وصلوا و لم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه و سلم فدل على الجواز فإذا صلى إلى جهة من الجهات فلا يخلوا ما أن صلى إلى جهة بالتحري أو بدون التحري فان صلى بدون التحري فلا يخلو من أوجه اما ان كان لم يخطر بباله شيء و لم يشك في جهة القبلة أو خطر بباله و شك في جهة القبلة وصلى من تحر أو تحرى و وقع تحريه على جهة فصلى إلى جهة أخرى لم يقع عليها التحري أما إذا لم يخطر بباله شيء و لم يشك وصلى إلى جهة من الجهات فالأَصل هو الجواز لان مطلق الجهة قبلة بشرط عدم دليل يوصله إلى جهة الكعبة من السوأل أو التحري و لم يوجد لان التحري لا يجب عليه إذا لم يكن شاكا فإذا مضى على هذه الحالة و لم يخطر بباله شيء صارت الجهة التي صلى إليها قبلة له ظاهرا فان ظهر انها جهة الكعبة تقرر الجواز فاما إذا ظهر خطأه بيقين بان انجلى الظلام و تبين انه صلى إلى جهة الكعبة أو تحرى و وقع تحريه على الجهة التي صلى إليها ان كان بعد الفراغ من الصلاة يعيد و ان كان في الصلاة يستقبل لان ما جعل حجة بشرط عدم الاقوى يبطل عند وجوده كالاجتهاد إذا ظهر نص بخلافه و أما إذا شك و لم يتحر وصلى إلى جهة من الجهات فالأَصل هو الفساد فإذا ظهر أن الصواب في الجهة التي صلى إليها اما بيقين أو بالتحري تقرر الفساد و ان ظهر أن الجهة التي صلى إليها قبلة ان كان بعد الفراغ من الصلاة أجزأه و لا يعيد لانه إذا شك في جهة الكعبة و بني صلاته على الشك احتمل أن تكون الجهة التي صلى إليها قبلة و احتمل أن لا تكون فان ظهر انها لم تكن قبلة يظهر أنه صلى إلى القبلة و ان ظهر انها كانت قبلة يظهر أنه صلى إلى القبلة فلا يحكم بالجواز في الابتداء بالشك و الاحتمال بل يحكم بالفساد بناء على الاصل و هو العدم بحكم استصحاب الحال فإذا تبين انه صلى إلى القبلة بطل الحكم باستصحاب الحال و ثبت الجواز من الاصل و أما إذا ظهر في وسط الصلاة روى عن أبى يوسف أنه يبنى على صلاته لما قلنا و فى ظاهر الرواية يستقبل لان شروعه في الصلاة بناء على الشك و متى ظهرت القبلة اما بالتحري أو بالسؤال من غيره صارت حالته هذه أقوى من الحالة الاولى و لو ظهرت في الابتداء لا تجوز صلاته الا إلى هذه الجهة فكذا إذا ظهرت في وسط الصلاة و صار كالمومى إذا قدر على القيام في وسط الصلاة أنه يستقبل لما ذكرنا كذا هذا و أما إذا تحرى و وقع تحريه إلى جهة فصلى إلى جهة أخرى من تحر فان اخطأ لا تجزيه بالاجماع و ان أصاب فكذلك في ظاهر الرواية و روى عن أبى يوسف أنه يجوز ( و وجهه )أن المقصود من التحري هو الاصابة و قد حصل هذا المقصود فيحكم بالجواز كما إذا تحرى في الاوانى فتوضأ بغير ما وقع عليه التحري ثم تبين أنه أصاب يجزيه كذا هذا وجه ظاهر الرواية أن القبلة حالة اشتباه هى الجهة التي مال إليها المتحري فإذا ترك الاقبال إليها فقد أعرض عما هو قبلته مع القدرة عليه فلا يجوز كمن ترك التوجه إلى المحاريب المنصوبة مع القدرة عليه بخلاف الاوانى لان الشرط هو التوضؤ بالماء الطاهر حقيقة و قد وجد فاما إذا صلى إلى جهة من الجهات بالتحري ثم ظهر خطأه فان كان قبل الفراغ من الصلاة استدار إلى القبلة و أتم الصلاة لما روى أن أهل قبا لما بلغهم فسخ القبلة إلى بيت المقدس استداروا كهيئتهم و أتموا صلاتهم و لم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالاعادة و لان الصلاة المؤداة إلى جهة التحري مؤداة إلى القبلة لانها هى القبلة حال الاشتباه فلا معنى لوجوب الاستقبال و لان تبدل الرأي في معنى انتساخ النص و ذا لا يوجب بطلان العمل بالمنسوخ في زمان ما قبل النسخ كذا هذا و ان كان بعد الفراغ من الصلاة فان ظهر أنه صلى يمنة أو يسرة يجزيه و لا يلزمه الاعادة بلا خلاف و ان ظهر أنه صلى مستدبر الكعبة يجزيه عندنا و عند الشافعي لا يجزيه و على هذا إذا اشتبهت القبلة على قوم فتحروا وصلوا بجماعة جازت صلاة الكل عندنا الا صلاة من تقدم على امامه أو علم بمخالفته إياه وجه قول الشافعي أنه صلى إلى القبلة بالاجتهاد و قد ظهر خطأه بيقين فيبطل كما إذا تحرى وصلى في ثوب على ظن أنه طاهر ثم تبين أنه نجس انه لا يجزيه و تلزمه الاعادة كذا ههنا ( و لنا )أن قبلته حال الاشتباه هى الجهة التي تحرى إليها و قد صلى إليها فتجزيه كما إذا صلى إلى المحاريب المنصوبة و الدليل على أن قبلته هى جهة التحري النص و المعقول أما النص فقوله تعالى فاينما تولوافثم وجه الله قيل في بعض وجوه التأويل ثمة قبلة
(120)
الله و قيل ثمة رضاء الله و قيل ثمة وجه الله الذي وجهكم اليه إذا لم يجئ منكم التقصير في طلب القبلة و أضاف التوجه إلى نفسه لانهم وقعوا في ذلك بفعل الله تعالى بغير تقصير كان منهم في الطلب و نظيره قول النبي صلى الله عليه و سلم لمن أكل ناسيا لصومه ثم على صومك فانما أطعمك الله و سقاك و ان وجد الاكل من الصائم حقيقة لكن لما لم يكن قاصدا فيه أضاف فعله إلى الله تعالى و صيره معذورا كانه لم يأكل كذلك ههنا إذا كان توجهه إلى هذه الجهة من قصد منه حيث أتى بجميع ما في وسعه و إمكانه أضاف الرب سبحانه و تعالى ذلك إلى ذاته و جعله معذورا كانه توجه إلى القبلة ( و أما )المعقول فما ذكرنا أنه لا سبيل له إلى اصابة عين الكعبة و لا إلى اصابة جهتها في هذه الحالة لعدم الدلائل الموصلة إليها و الكلام فيه و التكليف بالصلاة متوجه و تكليف ما لا يحتمله الوسع ممتنع و ليس في وسعه الا الصلاة إلى جهة التحر فتعينت هذه قبلة له شرعا في هذه الحالة فنزلت هذه الجهة حالة العجز منزلة عين الكعبة و المحراب حالة القدرة و انما عرف التحري شرطا نصا بخلاف القياس لا لاصابة القبلة و به تبين أنه ما اخطأ قبلته لان قبلته جهة التحري و قد صلى إليها بخلاف مسألة الثوب لان الشرط هناك هو الصلاة بالثوب الطاهر حقيقة لكنه أمر بإصابته بالتحري فإذا لم يصب انعدم الشرط فلم يجز أما ههنا فالشرط استقبال القبلة و قبلته هذه في هذه الحالة و قد استقبلها فهو الفرق و الله أعلم و يخرج على ما ذكرنا الصلاة بمكة خارج الكعبة أنه ان كان في حال مشاهدة الكعبة لا تجوز صلاته الا إلى عين الكعبة لان قبلته حالة المشاهدة عين الكعبة بالنص و يجوز إلى أى الجهات من الكعبة شاء بعد ان كان مستقبلا لجزء منها لوجود تولية الوجه شطر الكعبة فان صلى منحرفا عن الكعبة مواجه لشيء منها لم يجز لانه ترك التوجه إلى قبلته مع القدرة عليه و شرائط الصلاة لا تسقط من عذر ( ثم )ان صلوا بجماعة لا يخلوا ما ان صلوا متحلقين حول الكعبة صفا بعد صف و اما ان صلوا إلى جهة واحدة منها مصطفين فان صلوا إلى جهة واحدة جازت صلاتهم إذا كان كل واحد منهم مستقبلا جزأ من الكعبة و لا يجوز لهم أن يصطفوا زيادة على حائط الكعبة و لو فعلوا ذلك لا تجوز صلاة من جاوز الحائط لان الواجب حالة المشاهدة استقبال عينها و ان صلوا حول الكعبة متحلقين جاز لان الصلاة بمكة تؤدى هكذا من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا و الافضل للامام أن يقف في مقام إبراهيم صلوات الله عليه ثم صلاة الكل جائزة سواء كانوا أقرب إلى الكعبة من الامام أو أبعد الا صلاة من كان أقرب إلى الكعبة من الامام في الجهة التي يصلى الامام إليها بأن كان متقدما على الامام بحذائه فيكون ظهره إلى وجه الامام أو كان على يمين الامام أو يساره متقدما عليه من تلك الجهة و يكون ظهره إلى الصف الذي مع الامام و وجهه إلى الكعبة لانه إذا كان متقدما على امامه لا يكون تابعا له فلا يصح اقتداؤه به بخلاف ما إذا كان أقرب إلى الكعبة من الامام من الجهة التي يصلى إليها الامام لانه في حكم المقابل للامام و المقابل لغيره يصلح أن يكون تابعا بخلاف المتقدم عليه و على هذا إذا قامت إمرأة بجنب الامام في الجهة التي يصلى إليها الامام و نوى الامام امامتها فسدت صلاة الامام لوجود المحاذاة في صلاة مطلقة مشتركة و فسدت صلاة القوم بفساد صلاة الامام و لو قامت في الصف في جهة الامام لا تفسد صلاة الامام لانها في الحكم كانها خلف الامام و فسدت صلاة من على يمينها و يسارها و من كان خلفها على ما يذكر في موضعه و لو كانت الكعبة منهدمة فتحلق الناس حول أرض الكعبة وصلوا هكذا أو صلى منفردا متوجها إلى جزء منها جاز و قال الشافعي لا يجوز الا إذا كان بين يديه سترة وجه قوله أن الواجب استقبال البيت و البيت اسم للبقعة و البناء جميعا الا إذا كان بين يديه سترة لانها من توابع البيت فيكون مستقبلا لجزء من البيت معنى ( و لنا )إجماع الامة فان الناس كانوا يصلون إلى البقعة حين رفع البناء في عهد ابن الزبير حين بني البيت على قواعد الخليل صلوات الله عليه و فى عهد الحجاج حين أعاده إلى ما كان عليه في الجاهلية و كانت صلاتهم مقضية بالجواز و به تبين أن الكعبة اسم للبقعة سواء كان ثمة بناء أو لم يكن و قد وجد التوجه إليها الا أنه يكره ترك اتخاذ السترة لما فيه من استقبال الصورة الصورة
(121)
و قد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك في الصلاة و روى أنه لما رفع البناء في عهد ابن الزبير أمر ابن عباس بتعليق الانطاع في تلك البقعة ليكون ذلك بمنزلة السترة لهم و على هذا إذا صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته عندنا و ان لم يكن بين يديه سترة و عند الشافعي لا تجزيه بدون السترة و الصحيح قولنا لما ذكرنا أن الكعبة اسم للعرصة و لان النباء لا حرمة له لنفسه بدليل أنه لو نقل إلى عرصة أخرى وصلى إليها لا يجوز بل كانت حرمته لاتصاله بالعرصة المحترمة و الدليل عليه أن من صلى على جبل أبى قبيس جازت صلاته بالاجماع و معلوم أنه لا يصلى إلى البناء بل إلى الهواء دل أن العبرة للعرصة و الهواء دون البناء هذا إذا صلوا خارج الكعبة فاما إذا صلوا في جوف الكعبة فالصلوة في جوف الكعبة جائزة عند عامة العلماء نافلة كانت أو مكتوبة و قال مالك لا يجوز اداء المكتوبة في جوف الكعبة وجه قوله أن المصلى في جوف الكعبة ان كان مستقبلا جهة كان مستدبرا جهة أخرى و الصلاة مع استدبار القبلة لا تجوز فأخذنا بالاحتياط في المكتوبات فاما في التطوعات فالأَمر فيها أوسع و صار كالطواف في جوف الكعبة ( و لنا )أن الواجب استقبال جزء من الكعبة عين و انما تيعين الجزء قبلة له بالشروع في الصلاة و التوجه اليه و متى صارت قبله فاستدبارها في الصلاة من ضرورة يكون مفسدا فاما الاجزاء التي لم يتوجه إليها لم تصر قبلة في حقه فاستبدارها لا يكون مفسد أو على هذا ينبغى أن من صلى في جوف الكعبة ركعة إلى جهة و ركعة إلى جهة أخرى لا تجوز صلاته لانه صار مستدبرا عن الجهة التي صارت قبلة في حقه بيقين من ضرورة و الانحراف من ضرورة مفسد للصلاة بخلاف النائى عن الكعبة إذا صلى بالتحري إلى الجهات الاربع بان صلى ركعة إلى جهة ثم تحول رأيه إلى جهة أخرى فصلى ركعة إليها هكذا جاز لان هناك لم يوجد الانحراف عن القبلة بيقين لان الجهة التي تحرى إليها ما صارت قبلة له بيقين بل بطريق الاجتهاد فحين تحول رأيه إلى جهة أخرى صارت قبلته هذه الجهة في المستقبل و لم يبطل ما أدى بالاجتهاد الاول لان ما أمضي بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله فصار مصليا في الاحوال كلها إلى القبلة فلم يوجد الانحراف عن القبلة بيقين فهو الفرق ثم لا يخلوا ما ان صلوا في جوف الكعبة متحلقين أو مصطفين خلف الامام فان صلوا بجماعة متحلقين جازت صلاة الامام و صلاة من وجهه إلى ظهر الامام أو إلى يمين الامام أو إلى يساره أو ظهره إلى ظهر الامام و كذا صلاة من وجهه إلى وجه الامام الا أنه يكره لما فيه من استقبال الصورة الصورة فينبغي أن يجعل بينه و بين الامام سترة و أما صلاة من كان متقدما على الامام و ظهره إلى وجه الامام و صلاة من كان مستقبلا جهة الامام و هو أقرب إلى الحائط من الامام فلا تجوز لما بينا و هذا بخلاف جماعة تحروا في ليلة مظلمة و اقتدوا بالامام حيث لا تجوز صلاة من علم أنه مخالف للامام في جهته لان هناك اعتقد الخطأ في صلاة امامه لان عنده أن امامه مستقبل للقبلة فلم يصح اقتداؤه فلم يصح اقتداؤه به أما ههنا فما اعتقد الخطأ في صلاة امامه لان كل جانب من جوانب الكعبة قبلة بيقين فصح اقتداؤه به فهو الفرق و ان صلوا مصطفين خلف الامام إلى جهة الامام فلا شك أن صلاتهم جائزة و كذا إذا كان وجه بعضهم إلى ظهر الامام و ظهر بعضهم إلى ظهره لوجود استقبال القبلة و المتابعة لانهم خلف الامام لا أمامه و لهذا قلنا ان الامام إذا نوى امامة النساء فقامت إمرأة بحذائه مقابلة له لا تفسد صلاة الامام لانها في الحكم كانها خلف الامام و تفسد صلاة من كان عن يمينها و يسارها و خلفها في الجهة التي هى فيها و اختلفت الرواية في أن النبي صلى الله عليه و سلم هل صلى في الكعبة حين دخلها روى اسامة بن زيد أنه لم يصل فيها و روى ان عمر أنه صلى فيها ركعتين بين الساريتين المتقدمتين ( و منها )الوقت لان الوقت كما هو سبب لوجوب الصلاة فهو شرط لادائها قال الله تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوفا أى فرضا مؤقتا حتى لا يجوز اداء الفرض قبل وقته الا صلاة العصر يوم عرفة على ما يذكر و الكلام فيه يقع في ثلاث مواضع في بيان أصل أوقات الصلوات المفروضة و فى بيان حدودها بأوائها و أواخرها و فى بيان الاوقات المستحبة منها و فى بيان الوقت المكروه لبعض الصلوات المفروضة ( أما )الاول فاصل أوقاتها عرف بالكتاب و هو قوله تعالى فسبحان الله حين تمسون و حين تصبحون و له الحمد في السموات و الارض و عشيا و حين تظهرون و قوله تعالى أقم الصلاة طرفي
(122)
النهار و زلفا من الليل و قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و قرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا و قوله تعالى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و من آناء الليل فسبح و أطراف النهار فهذه الآيات تشتمل على بيان فرضية هذه الصلوات و بيان أصل أوقاتها لما بينا فيما تقدم و الله أعلم ( و أما )بيان حدودها بأوائلها و أواخرها فانما عرف بالاخبار أما الفجر فاول وقت صلاة الفجر حين يطلع الفجر الثاني و آخره حين تطلع الشمس لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ان للصلاة أولا و آخرا و ان أول وقت الفجر حين يطلع الفجر و آخره حين تطلع الشمس و التقييد بالفجر الثاني لان الفجر الاول هو البياض المستطيل يبدو في ناحية من السماء و هو المسمى بذنب السرحان عند العرب ثم ينكتم و لهذا يسمى فجرا كاذبا لانه يبدو نوره ثم يخلف و يعقبه الظلام و هذا الفجر لا يحرم به الطعام و الشراب على الصائمين و لا يخرج به وقت العشاء و لا يدخل به وقت صلاة الفجر و الفجر الثاني و هو المستطير المعترض في الافق لا يزال يزداد نوره حتى تطلع الشمس يسمى هذا فجرا صادقا لانه إذا بدا نوره ينتشر في الافق و لا يخلف و هذا الفجر يحرم به الطعام و الشراب على الصائم و يخرج به وقت العشاء و يدخل به وقت صلاة الفجر و هكذا روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الفجر فجر ان فجر مستطيل يحل به الطعام و تحرم فيه الصلاة و فجر مستطير يحرم به الطعام و تحل فيه الصلاة و به تبين أن المراد من الفجر المذكور في حديث أبى هريرة رضى الله عنه هو الفجر الثاني لا الاول و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يغرنكم أذان بلال و لا الفجر المستطيل لكن الفجر المستطير في الافق و روى لا يغرنكم الفجر المستطيل و لكن كلوا و اشربوا حتى يطلع الفجر المستطير أى المنتشر في الافق و قال الفجر هكذا و مديده عرضا لا هكذا و مديده طولا و لان المستطيل ليل في الحقيقة لنعقب الظلام إياه و روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال وقت الفجر ما لم تطلع الشمس و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها فدل الحديثان أيضا على ان آخر وقت الفجر حين تطلع الشمس ( و أما )أول وقت الظهر فحين تزول الشمس بلا خلاف لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول وقت الظهر حين تزول الشمس و أما آخره فلم يذكر في ظاهر الرواية نصا و اختلفت الرواية عن أبى حنيفة روى محمد عنه إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فىء الزوال و المذكور في الاصل و لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين و لم يتعرض لآخر وقت الظهر و روى الحسن عن أبى حنيفة أن آخر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فىء الزوال و هو قول أبى يوسف و محمد و زفر و الحسن و الشافعي و روى أسد بن عمر و عنه إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فىء الزوال خرج وقت الظهر و لا يدخل وقت العصر ما لم يصر ظل كل شيء مثليه فعلى هذه الرواية يكون بين وقت الظهر و العصر وقت مهمل كما بين الفجر و الظهر و الصحيح رواية محمد عنه فانه روى في خبر أبى هريرة و آخر وقت الظهر حين يدخل وقت العصر و هذا ينفى الوقت المهمل ثم لابد من معرفة زوال الشمس روى عن محمد أنه قال حد الزوال أن يقوم الرجل مستقبل القبلة فإذا مالت الشمس عن يساره فهو الزوال و أصح ما قيل في معرفة الزوال قول محمد بن شجاع البلخى انه يغرز عودا مستويا في أرض مستوية و يجعل على مبلغ الظل منه علامة فما دام الظل ينتقص من الخط فهو قبل الزوال فإذا وقف لا يزداد و لا ينتقص فهو ساعة الزوال و إذا أخذ الظل في الزيادة فالشمس قد زالت و إذا أردت معرفة فىء الزوال فخط على رأس موضع الزيادة خطا فيكون من رأس الخط إلى العود فىء الزوال فإذا صار ظل العود مثليه من رأس الخط لا من العود خرج وقت الظهر و دخل وقت العصر عند أبى حنيفة و إذا صار ظل العود مثله من رأس الخط خرج وقت الظهر و دخل وقت العصر عندهم وجه قولهم حديث امامة جبريل عليه السلام فانه روى عن رسول الله صل الله عليه و سلم أنه قال أمنى جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في اليوم الاول حين زالت الشمس وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله وصلى بي المغرب حين غربت الشمس وصلى بن العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين طلع الفجر الثاني وصلى بي الظهر
(123)
في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله وصلى بي العصر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه وصلى بي المغرب في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى بي في اليوم الاول وصلى بي العشاء في اليوم الثاني حين مضى ثلث الليل وصلى بي الفجر في اليوم الثاني حين أسفر النهار ثم قال الوقت ما بين الوقتين فالاستدلال بالحديث من وجهين أحدهما انه صلى العصر في اليوم الاول حين صار ظل كل شيء مثله فدل أن أول وقت العصر هذا فكان هو آخر وقت الظهر ضرورة و الثاني ان الامامة في اليوم الثاني كانت لبيان آخر الوقت و لم يؤخر الظهر في اليوم الثاني إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه فدل ان آخر وقت الظهر ما ذكرنا ( و لابي )حنيفة ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ان مثلكم و مثل من قبلكم من الامم مثل رجل استأجر أجيرا فقال من يعمل لي من الفجر إلى الظهر بقيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من الظهر إلى العصر بقيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى المغرب بقيراطين فعملتم أنتم فكنتم عملا و أكثر أجرا فدل الحديث على أن مدة العصر أقصر من مدة الظهر و انما يكون أقصر ان لو كان الامر على ما قاله أبو حنيفة و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أبرد و ابا لظهر فان شدة الحر من فيح جهنم و الابراد يحصل بصيرورة ظل كل شيء مثليه فان الحر لا يفتر خصوصا في بلادهم على أن عند تعارض الادلة لا يمكن إثبات وقت العصر لان موضع التعارض موضع الشك و غير الثابت لا يثبت بالشك فان قيل لا يبقى وقت الظهر بالشك أيضا فالجواب انه كذلك يقول أبى حنيفة في رواية أسد بن عمرو أخذا بالمتيقن فيهما و الثاني أن ما ثبت لا يبطل بالشك و غير الثابت لا يثبت بالشك و خبر امامة جبريل عليه السلام منسوخ في المتنازع فيه فان المزوى انه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الاول و الاجماع منعقد على تغاير وقتي الظهر و العصر فكان الحديث منسوخا في الفرع و لا يقال معنى ما ورد انه صلى العصر في اليوم الاول حين صار ظل كل شيء مثله أى بعد ما صار و معنى ما ورد انه صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه أى قرب من ذلك فلا يكون منسوخا لا بالقول هذا نسبة النبي صلى الله عليه و سلم إلى الغفلة و عدم التميين بين الوقتين أو إلى التساهل في أمر تبليغ الشرائع و التسوية بين أمرين مختلفين و ترك ذلك مبهما من بيان منه أو دليل يمكن الوصول به إلى الافتراق بين الامرين و مثله لا يظن بالنبي صلى الله عليه و سلم ( و أما )أول وقت العصر فعلى الاختلاف الذي ذكرنا في آخر وقت الظهر حتى روى عن أبى يوسف أنه قال خالفت أبا حنيفة في وقت العصر فقلت أوله إذا دار الظل على قامة اعتمادا على الآثار التي جاءت و آخره حين تغرب الشمس عندنا و عند الشافعي قولان في قول إذا صار ظل كل شيء مثليه يخرج وقت العصر و لا يدخل وقت المغرب حتى تغرب الشمس فيكون بينهما وقت مهمل و فى قول إذا صار ظل كل شيء مثليه يخرج وقته المستحب و يبقى أصل الوقت إلى غروب الشمس و الصحيح قولنا لما روى في حديث أبى هريرة رضى الله عنه في وقت العصر و آخرها ين تغرب الشمس و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها و عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من فاته العصر حتى غربت الشمس فكانما وتر اهله و ماله ( و أما )أول وقت المغرب فحين تغرب الشمس بلا خلاف و فى خبر أبى هريرة رضى الله عنه و أول وقت المغرب حين تغرب الشمس و كذا حديث جبريل عليه الله صلى المغرب بعد غروب الشمس في اليومين جميعا و الصلاة في اليوم الاول كانت بيانا لاول الوقت و أما آخره فقد اختلفوا فيه قال أصحابنا حين يغيب الشفق و قال الشافعي وقتها ما يتطهر الانسان و يؤذن و يقيم و يصلى ثلاث ركعات حتى لو صلاها بعد ذلك كان قضأ لا أداء عنده لحديث امامة جبريل صلى الله عليه و سلم انه صلى المغرب في المرتين في وقت واحد ( و لنا )ان في حديث أبى هريرة رضى الله عنه و أول وقت المغرب حتى تغرب الشمس و آخره حين يغيب الشفق و عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال وقت المغرب ما لم يغب الشفق و انما لم يؤخره جبريل عن أول الغروب لان التأخير عن أول الغروب مكروه الا لعذر و أنه جاء ليعلمه المباح من الاوقات الا ترى أنه لم يؤخر العصر إلى الغروب
(124)
مع بقاء الوقت اليه و كذا لم يؤخر العشاء إلى ما بعد ثلث الليل و ان كان بعده وقت العشاء بالاجماع ( و أما )أول وقت العشاء فحين يغيب الشفق بلا خلاف بين أصحابنا لما روى في خبر أبى هريرة رضى الله عنه و أول وقت العشاء حين يغيب الشفق و اختلفوا في تفسير الشفق فعند أبى حنيفة هو البياض و هو مذهب أبى بكر و عمر و معاذ و عائشة رضى الله عنهم و عند أبى يوسف و محمد و الشافعي هو الحمرة و هو قول عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر رضى الله عنهم و هو رواية أسد بن عمرو عن أبى حنيفة وجه قولهم ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب و آخر و العشاء و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى العشاء بعد مضى ثلث الليل فلو كان الشفق هو البياض لما كان مؤخرا لها بل كان مصليا في أول الوقت لان البياض يبقى إلى ثلث الليل خصوصا في الصيف ( و لابي )حنيفة النص و الاستدلال ( أما )النص فقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل جعل الغسق غاية لوقت المغرب و لا غسق ما بقي التور المعترض و روى عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال آخر وقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق و بياضه و المعترض نوره و فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه و ان آخر وقت المغرب حين يسود الافق و انما يسود بإخفائها بالظلام ( و أما )الاستدلال فمن وجهين لغوى و فقهى أما اللغوي فهو ان الشفق اسم لما رق يقال ثوب شفيق أى رقيق اما من رقة النسج و اما لحدوث رقة فيه من طول اللبس و منه الشفقة و هي رقة القلب من الخوف أو المحبة ورقة نور الشمس باقية ما بقي البياض و قيل الشفق اسم لردى الشيء و باقية و لبياض باقى آثار الشمس و أما الفقهي فهو ان صلاتين يؤديان في اثر الشمس و هو المغرب هو الفجر و صلاتين تؤديان في وضح النهار و هما الظهر و العصر فيجب أن يؤدى صلاتين في غسق الليل بحيث لم يبق أثر من آثار الشمس و هما العشاء و الوتر و بعد غيبوبة البياض لا يبقى أثر للشمس و لا حجة لهم في الحديث لان البياض يغيب قبل مضى ثلث الليل غالبا و أما آخر وقت العشاء فحين يطلع الفجر الصادق عندنا و عند الشافعي قولان في قول حين يمضى ثلث الليل لان جبريل عليه السلام صلى في المرة الثانية بعد مضى ثلث الليل و كان ذلك بيانا لاخر الوقت و فى قول يؤخر إلى آخر نصف الليل بعذر السفر لان النبي صلى الله عليه و سلم أخر ليلة إلى النصف ثم قال هو لنا بعذر السفر ( و لنا )ما روى أبو هريرة و أول وقت العشاء حين يغيب الشفق و آخره حين يطلع الفجر و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت أخرى وقت عدم دخول وقت الصلاة إلى غاية خروج وقت صلاة أخرى فلو لم يثبت الدخول عند الخروج لم يتوقف و لان الوتر من توابع العشاء و يؤدى في وقتها و أفضل وقتها السحر دل أن السحر آخر وقت العشاء و لان أثر السفر في قصر الصلاة لا في زيادة الوقت و امامة جبريل عليه السلام كان تعليما لآخر الوقت المستحب و نحن نقول ان ذلك ثلث الليل ( و أما )بيان الاوقات المستحبة فالسماء لا تخلوا ما ان كانت مصحية أو مغيمة فان كانت مصحية ففى الفجر المستحب آخر الوقت و الاسفار بصلاة الفجر أفضل من التغليس بها في السفر و الحضر و الصيف و الشتاء في حق جميع الناس الا في حق الحاج بمزدلفة فان التغليس بها أفضل في حقه و قال الطمارى ان كان من عزمه تطويل القراءة فالأَفضل ان يبدأ بالتغليس بها و يختم بالاسفار و ان لم يكن من عزمه تطويل القراءة فالاسفار أفضل من التغليس و قال الشافعي التغليس بها أفضل في حق الكل و جملة المذهب عنده ان أداء الفرض لاول الوقت أفضل وحده ما دام في النصف الاول من الوقت ( و احتج )بقوله تعالى و سارعوا إلى مغفرة من ربكم و التعجيل من باب المسارعة إلى الخير و ذم الله تعالى أقواما على الكسل فقال و إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى و التأخير من الكسل و روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن أفضل الاعمال فقال الصلاة لاول وقتها و قال صلى الله عليه و سلم أول الوقت رضوان الله و آخر الوقت عفو الله أى ينال باداء الصلاة في أول الوقت رضوان الله و ينال بأدائها في آخره عفو الله تعالى و استيجاب الرضوان خير من استيجاب العفو لان الرضوان أكبر لثواب لقوله تعالى و رضوان من الله أكبر و ينال بالطاعات و العفو ينال بشرط سابقية الجنابة و روى في الفجر خاصة عن عائشة رضى الله عنها أن النساء كن
(125)
يصلين مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ينصرفن و ما يعرفن من شدة الغلس ( و لنا )قول النبي صلى الله عليه و سلم أسفروا بالفجر فانه أعظم للاجر رواه رافع بن خديج و قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة قبل ميقاتها الا صلاتين العصر بعرفة و صلاة الفجر بمزدلفة قد غلس بها فسمى التغليس بالفجر صلاة قبل المقيات فعلم ان العادة كانت في الفجر الاسفار و عن إبراهيم النخعي انه قال ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على شيء كاجتماعهم على تأخير العصر و التنوير بالفجر و لان في التغليس تقليل الجماعة لكونه وقت نوم و غفلة و فى الاسفار تكثيرها فكان أفضل و لهذا يستحب الايراد بالظهر في الصيف لاشتغال الناس بالقيلولة و لان في حضور الجماعة في هذا الوقت ضرب حرج خصوصا في حق الضعفاء و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم صل بالقوم صلاة أضعفهم و لان المكث في مكان صلاة الفجر إلى طلوع الشمس مندوب اليه قال صلى الله عليه و سلم من صلى الفجر و مكث حتى تطلع الشمس فكانما أعتق أربع رقاب من ولد إسمعيل و قلما يتمكن من إحراز هذه الفضيلة عند التغليس لانه قلما يمكث فيها الطول المدة و يتمكن من إحرازها عند الاسفار فكان أولى و ما ذكر من الدلائل الجملية فنقول بها في بعض الصلوات في بعض الاوقات على ما نذكر لكن قامت الدلائل في بعضها على ان التأخير أفضل لمصلحة وجدت في التأخير و لهذا قال الشافعي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل لئلا يقع في السمر بعد العشاء ثم الامر بالمسارعة ينصرف إلى مسارعة ورد الشرع بها الا ترى ان الاداء قبل الوقت لا يجوز و ان كان فيه مسارعة لما لم يرد الشرع بها و قيل في الحديث ان العفو عبارة عن الفضل قال الله تعالى و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو أى الفضل فكان معنى الحديث على هذا و الله أعلم ان من أدى الصلاة في أول الاوقات فقد نال رضوان الله و أمن من سخطه و عذابه لامتثاله أمره و أدائه ما أوجب عليه و من أدى في آخر الوقت فقد نال فضل الله و نيل فضل الله لا يكون بدون الرضوان فكانت هذه الدرجة أفضل من تلك و أما حديث عائشة رضى الله عنها فالصحيح من الروايات أسفار رسول الله صلى الله عليه و سلم بصلاة الفجر لما روينا من حديث أبن مسعود رضى الله عنه فان ثبت التغليس في وقت فلعذر الخروج إلى سفر أو كان ذلك في الابتداء حين كن النساء يحضرن الجماعات ثم لما أمرن بالقرار في البيوت انتسخ ذلك و الله أعلم و أما في الظهر فالمستحب هو آخر الوقت في الصيف و أوله في الشتاء و قال الشافعي ان كان يصلى وحده يعجل في كل وقت و ان كان يصلى بالجماعة يؤخر يسيرا لما ذكرنا و روى عن خباب بن الارت انه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حر الرمضاء في جباهناوا كفنا فلم يشكنا فدل أن السنة في التعجيل ( و لنا )ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أبرد و ابا لظهر فان شدة الحر من فيح جهنم و لان التعجيل في الصيف لا يخلو عن أحد أمرين اما تقليل الجماعة لاشتغال الناس بالقيلولة و اما الاضراريهم لتأذيهم بالحر و قد انعدم هذان المعنيان في الشتاء فيعتبر فيه معنى المسارعة إلى الخير و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لمعاذ رضى الله عنه حين وجهه إلى اليمن إذا كان الصيف فابرد بالظهر فان الناس يقيلون فامهلهم حتى يدركوا و إذا كان الشتاء فصل الظهر حين تزول الشمس فان الليالي طوال و تأويل حديث خباب انهم طلبوا ترك الجماعة أصلا فلم يشكهم لهذا على ان معنى قوله فلم يشكنا أى لم يدعنا في الشكاية بل أزال شكوانا بأن أبردبها و الله أعلم ( و أما )العصر فالمستحب فيها هو التأخير ما دامت الشمس بيضاء نقية لم يدخلها تغيير في الشتاء و الصيف جميعا و عند الشافعي التعجيل أفضل لما ذكرنا و روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى العصر و الشمس طالعة في حجرتي و عن أنس بن مالك رضى الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى العصر فيذهب الذاهب إلى العوالي و ينحر الجزور و يطبخ القدور و يأكل قبل غروب الشمس ( و لنا )ما روى عن عبد الله بن مسعود انه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى العصر و الشمس بيضاء نقية و هذا منه بيان تأخيره للعصر و قيل سميت العصر لانها تعصر أى تؤخر و لان في التأخير تكثير النوافل لان النافلة بعدها مكروهة فكان التأخير أفضل و لهذا