و المتقدم ليس بمأمور من جهة السلطان أو نائبه فلم يجز تقدمه فاما سائر الصلوات فاقامتها متعلقة بالامام و بخلاف ما إذا استخلف الكافر مسلما فأدى الجمعة لا يجوز و ان كان الكافر قادرا على اكتساب الاهلية بالاسلام لان هذا من أمور الدين و هو يعتمد ولاية السلطنة و لا يجوز ان يثبت للكافر ولاية السلطنة على المسلمين فلم يصح استخلافه بخلاف المحدث و الجنب و الله أعلم و لو قدم مسافرا أو عبدا أو مكاتبا وصلى بهم الجمعة جاز عندنا خلافا لزفر لان هؤلاء من أهل اقامة الجمعة على ما بينا هذا إذا قدم الامام أحدا فان لم يقدم و تقدم صاحب الشرط أو القاضي جاز لان هذا من أمور العامة و قد قلدهما الامام ما هو من أمور العامة فنزلا منزلة الامام و لان الحاجة إلى الامام لدفع التنازع في التقدم و ذا يحصل بتقدمهما لوجود دليل اختصاصهما من بين سائر الناس و هو كون كل واحد منهما نائبا للسلطان و عاملا من عماله و كذا لو قدم أحدهما رجلا قد شهد الخطبة جاز لانه ثبت لكل واحد منهما ولاية التقدم على ما مر فتثبت ولاية التقدم لان كل من يملك اقامة الصلاة يملك اقامة غيره مقامه و أما الجماعة فالكلام في الجماعة في مواضع في بيان كونها شرطا للجمعة و فى بيان كيفية هذا الشرط و فى بيان مقداره و فى بيان صفة القوم الذين تنعقد بهم الجمعة اما الاول فالدليل على انها شرط ان هذه الصلاة تسمى جمعة فلا بد من لزوم معنى الجمعة فيه اعتبارا للمعنى الذي أخذ اللفظ منه من حيث اللغة كما في الصرف و السلم و الرهن و نحو ذلك و لان ترك الظهر ثبت بهذه الشريطة على ما مر و لهذا لم يؤد رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة الا بجماعة و عليه إجماع العلماء و أما بيان كيفية هذا الشرط فنقول لا خلاف في أن الجماعة شرط لانعقاد الجمعة حتى لا تنعقد الجمعة بدونها حتى ان الامام إذا فرغ من الخطبة ثم نفر الناس عنه الا واحدا يصلى بهم الظهر دون الجمعة و كذا لو نفروا قبل ان يخطب الامام فخطب الامام وحده ثم حضروا فصلى بهم الجمعة لا يجوز لان الجماعة كما هى شرط انعقاد الجمعة حال الشروع في الصلاة فهي شرط حال سماع الخطبة لان الخطبة بمنزلة شفع من الصلاة قالت عائشة رضى الله عنها انما قصرت الجمعة لاجل الخطبة فتشترط الجماعة حال سماعها كما تشترط حال الشروع في الصلاة و اختلفوا في انها هل هى شرط بقائها منعقدة إلى آخر الصلاة قال أصحابنا الثلاثة انها ليست بشرط و قال زفر انها شرط للانعقاد و البقاء جميعا فيشترط دوامها من أول الصلاة إلى آخرها كالطهارة و ستر العورة و استقبال القبلة و نحوها حتى انهم لو نفروا بعد ما قيد الركعة بالسجدة له ان يتم الجمعة عندنا و عند زفر إذا نفروا قبل ان يقعد الامام قدر التشهد فسدت الجمعة و عليه ان يستقبل الظهر وجه قوله أن الجماعة شرط لهذه الصلاة فكانت شرط الانعقاد و البقاء كسائر الشروط من الوقت و ستر العورة و استقبال القبلة و هذا لان الاصل فيما جعل شرطا للعبادة أن يكون شرطا لجميع أجزائها لتساوى أجزاء العبادة الا إذا كان شرطا لا يمكن قرانه لجميع الاجزاء لتعذر ذلك أو لما فيه من الحرج كالنية فتجعل شرطا لانعقادها وهنا لا حرج في اشتراط دوام الجماعة إلى آخر الصلاة في حق الامام لان فوات هذا الشرط قبل تمام الصلاة في غاية الندرة فكان شرط الاداء كما هو شرط الانعقاد و لهذا شرط أبو حنيفة دوام هذا الشرط ركعة كاملة و ذا لا يشترط في شرط الانعقاد بخلاف المقتدى لان استدامة هذا الشرط في حق المقتدى يوقعه في الحرج لانه كثيرا ما يسبق بركعة أو ركعتين فجعل في حقه شرط الانعقاد لا وجه قول أصحابنا الثلاثة ان المعنى يقتضى أن لا تكون الجماعة شرطا أصلا لا شرط الانعقاد و لا شرط البقاء لان الاصل أن يكون شرط العبادة شيأ يدخل تحت قدرة المكلف تحصيله ليكون بقدر الوسع الا إذا كان شرطا هو كائن لا محالة كالوقت لانه إذا لم يكن كائنا لا محالة لم يكن للمكلف بد من تحصيله ليتمكن من الاداء و لا ولاية لكل مكلف على غيره فلم يكن قادرا على تحصيل شرط الجماعة فكان ينبغى أن لا تكون الجماعة شرطا أصلا الا انا جعلناها شرطا بالشرع فتجعل شرطا بقدر ما يحصل قبول حكم الشرع و ذلك يحصل بجعله شرط الانعقاد فلا حاجة إلى جعله شرط البقاء و صار كالنية بل أولى لان في وسع المكلف تحصيل النية لكن لما كان في استدامتها حرج جعل شرط الانعقاد دون البقاء دفعا للحرج فالشرط الذي لا يدخل تحت ولاية العباد أصلا أولى أن لا يجعل شرط البقاء
(267)
فجعل شرط الانعقاد و لهذا كان من شرائط الانعقاد دون البقاء في حق المقتدى بالاجماع فكذا في حق الامام ثم اختلف أصحابنا الثلاثة فيما بينهم فقال أبو حنيفة ان الجماعة في حق الامام شرط انعقاد الاداء لا شرط انعقاد التحريمة و قال أبو يوسف و محمد انها شرط انعقاد التحريمة حتى انهم لو نفروا بعد التحريمة قبل تقييد الركعة بسجدة فسدت الجمعة و يستقبل الظهر عنده كما قال زفر و عندهما يتم الجمعة وجه قولهما ان الجماعة شرط انعقاد التحريمة في حق المقتدى فكذا في حق الامام و الجامع ان تحريمه الجمعة إذا صحت صح بناء الجمعة عليها و لهذا لو أدركه إنسان في التشهد صلى الجمعة ركعتين عنده و هو قول أبى يوسف الا ان محمدا ترك القياس هناك بالنص لما يذكر و لابي حنيفة ان الجماعة في حق الامام لو جعلت شرط انعقاد التحريمة لادى إلى الحرج لان تحريمته حينئذ لا تنعقد بدون مشاركة الجماعة إياه فيها و ذا لا يحصل الا و ان تقع تكبير اتهم مقارنة لتكبيرة الامام و انه مما يتعذر مراعاته و بالاجماع ليس بشرط فانهم لو كانوا حضورا و كبر الامام ثم كبر و أصح تكبيرة و صار شارعا في الصلاة و صحت مشاركتهم إياه فلم تجعل شرط انعقاد التحريمة لعدم الامكان فجعلت شرط انعقاد الاداء بخلاف القوم فانه أمكن أن تجعل في حقهم شرط انعقاد التحريمة لانه تحصل مشاركتهم إياه في التحريمة لا محالة و ان سبقهم الامام بالتكبير و ان ثبت ان الجماعة في حق الامام شرط انعقاد الاداء لا شرط انعقاد التحريمة فانعقاد الاداء بتقييد الركعة بسجدة لان الاداء فعل و الحاجة إلى كون الفعل أداء للصلاة و فعل الصلاة هو القيام و القراءة و الركوع و السجود و لهذا لو حلف لا يصلى فما لم يقيد الركعة بالسجدة لا يحنث فإذا لم يقيد الركعة بالسجدة لم يوجد الاداء فلم تنعقد فشرط دوام مشاركة الجماعة الامام إلى الفراغ عن الاداء و لو افتتح الجمعة و خلفه قوم و نفروا منه و بقى الامام وحده فسدت صلاته و يستقبل الظهر لان الجماعة شرط انعقاد الجمعة و لم توجد و لو جاء قوم آخرون فوقفوا خلفه ثم نفر الاولون فان الامام يمضى على صلاته لوجود الشرط هذا الذي ذكرنا اشتراط المشاركة في حق الامام و اما المشاركة في حق المقتدى فنقول لا خلاف في انه لا تشترط المشاركة في جميع الصلاة ثم اختلفوا بعد ذلك فقال أبو حنيفة و أبو يوسف المشاركة في التحريمة كافية و عن محمد روايتان في رواية لابد من المشاركة في ركعة واحدة و فى رواية المشاركة في ركن منها كافية و هو قول زفر حتى ان المسبوق إذا ادرك الامام في الجمعة ان أدركه في الركعة الاولى أو الثانية أو كان في ركوعها يصير مدركا للجمعة بلا خلاف و أما إذا أدركه في سجود الركعة الثانية أو في التشهد كان مدركا للجمعة عند أبى حنيفة و أبى يوسف لوجود المشاركة في التحريمة و عند محمد لا يصير مدركا في رواية لعدم المشاركة في ركعة و فى رواية يصير مدركا لوجود المشاركة في بعض أركان الصلاة و هو قول زفر و أما إذا أدركه بعد ما قعد قدر التشهد قبل السلام أو بعد ما سلم و عليه سجدتا السهو و عاد إليهما فعند أبى حنيفة و أبى يوسف يكون مدركا للجمعة لوقوع المشاركة في التحريمة و عند زفر لا يكون مدركا لعدم المشاركة في شيء من أركان الصلاة و يصلى أربعا و لا تكون الاربع عند محمد ظهرا محضا حتى قال يقرأ في الاربع كلها و عنه في افتراض القعدة الاولى روايتان في رواية الطحاوي عنه فرض و فى رواية المعلى عنه ليست بفرض فكان محمدا رحمه الله سلك طريقة الاحتياط لتعارض الادلة عليه فاوجب ما يخرجه عن الفرض بيقين جمعة كان الفرض أو ظهرا و قيل على قول الشافعي الاربع ظهر محض حتى لو ترك القعدة الاولى لا يوجب فساد الصلاة و احتجوا في المسألة بما روى عن الزهرى باسناده عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدركها و ليضف اليها أخرى و ان أدركهم جلوسا صلى أربعا و فى بعض الروايات صلى الظهر أربعا و هذا نص في الباب و لان اقامة الجمعة مقام الظهر عرف بنص الشرع بشرائط الجمعة منها الجماعة و السلطان و لم توجد في حق المقتدى فكان ينبغى أن يقضى كل مسبوق أربع ركعات الا ان مدرك يقضى ركعة بالنص و لا نص في المتنازع فيه ثم مع هذه الادلة يسلك محمد رحمه الله تعالى مسلك الاحتياط لتعارض الادلة و احتج أبو حنيفة و أبو يوسف بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ما أدركتم فصلوا و ما فاتكم فاقضوا أمر المسبوق بقضاء ما فاته و انا فاتته صلاة الامام و هي ركعتان و الحديث في حد الشهرة و روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من أدرك الامام في التشهد يوم الجمعة فقد
(268)
أدرك الجمعة و لان سبب اللزوم هو التحريمة و قد شارك الامام في التحريمة و بني تحريمته على تحريمه الامام فيلزمه ما لزم الامام كما في سائر الصلوات و تعلقهم بحديث الزهرى صحيح فان الثقات من أصحاب الزهرير كمعمر و الاوزاعى و مالك رووا أنه قال من أدرك ركعة من صلاة فقد أدركها فاما ذكر الجمعة فهذه الزيادة أو من أدركهم جلوسا صلى أربعا رواه ضعفاء أصحابه هكذا قال الحاكم الشهيد و لئن ثبتت الزيادة فتأويلها و ان أدركهم جلوسا قد سلموا عملا بالدليلين بقدر الامكان و ما ذكروا من المعنى يبطل بما إذا أدرك ركعة و قولهم هناك يقضى ركعة بالنص قلنا و ههنا أيضا يقضى ركعتين بالنص الذي روينا و ما ذكروا من الاحتياط سديد لان الاربع ان كانت ظهرا فلا يمكن بناؤها على تحريمه عقدها للجمعة ألا يرى انه لو أدركه في التشهد و نوى الظهر لم يصح اقتداؤه به و ان كانت جمعة فالجمعة كيف تكون أربع ركعات على انه لا احتياط عند ظهور فساد أدلة الخصوم و صحة دليلنا و الله تعالى أعلم و أما الكلام في مقدار الجماعة فقد قال أبو حنيفة و محمد أدناه ثلاثة سوى الامام و قال أبو يوسف اثنان سوى الامام و قال الشافعي لا تنعقد الجمعة لا بأربعين سوى الامام أما الكلام مع الشافعي فهو يحتج بما روى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك انه قال كنت قائد أبى حين كف بصره فكان إذا سمع النداء يوم الجمعة استغفر الله لابى أمامة أسعد بن زرارة فقلت لا سألنه عن استغفاره لابى أمامة فبينما أنا أقوده في جمعة اذ سمع النداء فاستغفر الله لابى أمامة فقلت يا أبت أ رأيت استغفارك لابى أمامة أسعد بن زرارة فقال ان أول من جمع بنا بالمدينة أسعد فقلت و كم كنتم يومئذ فقال كنا أربعين رجلا و لان ترك الظهر إلى الجمعة يكون بالنص و لم ينقل انه عليه الصلاة و السلام أقام الجمعة بثلاثة ( و لنا )ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يخطب فقدم تحمل الطعام فانقضوا إليها و تركوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قائما و ليس معه الا اثنى عشر رجلا منهم أبو بكر و عمر و عثمان و على رضى الله تعالى عنهم أجمعين و قد أقام الجمعة بهم و روى ان مصعب بن عمير قد أقام الجمعة بالمدينة مع اثنى عشر رجلا و لان الثلاثة تساوي ما وراءها في كونها جمعا فلا معنى لاشتراط جمع الاربعين بخلاف الاثنين فانه ليس بالجمع و لا حجة له في حديث أسعد بن زرارة لان الاقامة بالاربعين وقع اتفاقا الا يرى أنه روى ان أسعد أقامها بسبعة عشر رجلا و رسول الله صلى الله عليه و سلم أقامها باثنى عشر رجلا حين انفضوا إلى التجارة و تركوه قائما و أما الكلام مع أصحابنا فوجه قول أبى يوسف ان الشرط أداء الجمعة بجماعة و قد وجد لانهما مع الامام ثلاثة و هي جمع مطلق و لهذا يتقدمهما الامام و يصطفان خلفه و لهما ان الجمع المطلق شرط انعقاد الجمعة في حق كل واحد منهم و شرط جواز صلاة كل واحد منهم ينبغى أن يكون سواه فيحصل هذا الشرط ثم يصلى و لا يحصل هذا الشرط الا إذا كان سوى الامام ثلاثة اذ لو كان مع الامام ثلاثة لا يوجد في حق كل واحد منهم الا اثنان و المثني ليس بجمع مطلق و هذا بخلاف سائر الصلوات لان الجماعة هناك ليست بشرط للجواز حتى يجب على كل واحد تحصيل هذا الشرط انهما يصطفان خلف الامام لان المقتدى تابع لامامه فكان ينبغى أن يقوم خلفه لاظهار معنى التبعية انه ان كان واحدا لا يقوم خلفه لئلا يصير منتبذا خلف الصفو ف يصير مرتكبا للنهي فإذا صار اثنين زال هذا المعنى فقاما خلفه و الله تعالى أعلم و أما صفة القوم الذين تنعقد بهم الجمعة فعندنا ان كل من يصلح اماما للرجال في الصلوات المكتوبات تنعقد بهم الجمعة فيشترط صفة الذكورة و العقل و البلوغ لا و لا تشترط الحرية و الاقامة حتى تنعقد الجمعة بقوم عبيد أو مسافرين و لا تنعقد بالصبيان و المجانين و النساء على الانفراد و قال الشافعي يشترط الحرية و الاقامة في صفة القوم فلا تنعقد بالعبيد و المسافرين وجه قوله انه لا جمعة عليهم فلا تنعقد بهم كالنسوان و الصبيان ( و لنا )ان درجة الامام أعلى ثم صفة الحرية و الاقامة ليست بشرط في الامام لما مر فلان لا تشترط في القوم أولى و انما لا تجب الجمعة على العبيد و المسافرين إذا لم يحضروا فأما إذا حضروا تجب لان المانع من الوجوب قد زال بخلاف الصبيان و النسوان على ما ذكرنا فيما تقدم و الله تعالى أعلم و أما الوقت فمن شرائط الجمعة و هو وقت الظهر حتى لا يجوز تقديمها على زوال الشمس لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه لما بعث مصعب
(269)
ابن عمير إلى المدينة قال له إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة و روى أنه كتب إلى أسعد بن زرارة إذا زالت الشمس من اليوم الذي تتجهز فيه اليهود لسبتها فازدلت إلى الله تعالى بركعتين و ما روى أن ابن مسعود أقام الجمعة ضحى يعنى بالقرب منه و مراد الراوي أنه ما اخرها بعد الزوال فان لم يؤدها حتى دخل وقت العصر تسقط الجمعة لانها لا تقضى لما نذكر و قال مالك تجوز اقامة الجمعة في وقت العصر و هو فاسد لانها أقيمت مقام الظهر بالنص فيصير وقت الظهر وقتا للجمعة و ما أقيمت مقام الظهر من الصلوات فلم تكن مشروعة في وقته و الله أعلم هذا الذي ذكرنا من الشرائط مذكورة في ظاهر الرواية و ذكر في النوادر شرطا آخر لم يذكره في ظاهر الرواية و هو اداء الجمعة بطريق الاشتهار حتى ان أميرا لو جمع جيشه في الحصن و أغلق الابواب وصلى بهم الجمعة لا تجزئهم كذا ذكر في النوادر فانه قال السلطان إذا صلى في فهندرة و القوم مع أمراء السلطان في المسجد الجامع قال ان فتح باب داره و أذن للعامة بالدخول في فهندرة جاز و تكون الصلاة في موضعين و لو لم يأذن للعامة وصلى مع جيشة لا تجوز صلاة السلطان و تجوز صلاة العامة و انما كان هذا شرط لان الله تعالى شرع النداء لصلاة الجمعة بقوله يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و النداء للاشتهار و لذا يسمى جمعة لاجتماع الجماعات فيها فاقتضى أن تكون الجماعات كلها مأذونين بالحضور اذنا عاما تحقيقا لمعنى الاسم و الله أعلم ( فصل )و أما بيان مقدارها فمقدارها ركعتان عرفنا ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضى الله عنهم من بعده و عليه إجماع الامة و ينبغي للامام أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و سورة مقدار ما يقرأ في صلاة الظهر و قد ذكرناه و لو قرأ في الركعة الاولى بفاتحة الكتاب و سورة الجمعة و فى الثانية بفاتحة الكتاب و سورة المنافقين تبركا بفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فحسن فانه روى أنه كان يقرأ هما في صلاة الجمعة و روى أنه قرأ في صلاة العيدين و الجمعة سبح اسم ربك الاعلى و الغاشية فان تبرك بفعله صلى الله عليه و سلم و قرأ هذه السورة في أكثر الاوقات فنعم ما فعل و لكن لا يواظب على قراءتها بل يقرأ غيرها في بعض الاوقات حتى لا يؤدى إلى هجر بعض القرآن و لئلا تظنه العامة حتما و يجهر بالقراءة فيها لورود الاثر فيها بالجهر و هو ما روى عن ابن عباس أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الاولى سورة الجمعة و فى الثانية سورة المنافقين و لو لم يجهر لما سمع و كذا الامة توارثت ذلك و لان الناس يوم الجمعة فرغوا قلوبهم عن الاهتمام لامور التجارة لعظم ذلك الجمع فيتأملون قراءة الامام فتحصل لهم ثمرات القراءة فيجهر بها كما في صلاة الليل ( فصل )و أما بيان ما يفسدها و بيان حكمها إذا فسدت أو فاتت عن وقتها فنقول انه يفسد الجمعة ما يفسد سائر الصلوات و قد بينا ذلك في موضعه و الذى يفسدها على الخصوص أشياء منها خروج وقت الظهر في خلال الصلاة عند عامة المشايخ و عند مالك لا يفسدها بناء على أن الجمعة فرض مؤقت بوقت الظهر عند العامة حتى لا يجوز اداؤها في وقت العصر و عنده يجوز و قد مر الكلام فيه و كذا خروج الوقت بعد ما قعد قدر التشهد عند أبى حنيفة و عند أبى يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا تفسد و هي من المسائل الاثنى عشرية و قد مرت و منها فوت الجماعة الجمعة قبل أن يقيد الامام الركعة بالسجدة بان نفر الناس عنه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى و عندهما لا تفسد و أما فوتها بعد تقييد الركعة بالسجدة فلا تفسد عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر تفسد و قد ذكرنا هذه المسائل و أما حكم فسادها فان فسدت بخروج الوقت أو بفوت الجماعة يستقبل الظهر و ان فسدت بما تفسد به عامة للصلوات من الحدث العمد و الكلام و غير ذلك يستقبل الجمعة عند وجود شرائطهما و أما إذا فاتت عن وقتها و هو وقت الظهر سقطت عند عامة العلماء لان صلاة الجمعة لا تقضى لان القضاء على حسب الاداء و الاداء فات بشرائط مخصوصة يتعذر تحصيلها على كل فرد فتسقط بخلاف سائر المكتوبات إذا فاتت عن أوقاتها و الله أعلم ( فصل )و أما بيان ما يستحب في يوم الجمعة و ما يكره فيه فالمستحب في يوم الجمعة لمن يحضر الجمعة أن يدهن و يمس طيبا و يلبس أحسن ثيابه ان كان عنده ذلك و يغتسل لان الجمعة من أعظم شعائر الاسلام فيستحب أن
(270)
يكون المقيم لها على أحسن وصف و قال مالك غسل يوم الجمعة فريضة و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم أو قال حق على كل محتلم و لنا ما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من توضأ يوم الجمعة فيها و نعمت و من اغتسل فهو أفضل و ما روى من الحديث فتأويله مروى عن ابن عباس و عائشة أنهما قالا كان الناس عمال أنفسهم و كانوا يلبسون الصوف و يعرقون فيه و المسجد قريب السمك فكان يتأذى بعضهم برائحة بعض فأمروا بالاغتسال لهذا ثم اتسخ هذا حين لبسوا الصوف و تركوا العمل بأيديهم ثم غسل يوم الجمعة لصلاة الجمعة أم ليوم الجمعة قال الحسن بن زياد ليوم الجمعة إظهارا لفضيلته قال النبي صلى الله عليه و سلم سيد الايام يوم الجمعة و قال أبو يوسف لصلاة الجمعة لانها مؤداة بشرائط ليست لغيرها فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها و فائدة الاختلاف أن من اغتسل يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة ثم أحدث فتوضأ وصلى به الجمعة فعند أبى يوسف لا يصير مدركا لفضيلة الغسل و عند الحسن يصير مدركا لها و كذا إذا توضأ وصلى به الجمعة ثم اغتسل فهو على هذا الاختلاف فاما إذا اغتسل يوم الجمعة وصلى به الجمعة فانه ينال فضيلة الغسل بالاجماع على اختلاف الاصلين لوجود الاغتسال و الصلاة به و الله أعلم و أما ما يكره في يوم الجمعة فنقول تكره صلاة الظهر يوم الجمعة بجماعة في المصر في سجن أو سجن هكذا روى عن على رضى الله عنه و هكذا جرى التوارث باغلاق أبواب المساجد في وقت الظهر يوم الجمعة في الامصار فدل ذلك على كراهة الجماعة فيها في حق الكل و لأَنا لو أطلقنا للمعذور اقامة الظهر بالجماعة في المصر فربما يقتدى به المعذور فيؤدى إلى تقليل جمع الجمعة و هذا لا يجوز و لان ساكن المصر مأمور بشيئين في هذا الوقت بترك الجماعات و شهود الجمعة و المعذور قدر على أحدهما و هو ترك الجماعات فيؤمر بالترك و أما أهل القرى فانهم يصلون الظهر بجماعة باذان و اقامة لانه ليس عليهم شهود الجمعة و لان في اقامة الجماعة فيها لتقليل جمع الجمعة فكان هذا اليوم في حقهم كسائر الايام و كذا يكره البيع و الشراء يوم الجمعة إذا صعد الامام المنبر و أذن المؤذنون بين يديه لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع و الامر بترك البيع يكون نهيا عن مباشرته و أدنى درجات النهى الكراهة و لو باع يجوز لان الامر بترك البيع ليس لعين البيع بل لترك استماع الخطبة ( فصل )و أما فرض الكفاية فصلاة الجنازة و نذكرها في آخر الكتاب ان شاء الله تعالى ( فصل )و أما الصلاة الواجبة فنوعان صلاة الوتر و صلاة العيدين ( أما صلاة الوتر )فالكلام في الوتر يقع في مواضع في بيان صفة الوتر أنه واجب أم سنة و فى بيان من يجب عليه و فى بيان مقداره و فى بيان وقته و فى بيان صفة القراءة التي فيه و مقدارها و فى بيان ما يفسده و فى بيان حكمه إذا فسد أو فات عن وقته و فى بيان القنوت أما الاول فعند أبى حنيفة فيه ثلاث روايات روى حماد بن زيد عنه أنه فرض و روى يوسف بن خالد السمتى أنه واجب و روى نوح بن أبى مريم المروزي في الجامع عنه أنه سنة و به أخذ أبو يوسف و محمد و الشافعي رحمهم الله و قالوا انه سنة مؤكدة آكد من سائر السنن المؤقتة و احتجوا بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ثلاث كتبت علي و لم تكتب عليكم الوتر و الضحى و الاضحى و فى رواية ثلاث كتبت علي و هي لكم سنة الوتر و الضحى و الاضحى و عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ان الله كتب عليكم في كل يوم و ليلة خمس صلوات و قال صلى الله عليه و سلم في خطبة الوداع صلوا خمسكم و كذا المروي في حديث معاذ أنه لما بعثه إلى اليمن قال له اعلمهم ان الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة و لو كان الوتر واجبا لصار المفروض ست صلوات في كل يوم و ليلة و لان زيادة الوتر على الخمس المكتوبات نسخ لها لان الخمس قبل الزيادة كانت كل وظيفة اليوم و الليلة و بعد الزيادة تصير بعض الوظيفة فينسخ وصف الكلية بها و لا يجوز نسخ الكتاب و المشاهير من الاحاديث بالآحاد و لان علامات السنن فيها ظاهرة فانها تؤدى تبعا للعشاء و الفرض ما لا يكون تابعا لفرض آخر و ليس لها وقت و لا أذان و لا اقامة و لا جماعة و لفرائض الصلوات أوقات و أذان و اقامة و جماعة و لذا يقرأ في الثلاث
(271)
كلها و ذا من امارات السنن و لابي حنيفة ما روى خارجة بن حدافة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ان الله تعالى زادكم صلاة الا و هي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر و الاستدلال به من وجهين أحدهما أنه أمر بها و مطلق الامر للوجوب و الثاني انه سماها زيادة والزياة على الشيء لا تتصور الا من جنسه فأما إذا كان غيره فانه يكون قرانا لا زيادة و لان الزيادة انما تتصور على المقدر و هو الفرض فاما النفل فليس بمقدر فلا تتحقق الزيادة عليه و لا يقال انها زيادة على الفرض لكن في الفعل لا في الوجوب لانهم كانوا يفعلونها قبل ذلك الا ترى أنه قال الا و هي الوتر ذكرها معرفة بحرف التعريف و مثل هذا التعريف لا يحصل الا بالعهد و لذا لم يستفسروها و لو لم يكن فعلها معهودا لاستفسروا فدل أن ذلك في الوجوب لا في الفعل و لا يقال انها زيادة على السنن لانها كانت تؤدى قبل ذلك بطريق السنة و روى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أوتروا يا أهل القرآن فمن لم يوتر فليس منا و مطلق الامر للوجوب و كذا التوعد على الترك دليل الوجوب و روى أبو بكر أحمد بن على الرازي باسناده عن أبى سليمان بن أبى بردة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الوتر حق واجب فمن لم يوتر فليس منا و هذا نص في الباب و عن الحسن البصري انه قال اجمع المسلمون على أن الوتر حق واجب و كذا حكى الطحاوي فيه إجماع السلف و مثلهما لا يكذب و لانه إذا فات عن وقته يقضى عندهما و هو احد قولى الشافعي و وجوب القضاء عن الفوات لا عن عذر يدل على وجوب الاداء و لذا لا يؤدى على الراحلة بالاجماع عند القدرة على النزول و بعينه ورد الحديث و ذا من أمارات الوجوب و الفرضية و لانها مقدرة بالثلاث و التنفل بالثلاث ليس بمشروع و أما الاحاديث اما الاول ففيه نفى الفرضية دون الوجوب لان الكتابة عبارة عن الفرضية و نحن به نقول انها ليست بفرض و لكنها واجبة و هي آخر أقوال أبى حنيفة و الرواية الاخرى محمولة على ما قبل الوجوب و لا حجة لهم في الاحاديث الاخر لانها تدل على فرضية الخمس و الوتر عندنا ليست بفرض بل هى واجبة و فى هذا حكاية و هو ما روى ان يوسف بن خالد السمنى سأل أبا حنيفة عن الوتر فقال هى واجبة فقال يوسف كفرت يا أبا حنيفة و كان ذلك قبل أن يتلمذ عليه كانه فهم من قول أبى حنيفة انه يقول انها فريضة فزعم انه زاد على الفرائض الخمس فقال أبو حنيفة ليوسف أيهولنى اكفارك إياي و أنا أعرف الفرق بين الواجب و الفرض كفرق ما بين السماء و الارض ثم بين له الفرق بينهما فاعتذر اليه و جلس عنده للتعلم بعد أن كان من أعيان فقهاء البصرة و إذا لم يكن فرضا لم تصر الفرائض الخمس ستا بزيادة الوتر عليها و به تبين ان زيادة الوتر على الخمس ليست نسخا لها لانها بقيت بعد الزيادة كل وظيفة اليوم و الليلة فرضا أما قولهم انه لا وقت لها فليس كذلك بل لها وقت و هو وقت العشاء الا ان تقديم العشاء عليها شرط عند التذكر و ذا لا يدل على التبعية كتقديم كل فرض على ما يعقبه من الفرائض و لهذا اختص بوقت استحسانا فان تأخيرها إلى آخر الليل مستحب و تأخير العشاء إلى آخر الليل يكره أشد الكراهة و ذا إمارة الاصالة اذ لو كانت تابعة للعشاء لتبعته في الكراهة و الاستحباب جميعا و أما الجماعة و الاذان و الاقامة فلانها من شعائر الاسلام فتختص بالفرائض المطلقة و لهذا لا مدخل لها في صلاة النساء و صلاة العيدين و الكسوف و أما القراءة في الركعات كلها فلمضرب احتياط عند تباعد الادلة عن إدخالها تحت الفرائض المطلقة على ما نذكر ( فصل )و أما بيان من تجب عليه فوجوبه لا يختص بالبعض دون البعض كالجمعة و صلاة العيدين بل يعم الناس أجمع من الحر و العبد و الذكر و الانثى بعد أن كان أهلا للوجوب لان ما ذكرنا من دلائل الوجوب لا يوجب الفصل ( فصل )و أما الكلام في مقداره فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا الوتر ثلاث ركعات بتسليمه واحدة في الاوقات كلها و قال الشافعي هو بالخيار ان شاء أوتر بركعة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو احد عشر في الاوقات كلها و قال الزهرى في شهر رمضان ثلاث ركعات و فى غيره ركعة احتج الشافعي بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من شاء أوتر بركعة و من شاء أوتر بثلاث أو بخمس و لنا ما روى عن ابن مسعود و ابن عباس و عائشة رضى الله عنهم انهم قالوا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوتر بثلاث ركعات و عن الحسن قال اجمع
(272)
المسلمون على ان الوتر ثلاث لا سلام الا في آخرهن و مثله لا يكذب و لان الوتر نفل عنده و النوافل اتباع الفرائض فيجب أن يكون لها نظيرا من الاصول و الركعة الواحدة معهودة فرضا و حديث التخيير محمول على ما قبل استقرار امر الوتر بدليل ما روينا ( فصل )و أما بيان وقته فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان أصل الوقت و فى بيان الوقت المستحب أما أصل الوقت فوقت العشاء عند أبى حنيفة الا انه شرع مرتبا عليه حتى لا يجوز أداؤه قبل صلاة العشاء مع انه وقته لعدم شرطه و هو الترتيب الا إذا كان ناسيا كوقت أداء الوقتية و هو وقت الفائتة لكنه شرع مرتبا عليه و عند أبى يوسف و محمد و الشافعي وقته بعد أداء صلاة العشاء و هذا بناء على ما ذكرنا ان الوتر واجب عند أبى حنيفة و عندهم سنة و يبنى على هذا الاصل مسئلتان احداهما ان من صلى العشاء على وضوء و هو لا يعلم ثم توضأ فأوتر تذكر أعاد صلاة العشاء بالاتفاق و لا يعيد الوتر في قول أبى حنيفة و عندهما يعيد و وجه البناء على هذا الاصل انه لما كان واجبا عند أبى حنيفة كان أصلا بنفسه في حق الوقت لا تبعا للعشاء فكما غاب الشفق دخل وقته كما دخل وقت العشاء الا ان وقته بعد فعل العشاء الا ان تقديم أحدهما على الآخر واجب حالة التذكر فعند النسيان يسقط كما في العصر و الظهر التي لم يؤدها حتى دخل وقت العصر يجب ترتيب العصر على الظهر عند التذكر ثم يجوز تقديم العصر على الظهر عند النسيان كذا هذا و الدليل على ان وقته ما ذكرنا لا ما بعد فعل العشاء انه لو لم يصل العشاء حتى طلع الفجر لزمه قضأ الوتر كما يلزمه قضأ العشاء و لو كان وقتها ذلك لما وجب قضاؤها إذا لم يتحقق وقتها لاستحالة تحقق ما بعد فعل العشاء بدون فعل العشاء هذا هو تخريج قول أبى حنيفة على هذا الاصل و أما تخريج قولهما انه لما كان سنة كان وقته ما بعد وقت العشاء لكونه تبعا للعشاء كوقت ركعتي الفجر و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك الحديث زادكم صلاة و جعلها لكم ما بين العشاء إلى طلوع الفجر و وجود ما بين شيئين سابقا على وجودهما محال و الجواب أن إطلاق الفعل بعد العشاء لا ينفى الاطلاق قبله و على هذا الاختلاف إذا صلى الوتر على ظن انه صلى العشاء ثم تبين أنه لم يصل العشاء يصلى العشاء بالاجماع و لا يعيد الوتر عنده و عندهما يعيد و المسألة الثانية مسألة الجامع الصغير و هو أن من صلى الفجر و هو ذاكر انه لم يوتر و فى الوقت سعة لا يجوز عنده لان الواجب ملحق بالفرض في العمل فيجب مراعاة الترتيب بينه و بين الفرض و عندهما يجوز لان مراعاة الترتيب بين السنة و المكتوبة واجبة و لو ترك الوتر عند وقته حتى طلع الفجر يجب عليه القضاء عند أصحابنا خلافا للشافعي أما عند ابى حنيفة فلا يشكل لانه واجب فكان مضمونا بالقضاء كالفرض و عدم وجوب القضاء عند الشافعي لا يشكل أيضا لانه سنة عندهما و كذا القياس عندهما أن لا يقضى و هكذا روى عنهما ما في رواية الاصول لكنهما استحسنا في القضاء بالاثر و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره فان ذلك وقته و لم يفصل بين ما إذا تذكر في الوقت أو بعده و لانه محل الاجتهاد فاوجب القضاء احتياطا و أما الوقت المستحب للوتر فهو آخر الليل لما روى عن عائشة رضى الله عنها انها سئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت تارة كان يوتر في أول الليل و تارة في وسط الليل و تارة في آخر الليل ثم صار وتره في آخر عمره في آخر الليل و قال النبي صلى الله عليه و سلم صلاه الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فاوتر بركعة و هذا إذا كان لا يخاف فوته فان كان يخاف فوته يجب أن لا ينام الا عن وتر و أبو بكر رضى الله عنه كان يوتر في أول الليل و عمر كان يوتر في آخر الليل فقال النبي صلى الله عليه و سلم لابى بكر أخذت بالثقة و قال لعمر أخذت بفضل القوة ( فصل )و أما صفة القراءة فيه فالقراءة فيه فرض في الركعات كلها أما عندهم فلا يشكل لانه نفل و عند ابى حنيفة و ان كان واجبا لكن الواجب ما يحتمل انه فرض و يحتمل انه نفل لكن يرجح جهة الفرضية فيه بدليل فيه شبهة فيجعل واجبا مع احتمال النفلية فان كان فرضا يكتفى بالقراءة في ركعتين منه كما في المغرب و ان كان نفلا يشترط في الركعات كلها كما في النوافل فكان الاحتياط في وجوبها في الكل لم يذكر الكرخي في مختصره قدر