قراءة الفاتحة و التسبيح و السكوت و هذا جواب ظاهر الرواية و هو قول أبى يوسف و محمد و روى الحسن عن أبى حنيفة في رواية الاصول أنه ان ترك الفاتحة عامدا كان مسيئا و ان كان ساهيا فعليه سجدتا السهو و الصحيح جواب ظاهر الرواية لما روينا عن على و ابن مسعود رضى الله عنهما انهما كانا يقولان ان المصلى بالخيار في الاخريين ان شاء قرأ و ان شاء سكت و ان شاء سبح و هذا باب لا يدرك بالقياس فالمروي عنهما كالمروي عن النبي صلى الله عليه و سلم ( و أما )بيان قدر القراءة فالكلام فيه يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان القدر المفروض الذي يتعلق به أصل الجواز و الثاني في بيان القدر الذي يخرج به عن حد الكراهة و الثالث في بيان القدر المستحب ( أما )الكلام فيما يستحب من القراءة و فيما يكره فنذكره في موضعه و ههنا نذكر القدر الذي يتعلق به أصل الجواز و عن أبى حنيفة فيه ثلاث روايات في ظاهر الرواية قدر أدنى المفروض بالآية التامة طويلة كانت أو قصيرة كقوله تعالى مدهامتان و قوله ثم نظر و قوله ثم عبس و بسر و فى رواية الفرض مقدر بل هو على أدنى ما يتناوله الاسم سواء كانت آية أو ما دونها بعد ان قرأها على قصد القراءة و فى رواية قدر الفرض بآية طويلة كآية الكرسي و آية الدين أو ثلاث قصار و به أخذ أبو يوسف و محمد و أصله قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن فهما يعتبر ان العرف و يقولان مطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف و أدنى ما يسمى المرء به قارئا في العرف أن يقرأ آية طويلة أو ثلاث آيات فصار و أبو حنيفة يحتج بالآية من وجهين أحدهما أنه أمر بمطلق القراءة وقرآة آية قصيرة قراءة و الثاني أنه أمر بقراءة ما تيسر من القرآن و عسى لا يتيسر الا هذا القدر و ما قاله أبو حنيفة أقيس لان القراءة مأخوذة من القرآن اى الجمع سمى بذلك لانه يجمع السؤر فيضم بعضها إلى بعض و يقال قرأت الشيء قرآنا أى جمعته فكل شيء جمعته فقد قرأته و قد حصل معنى الجمع بهذا القدر لاجتماع حروف الكلمة عند التكلم و كذا العرف ثابت فان الآية التامة أدنى ما ينطلق عليه اسم القرآن في العرف فاما ما دون الآية فقد يقرأ لا على سبيل القرآن فيقال بسم الله أو الحمد لله أو سبحان الله فلذلك قدرنا بالاية التامة على انه لا عبرة لتسميته قارئا في العرف لان هذا أمر بينه و بين الله تعالى فلا يعتبر فيه عرف الناس و قد قرر القدوري الرواية الاخرى و هي ان المفروض مقدر و قال المفروض مطلق القراءة من تقدير و لهذا يحرم ما دون الاية على الجنب و الحائض الا أنه قد يقرأ لا على قصد القرآن و ذا لا يمنع الجواز فان الآية التامة قد تقرأ لا على قصد القرآن في الجملة ألا ترى ان التسمية قد تذكر لافتتاح الاعمال لا لقصد القرآن و هي آية تامة و كلامنا فيما إذا قرأ على قصد القرآن فيجب أن يتعلق به الجواز و لا يعتبر فيه العرف لما بينا ثم الجواز كما يثبت بالقراءة بالعربية يثبت بالقراءة بالفارسية عند أبى حنيفة سواء كان يحسن العربية أولا يحسن و قال أبو يوسف و محمد ان كان يحسن لا يجوز و ان كان لا يحسن يجوز و قال الشافعي لا يجوز أحسن أو لم يحسن و إذا لم يحسن العربية يسبح و يهلل عنده و لا يقرأ بالفارسية و أصله قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن أمر بقراءة القرآن في الصلاة فهم قالوا ان القرآن هو المنزل بلغة العرب قال الله تعالى انا أنزلناه قرآنا عربيا فلا يكون الفارسي قرآنا فلا يخرج به عن عهدة الامر و لان القرآن معجز و الاعجاز من حيث اللفظ يزول بزوال النظم العربى فلا يكون الفارسي قرآنا لانعدام الاعجاز و لهذا لم تحرم قراءته على الجنب و الحائض الا انه إذا لم يحسن العربية فقد عجز عن مراعاة لفظه فيجب عليه مراعاة معناه ليكون التكليف بحسب الامكان و عند الشافعي هذا ليس بقرآن فلا يؤمر بقراءته و أبو حنيفة يقول ان الواجب في الصلاة قراءة القرآن من حيث هو لفظ دال على كلام الله تعالى الذي هو صفة قائمة به لما يتضمن من العبر و المواعظ و الترغيب و الترهيب و الثناء و التعظيم لا من حيث هو لفظ عربي و معنى الدلالة عليه لا يختلف بين لفظ و لفظ قال الله و انه لفى زبر الاولين و قال ان هذا لفى الصحف الاولى صحف إبراهيم و موسى و معلوم انه ما كان في كتبهم بهذا اللفظ بل بهذا المعنى ( و أما )قولهم ان القرآن هو المنزل بلغة العرب ( فالجواب )عنه من وجهين أحدهما أن كون العربية قرآنا لا ينفى
(113)
أن يكون غيرها قرآنا و ليس في الآية نفيه و هذا لان العربية سميت قرآنا لكونها دليلا على ما هو القرآن و هي الصفة التي هى حقيقة الكلام و لهذا قلنا ان القرآن مخلوق على إرادة تلك الصفة دون العبارات العربية و معنى الدلالة يوجد في الفارسية فجاز تسميتها قرآنا دل عليه قوله تعالى و لو جعلناه قرآنا أعجميا أخبر انه لو عبر عنه بلسان العجم كان قرآنا و الثاني ان كان لا يسمى العربية قرآنا لكن قراءة العربية ما وجبت لانها تسمى قرآنا بل لكونها دليلا على ما هو القرآن الذي هو صفة قائمة بالله بدليل انه لو قرأ عربية لا يتأدى بها كلام الله تفسد صلاته فضلا من أن تكون قرآنا واجبا و معنى الدلالة لا يختلف فلا يختلف الحكم المتعلق به و الدليل على ان عندهما تفترض القراءة بالفارسية على القادر على العربية و عذرهما مستقيم لان الوجوب متعلق بالقرآن و انه قرآن عندهما باعتبار اللفظ دون المعنى فإذا زال اللفظ لم يكن المعنى قرآنا فلا معنى للايجاب و مع ذلك وجب فدل ان الصحيح ما ذهب اليه أبو حنيفة و لان العربية إذا لم يكن قرآنا لم يكن من كلام الله تعالى فصار من كلام الناس و هو يفسد الصلاة و القول بتعلق الوجوب بما هو مفسد سديد ( و أما )قولهم ان الاعجاز من حيث اللفظ لا يحصل بالفارسية فنعم لكن قراءة ما هو معجز النظم عنده ليس بشرط لان التكليف ورد بمطلق القراءة لا بقراءة ما هو معجز و لهذا جوز قراءة آية قصيرة و ان لم تكن هى معجزة ما لم تبلغ ثلاث آيات و فصل الجنب و الحائض ممنوع و لو قرأ شيأ من التوراة أو الانجيل أو الزبور في الصلاة ان تيقن انه محرف يجوز عند أبى حنيفة لما قلنا و ان لم يتيقن لا يجوز لان الله تعالى أخبر عن تحريفهم بقوله يحرفون الكلم عن مواضعه فيحتمل ان المقروء محرف فيكون من كلام الناس فلا يحكم بالجواز بالشك و الاحتمال و على هذا الخلاف إذا تشهد أو خطب يوم الجمعة بالفارسية و لو أمن بالفارسية أو سمى عند الذبح بالفارسية أو لبى عند الاحرام بالفارسية أو باى لسان كان يجوز بالاجماع و لو أذن بالفارسية قيل انه على هذا الخلاف و قيل لا يجوز بالاتفاق لانه لا يقع به الاعلام حتى لو وقع به الاعلام يجوز و الله أعلم ( و منها )القعدة الاخيرة مقدار التشهد عند عامة العلماء و قال مالك انها سنة وجه قوله ان اسم الصلاة لا يتوقف عليها ألا ترى ان من حلف لا يصلى فقام و قرأ و ركع و سجد يحنث و ان لم يقعد ( و لنا )ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال للاعرابي الذي علمه الصلاة إذا رفعت رأسك من آخر السجدة و قعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك علق تمام الصلاة بالقعدة الاخيرة و أراد به تمام الفرائض اذ لم يتم أصل العبادة بعد فدل انه لاتمام قبلها إذا لمعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط و روى ان النبي صلى الله عليه و سلم قام إلى الخامسة فسبح به فرجع و لو لم يكن فرضا لما رجع كما في القعدة الاولى و لان حد الركن موجود فيها و هو ما ذكرنا و انما لم يتوقف عليها اسم الصلاة لانها ليست من الاركان الاصلية التي تتركب منها الصلاة على ما ذكرنا في أول الكتاب لا لانها ليست من فرائض الصلاة ثم القدر المفروض من القعدة الاخيرة هو قدر التشهد حتى لو انصرف قبل أن يجلس هذا القدر فسدت صلاته لما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إذا رفع الامام رأسه من السجدة الاخيرة و قعد قدر التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته علق تمام الصلاة بالقعدة قدر التشهد فدل انه مقدر به و الله أعلم ( و منها )الانتقال من ركن إلى ركن لانه وسيلة إلى الركن فكان في معنى الركن فهذه الستة أركان الصلاة الا ان الاربعة الاول من الاركان الاصلية دون الباقيتين و قال بعضهم القعدة من الاركان الاصلية أيضا و اليه مال عصام بن يوسف و وجهه انها فرض تنعدم الصلاة بانعدامها كسائر الاركان و الصحيح انها ليست بركن أصلي لان اسم الصلاة ينطلق على المتركب من الاركان الاربعة بدون القعود و لهذا يتوجه النهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس و وقت غروبها و وقت الزوال و لهذا لو حلف لا يصلى فقيد الركعة بالسجدة يحنث و ان لم توجد القعدة و لو أتى بما دون الركعة لا يحنث و لان القعدة بنفسها صالحة للخدمة لانها من باب الاستراحة بخلاف سائر الاركان فتمكن الخلل في كونها ركنا أصليا فلم تكن هى من الاركان الاصلية للصلاة و ان كانت من فروضها حتى لا تجوز الصلاة
(114)
بدونها و يشترط لها ما يشترط لسائر الاركان فاما التحريمة فليست بركن عند المحققين من أصحابنا بل هى شرط و عند الشافعي بركن و هو قول بعض مشايخنا و اليه مال عصام بن يوسف و على هذا الخلاف الاحرام في باب الحج انه شرط عندنا و عنده ركن و ثمرة الخلاف ان عندنا يجوز بناء النفل على الفرض بان يحرم للفرض و يفرغ منه و يشرع في النفل قبل التسليم من تحريمه جديدة و عنده لا يجوز و وجه البناء على هذا الاصل ان التحريمة لما كانت شرطا جاز أن يتأدى النفل بتحريمة الفرض كما يتأدى بطهارة وقعت للفرض و عنده لما كانت ركنا و قد انقضى الفرض بأركانه فتنقضى التحريمة أيضا وجه قول الشافعي ان حد الركن موجود فيها و هو ما ذكرنا و كذا وجدت علامة الاركان فيها لانها لا تدوم بل تنقضى و الدليل عليه انه يشترط لصحتها ما يشترط لسائر الاركان بخلاف الشروط ( و لنا )قوله تعالى و ذكر اسم ربه فصلى عطف الصلاة على الذكر الذي هو التحريمة بحرف التعقيب و الاستدلال بالآية من وجهين أحدهما ان مقتضى العطف بحرف التعقيب ان توجد الصلاة عقيب ذكر اسم الله تعالى و لو كانت التحريمة ركنا لكانت الصلاة موجودة عند الذكر لاستحالة انعدام الشيء في حال وجود ركنه و هذا خلاف النص و الثاني ان العطف يقتضى المغايرة بين المعطوف و المعطوف عليه و لو كانت التحريمة ركنا لا يتحقق المغايرة لانها تكون بعض الصلاة و بعض الشيء ليس غيره ان لم يكن عينه و كذا الموجود فيها حد الشرط لا حد الركن فانه يعتبر الصلاة بها و لا ينطلق اسم الصلاة عليها مع سائر الشرائط فكانت شرطا و كذا علامة الشروط فيها موجودة فانها باقية ببقاء حكمها و هو وجوب الانزجار عن محظورات الصلاة على ان العلامة إذا خالفت الحد لا يبطل به الحد بل يظهر ان العلامة كاذبة و أما قوله يشترط لها ما يشترط لسائر الاركان فممنوع انه يشترط ذلك لها بل للقيام المتصل بها و القيام ركن حتى ان الاحرام بالحج لما لم يكن متصلا بالركن جوزنا تقديمه على الوقت ( فصل )و أما شرائط الاركان فجملة الكلام في الشرائط انها نوعان نوع يعم المنفرد و المقتدى جميعا و هو شرائط أركان الصلاة و نوع يخص المقتدى و هو شرائط جواز الاقتداء بالامام في صلاته ( أما )شرائط أركان الصلاة ( فمنها )الطهارة بنوعيها من الحقيقية و الحكمية و الطهارة الحقيقية هى طهارة الثوب و البدن و مكان الصلاة عن النجاسة الحقيقية و الطهارة الحكمية هى طهارة أعضاء الوضوء عن الحدث و طهارة جميع الاعضاء الظاهرة عن الجنابة ( أما )طهارة الثوب و طهارة البدن عن النجاسة الحقيقية فلقوله تعالى و ثيابك فطهر و إذا وجب تطهير الثوب فتطهير البدن أولى ( و أما )الطهارة عن الحدث و الجنابة فلقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلى قوله ليطهركم و قول النبي صلى الله عليه و سلم لا صلاة الا بطهور و قوله عليه الصلاة و السلام لا صلاة الا بطهارة و قوله صلى الله عليه و سلم مفتاح الصلاة الطهور و قوله تعالى و ان كنتم جنبا فاطهروا و قوله صلى الله عليه و سلم تحت كل شعرة جنابة الا فبلوا الشعر و انقوا البشرة و الانقاء هو التطهير فدلت النصوص على ان الطهارة الحقيقية عن الثوب و البدن و الحكمية شرط جواز الصلاة و المعقول كذا يقتضى من وجوه أحدها ان الصلاة خدمة الرب و تعظيمه جل جلاله و عم نواله و خدمة الرب و تعظيمه بكل الممكن فرض و معلوم ان القيام بين يدى الله تعالى ببدن طاهر وثوب طاهر على مكان طاهر يكون أبلغ في التعظيم و أكمل في الخدمة من القيام ببدن نجس وثوب نجس و على مكان نجس كما في خدمة الملوك في الشاهد و كذلك الحدث و الجنابة و ان لم تكن نجاسة مرئية فهي نجاسة معنوية توجب استقذار ما حل به الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أراد أن يصافح حذيفة بن اليمان رضى الله عنه امتنع و قال انى جنب يا رسول الله فكان قيامه مخلا بالتعظيم على انه ان لم يكن على أعضاء الوضوء نجاسة رأسا فانها لا تخلو عن الدرن و الوسخ لانها أعضاء بادية عادة فيتصل بها الدرن و الوسخ فيجب غسلها تطهيرا لها من الوسخ و الدرن فتتحقق الزينة و النظافة فيكون أقرب إلى التعظيم و أكمل في الخدمة فمن أراد أن يقوم بين يدى الملوك للخدمة في الشاهد انه يتكلف للتنظيف و التزيين و يلبس أحسن ثيابه تعظيما للملك و لهذا كان الافضل للرجل أن يصلى في أحسن ثيابه و أنظفها التي أعدها لزيارة العظماء
(115)
و لمحافل الناس و كانت الصلاة متعمما أفضل من الصلاة مكشوف الرأس لما ان ذلك أبلغ في الاحترام و الثاني انه أمر بغسل هذه الاعضاء الظاهرة من الحدث و الجنابة تذكير التطهير الباطن من الغش و الحسد و الكبر و سوء الظن بالمسلمين و نحو ذلك من أسباب المآثم فامر لا لازالة الحدث تطهيرا لان قيام الحدث لا ينافى العبادة و الخدمة في الجملة الا ترى انه يجوز أداء الصوم و الزكاة مع قيام الحدث و الجنابة و أقرب من ذلك الايمان بالله الذي هو رأس العبادات و هذا لان الحدث ليس بمعصية و لا سبب مأثم و ما ذكرنا من المعاني التي في باطنه أسباب المآثم فأمر بغسل هذه الاعضاء الظاهرة دلالة و تنبيها على تطهير الباطن من هذه الامور و تطهير النفس عنها واجب بالسمع و العقل و الثالث انه وجب غسل هذه الاعضاء شكر النعمة وراء النعمة التي وجبت لها الصلاة و هي ان هذه الاعضاء و سائل إلى استيقاء نعم عظيمة بل بها تنال جل نعم الله تعالى فاليد بها يتناول و يقبض ما يحتاج اليه و الرجل يمشى بها إلى مقاصده و الوجه و الرأس محل الحواس و مجمعها التي بها يعرف عظم نعم الله تعالى من العين و الانف و الفم و الاذن التي بها البصر و الشم و الذوق و السمع التي بها يكون التلذذ و التشهى و الوصول إلى جميع النعم فأمر بغسل هذه الاعضاء شكرا لما يتوسل بها إلى هذه النعم و الرابع أمر بغسل هذه الاعضاء تكفيرا لما ارتكب بهذه الاعضاء من الاجرام اذ بها يرتكب جل المآثم من أخذ الحرام و المشي إلى الحرام و النظر إلى الحرام و أكل الحرام و سماع الحرام من اللغو و الكذب فأمر بغسلها تكفيرا لهذه الذنوب و قد وردت الاخبار يكون الوضوء تكفيرا للمآثم فكانت مؤيدة لما قلنا ( و أما )طهارة مكان الصلاة فلقوله تعالى أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود و قال في موضع و القائمين و الركن السجود و لما ذكرنا ان الصلاة خدمة الرب تعالى و تعظيمه و خدمة المعبود المستحق للعبادة و تعظيمه بكل الممكن فرض و أداء الصلاة على مكان طاهر أقرب إلى التعظيم فكان طهارة مكان الصلاة شرطا و قد روى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى عن الصلاة في المزيلة و المجزرة و معاطن الابل و قوارع الطرق و الحمام و المقبرة وفوق ظهر بيت الله تعالى اما معنى النهى عن الصلاة في المزيلة و المجزرة فلكونهما موضع النجاسة و اما معاطن الابل فقد قيل ان معنى النهى فيها انها لا تخلو عن النجاسات عادة لكن هذا يشكل بما روى من الحديث صلوا في مرابض الغنم و لا تصلوا في معاطن الابل مع ان المعاطن و المرابض في معنى النجاسة سواء و قيل معنى النهى ان الابل ربما تبول على المصلى فيبتلى بما يفسد صلاته و هذا لا يتوهم في الغنم و اما قوارع الطرق فقيل انها لا تخلو عن الارواث و الابوال عادة فعلى هذا لا فرق بين الطريق الواسع و الضيق و قيل معنى النهى فيها انه يستضر به المارة و على هذا إذا كان الطريق واسعا لا يكره و حكى ابن سماعة ان محمدا كان يصلى على الطريق في البادية و أما الحمام فمعني النهى فيه انه مصب الغسالات و النجاسات عادة فعلى هذا لو صلى في موضع الحمامي لا يكره و قيل معنى النهى فيه ان الحمام بيت الشيطان فعلى هذا تكره الصلاة في كل موضع منه سواء غسل ذلك الموضع أو لم يغسل و أما المقبرة فقيل انما نهى عن ذلك لما فيه من التشبيه باليهود كما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا قبرى بعدي مسجدا و روى ان عمر رضى الله عنه رأى رجلا يصلى بالليل إلى قبر فناداء القبر القبر فظن الرجل انه يقول القمر القمر فجعل ينظر إلى السماء فما زال به حتى تنبسه فعلى هذا تجوز الصلاة و تكره و قيل معنى النهى ان المقابر لا تخلو عن النجاسات لان الجهال يستترون بما شرف من القبور فيبولون و يتغوطون خلفه فعلى هذا لا تجوز الصلاة لو كان في موضع يفعلون ذلك لانعدام طهارة المكان و اما فوق بيت الله تعالى فمعني النهى عندنا ان الانسان منهى عن الصعود على سطح الكعبة لما فيه من ترك التعظيم و لا يمنع جواز الصلاة عليه و عند الشافعي هذا النهى للافساد حتى لو صلى على سطح الكعبة و ليس بين يديه سترة لا تجوز صلاته عنده و سنذكر الكلام فيما بعد و لو صلى في بيت فيه تماثيل فهذا على وجهين اما ان كانت التماثيل مقطوعة الرؤس أو لم تكن مقطوعة الرؤس فان كانت مقطوعة الرؤس فلا بأس بالصلاة فيه لانها بالقطع خرجت من أن تكون تماثيل
(116)
و التحقت بالنقوش و الدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدى اليه ترس فيه تثمال طير فأسبحوا و قد محى وجهه و روى ان جبريل عليه السلام استأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذن له فقال كيف أدخل و فى البيت قرام فيه تماثيل خيول و رجال فاما ان تقطع رؤوسها أو تتخذ وسائد فتطوطأ و ان لم تكن مقطوعة الرؤس فتكره الصلاة فيه سواء كانت في جهة القبلة أو في السقف أو عن يمين القبلة أو عن يسارها فأشد ذلك كراهة أن تكون في جهة القبلة لانه تشبه بعبده الاوثان و لو كانت في مؤخر القبلة أو تحت القدم لا يكره لعدم التشبه في الصلاة بعبده الاوثان و كذا يكره الدخول إلى بيت فيه صور على سقفه أو حيطانه أو على الستور و الازر و الوسائد العظام لان جبريل عليه السلام قال انا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة و لا خير في بيت لا تدخله الملائكة و كذا نفس التعليق لتلك الستور و الازر على الجدار و وضع الوسائد العظام عليه مكروه لما في هذا الصنيع من التشبه بعباد الصور لما فيه من تعظيمها و روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي و أنا مستترة بستر فيه تماثيل فتغير لون وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى عرفت الكراهة في وجهه فأخذه منى و هتكه بيده فجعلناه نمرقة أو نمرقتين و ان كانت الصور على البسط و الوسائد الصغار و هي تداس بالارجل لا تكره لما فيه من اهانتها و الدليل عليها حديث جبريل صلى الله عليه و سلم و عائشة رضى الله عنها و لو صلى على هذا البساط فان كانت الصورة في موضع سجوده يكره لما فيه من التشبه بعبادة الصور و الاصنام و كذا إذا كانت امامه في موضع لان معنى التعظيم يحصل بتقريب الوجه من الصورة فأما إذا كانت في موضع قدميه فلا بأس به لما فيه من الاهانة دون التعظيم هذا إذا كان الصورة كبيرة فاما إذا كانت صغيرة لا تبدو للناظر من بعيد فلا بأس به لان من يعبد الصنم لا يعبد الصغير منها جدا و قد روى انه كان على خاتم أبى موسى ذبابتان و روى أنه لما وجد خاتم دانيال على عهد عمر رضى الله عنه كان على فصه أسد ان بينهما رجل يلحسانه و يحتمل أن يكون ذلك في ابتداء حاله أو لان التمثال في شريعة من قبلنا كان حلالا قال الله تعالى في قصة سليمان يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل ثم ما ذكرنا من الكراهة في صورة الحيوان فأما صورة ما لا حياة كالشجر و نحو ذلك فلا يوجب الكراهة لان عبدة الصورة لا يعبدون تمثال ما ليس بذى روح فلا يحصل التشبه بهم و كذا النهى انما جاء عن تصوير ذي الروح لما روى عن على رضى الله عنه انه قال من صور تمثال ذي الروح كلف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح و ليس بنافخ فاما لا نهى عن تصوير ما لا روح له لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه انه نهى مصورا عن التصوير فقال كيف أصنع و هو كسبى فقال ان لم يكن بد فعليك بتمثال الاشجار و يكره أن تكون قبلة المسجد إلى حمام أو قبر أو مخرج لان جهة القبلة يجب تعظيمها و المساجد كذلك قال الله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الاصال رجال و معنى التعظيم لا يحصل إذا كانت قبلة المسجد إلى هذه المواضع لانها لا تحلو عن الاقذار و روى أبو يوسف عن أبى حنيفة انه قال هذا في مساجد الجماعات فاما مسجد الرجل في بيته فلا بأس بان يكون قبلته إلى هذه المواضع لانه ليس له حرمة المساجد حتى يجوز بيعه و كذا للناس فيه بلوى بخلاف مسجد الجماعة و لو صلى في مثل هذا المسجد جازت صلاته عند عامة العلماء و على قول بشر بن غياث المريسي لا تجوز و على هذا المصلى في أرض مغصوبة أو صلى و عليه ثوب مغصوب لا تجوز عنده وجه قوله ان العبادة لا تتأدى بما هو منهى عنه ( و لنا )ان النهى ليس لمعنى في الصلاة فلا يمنع جواز الصلاة و هذا إذا لم يكن بين المسجد و بين هذه المواضع حائل من بيت أو جدار أو نحوه ذلك فان كان بينهما حائل لا يكره لان معنى التعظيم حاصل فالتحن زعنه ممكن ( و منها )ستر العورة لقوله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قيل في التأويل الزينة ما يوارى العورة و المسجد الصلاة فقد أمر بمواراة العورة في الصلاة و قال النبي صلى الله عليه و سلم لا صلاة للحائض الابخمار كنى بالحائض عن البالغة لان الحيض دليل البلوغ فذكر الحيض و أراد به البلوغ لملازمة بينهما و عليه إجماع الامة و لان ستر العورة حال القيام بين يدى الله تعالى من باب التعظيم و انه فرض عقلا و شرعا
(117)
و إذا كان الستر فرضا كان الانكشاف مانعا جواز الصلاة ضرورة و الكلام في بيان ما يكون عورة و ما لا يكون موضعه كتاب الاستحسان و انما الحاجة ههنا إلى بيان المقدار الذي يمنع جواز الصلاة فنقول قليل الانكشاف لا يمنع الجواز لما فيه من الضرورة لان الثياب لا تخلو عن قليل خرق عادة و الكثير يمنع لعدم الضرورة و اختلف في الحد الفاصل بين القليل و الكثير فقدر أبو حنيفة و محمد الكثير بالربع فقالا الربع و ما فوقه من العضو كثير و ما دون الربع قليل و ابو سف جعل الاكثر من النصف كثيرا و ما دون النصف قليلا و اختلفت الرواية عنه في النصف فجعله في حكم القليل في الجامع الصغير و فى حكم الكثير في الاصل وجه قول أبى يوسف ان القليل و الكثير من المتقابلات فانما تظهر بالمقابلة فما كان مقابله أقل منه فهو كثير و ما كان مقابله أكثر منه فهو قليل ( و لهما )ان الشرع أقام الربع مقام الكل في كثير من المواضع كما في حلق الرأس في حق المحرم و مسح ربع الرأس كذا ههنا إذا لموضع موضع الاحتياط و اما قوله ان القليل و الكثير من أسماء المقابلة فانما يعرف ذلك بمقابله فنقول الشرع قد جعل الربع كثيرا في نفسه من مقابله في بعض المواضع على ما بينا فلزم الاخذ به في موضع الاحتياط ثم كثير الانكشاف يستوى فيه العضو الواحد و الاعضاء المتفرقة حتى لو انكشف من أعضاء متفرقة ما لو جمع لكان كثيرا يمنع جواز الصلاة و يستوى فيه العورة الغليظة و هي القبل و الدبر و الخفيفة كالفخذ و نحوه و من الناس من قدر العورة الغليظه بالدرهم تغليظ الامر ها و هذا سديد لان العورة الغليظة كلها لا تزيد على الدرهم فنقد يرها بالدرهم يكون تخفيفا لامرها لا تغليظا له فتنعكس القضبة و ذكر محمد في الزيادات ما يدل على ان حكم الغليظة و الخفيفة واحد فانه قال في إمرأة صلت فانكشف شيء من شعرها وشئ من ظهرها وشئ من فرجها وشئ من فخذها انه ان كان بحال لو جمع بلغ الربع منع اداء الصلاة و ان لم يبلغ لا يمنع فقد جمع بين العورة الغليظة الخفيفة و اعتبر فيها الربع فثبت ان حكمها لا يختلف و ان الخلاف فيهما واحد و هذا في حالة القدرة فاما في حالة العجز فالانكشاف لا يمنع جواز الصلا ة بان حضرته الصلاة و هو عريان لا يجد ثوبا للضرورة و لو كان معه ثوب نجس فلا يخلوا ما ان كان الربع منه طاهرا و اما ان كان كله نجسا فان كان ربعه طاهر ألم يجزه أن يصلى عريانا بل يجب عليه أن يصلى في ذلك الثوب لان الربع فما فوقه في حكم الكمال كما في مسح الرأس و حلق المحرم ربع الرأس و كما يقال رأيت فلانا و ان عاينه من احدى جهاته الاربع فجعل كان الثوب كله طاهرا و ان كان كله نجسا أو الطاهر منه أقل من الربع فهو بالخيار في قول أبى حنيفة و أبى يوسف ان شاء صلى عريانا و ان شاء مع الثوب لكن الصلاة في الثوب أفضل و قال محمد لا تجزئه الا مع الثوب وجه قوله ان ترك استعمال النجاسة فرض و ستر العورة فرض الا ان ستر العورة أهمهما و آكدهما لانه فرض في الاحوال أجمع و فرضية ترك استعمال النجاسة مقصورة على حالة الصلاة فيصار إلى الا هم فتستر العورة و لا تجوز الصلاة بدونه و يتحمل استعمال النجاسة و لانه لو صلى عريانا كان تاركا فرائض منها ستر العورة و القيام و الركوع و السجود و لو صلى في الثوب النجس كان تاركا فرضا واحدا و هو ترك استعمال النجاسة فقط فكان هذا الجانب أهون و قد قالت عائشة رضى الله عنها ما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين شيئين الا اختارا هو نهما فمن ابتلى ببليتين فعليه أن يختار أهونهما ( و لهما )ان الجانبين في الفرضية في حق الصلاة على السوآء الا ترى انه كما لا تجوز الصلاة حالة الاختيار عريانا لا تجوز مع الثوب المملوء نجاسة و لا يمكن اقامة أحد الفرضين في هذه الحالة الا بترك الآخر فسقطت فريضتهما في حق الصلاة فيخير فيجزئه كيف ما فعل الا ان الصلاة في الثوب أفضل لما ذكر محمد ( و منها )استقبال القبلة لقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره و قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه و يستقبل القبلة و يقول الله أكبر و عليه إجماع الامة و الاصل ان استقبال القبلة للصلاة شرط زائد لا يعقل معناه بدليل انه لا يجب الاستقبال فيما هو رأس العبادات و هو الايمان و كذا في عامة العبادات من الزكاة و الصوم و الحج و انما عرف شرطا في باب الصلاة شرعا فيجب اعتباره بقدر ما ورد الشرع به
(118)
و فيما وراءه يرد إلى أصل القياس ثم جملة الكلام في هذا الشرط ان المصلى لا يخلو اما ان كان قادرا على الاستقبال أو كان عاجزا عنه فان كان قادرا يجب عليه التوجه إلى القبلة ان كان في حال مشاهدة الكعبة فالى عينها أى أى جهة كانت من جهات الكعبة حتى لو كان منحرفا عنها متوجه إلى شيء منها لم يجز لقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره و فى وسعة تولية الوجه إلى عينها فيجب ذلك و ان كان نائيا عن الكعبة غائبا عنها يجب عليه التوجه إلى جهتها و هي المحاريب المنصوبة بالامارات الدالة عليها لا إلى عينها و تعتبر الجهة دون العين كذا ذكر الكرخي و الرازى و هو قول عامة مشايخنا بما وراء النهر و قال بعضهم المفروض اصابة عين الكعبة بالاجتهاد و التحرى و هو قول أبى عبد الله البصري حتى قالوا ان نية الكعبة شرط وجه قول هؤلاء قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره من فصل بين حال المشاهدة و الغيبة و لان لزوم الاستقبال لحرمة البقعة و هذا المعنى في العين لا في الجهة و لان قبلته لو كانت الجهة لكان ينبغى له إذا اجتهد فاخطأ الجهة يلزمه الاعادة لظهور خطئه في اجتهاده بيقين و مع ذلك لا تلزمه الاعادة بلا خلاف بين أصحابنا فدل ان قبلته في هذه الحالة عين الكعبة بالاجتهاد و التحرى وجه قول الاولين ان المفروض هو المقدور عليه و اصابة العين مقدور عليها فلا تكون مفروضة و لان قبلته لو كانت عين الكعبة في هذه الحالة بالتحري و الاجتهاد لترددت صلاته بين الجواز و الفساد لانه ان أصاب عين الكعبة بتحريه جازت صلاته و ان لم يصب عين الكعبة لا تجوز صلاته لانه ظهر خطأه بيقين الا أن يجعل كل مجتهد مصيبا و انه خلاف المذهب و قد عرف بطلانه في أصول الفقة أما إذا جعلت قبلته الجهة و هي المحاريب المنصوبة لا يتصور ظهور الخطأ فنزلت الجهة في هذه الحالة منزلة عين الكعبة في حال المشاهدة و لله تعالى أن يجعل اى جهة شاء قبلة لعباده على اختلاف الاحوال و اليه وقعت الاشارة في قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق و المغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم و لانهم جعلوا عين الكعبة قبلة في هذه الحالة بالتحري و انه مبنى على تجرد شهادة القلب من إمارة و الجهة صارت قبلة باجتهادهم المبني على الامارات الدالة عليها من النجوم و الشمس و القمر و غير ذلك فكان فوق الاجتهاد بالتحري و لهذا أن من دخل بلدة و عاين المحاريب المنصوبة فيها يجب عليه التوجه إليها و لا يجوز له التحري و كذا إذا دخل مسجد الا محراب له و بحضرته أهل المسجد لا يجوز له التحري بل يجب عليه السوأل من أهل المسجد لان لهم علما بالجهة المبنية على الامارات فكان فوق الثابت بالتحري و كذا لو كان في المفازة و السماء مصحية و له علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة لا يجوز له التحري لان ذلك فوق التحري و به تبين ان نية الكعبة ليست بشرط بل الافضل أن لا ينوى الكعبة لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته و لا حجة لهم في الاية لانها تناولت حالة القدرة و القدرة حال مشاهدة الكعبة لا حال البعد عنها و هو الجواب عن قولهم ان الاستقبال لحرمة البقعة ان ذلك حال القدرة على الاستقبال إليها دون حال العجز عنه و أما إذا كان عاجزا فلا يخلو اما ان كان عاجزا بسبب عذر من الاعذار مع العلم بالقبلة و اما ان كان عجزه بسبب الاشتباه فان كان عاجز العذر مع العلم بالقبلة فله أن يصلى إلى أى جهة كانت و يسقط عنه الاستقبال نحو أن يخاف على نفسه من العدو في صلاة الخوف أو كان بحال لو استقبل القبلة يثب عليه العدو أو قطاع الطريق أو السبع أو كان على لوح من السفينة في البحر لو وجهه إلى القبلة يغرق غالبا أو كان مريضا لا يمكنه أن يتحول بنفسه إلى القبلة و ليس بحضرته من يحوله إليها و نحو ذلك لان هذا شرط زائد فيسقط عند العجز و ان كان عاجزا بسبب الاشتباه و هو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة أو لا علم له بالامارات الدالة على القبلة فان كان بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له التحري لما قلنا بل يجب عليه السوأل فان لم يسأل و تحرى وصلى فان أصاب جازوا لا فلا فان لم يكن بحضرته أحد جاز له التحري لان التكليف بحسب الوسع و الامكان و ليس في وسعه الا التحري فتجوز له الصلاة التحري لقوله تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله و روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم تحروا عند الاشتباه