل رجلاه في القبر و يذهب
(319)
به إلى أن تصير رجلاه إلى موضعهما و يدخل رأسه القبر احتج بما روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و سلم أدخل في القبر سلا و قال الشافعي في كتابه و هذا أمر مشهور يستغنى فيه عن رواية الحدث فانه نقلته العامة عن العامة بلا خلاف بينهم و لنا ما روى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ أبا دجانة من قبل القبلة ورى عن ابن عباس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم أدخل في القبر من قبل القبلة فصار هذا معارضا لما رواه الشافعي على انا نقول انه صلى الله عليه و سلم انما أدخل إلى القبر سلا لاجل الضرورة لان النبي صلى الله عليه و سلم مات في حجرة عائشة من قبل الحائط و كانت السنة في دفن الانبياء عليهم السلام في الموضع الذي قبضوا فيه فكان قبره لزيق الحائط و اللحد تحت الحائط فتعذر إدخاله من قبل القبلة فسل إلى قبره سلا لهذه الضرورة و عن ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهما انهما قالا يدخل الميت قبره من قبل القبلة و لان جانب القبلة معظم فكان إدخاله من هذا الجانب أولى و قول الشافعي هذا أمر مشهور قلنا روى عن أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي انه قال حدثنى من رأى أهل المدينة في الزمن الاول انهم كانوا يدخلون الميت من قبل القبلة ثم أحدثوا السل لضعف أراضيهم بالبقيع فانها كانت أرضا سبخة و الله أعلم و لا يضر وتر دخل قبره قبره أم شفع عندنا و قال الشافعي السنة هى الوتر اعتبارا بعدد الكفن و الغسل و الا جمار و لنا ما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم لما دفن أدخله العباس و الفضل بن العباس و على و صهيب و قيل في الرابع انه المغيرة بن شعبة و قيل انه أبو رافع فدل ان الشفع سنة و لان الدخول في القبر للحاجة الي الوضع فيقدر بقدر الحاجة و الوتر و الشفع فيه سواء و لانه مثل حمل الميت و يحمله على الجنازة أربعة عندنا و عنده اثنان و ان كان شفعا فكذا ههنا و ما ذكر من الاعتبار سديد لانتقاضه بحمل الجنازة و مخالفته فعل الصحابة مع انه لا يظن بهم ترك السنة خصوصا في دفن النبي صلى الله عليه و سلم و يكره أن يدخل الكافر قبر أحد من قرابته من المؤمنين لان الموضع الذي فيه الكافر تنزل فيه السخطة و اللعنة فينزه قبر المسلم عن ذلك و انما يدخل قبره المسلمون ليضعوه على سنة المسلمين و يقولوا عند وضعه بإسم الله و على ملة رسول الله و إذا وضع في اللحد قال واضعه بإسم الله و على ملة رسول الله و ذكر الحسن في المجرد عن أبى حنيفة انه يقول بإسم الله و فى سبيل الله و على ملة رسول الله لما روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما انه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أدخل ميتا قبره أو وضعه في اللحد قال بإسم الله و بالله و على ملة رسول الله و هكذا روى عن على انه كان إذا دفن ميتا أو نام قال بإسم الله و بالله و على ملة رسول الله و كان يقول النوم وفاة قال الشيخ أبو منصور الماتريدى معنى هذا بإسم الله دفناه و على ملة رسول الله دفناه و ليس هذا بدعاء للميت لانه إذا مات على ملة رسول الله لم يجز أن تبدل عليه الحالة و ان مات على ذلك لم يبدل إلى ملة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و لكن المؤمنين شهداء الله في الارض فيشهدون بوفاته على الملة و على هذا جرت السنة و يوضع على شقه الايمن متوجها إلى القبلة لما روى عن على رضى الله عنه انه قال شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم جنازة رجل فقال يا على استقبل به استقبالا و قولوا جميعا بإسم الله و على ملة رسول الله وضعوه لجنبه و لا تكبوه لوجهه و لا تلقوه لظهره و تحل عقد اكفانه إذا وضع في القبر لانها عقدت لئلا تنتشر اكفانه و قد زال هذا المعنى بالوضع و لو وضع لغير القبلة فان كان قبل إهالة التراب عليه و قد سرحوا اللبن أزالوا ذلك لانه ليس بنبش و ان أهيل عليه التراب ترك ذلك لان النبش حرام و لا يدفن الرجلان أو أكثر في قبر واحد هكذا جرت السنة من لدن آدم إلى يومنا هذا فان احتاجوا إلى ذلك قدموا أفضلهما و جعلوا بينهما حاجزا من الصعيد لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه أمر بدفن قتلى أحد و كان يدفن في القبر رجلان أو ثلاثة و قال قدموا أكثرهم قرآنا و ان كان رجل و إمرأة قدم الرجل مما يلى القبلة و المرأة خلفه اعتبارا بحال الحياة و لو اجتمع رجل و إمرأة أو صبي و خنثى و صبية دفن الرجل مما يلى القبلة ثم الصبي خلفه ثم الخنثى ثم الانثى ثم الصبية لانهم هكذا يصطفون خلف الامام حالة الحياة و هكذا توضع جنائزهم عند الصلاة عليها فكذا في القبر و يسجى قبر المرأة بثوب لما روى ان فاطمة رضى الله عنها سجى
(320)
قبرها بثوب و نعش على جنازتها لان مبنى حالها على الستر فلو لم يسج ربما انكشفت عورة المرأة فيقع بصر الرجال عليها و لهذا يوضع النعش على جنازتها دون جنازة الرجل و ذو الرحم المحرم أولى بإدخال المرأة القبر من غيره لانه يجوز له مسها حالة الحياة فكذا بعد الموت و كذا ذو الرحم المحرم منها أولى من الاجنبي و لو لم يكن فيهم ذو رحم فلا بأس للاجانب وضعها في قبرها و لا يحتاج إلى اتيان النساء للوضع و أما قبر الرجل فلا يسجى عندنا و عند الشافعي يسجى احتج بما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم أقبر سعد بن معاذ و معه اسامة بن زيد فسجى قبره و لنا ما روى عن على انه مر بميت يدفن و قد سجى قبره فنزع ذلك عنه و قال انه رجل و فى رواية قال لا تشبهوه بالنساء و أما حديث سعد بن معاذ فيحتمل انه انما سجى لان الكفن كان لا يعمه فستر القبر حتى لا يبدو منه شيء و يحتمل انه كان لضرورة أخرى من دفع مطر أو حر عن الداخلين في القبر و عندنا لا بأس بذلك في حالة الضرورة و يسنم القبرة و لا يربع و قال الشافعي يربع و يسطح لما روى المزني باسناده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه لما توفى ابنه إبراهيم جعل قبره مسطحا و لنا ما روى عن إبراهيم النخعي انه قال أخبرني من رأى قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و قبر أبى بكر و عمر انها مسنمة و روى أن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما لما مات بالطائف صلى عليه محمد بن الحنيفة و كبر عليه أربعا و جعل له لحدا و أدخله القبر من قبل القبلة و جعل قبره مسنما و ضرب عليه فسطاطا و لان التربيع من صنيع أهل الكتاب و التشبيه بهم فيما منه بد مكروه و ما روى من الحديث محمول على انه سطح قبره أولا ثم جعل التسنيم في وسطه حملناه على هذا بدليل ما روينا و مقدار التسنيم ان يكون مرتفعا من الارض قدر شبر أو أكثر قليلا و يكره تخصيص القبر و تطيينه و كره أبو حنيفة البناء على القبر و ان يعلم بعلامة و كره أبو يوسف الكتابة عليه ذكره الكرخي لما روى عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تجصصوا القبور و لا تبنوا عليها و لا تقعدوا و لا تكتبوا عليها و لان ذلك من باب الزينة و لا حاجة بالميت إليها و لانه تضييع المال بلا فائدة فكان مكروها و يكره ان يزاد على تراب القبر الذي خرج منه لان الزيادة عليه بمنزلة البناء و لا بأس برش الماء على القبر لانه تسوية له و روى عن أبى يوسف انه كره الرش لانه يشبه التطيين و كره أبو حنيفة ان يوطأ على قبر أو يجلس عليه أو ينام عليه أو تقضى عليه حاجة من بول أو غائط لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى عن الجلوس على القبور و يكره ان يصلى على القبر لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى ان يصلى على القبر قال أبو حنيفة و لا ينبغى ان يصلى على ميت بين القبور و كان على و ابن عباس يكرهان ذلك و ان صلوا أجزأهم لما روى انهم صلوا على عائشة وأم سلمة بين مقابر البقيع و الامام أبو هريرة و فيهم ابن عمر رضى الله عنهم و لا بأس بزيارة القبور و الدعا للاموات ان كانو مؤمنين من وطء القبور لقول البنى صلى الله عليه و سلم انى كنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها فانها تذكركم الآخرة و لعمل الامة من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا ( فصل )و أما الشهيد فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان من يكون شهيدا في الحكم و من لا يكون و الثاني في بيان حكم الشهادة في الدنيا أما الاول فمبنى على شرائط الشهادة و هي أنواع منها ان يكون مقتولا حتى لو مات حتف أنفه أو تردي من موضع أو احترق بالنار أو مات تحت هدم أو غرق لا يكون شهيدا لانه ليس بمقتول فلم يكن في معنى شهداء أحد و باى شيء قتل في المعركة من سلاح أو غيره فهو سواء في حكم الشهادة لان شهداء أحد ما قتل كلهم بسلاح بل منهم من قتل بغير سلاح و أما في المصر فيختلف الحكم فيه على ما نذكر و منها ان يكون مظلوما حتى لو قتل بحق في قصاص أو رجم لا يكون شهيدا لان شهداء أحد قتلوا مظلومين و روى انه لما رجم ماعز جاء عمه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال قتل ماعز كما تقتل الكلاب فماذا تأمرني ان أصنع به فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تقل هذا فقد تاب توبة لو قسمت توبته على أهل الارض لوسعتهم اذهب فاغسله و كفنه وصل عليه و كذلك من مات من حد أو تعزير أو عدا على قوم ظلما فقتلوه لا يكون شهيدا لانه ظلم نفسه و كذا لو
(321)
قتله سبع لانعدام تحقق الظلم و منها ان لا يخلف عن نفسه بدلا هو مال حتى لو كان مقتولا خطأ أو شبه عمد بان قتله في المصر نهارا بعصا صغيرة أو سوط أو وكزه باليد أو لكزه بالرجل لا يكون شهيدا لان الواجب في هذه المواضع هو المال دون القصاص و ذا دليل خفة الجناية فلم يكن في معنى شهداء أحد و لان السلاح مما يلبث فكان بحال لو استغاث لحقه الغوث فإذا لم يستغث جعل كانه أعان على قتل نفسه بخلاف ما إذا قتل في المفازة بغير السلاح لان ذلك يوجب القتل بحكم قطع الطريق لا المال و لانه لو استغاث لا يلحقه الغوث فلم يصر بترك الاستغاثة معينا على قتل نفسه و كذلك إذا قتله بعصا كبيرة أو بمدقة القصارين أو بحجر كبير أو بخشبة عظيمة أو خنقه أو غرقه في الماء أو ألقاه من شاهق الجبل عند أبى حنيفة لان هذا كله شبه عمد عنده فكان الواجب فيه الدية دون القصاص و عند ابى يوسف و محمد الواجب هو القصاص فكان المقتول شهيدا و لو نزل عليه اللصوص ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره أو قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فهو شهيد لان القتيل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال و لو قتل في المصر نهارا بسلاح ظلما بان قتل بحديدة أو ما يشبه الحديدة كالنحاس و الصفر و ما أشبه ذلك أو ما يعمل عمل الحديد من جرح أو قطع أو طعن بأن قتله بزجاجة أو بليطة قصب أو طعنه برمح لازج له أو رماه بنشابة لا نصل لها أو أحرقه بالنار و فى الجملة كل قتل يتعلق به وجوب القصاص فالقتيل شهيد و قال الشافعي لا يكون شهيدا و احتج بما روى أن عمر و عليا غسلا و لان هذا قتيل أخلف بدلا و هو المال أو القصاص فما هو في معنى شهداء أحد كالقتل خطأ أو شبه عمد و لنا أن وجوب هذا البدل دليل انعدام الشبهة و تحقق الظلم من جميع الوجوه اذ لا يجب القصاص مع الشبهة فصار في معنى شهداء أحد بخلاف ما إذا اخلف بدلا هو مال لان ذلك إمارة خفة الجناية لان المال لا يجب الا عند تحقق الشبهة في القتل فلم يكن في معنى شهداء أحد و لان الدية بدل عن المقتول فإذا وصل اليه البدل صار المبدل كالباقي من وجه لبقاء بدله فاوجب خللا في الشهادة فاما القصاص فليس ببدل عن المحل بل هو جزاء الفعل على طريق المساواة فلا يسقط به حكم الشهادة و انما غسل عمر و على رضى الله عنهما لانهما ارتثا و الارتثاث يمنع الشهادة على ما نذكر و لو وجد قتيل في محلة أو موضع يجب فيه القسامة والدية لم يكن شهيدا لما قلنا و لو وجب القصاص ثم انقلب ما لا بالصلح لا تبطل شهادته لانه لم يتبين انه أخلف بدلا هو مال و كذا الاب إذا قتل ابنه عمدا كان شهيدا لانه أخلف القصاص ثم انقلب ما لا و فائدة الوجوب شهادة المقتول و منها ان لا يكون مرتثا في شهادته و هو ان لا يخلق شهادته مأخوذ من الثوب الرث و هو الخلق و الاصل فيه ما روى ان عمر لما طعن حمل إلى بيته فعاش يومين ثم مات فغسل و كان شهيدا و كذا على حمل حيا بعد ما طعن ثم مات فغسل و كان شهيدا و عثمان اجهز عليه في مصرعه و لم يرتث فلم يغسل و سعد بن معاذ ارتث فقال النبي صلى الله عليه و سلم بادروا إلى غسل صاحبكم سعد كيلا تسبقنا الملائكة بغسله كما سبقتنا بغسل حنظلة و لان شهداء أحد ماتوا على مصارعهم و لم يرتثوا حتى روى ان الكاس كان يدرا عليهم فلم يشربوا خوفا من نقصان الشهادة فإذا ارتث لم يكن في معنى شهداء أحد و هذا لانه لما ارتث و نقل من مكانه يزيده النقل ضعفا و يوجب حدوث آلام لم تحدث لو لا النقل و الموت يحصل عقيب ترادف الآلام فيصير النفل مشاركا للجراحة في اثارة الموت و لو تم الموت بالنقل لسقط الغسل و لو تم بايلام سوى الجرح لا يسقط فلا يسقط بالشك و لان القتل لم يتمحض بالجرح بل حصل به و بغيره و هو النقل و الجرح محظور و النقل مباح فلم يمت بسبب تمحض حراما فلم يصر في معنى شهداء أحد ثم المرتث من خرج عن صفة القتلى و صار الي حال الدنيا بان جرى عليه شيء من أحكامها أو وصل اليه شيء من منافعها و إذا عرف هذا فنقول من حمل من المعركة حيا ثم مات في بيته أو على أيدي الرجال فهو مرتث و كذلك إذا أكل أو شرب أو باع أو ابتاع أو تكلم بكلام طويل أو قام من مكانه ذلك أو تحول من مكانه إلى مكان آخر و بقى على مكانه ذلك حيا يوما كاملا أو ليلة كاملة و هو يعقل فهو مرتث و روى عن أبى يوسف إذا بقي وقت صلاة كامل حتى صارت الصلاة دينا في ذمته و هو يعقل فهو مرتث و ان بقي في مكانه لا يعقل فليس بمرتث و قال محمد ان بقي يوما فهو مرتث و لو أوصى