كان التعجيل في المغرب أفضل لان النافلة قبلها مكروهة و لان المكث بعد العصر إلى غروب الشمس مندوب اليه قال النبي صلى الله عليه و سلم من صلى العصر ثم مكث في المسجد إلى غروب الشمس فكأما أعتق ثمانيا من ولد اسماعيل و انما يتمكن من إحراز هذه الفضيلة بالتأخير لا بالتعجيل لانه قلما يمكث و أما حديث عائشة رضى الله عنها فقد كانت حيطان حجرتها قصيرة فتبقى الشمس طالعة فيها إلى أن تتغير و أما حديث أنس فقد كان ذلك في وقت الصيف و مثله يتأتى للمستعجيل اذ كان ذلك في وقت مخصوص لعذر و الله أعلم ( و أما )المغرب فالمستحب فيها التعجيل في الشتاء و الصيف جميعا و تأخيرها إلى اشتباك النجوم مكروه لما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب و أخروا العشاء و لان التعجيل سبب لتكثير الجماعة و التأخير سبب لتقليلها لان الناس يشتغلون بالتعشى و الاستراحة فكان التعجيل أفضل و كذا هو من باب الساعة إلى الخير فكان أولى ( و أما )العشاء فالمستحب فيها التأخير إلى ثلث الليل في الشتاء و يجوز التأخير نصف الليل و يكره التأخير عن النصف و أما في الصيف فالتعجيل أفضل و عند الشافعي المستحب تعجيلها بعد غيبوبة الشفق لما ذكر و عن النعمان بن بشير ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلى العشاء حين يسقط القمر في الليلة و ذلك عند غيبوبة الشفق يكون و لنا ما روى ان النبي صلى الله عليه و سلم أخر العشاء إلى ثلث الليل ثم خرج فوجد أصحابه في المسجد ينتظرونه فقال اما انه لا ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت أحد غيركم و لو لا سقم السقيم و ضعف الضعيف لا سفرت العشاء إلى هذا الوقت و فى حديث آخر قال لو لا ان أشق على أمتي لاخرت العشاء إلى ثلث الليل و روى عن عمر رضى الله عنه انه كتب إلى أبى موسى الاشعرى ان صل العشاء حين يذهب ثلث الليل فان أبيت فالى نصف الليل فان نمت فلا نامت عيناك و فى رواية فلا تكن من الغافلين و لان التأخير عن النصف الاخير تعريض لها للفوات فان من لم ينم إلى نصف الليل ثم نام فغلبه النوم فلا يستيقظ في المعتاد إلى ما بعد انفجار الصبح و تعريض الصلاة للفوات مكروه و لانه لو عجل في الشتاء ربما يقع في السمر بعد العشاء لان الناس لا ينامون إلى ثلث الليل لطول الليالي فيشتغلون بالسمر عادة و انه منهى عنه و لان يكون اختتام صحيفته بالطاعة أولى من أن يكون بالمعصية و التعجيل في الصيف لا يؤدى إلى هذا القبيح لانهم ينامون لقصر الليالي فتعتبر فيه المسارعة إلى الخير و الحديث محمول على زمان الصيف أو على حال العذر و كان عيسى بن أبان يقول الاولى تعجيلها للآثار و لكن لا يكره التاخير مطلقا ألا ترى ان العذر لمرض و لسفر يؤخر المغرب للجمع بينهما و بين العشاء فعلا و لو كان المذهب كراهة التأخير مطلقا لما أبيح ذلك بعذر المرض و السفر كما لا يباح تأخير العصر إلى تغير الشمس هذا إذا كانت السماء مصحية فان كانت متغيمة فالمستحب في الفجر و الظهر و المغرب هو التأخير و فى العصر و العشاء التعجيل و ان شئت أن تحفظ هذا فكل صلاة في أول اسمها عين تعجيل و ما ليس في أول اسمها عين تؤخر أما التأخير في الفجر فلما ذكرنا و لانه لو غلس بها فربما تقع قبل انفجار الصبح و كذا لو عجل الظهر فربما يقع قبل الزوال و لو عجل المغرب عسى يقع قبل الغروب و لا يقال لو أخر ربما يقع في وقت مكروه لان الترجيح عند التعارض للتأخير ليخرج عن عهدة الفرض بيقين و أما تعجيل العصر عن وقتها المعتاد فلئلا يقع في وقت مكروه و هو وقت تغير الشمس و ليس فيه و هم الوقوع قبل الوقت لان الظهر قد أخر في هذا اليوم و تعجيل العشاء كيلا تقع بعد انتصاف الليل و ليس في التعجيل توهم الوقوع قبل الوقت لان المغرب قد أخر في هذا اليوم و الله أعلم و روى الحسن عن أبى حنيفة أن التأخير في الصلوات كلها أفضل في جميع الاوقات و الاحوال و هو اختيار الفقية الجليل أبى أحمد العياضى و علل و قال ان في التأخير ترددا بين وجهي الجواز اما القضاء و اما الاداء و فى التعجيل ترددا بين وجهي الجواز و الفساد فكان التأخير أولى و الله الموفق و على هذا الاصل اقال أصحابنا انه لا يجوز الجمع بين فرضين في وقت أحدهما الا بعرفة و المزدلفة فيجمع بين الظهر و العصر في وقت الظهر بعرفة و بين المغرب و العشاء في وقت العشاء بمزدلفة اتفق عليه رواة نسك رسول الله صلى الله عليه و سلم انه فعله و لا يجوز الجمع بعذر السفر و المطر و قال الشافعي يجمع بين الظهر و العصر في وقت العصر و بين المغرب و العشاء
(127)
في وقت العشاء بعذر السفر و المطر ( و احتج )بما روى ابن عباس و ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يجمع بعرفة بين الظهر و العصر و بمزدلفة بين المغرب و العشاء و لانه يحتاج إلى ذلك في السفر كيلا ينقطع به السير و فى المطر كى تكثر الجماعة اذ لو رجعوا إلى منازلهم لا يمكنهم الرجوع فيجوز الجمع بهذا كما يجوز الجمع بعرفة بين الظهر و العصر و بمزدلفة بين المغرب و العشاء ( و لنا )أن تأخير الصلاة عن وقتها من الكبائر فلا يباح بعذر السفر و المطر كسائر الكبائر و الدليل على انه من الكبائر ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من جمع بين صلاتين في وقت واحد فقد أتى بابا من الكبائر و عن عمر رضى الله عنه انه قال الجمع بين الصلاتين من الكبائر و لان هذه الصلوات عرفت مؤقتة بأوقاتها بالدلائل المقطوع بها من الكتاب و السنة المتواترة و الاجماع فلا يجوز تغييرها عن أوقاتها يضرب من الاستدلال أو بخبر الواحد مع ان الاستدلال فاسد لان السفر و المطر لا أثر لهما في إباحة تفويت الصلاة عن وقتها الا ترى أنه لا يجوز الجمع بين الفجر و الظهر مع ما ذكرتم من العذر و الجمع بعرفة ما كان لتعذر الجمع بين الوقوف و الصلاة لان الصلاة لا تضاد الوقوف بعرفة بل ثبت معقول المعنى بدليل الاجماع و التواتر عن النبي صلى الله عليه و سلم فصلح معارضا للدليل المقطوع به و كذا الجمع بمزدلفة معلول بالسير ألا ترى انه لا يفيد إباحة الجمع بين الفجر و الظهر و ما روى من الحديث في خبر الاحاد فلا يقبل في معارضة الدليل المقطوع به مع أنه غريب ورد في حادثة نعم بها البلوى و مثله مقبول عندنا ثم هو مؤول و تأويله انه جمع بينهما فعلا لا وقتا بان أخر الاولى منهما إلى آخر الوقت ثم أدى الاخرى في أول الوقت و لا واسطة بين الوقتين فوقعتا مجتمعتين فعلا كذا فعل ابن عمر رضى الله عنه في سفر و قال هكذا كان يفعل بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم دل عليه ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم جمع من مطر و لا سفر و ذلك لا يجوز الا فعلا و عن على رضى الله عنه انه جمع بينهما فعلا ثم قال هكذا فعل بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و هكذا روى عن أنس بن مالك انه جمع بينهما فعلا ثم قال هكذا فعل بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و اما الوقت المكروه لبعض الصلوات المفروضة فهو وقت تغير الشمس للمغيب لاداء صلاة العصر يكره أداؤها عنده للنهي عن عموم الصلوات في الاوقات الثلاثة منها إذا تضيغت الشمس للمغيب على ما يذكر و قد ورد وعيد خاص في أداء صلاة العصر في هذا الوقت و هو ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال يجلس أحدكم حتى إذا كانت الشمس بين قرنى شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا تلك صلاة المنافقين قالها ثلاثا لكن يجوز أداؤها مع الكراهة حتى يسقط الفرض عن ذمته و لا يتصور أداء الفرض وقت الاستواء قبل الزوال لانه لا فرض قبله و كذا لا يتصور اداء الفجر مع طلوع الشمس عندنا حتى لو طلعت الشمس و هو في خلال الصلاة تفسد صلاته عندنا و عند الشافعي لا تفسد و يقول ان النهى عن النوافل لا عن الفرائض بدليل ان عصر يومه جائز بالاجماع ( و نحن )نقول النهى عام بصيغته و معناه أيضا لما يذكر في قضأ الفرائض في هذه الاوقات و روى عن أبى يوسف ان الفجر لا تفسد بطلوع الشمس لكنه يصبر حتى ترتفع الشمس فيتم صلاته لانا لو قلنا كذلك لكان مؤديا بعض الصلاة في الوقت و لو أفسدنا لوقع الكل خارج الوقت و لا شك ان الاول أولى و الله أعلم ( و الفرق )بينه و بين مؤدى العصر إذا غربت عليه الشمس و هو في خلال الصلاة قد ذكرناه فيما تقدم ( و منها )النية و انها شرط صحة الشروع في الصلاة لان الصلاة عبادة و العبادة إخلاص العمل بكليته لله تعالى قال الله تعالى و ما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين و الاخلاص لا يحصل بدون النية و قال النبي صلى الله عليه و سلم لا عمل لمن لا نية له و قال الاعمال بالنيات و لكن امرئ ما نوى و الكلام في النية في ثلاث مواضع أحدها في تفسير النية و الثاني في كيفية النية و الثالث في وقت النية ( أما )الاول فالنية هى الارادة فنية الصلاة هى إرادة الصلاة لله تعالى على الخلوص و الارادة عمل القلب ( و أما )كيفية النية فالمصلى لا يخلو اما أن يكون منفردا و اما أن يكون اماما و اما أن يكون مقتديا فان كان منفردا ان كان
(128)
يصلى التطوع تكفيه نية الصلاة لانه ليس لصلاة التطوع صفة زائدة على أصل الصلاة ليحتاج إلى أن ينو بها فكان شرط النية فيها لتصير لله تعالى و انها تصير لله تعالى بنية مطلق الصلاة و لهذا يتأدى صوم النفل خارج رمضان بمطلق النية و ان كان يصلى الفرض لا يكفيه نية مطلق الصلاة لان الفرضية صفة زائدة على أصل الصلاة فلا بد و أن ينويها فينوى فرض الوقت أو ظهر الوقت أو نحو ذلك و لا تكفيه نية مطلق الفرض لان غيرها من الصلوات المفروضة مشروعة في الوقت فلا بد من التعيين و قال بعضهم تكفيه نية الظهر و العصر لان ظهر الوقت هو المشروع الاصلى فيه و غيره عارض فعند الاطلاق ينصرف إلى ما هو الاصل كمطلق اسم الدرهم انه ينصرف إلى نقد البلد و الاول أحوط و حكى عن الشافعي انه يحتاج مع نية ظهر الوقت إلى نية الفرض و هذا بعيد لانه إذا نوى الظهر فقد نوى الفرض إذا الظهر لا يكون الا فرضا و كذا ينبغى أن ينوى صلاة الجمعة و صلاة العيدين و صلاة الجنازة و صلاة الوتر لان التعيين يحصل بهذا و ان كان اماما فكذلك الجواب لانه منفرد فينوى ما ينوى المنفرد و هل يحتاج إلى نية الامامة أمانية امامة الرجال فلا يحتاج إليها و يصح اقتداؤهم به بدون نية امامتهم و أما نية امامة النساء فشرط لصحة اقتدائهن به عند اصحابنا الثلاثة و عند زفر ليس بشرط حتى لو لم ينو لم يصح اقتداؤهن به عندنا خلافا لزفر قاس امامة النساء بامامة الرجال و هناك النية ليست بشرط كذا هذا و هذا القياس سديد لان المعنى يوجب الفرض بينهما و هو انه لو صح اقتداء المرأة بالرجل فربما تحاذيه فتفسد صلاته فيلحقه الضرر من اختياره فشرط نية اقتدائها به حتى لا يلزمه الضرر من التزامه و رضاه و هذا المعنى منعدم في جانب الرجال و لانه مأمور باداء الصلاة فلا بد من أن يكون متمكنا من صيانتها عن النواقض و لو صح اقتداؤها به من نية لم يتمكن من الصيانة لان المرأة تأتي فتقتدى به ثم تحاذيه فتفسد صلاته و أما في الجمعة و العيدين فاكثر مشايخنا قالوا ان نية امامتهن شرط فيهما و منهم من قال ليست بشرط لانها لو شرطت للحقها الضرر لانها لا تقدر على أداء الجمعة و العيدين وحدها و لا تجد اماما آخر تقتدى به و الظاهر انها لا تتمكن من الوقوف بجنب الامام في هاتين الصلاتين لازدحام الناس فصح اقتداؤها لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات و ان كان مقتديا فانه يحتاج إلى ما يحتاج اليه المنفرد و يحتاج لزيادة نية الاقتداء بالامام لانه ربما يلحقه الضرر بالاقتداء فتفسد صلاته بفساد صلاة الامام فشرط نية الاقتداء حتى يكون لزوم الضرر مضافا إلى التزامه ثم تفسير نية الاقتداء بالامام هو أن ينوى فرض الوقت و الاقتداء بالامام فيه أو ينوى الشروع في صلاة الامام أو ينوى الاقتداء بالامام في صلاته و لو نوى الاقتداء بالامام و لم يعين صلاة الامام و لا نوى فرض الوقت هل يجزيه عن الفرض اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجزيه لان اقتداءه به يصح في الفرض و النفل جميعا فلا بد من التعيين مع ان النفل أدناهما فعند الاطلاق ينصرف إلى الادنى ما لم يعين الا على و قال بعضهم يجزيه لان الاقتداء عبارة عن المتابعة و الشركة فيقتضى المساواة و لا مساواة الا إذا كانت صلاته مثل صلاة الامام فعند الاطلاق ينصرف إلى الفرض الا إذا نوى الاقتداء به في النفل و لو نوى صلاة الامام و لم ينو الاقتداء به لم يصح الاقتداء به لانه نوى أن يصلى مثل صلاة الامام و ذلك قد يكون بطريق الانفراد و قد يكون بطريق التبعية للامام فلا تتعين جهة التبعية بدون النية من مشايخنا من قال إذا انتظر تكبير الامام ثم كبر بعده كفاه عن نية الاقتداء لان انتظاره تكبيرة الامام قصد منه الاقتداء به و هو تفسير النية و هذا سديد لان الانتظار متردد قد يكون لقصد الاقتداء و قد يكون بحكم العادة فلا يصير مقتديا بالشك و الاحتمال و لو اقتدى بإمام ينوى صلاته و لم يدر انها الظهر أو الجمعة أجزأه أيهما كان لانه بني صلاته على صلاة الامام و ذلك معلوم عند الامام و العلم في حق الاصل يغنى عن العلم في حق التبع و الاصل فيه ما روى ان عليا و أبا موسى الاشعرى رضى الله عنهما قدما من اليمن على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فقال صلى الله عليه و سلم بم أهللتما فقالا بإهلال كاهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم و جوز ذلك لهما و ان لم يكن معلوما وقت الاهلال فان لم ينو صلاة الامام و لكنه نوى الظهر و الاقتداء فإذا هى جمعة فصلاته فاسدة لانه نوى صلاة الامام و تغاير الفرضين يمنع
(129)
صحة الاقتداء على ما نذكر و لو نوى صلاة الامام و الجمعة فإذا هى الظهر جازت صلاته لانه لما نوى صلاة الامام فقد تحقق البناء فلا يعتبر ما زاد عليه بعد ذلك كمن نوى الاقتداء بهذا الامام و عنده انه زيد فإذا هو عمر و كان اقتداؤه صحيحا بخلاف ما إذا نوى الاقتداء يزيد و الامام عمر و ثم المقتدى إذا وجد الامام في حال القيام يكبر للافتتاح قائما ثم يتابعه في القيام و يأتي بالثناء و ان وجده في الركوع يكبر للافتتاح قائما ثم يكبر أخرى مع الانحطاط للركوع و يتابعه في الركوع و يأتي بتسبيحات الركوع و ان وجده في القومة التي بين الركوع و السجود أو في القعدة التي بين السجدتين يتابعه في ذلك و يسكت و لا خلاف في أن المسبوق يتابع الامام في مقدار التشهد إلى قوله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و هل يتابعه في الزيادة عليه ذكر القدوري انه لا يتاعبه عليه لان الدعاء مؤخر إلى القعدة الاخيرة و هذه قعدة أولى في حقه و روى إبراهيم بن رستم عن محمد انه قال يدعو بالدعوات التي في القرآن و روى هشام عن محمد انه يدعو بالدعوات التي في القرآن و يصلى على النبي صلى الله عليه و سلم و قال بعضهم يسكت و عن هشام من ذات نفسه و محمد بن شجاع البلخى انه يكرر التشهد إلى أن يسلم الامام لان هذه قعدة أولى في حقه و الزيادة على التشهد في القعدة الاولى مسنونة و لا معنى للسكوت في الصلاة الا الاستماع فينبغي أن يكرر التشهد مرة بعد أخرى ( و أما )بيان وقت النية فقد ذكر الطحاوي انه يكبر تكبيرة الافتتاح مخالطا لنيته إياها أى مقارنا أشار إلى ان وقت النية وقت التكبير و هو عندنا محمول على الندب و الاستحباب دون الختم و الايجاب فان تقديم النية على التحريمة جائز عندنا إذا لم يوجد بينهما عمل يقطع أحدهما عن الآخر و القران ليس بشرط و عند الشافعي القرآن شرط ( وجه )قوله ان الحاجة إلى النية لتحقيق معنى الاخلاص و ذلك عند الشروع لا قبله فكانت النية قبل التكبير هدر أو هذا هو القياس في باب الصوم الا انه سقط القرآن هناك لمكان الحرج لان وقت الشروع في الصوم وقت غفلة و نوم و لا حرج في باب الصلاة فوجب اعتباره ( و لنا )قول النبي صلى الله عليه و سلم الاعمال بالنيات مطلقا عن شرط القرآن و قوله لكل امرئ ما نوى مطلقا أيضا و عنده لو تقدمت النية لا يكون له ما نوى و هذا خلاف النص و لان شرط القرآن لا يخلو عن الحرج فلا يشترط كما في باب الصوم فإذا قدم النية و لم يشتغل بعمل يقطع نيته يجزئه كذا روى عن أبى يوسف و محمد فان محمدا ذكر في كتاب المناسك ان من خرج من بيته يريد الحج فأحرم و لم تحضره نية الحج عند الاحرام يجزئه و ذكر في كتاب التحري ان من أخرج زكاة ماله يريد أن يتصدق به على الفقراء فدفع و لم تحضره نية عند الدفع أجزأه و ذكر محمد بن شجاع البلخى في نوادره عن محمد في رجل توضأ يريد الصلاة فلم يشتغل بعمل آخر و شرع في الصلاة جازت صلاته و ان عريته النية وقت الشروع و روى عن أبى يوسف فيمن خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة فلما انتهى إلى الامام كبر و لم تحضره النية في تلك الساعة انه يجوز قال الكرخي و لا أعلم أحدا من أصحابنا خالف أبا يوسف في ذلك و ذلك لانه لما عزم على تحقيق ما نوى فهو على عزمه و نيته إلى أن يوجد القاطع و لم يوجد و به تبين ان معنى الاخلاص يحصل بنية متقدمة لانها موجودة وقت الشروع تقديرا على ما مر و عن محمد بن سملة انه إذا كان بحال لو سئل عن الشروع أى صلاة تصلى يمكنه الجواب على البديهة من تأمل يجزئه و الا فلا و ان نوى بعد التكبير لا يجوز الا ما روى الكرخي انه إذا نوى وقت الثناء يجوز لان الثناء من توابع التكبير و هذا فاسد لان سقوط القرآن لمكان الحرج و الحرج يندفع بتقديم النية فلا ضرورة إلى التأخير و لو نوى بعد قوله الله قبل قوله أكبر لا يجوز لان الشروع يصح بقوله الله لما يذكر فكانه نوى بعد التكبير و اما نية الكعبة فقد روى الحسن عن أبى حنيفة أنها شرط لان التوجه إلى الكعبة هو الواجب في الاصل و قد عجز عنه بالبعد فينويها بقلبه و الصحيح انه ليس بشرط لان قبلته حالة البعد جهة الكعبة و هي المحاريب لا عين الكعبة لما بينا فيما تقدم فلا حاجة إلى النية و قال بعضهم ان أتى به فحسن و ان تركه لا يضره و ان نوى مقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام أو المسجد الحرام و لم ينو الكعبة لا يجوز لانه ليس من الكعبة و عن الفقية الجليل أبى أحمد العياضى انه سئل عمن نوى مقام إبراهيم عليه السلام فقال ان
(130)
كان هذا الرجل لم يأت مكة أجزأه لان عنده أن البيت و المقام واحد و ان كان قد أتى مكة لا يجوز لانه عرف ان المقام البيت ( و منها )التحريمة و هي تكبيرة الافتتاح و انها شرط صحة الشروع في الصلاة عند عامة العلماء و قال ابن علية و أبو بكر الاصم انها ليست بشرط و يصح الشروع في الصلاة بمجرد النية من تكبير فزعما ان الصلاة أفعال و ليست باذكار حتى أنكرا افتراض القراءة في الصلاة على ما ذكرنا فيما تقدم ( و لنا )قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه و يستقبل القبلة و يقول الله أكبر نفى قبول الصلاة بدون التكبير فدل على كونه شرطا لكن انما يؤخذ هذا الشرط على القادر دون العاجز فلذلك جازت صلاة الاخرس و لان الافعال أكثر من الاذكار فالقادر على الافعال يكون قادرا على الاكثر و للاكثر حكم الكل فكانه قدر على الاذكار تقديرا ثم لابد من بيان صفة الذكر الذي يصير به شارعا في الصلاة و قد اختلف فيه فقال أبو حنيفة و محمد يصح الشروع في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا مثل أن يقول الله أكبر الله الاكبر الله الكبير الله أجل الله أعظم أو يقول الحمد لله أو سبحان الله أو لا اله الا الله و كذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو أن يقول الرحمن أعظم الرحيم أجل سواء كان يحسن التكبير أو لا يحسن و هو قول إبراهيم النخعي و قال أبو يوسف لا يصير شارعا الا بالفاظ مشتقة من التكبير و هي ثلاثة الله أكبر الله الاكبر الله الكبير الا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم ان الشروع بالتكبير و قال الشافعي لا يصير شارعا الا بلفظين الله أكبر الله الاكبر و قال مالك لا يصير شارعا الا بلفظ واحد و هو الله أكبر و احتج بما روينا من الحديث و هو قوله صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه و يستقبل القبلة و يقول الله أكبر نفى القبول بدون هذه اللفظة فيجب مراعاة عين ما ورد به النص دون التعليل إذا لتعليل للتعدية لا لابطال حكم النص كما في الاذان و لهذا الا يقام السجود على الخدو الذقن مقام السجود على الجبهة و بهذا يحتج الشافعي الا انه يقول في الاكبر أتى بالمشروع و زيادة شيء فلم تكن الزيادة مانعة كما إذا قال الله أكبر كبيرا فاما العدول عما ورد الشروع به فغير جائز و أبو يوسف يحتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم و تحريمها التكبير و التكبير حاصل بهذه الالفاظ الثلاثة فان أكبر هو الكبير قال الله تعالى و هو أهون عليه أى هين عليه عند بعضهم اذ ليس شيء أهون على الله من شيء بل الاشياء كلها بالنسبة إلى دخولها تحت قدرته كشيء واحد و التكبير مشتق من الكبرياء و الكبرياء تنبئ عن العظمة و القدم يقال هذا أكبر القوم أى أعظمهم منزلة و أشرفهم قدر أو يقال هو أكبر من فلان أى أقدم منه فلا يمكن اقامة غيره من الالفاظ مقامه لانعدام المساواة في المعنى الا انا حكمنا بالجواز إذا لم يحسن أولا يعلم ان الصلاة تفتتح بالتكبير للضرورة و أبو حنيفة و محمد احتجا بقوله تعالى و ذكر اسم ربه فصلى و المراد منه ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة لانه عقب الصلاة الذكر بحرف يوجب التعقيب بلا فصل و الذكر الذي تتعقبه الصلاة بلا فصل هو تكبيرة الافتتاح فقد شرع الدخول في الصلاة بمطلق الذكر فلا يجوز التقييد باللفظ المشتق من الكبرياء باخبار الاحاد و به تبين ان الحكم تعلق بتلك الالفاظ من حيث هى مطلق الذكر لا من حيث هى ذكر بلفظ خاص و ان الحديث معلول به لانا إذا عللناء بما ذكر بقي معمولا به من حيث اشتراط مطلق الذكر و لو لم نعلل احتجنا إلى رده أصلا لمخالفته الكتاب فإذا ترك التعليل هو المؤدى إلى إبطال حكم النص دون التعليل على ان التكبير يذكر و يراد به التعظيم قال تعالى و كبره تكبيرا أى عظمه تعظيما و قال تعالى فلما رأينه أكبرنه أى عظمته و قال تعالى و ربك فكبر أى فعظم فكان الحديث وارد بالتعظيم و بأى اسم ذكر فقد عظم الله تعالى و كذا من سبح الله تعالى فقد عظمه و نزهه عما لا يليق به من صفات النقص و سمات الحدث فصار واصفا له بالعظمة و القدم و كذا إذا هلل لانه إذا وصفه بالتفرد و الالوهية فقد وصفه بالعظمة و القدم لاستحالة ثبوت الالهية دونهما و انما لم يقم السجود على الخد مقام السجود على الجبهة للتفاوت في التعظيم كما في الشاهد بخلاف الاذان لان المقصود منه هو الاعلام و انه لا يحصل الا بهذه الكلمات المشهورة المتعارفة فيما بين الناس حتى لو حصل الاعلام بغير هذه
(131)
الالفاظ يجوز كذا روى الحسن عن أبى حنيفة و كذا روى أبو يوسف في الامالي و الحاكم في المنتقى و الدليل على ان قوله الله أكبر أو الرحمن أكبر سواء قوله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسني و لهذا يجوز الذبح بإسم الرحمن أو بإسم الرحيم فكذا هذا و الذى يحقق مذهبهما ما روى عن عبد الرحمن السلمى ان الانبياء صلوات الله عليهم كانوا يفتتحون الصلاة بلا اله الا الله و لنا بهم اسوة هذا إذا ذكر الاسم و الصفة فاما إذا ذكر الاسم لا بان قال الله لا يصير شارعا عند محمد و روى الحسن عن أبى حنيفة انه يصير شارعا و كذا روى بشر عن أبى يوسف عن أبى حنيفة ( لمحمد )أن النص ورد بالاسم و الصفة فلا يجوز الاكتفاء بمجرد الاسم ( و لابي )حنيفة ان النص معلول بمعنى التعظيم و أنه يحصل بالاسم المجرد و الدليل عليه انه يصير شارعا بقوله لا اله الا الله و الشروع انما يحصل بقوله الله لا بالنفي و لو قال أللهم اغفر لي لا يصير شارعا بالاجماع لانه لم بخلص تعظيما لله تعالى بل هو للمسألة و الدعاء دون خالص الثناء و التعظيم و لو قال أللهم اختلف المشايخ فيه لاختلاف أهل اللغة في معناه قال بعضهم يصير شارعا لان الميم في قوله أللهم بدل عن النداء كأنه قال يا الله و قال بعضهم لا يصير شارعا لان الميم في قوله أللهم بمعنى السوأل معناه أللهم آمنا بخير أى أردنا به فيكون دعاء لا ثناء خالصا كقوله أللهم اغفر لي و لو افتتح الصلاة بالفارسية بان قال خداى بزركنر أو خداى بزرك يصير شارعا عند أبى حنيفة و عندهما لا يصير شارعا الا إذا كان لا يحسن العربية و لو ذبح و سمى بالفارسية يجوز بالاجماع فأبو يوسف مر على أصله في مراعاة المنصوص عليه و المنصوص عليه لفظة التكبير بقوله صلى الله عليه و سلم و تحريمها التكبير و هي لا تحصل بالفارسية و فى باب الذبح المنصوص عليه هو مطلق الذكر بقوله فاذكروا اسم الله عليها صواف و ذا يحصل بالفارسية و محمد فرق فجوز النقل إلى لفظ آخر من العربية و لم يجوز النقل إلى الفارسية فقال العربية لبلاغتها و وجازتها تدل على معان لا تدل عليها الفارسية فتحتمل الخلل في المعنى عند النقل منها إلى الفارسية و كذا للعربية من الفضيلة ما ليس لسائر الا لسنة و لهذا كان الدعاء بالعربية أقرب إلى الاجابة و لذلك خص الله تعالى أهل كرامته في الجنة بالتكلم بهذه اللغة فلا يقع غيرها من الا لسنة موقع كلام العرب الا انه إذا لم يحسن جاز لمكان العذر و أبو حنيفة اعتمد كتاب الله تعالى في اعتبار مطلق الذكر و اعتبر معنى التعظيم و كل ذلك حاصل بالفارسية ثم شرط صحة التكبير أن يوجد في حالة القيام في حق القادر على القيام سواء كان اماما أو منفردا أو مقتديا حتى لو كبر قاعدا ثم قام لا يصير شارعا و لو وجد الامام في الركوع أو السجود و القعود ينبغى أن يكبر قائما ثم يتبعه في الركن الذي هو فيه و لو كبر للافتتاح في الركن الذي هو فيه لا يصير شارعا لعدم التكبير قائما مع القدرة عليه ( و منها )تقدم قضأ الفائتة التي يتذكرها إذا كانت الفوائت قليلة و فى الوقت سعة هو شرط جواز اداء الوقتية فهذا عندنا و عند الشافعي ليس بشرط و لقب المسألة أن الترتيب بين القضاء و الاداء شرط جواز الاداء عندنا و انما يسقط بمسقط و عنده ليس بشرط أصلا و يجوز اداء الوقتية قبل قضأ الفائتة فيقع الكلام فيه في الاصل في موضعين أحدهما في اشتراط هذا النوع من الترتيب و الثاني في بيان ما يسقطه ( أما )الاول فجملة الكلام فيه أن الترتيب في الصلاة على أربعة أقسام أحدها الترتيب في اداء هذه الصلوات الخمس و الثاني الترتيب في قضأ الفائتة و اداء الوقتية و الثالث الترتيب في الفوائت و الرابع الترتيب في أفعال الصلاة ( أما )الاول فلا خلاف في أن الترتيب في اداء الصلوات المكتوبات في أوقاتها شرط جواز أدائها حتى لا يجوز اداء الظهر في وقت الفجر و الاداء العصر في وقت الظهر لان كل واحدة من هذه الصلوات لا تجب قبل دخول وقتها و اداء الواجب قبل وجوبه محال و اختلف فيما سوى ذلك ( أما )الترتيب بين قضأ الفائتة و اداء الوقتية فقد قال أصحابنا انه شرط و قال الشافعي ليس بشرط وجه قوله أن هذا الوقت صار للوقتية بالكتاب و السنة المتواترة و إجماع الامة فيجب اداؤها في وقتها كما في حال ضيق الوقت و كثرة الفوائت و النسيان ( و لنا )قول النبي صلى الله عليه و سلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكر فان ذلك وقتها و فى بعض الروايات لا وقت لهما الا ذلك فقد جعل وقت التذكر وقت الفائتة فكان اداء الوقتية قبل قضأ الفائتة اداء قبل وقتها فلا يجوز
(132)
و روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من نسى صلاة فلم يذكرها الا و هو مع الامام فليصل مع الامام و ليجعلها تطوعا ثم ليقض ما تذكر ليعد ما كان صلاة مع الامام و هذا عين مذهبنا انه تفسد الفرضية للصلاة إذا تذكر الفائتة فيها و يلزمه الاعادة بخلاف حال ضيق الوقت و كثرة الفوائت و النسيان لانا انما عرفنا كون هذا الوقت وقتا للوقتية بنص الكتاب و السنة المتواترة و الاجماع و عرفنا كونه وقتا للفائتة بخبر الواحد و العمل بخبر الواحد انما يجب على وجه لا يؤدى إلى إبطال العمل بالدليل المقطوع به و الاشتغال بالفائتة عند ضيق الوقت إبطال العمل به لانه تفويت للوقتية عن الوقت و كذا عند كثرة الفوائت لان الفوائت إذا كثرت تستغرق الوقت فتفوت الوقتية عن وقتها و لان الشرع انما جعل الوقت و قنا للفائتة لتدارك ما فات فلا يصير وقتا لها على وجه يؤدى إلى تفويت صلاة أخرى و هي الوقتية و لان جعل الشرع وقت التذكر وقتا للفائتة على الاطلاق ينصرف إلى وقت ليس بمشغول لان المشغول لا يشغل كما انصرف إلى وقت لا تكره الصلاة فيه ( و أما )النسيان فلان خبر الواحد جعل وقت التذكر وقتا للفائتة و لا تذكر ههنا فلم يصير الوقت وقتا للفائتة فبقى وقتا للوقتية فاما ههنا فقد وجد التذكر فكان الوقت للفائتة بخبر الواحد و ليس في هذا إبطال العمل بالدليل المقطوع به بل هو جمع بين الدلائل اذ لا يفوته شيء من الصلوات عن وقتها و ليس فيه أيضا شغل ما هو مشغول و هذا لانه لو أخر الوقتية و قضى الفائتة تبين أن وقت الوقتية ما تصل به الاداء و أن ما قبل ذلك لم يكن وقتا لها بل كان وقتا للفائتة بخبر الواحد فلا يؤدى إلى إبطال العمل بالدليل المقطوع به فاما عند ضيق الوقت و ان لم يتصل به اداء الوقتية لا يتبين أنه ما كان وقتا له حتى تصير الصلاة فائتة و تبقى دينا عليه و على هذا الخلاف الترتيب في الفوائت أنه كما يجب مراعاة الترتيب بين الوقتية و الفائتة عندنا يجب مراعاته بين الفوائت إذا أنت الفوائت في حد القلة عندنا أيضا لان قلة الفوائت لم تمنع وجوب الترتيب في الاداء فكذا في القضاء و الاصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الخندق قضاهن بعد هوى من الليل على الترتيب ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي و يبنى على هذا إذا ترك الظهر و العصر من يومين مختلفين و لا يدرى أيتهما أولى فانه يتحرى لانه اشتبه عليه أمر لا سبيل إلى الوصول اليه بيقين و هو الترتيب فيصار إلى التحري لانه عند انعدام الادلة قام مقام الدليل الشرعي كما إذا اشتبهت عليه القلة فان مال قلبه إلى شيء عمل به لانه جعل كالثابت بالدليل و ان لم يستقر قلبه على شيء و أراد الاخذ بالثقة يصليهما ثم يعيد ما صلى أولا أيتهما كانت الا أن البداءة بالظهر أولى لانها أسبق وجوبا في الاصل فيصلى الظهر ثم العصر ثم الظهر لان الظهر لو كانت هى التي فاتت أولا فقد وقعت موقعها و جازت و كانت الظهر التي أداها بعد العصر ثانية نافلة له و لو كانت العصر هى المتروكة أولا كانت الظهر التي أداها قبل العصر نافلة فإذا أدى العصر بعدها فقد وقعت موضعها و جازت ثم إذا أدى الظهر بعدها وقعت موقعها و جازت فيعمل كذلك ليخرج عما عليه بيقين و هذا قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد لا نأمره لا بالتحري كذا ذكره أبو الليث و لم يذكر أنه إذا استقر قلبه على شيء كيف يصنع عندهما و ذكر الشيخ الامام صدر الدين أبو المعين انه يصلى كل صلاة مرة واحدة و قيل لا خلاف في هذه المسألة على التحقيق لانه ذكر الاستحباب على قول أبى حنيفة و هما ما بينا الاستحباب و ذكر عدم وجوب الاعادة على قولهما و أبو حنيفة ما أوجب الاعادة وجه قولهما أن الواجب في موضع الشك و الاشتباه هو التحري و العمل به لا الاخذ باليقين ألا ترى أن من شك في جهة القبلة يعمل بالتحري و لا يأخذ باليقين بأن يصلى صلاة واحدة أربع مرات إلى أربع جهات و كذا من شك في صلاة واحدة فلم يدرا ثلاثا صلى أم أربعا يتحرى و لا يبنى على اليقين و هو الاقل كذا هذا و لانه لو صلى احدى الصلاتين مرتين فانما يصلى مراعاة للترتيب و الترتيب في هذه الحالة ساقط لانه حين بد أ باحداهما لم يعلم يقينا أن عليه صلاة أخرى قبل هذه لتصير هذه مؤداة قبل وقتها فسقط عنه الترتيب ( و لابي )حنيفة أنه مهما أمكن الاخذ باليقين كان أولى الا إذا تضمن فإذا كما في مسألة القبلة فان الاخذ بالثقة ثمة يؤدى إلى الفساد
ليه و سلم و قال بعضهم يسكت و عن هشام من ذات نفسه و محمد بن شجاع البلخى انه يكرر التشهد إلى أن يسلم الامام لان هذه قعدة أولى في حقه و الزيادة على التشهد في القعدة الاولى مسنونة و لا معنى للسكوت في الصلاة الا الاستماع فينبغي أن يكرر التشهد مرة بعد أخرى ( و أما )بيان وقت النية فقد ذكر الطحاوي انه يكبر تكبيرة الافتتاح مخالطا لنيته إياها أى مقارنا أشار إلى ان وقت النية وقت التكبير و هو عندنا محمول على الندب و الاستحباب دون الختم و الايجاب فان تقديم النية على التحريمة جائز عندنا إذا لم يوجد بينهما عمل يقطع أحدهما عن الآخر و القران ليس بشرط و عند الشافعي القرآن شرط ( وجه )قوله ان الحاجة إلى النية لتحقيق معنى الاخلاص و ذلك عند الشروع لا قبله فكانت النية قبل التكبير هدر أو هذا هو القياس في باب الصوم الا انه سقط القرآن هناك لمكان الحرج لان وقت الشروع في الصوم وقت غفلة و نوم و لا حرج في باب الصلاة فوجب اعتباره ( و لنا )قول النبي صلى الله عليه و سلم الاعمال بالنيات مطلقا عن شرط القرآن و قوله لكل امرئ ما نوى مطلقا أيضا و عنده لو تقدمت النية لا يكون له ما نوى و هذا خلاف النص و لان شرط القرآن لا يخلو عن الحرج فلا يشترط كما في باب الصوم فإذا قدم النية و لم يشتغل بعمل يقطع نيته يجزئه كذا روى عن أبى يوسف و محمد فان محمدا ذكر في كتاب المناسك ان من خرج من بيته يريد الحج فأحرم و لم تحضره نية الحج عند الاحرام يجزئه و ذكر في كتاب التحري ان من أخرج زكاة ماله يريد أن يتصدق به على الفقراء فدفع و لم تحضره نية عند الدفع أجزأه و ذكر محمد بن شجاع البلخى في نوادره عن محمد في رجل توضأ يريد الصلاة فلم يشتغل بعمل آخر و شرع في الصلاة جازت صلاته و ان عريته النية وقت الشروع و روى عن أبى يوسف فيمن خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة فلما انتهى إلى الامام كبر و لم تحضره النية في تلك الساعة انه يجوز قال الكرخي و لا أعلم أحدا من أصحابنا خالف أبا يوسف في ذلك و ذلك لانه لما عزم على تحقيق ما نوى فهو على عزمه و نيته إلى أن يوجد القاطع و لم يوجد و به تبين ان معنى الاخلاص يحصل بنية متقدمة لانها موجودة وقت الشروع تقديرا على ما مر و عن محمد بن سملة انه إذا كان بحال لو سئل عن الشروع أى صلاة تصلى يمكنه الجواب على البديهة من تأمل يجزئه و الا فلا و ان نوى بعد التكبير لا يجوز الا ما روى الكرخي انه إذا نوى وقت الثناء يجوز لان الثناء من توابع التكبير و هذا فاسد لان سقوط القرآن لمكان الحرج و الحرج يندفع بتقديم النية فلا ضرورة إلى التأخير و لو نوى بعد قوله الله قبل قوله أكبر لا يجوز لان الشروع يصح بقوله الله لما يذكر فكانه نوى بعد التكبير و اما نية الكعبة فقد روى الحسن عن أبى حنيفة أنها شرط لان التوجه إلى الكعبة هو الواجب في الاصل و قد عجز عنه بالبعد فينويها بقلبه و الصحيح انه ليس بشرط لان قبلته حالة البعد جهة الكعبة و هي المحاريب لا عين الكعبة لما بينا فيما تقدم فلا حاجة إلى النية و قال بعضهم ان أتى به فحسن و ان تركه لا يضره و ان نوى مقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام أو المسجد الحرام و لم ينو الكعبة لا يجوز لانه ليس من الكعبة و عن الفقية الجليل أبى أحمد العياضى انه سئل عمن نوى مقام إبراهيم عليه السلام فقال ان
(130)
كان هذا الرجل لم يأت مكة أجزأه لان عنده أن البيت و المقام واحد و ان كان قد أتى مكة لا يجوز لانه عرف ان المقام البيت ( و منها )التحريمة و هي تكبيرة الافتتاح و انها شرط صحة الشروع في الصلاة عند عامة العلماء و قال ابن علية و أبو بكر الاصم انها ليست بشرط و يصح الشروع في الصلاة بمجرد النية من تكبير فزعما ان الصلاة أفعال و ليست باذكار حتى أنكرا افتراض القراءة في الصلاة على ما ذكرنا فيما تقدم ( و لنا )قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه و يستقبل القبلة و يقول الله أكبر نفى قبول الصلاة بدون التكبير فدل على كونه شرطا لكن انما يؤخذ هذا الشرط على القادر دون العاجز فلذلك جازت صلاة الاخرس و لان الافعال أكثر من الاذكار فالقادر على الافعال يكون قادرا على الاكثر و للاكثر حكم الكل فكانه قدر على الاذكار تقديرا ثم لابد من بيان صفة الذكر الذي يصير به شارعا في الصلاة و قد اختلف فيه فقال أبو حنيفة و محمد يصح الشروع في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا مثل أن يقول الله أكبر الله الاكبر الله الكبير الله أجل الله أعظم أو يقول الحمد لله أو سبحان الله أو لا اله الا الله و كذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو أن يقول الرحمن أعظم الرحيم أجل سواء كان يحسن التكبير أو لا يحسن و هو قول إبراهيم النخعي و قال أبو يوسف لا يصير شارعا الا بالفاظ مشتقة من التكبير و هي ثلاثة الله أكبر الله الاكبر الله الكبير الا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم ان الشروع بالتكبير و قال الشافعي لا يصير شارعا الا بلفظين الله أكبر الله الاكبر و قال مالك لا يصير شارعا الا بلفظ واحد و هو الله أكبر و احتج بما روينا من الحديث و هو قوله صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه و يستقبل القبلة و يقول الله أكبر نفى القبول بدون هذه اللفظة فيجب مراعاة عين ما ورد به النص دون التعليل إذا لتعليل للتعدية لا لابطال حكم النص كما في الاذان و لهذا الا يقام السجود على الخدو الذقن مقام السجود على الجبهة و بهذا يحتج الشافعي الا انه يقول في الاكبر أتى بالمشروع و زيادة شيء فلم تكن الزيادة مانعة كما إذا قال الله أكبر كبيرا فاما العدول عما ورد الشروع به فغير جائز و أبو يوسف يحتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم و تحريمها التكبير و التكبير حاصل بهذه الالفاظ الثلاثة فان أكبر هو الكبير قال الله تعالى و هو أهون عليه أى هين عليه عند بعضهم اذ ليس شيء أهون على الله من شيء بل الاشياء كلها بالنسبة إلى دخولها تحت قدرته كشيء واحد و التكبير مشتق من الكبرياء و الكبرياء تنبئ عن العظمة و القدم يقال هذا أكبر القوم أى أعظمهم منزلة و أشرفهم قدر أو يقال هو أكبر من فلان أى أقدم منه فلا يمكن اقامة غيره من الالفاظ مقامه لانعدام المساواة في المعنى الا انا حكمنا بالجواز إذا لم يحسن أولا يعلم ان الصلاة تفتتح بالتكبير للضرورة و أبو حنيفة و محمد احتجا بقوله تعالى و ذكر اسم ربه فصلى و المراد منه ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة لانه عقب الصلاة الذكر بحرف يوجب التعقيب بلا فصل و الذكر الذي تتعقبه الصلاة بلا فصل هو تكبيرة الافتتاح فقد شرع الدخول في الصلاة بمطلق الذكر فلا يجوز التقييد باللفظ المشتق من الكبرياء باخبار الاحاد و به تبين ان الحكم تعلق بتلك الالفاظ من حيث هى مطلق الذكر لا من حيث هى ذكر بلفظ خاص و ان الحديث معلول به لانا إذا عللناء بما ذكر بقي معمولا به من حيث اشتراط مطلق الذكر و لو لم نعلل احتجنا إلى رده أصلا لمخالفته الكتاب فإذا ترك التعليل هو المؤدى إلى إبطال حكم النص دون التعليل على ان التكبير يذكر و يراد به التعظيم قال تعالى و كبره تكبيرا أى عظمه تعظيما و قال تعالى فلما رأينه أكبرنه أى عظمته و قال تعالى و ربك فكبر أى فعظم فكان الحديث وارد بالتعظيم و بأى اسم ذكر فقد عظم الله تعالى و كذا من سبح الله تعالى فقد عظمه و نزهه عما لا يليق به من صفات النقص و سمات الحدث فصار واصفا له بالعظمة و القدم و كذا إذا هلل لانه إذا وصفه بالتفرد و الالوهية فقد وصفه بالعظمة و القدم لاستحالة ثبوت الالهية دونهما و انما لم يقم السجود على الخد مقام السجود على الجبهة للتفاوت في التعظيم كما في الشاهد بخلاف الاذان لان المقصود منه هو الاعلام و انه لا يحصل الا بهذه الكلمات المشهورة المتعارفة فيما بين الناس حتى لو حصل الاعلام بغير هذه
(131)
الالفاظ يجوز كذا روى الحسن عن أبى حنيفة و كذا روى أبو يوسف في الامالي و الحاكم في المنتقى و الدليل على ان قوله الله أكبر أو الرحمن أكبر سواء قوله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسني و لهذا يجوز الذبح بإسم الرحمن أو بإسم الرحيم فكذا هذا و الذى يحقق مذهبهما ما روى عن عبد الرحمن السلمى ان الانبياء صلوات الله عليهم كانوا يفتتحون الصلاة بلا اله الا الله و لنا بهم اسوة هذا إذا ذكر الاسم و الصفة فاما إذا ذكر الاسم لا بان قال الله لا يصير شارعا عند محمد و روى الحسن عن أبى حنيفة انه يصير شارعا و كذا روى بشر عن أبى يوسف عن أبى حنيفة ( لمحمد )أن النص ورد بالاسم و الصفة فلا يجوز الاكتفاء بمجرد الاسم ( و لابي )حنيفة ان النص معلول بمعنى التعظيم و أنه يحصل بالاسم المجرد و الدليل عليه انه يصير شارعا بقوله لا اله الا الله و الشروع انما يحصل بقوله الله لا بالنفي و لو قال أللهم اغفر لي لا يصير شارعا بالاجماع لانه لم بخلص تعظيما لله تعالى بل هو للمسألة و الدعاء دون خالص الثناء و التعظيم و لو قال أللهم اختلف المشايخ فيه لاختلاف أهل اللغة في معناه قال بعضهم يصير شارعا لان الميم في قوله أللهم بدل عن النداء كأنه قال يا الله و قال بعضهم لا يصير شارعا لان الميم في قوله أللهم بمعنى السوأل معناه أللهم آمنا بخير أى أردنا به فيكون دعاء لا ثناء خالصا كقوله أللهم اغفر لي و لو افتتح الصلاة بالفارسية بان قال خداى بزركنر أو خداى بزرك يصير شارعا عند أبى حنيفة و عندهما لا يصير شارعا الا إذا كان لا يحسن العربية و لو ذبح و سمى بالفارسية يجوز بالاجماع فأبو يوسف مر على أصله في مراعاة المنصوص عليه و المنصوص عليه لفظة التكبير بقوله صلى الله عليه و سلم و تحريمها التكبير و هي لا تحصل بالفارسية و فى باب الذبح المنصوص عليه هو مطلق الذكر بقوله فاذكروا اسم الله عليها صواف و ذا يحصل بالفارسية و محمد فرق فجوز النقل إلى لفظ آخر من العربية و لم يجوز النقل إلى الفارسية فقال العربية لبلاغتها و وجازتها تدل على معان لا تدل عليها الفارسية فتحتمل الخلل في المعنى عند النقل منها إلى الفارسية و كذا للعربية من الفضيلة ما ليس لسائر الا لسنة و لهذا كان الدعاء بالعربية أقرب إلى الاجابة و لذلك خص الله تعالى أهل كرامته في الجنة بالتكلم بهذه اللغة فلا يقع غيرها من الا لسنة موقع كلام العرب الا انه إذا لم يحسن جاز لمكان العذر و أبو حنيفة اعتمد كتاب الله تعالى في اعتبار مطلق الذكر و اعتبر معنى التعظيم و كل ذلك حاصل بالفارسية ثم شرط صحة التكبير أن يوجد في حالة القيام في حق القادر على القيام سواء كان اماما أو منفردا أو مقتديا حتى لو كبر قاعدا ثم قام لا يصير شارعا و لو وجد الامام في الركوع أو السجود و القعود ينبغى أن يكبر قائما ثم يتبعه في الركن الذي هو فيه و لو كبر للافتتاح في الركن الذي هو فيه لا يصير شارعا لعدم التكبير قائما مع القدرة عليه ( و منها )تقدم قضأ الفائتة التي يتذكرها إذا كانت الفوائت قليلة و فى الوقت سعة هو شرط جواز اداء الوقتية فهذا عندنا و عند الشافعي ليس بشرط و لقب المسألة أن الترتيب بين القضاء و الاداء شرط جواز الاداء عندنا و انما يسقط بمسقط و عنده ليس بشرط أصلا و يجوز اداء الوقتية قبل قضأ الفائتة فيقع الكلام فيه في الاصل في موضعين أحدهما في اشتراط هذا النوع من الترتيب و الثاني في بيان ما يسقطه ( أما )الاول فجملة الكلام فيه أن الترتيب في الصلاة على أربعة أقسام أحدها الترتيب في اداء هذه الصلوات الخمس و الثاني الترتيب في قضأ الفائتة و اداء الوقتية و الثالث الترتيب في الفوائت و الرابع الترتيب في أفعال الصلاة ( أما )الاول فلا خلاف في أن الترتيب في اداء الصلوات المكتوبات في أوقاتها شرط جواز أدائها حتى لا يجوز اداء الظهر في وقت الفجر و الاداء العصر في وقت الظهر لان كل واحدة من هذه الصلوات لا تجب قبل دخول وقتها و اداء الواجب قبل وجوبه محال و اختلف فيما سوى ذلك ( أما )الترتيب بين قضأ الفائتة و اداء الوقتية فقد قال أصحابنا انه شرط و قال الشافعي ليس بشرط وجه قوله أن هذا الوقت صار للوقتية بالكتاب و السنة المتواترة و إجماع الامة فيجب اداؤها في وقتها كما في حال ضيق الوقت و كثرة الفوائت و النسيان ( و لنا )قول النبي صلى الله عليه و سلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكر فان ذلك وقتها و فى بعض الروايات لا وقت لهما الا ذلك فقد جعل وقت التذكر وقت الفائتة فكان اداء الوقتية قبل قضأ الفائتة اداء قبل وقتها فلا يجوز
(132)
و روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من نسى صلاة فلم يذكرها الا و هو مع الامام فليصل مع الامام و ليجعلها تطوعا ثم ليقض ما تذكر ليعد ما كان صلاة مع الامام و هذا عين مذهبنا انه تفسد الفرضية للصلاة إذا تذكر الفائتة فيها و يلزمه الاعادة بخلاف حال ضيق الوقت و كثرة الفوائت و النسيان لانا انما عرفنا كون هذا الوقت وقتا للوقتية بنص الكتاب و السنة المتواترة و الاجماع و عرفنا كونه وقتا للفائتة بخبر الواحد و العمل بخبر الواحد انما يجب على وجه لا يؤدى إلى إبطال العمل بالدليل المقطوع به و الاشتغال بالفائتة عند ضيق الوقت إبطال العمل به لانه تفويت للوقتية عن الوقت و كذا عند كثرة الفوائت لان الفوائت إذا كثرت تستغرق الوقت فتفوت الوقتية عن وقتها و لان الشرع انما جعل الوقت و قنا للفائتة لتدارك ما فات فلا يصير وقتا لها على وجه يؤدى إلى تفويت صلاة أخرى و هي الوقتية و لان جعل الشرع وقت التذكر وقتا للفائتة على الاطلاق ينصرف إلى وقت ليس بمشغول لان المشغول لا يشغل كما انصرف إلى وقت لا تكره الصلاة فيه ( و أما )النسيان فلان خبر الواحد جعل وقت التذكر وقتا للفائتة و لا تذكر ههنا فلم يصير الوقت وقتا للفائتة فبقى وقتا للوقتية فاما ههنا فقد وجد التذكر فكان الوقت للفائتة بخبر الواحد و ليس في هذا إبطال العمل بالدليل المقطوع به بل هو جمع بين الدلائل اذ لا يفوته شيء من الصلوات عن وقتها و ليس فيه أيضا شغل ما هو مشغول و هذا لانه لو أخر الوقتية و قضى الفائتة تبين أن وقت الوقتية ما تصل به الاداء و أن ما قبل ذلك لم يكن وقتا لها بل كان وقتا للفائتة بخبر الواحد فلا يؤدى إلى إبطال العمل بالدليل المقطوع به فاما عند ضيق الوقت و ان لم يتصل به اداء الوقتية لا يتبين أنه ما كان وقتا له حتى تصير الصلاة فائتة و تبقى دينا عليه و على هذا الخلاف الترتيب في الفوائت أنه كما يجب مراعاة الترتيب بين الوقتية و الفائتة عندنا يجب مراعاته بين الفوائت إذا أنت الفوائت في حد القلة عندنا أيضا لان قلة الفوائت لم تمنع وجوب الترتيب في الاداء فكذا في القضاء و الاصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الخندق قضاهن بعد هوى من الليل على الترتيب ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي و يبنى على هذا إذا ترك الظهر و العصر من يومين مختلفين و لا يدرى أيتهما أولى فانه يتحرى لانه اشتبه عليه أمر لا سبيل إلى الوصول اليه بيقين و هو الترتيب فيصار إلى التحري لانه عند انعدام الادلة قام مقام الدليل الشرعي كما إذا اشتبهت عليه القلة فان مال قلبه إلى شيء عمل به لانه جعل كالثابت بالدليل و ان لم يستقر قلبه على شيء و أراد الاخذ بالثقة يصليهما ثم يعيد ما صلى أولا أيتهما كانت الا أن البداءة بالظهر أولى لانها أسبق وجوبا في الاصل فيصلى الظهر ثم العصر ثم الظهر لان الظهر لو كانت هى التي فاتت أولا فقد وقعت موقعها و جازت و كانت الظهر التي أداها بعد العصر ثانية نافلة له و لو كانت العصر هى المتروكة أولا كانت الظهر التي أداها قبل العصر نافلة فإذا أدى العصر بعدها فقد وقعت موضعها و جازت ثم إذا أدى الظهر بعدها وقعت موقعها و جازت فيعمل كذلك ليخرج عما عليه بيقين و هذا قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد لا نأمره لا بالتحري كذا ذكره أبو الليث و لم يذكر أنه إذا استقر قلبه على شيء كيف يصنع عندهما و ذكر الشيخ الامام صدر الدين أبو المعين انه يصلى كل صلاة مرة واحدة و قيل لا خلاف في هذه المسألة على التحقيق لانه ذكر الاستحباب على قول أبى حنيفة و هما ما بينا الاستحباب و ذكر عدم وجوب الاعادة على قولهما و أبو حنيفة ما أوجب الاعادة وجه قولهما أن الواجب في موضع الشك و الاشتباه هو التحري و العمل به لا الاخذ باليقين ألا ترى أن من شك في جهة القبلة يعمل بالتحري و لا يأخذ باليقين بأن يصلى صلاة واحدة أربع مرات إلى أربع جهات و كذا من شك في صلاة واحدة فلم يدرا ثلاثا صلى أم أربعا يتحرى و لا يبنى على اليقين و هو الاقل كذا هذا و لانه لو صلى احدى الصلاتين مرتين فانما يصلى مراعاة للترتيب و الترتيب في هذه الحالة ساقط لانه حين بد أ باحداهما لم يعلم يقينا أن عليه صلاة أخرى قبل هذه لتصير هذه مؤداة قبل وقتها فسقط عنه الترتيب ( و لابي )حنيفة أنه مهما أمكن الاخذ باليقين كان أولى الا إذا تضمن فإذا كما في مسألة القبلة فان الاخذ بالثقة ثمة يؤدى إلى الفساد