مسافرا أو مملوكا أو صبيا أو إمرأة أو مريضا فمن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه و الله غنى حميد و أما الاعمى فهل تجب عليه أجمعوا على أنه إذا لم يجد قائدا لا تجب عليه كما لا تجب على الزمن و ان وجد من بحمله و أما إذا وجد قائد اما بطريق التبرع أو كان له مال يمكنه أن يستأجر قائدا فكذلك في قول أبى حنيفة و فى قول أبى يوسف و محمد يجب و هو على الاختلاف في الحج إذا كان له زاد و راحلة و أمكنه أن يستأجر قائدا أو وعد له إنسان ان يقوده الي مكة ذاهبا و جائيا لا يجب عليه الحج عند أبى حنيفة و عندهما يجب و المسألة تذكرها في كتاب الحج ان شاء الله تعالى ثم هؤلاء الذين لا جمعة عليهم إذا حضروا الجامع و أدوا الجمعة فمن لم يكن من أهل الوجوب كالصبى و المجنون فصلاة الصبي تكون تطوعا و لا صلاة للمجنون رأسا و من هو من أهل الوجوب كالمريض و المسافر و العبد و المرأة و غيرهم تجزيهم و يسقط عنهم الظهر لان امتناع الوجوب عليهم لما ذكرنا من الاعذار و قد زالت و صار الاذن من المولى موجودا دلالة و قد روى عن الحسن البصري أنه قال كن النساء يجمعن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقال لهن لا تخرجن الاتفلات متطيبات و فرق بين هذا و بين الحج في العبد فانه لو أدى الحج مع مولاه لا بحكم بجوازه حتى يؤاخذ بحجة الاسلام بعد الحرية و الفرق أن المنع من الجمعة كان نظرا للمولى و النظر ههنا في الحكم بالجواز لانا لو لم نجوز و قد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب لمب النظر ضررا و ذا ليس بحكمة فتبين في الآخرة أن النظر في الحكم بالجواز فصار مأذونا دلالة كالعبد المحجور عليه إذا أجر نفسه أنه لا يجوز و لو سلم نفسه للعمل يجوز و يجب كمال الاجرة لما ذكرنا كذا هذا بخلاف الحج فان هناك لا يتبين ان النظر للمولى في الحكم بالجواز لانه لا يؤاخذ للحال بشيء آخر إذا لم نحكم بجوازه بل يخاطب بحجة الاسلام بعد الحرية فلا يتعطل على المولى منافعه فهو الفرق و أما الشرائط التي ترجع إلى المصلى فخمسة في ظاهر الروايات المصر الجامع و السلطان و الخطبة و الجماعة و الوقت اما المصر الجامع فشرط وجوب الجمعة و شرط صحة أدائها عند أصحابنا حتى لا تجب الجمعة الا على أهل المصر و من كان ساكنا في توابعه و كذا لا يصح اداء الجمعة الا في المصر و توابعه فلا تجب على أهل القرى التي ليست من توابع المصر و لا يصح اداء الجمعة فيها و قال الشافعي المصر ليس بشرط للوجوب و لا لصحة الاداء فكل قرية يسكنها أربعون رجلا من الاحرار المقيمين لا يظعنون عنها شتاء و لا صيفا تجب عليهم الجمعة و يقام بها الجمعة و احتج بما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال أول جمعة جمعت في الاسلام بعد الجمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجؤاثى و هي قرية من قرى عبد القيس بالبحرين و روى عن أبى هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بجؤاثى فكتب اليه ان اجمع بها و حيث ما كنت و لان جواز الصلاة مما لا يختص بمكان دون مكان كسائر الصلوات و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا جمعة و لا تشريق الا في مصر جامع و عن على رضى الله تعالى عنه لا جمعة و لا تشريق و لا فطر و لا أضحى الا في مصر جامع و كذا النبي صلى الله عليه و سلم كان يقيم الجمعة بالمدينة و ما روى الاقامة حولها و كذا الصحابة رضى الله تعالى عنهم فتحوا البلاد و ما نصبوا المنابر الا في الامصار فكان ذلك إجماعا منهم على أن المصر شرط و لان الظهر فريضة فلا يترك الا بنص قاطع و النص ورد بتركها الا الجمعة في الامصار و لهذا لا تؤدى الجمعة في البرارى و لان الجمعة من أعظم الشعائر فتختص بمكان اظهار الشعائر و هو المصر و أما الحديث فقد قيل ان جؤاتى مصر بالبحرين و اسم القرية ينطلق على البلدة العظيمة لانها اسم لما اجتمع فيها من البيوت قال تعالى و اسئل القرية التي كنا فيها و هي مصر و قال و كأين من قرية هى أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكنا هم و هي مكة و ما ذكر من المعنى سديد لانه يبطل بالبراري ثم لابد من معرفة حد المصر الجامع و معرفة ما هو من توابعه اما المصر الجامع فقد اختلفت الاقاويل في تحديده ذكر الكرخي أن المصر الجامع ما أقيمت فيه الحدود و نفذت فيه الاحكام و عن أبى يوسف روايات ذكر في الاملاء كل مصر فيه منبر و قاض ينفذ الاحكام و يقيم الحدود فهو مصر جامع تجب على أهله الجمعة و فى رواية قال إذا اجتمع في قرية من لا يسعهم مسجد واحد بني لهم الامام جامعا و نصب لهم من يصلى
(260)
بهم الجمعة و فى رواية لو كان في القرية عشرة آلاف أو أكثر أمرتهم بإقامة الجمعة فيها و قال بعض أصحابنا المصر الجامع ما يتعيش فيه كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من ان يحتاج إلى الانتقال إلى حرفة أخرى و عن أبى عبد الله البلخى انه قال أحسن ما قيل فيه إذا كانوا بحال لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم ذلك حتى احتاجوا إلى بناء مسجد الجمعة فهذا مصر تقام فيه الجمعة و قال سفيان الثورى المصر الجامع ما يعده الناس مصرا عند ذكر الامصار المطلقة و سئل أبو القاسم الصفار عن حد المصر الذي تجوز فيه الجمعة فقال ان تكون لهم منعة لو جاء هم عدو قدروا على دفعه فحينئذ جاز ان يمصر و تمصره أن ينصب فيه حاكم عدل يجرى فيه حكما من الاحكام و هو أن يتقدم اليه خصمان فيحكم بينهما و روى عن أبى حنيفة انه بلدة كبيرة فيها سكك و أسواق و لها رساتيق و فيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمه و علمه أو علم غيره و الناس يرجعون اليه في الحوادث و هو الاصح و أما تفسير توابع المصر فقد اختلفوا فيها روى عن أبى يوسف ان المعتبر فيه سماع النداء ان كان موضعا يسمع فيه النداء من المصر فهو من توابع المصر و الا فلا و قال الشافعي إذا كان في القرية أقل من أربعين فعليهم دخول المصر إذا سمعوا النداء و روى ابن سماعة عن أبى يوسف كل قرية متصلة بربض المصر فهي من توابعه و ان لم تكن متصلة بالربض فليست من توابع المصر و قال بعضهم ما كان خارجا عن عمران المصر فليس من توابعه و قال بعضهم المعتبر قدر ميل و هو ثلاث فراسخ و قال بعضهم ان كان قدر ميل أو مبلين فهو من توابع المصر و الا فلا و بعضهم قدره بستة أميال و مالك قدره بثلاثة أميال و عن أبى يوسف انها تجب في ثلاث فراسخ و عن الحسن البصري انها تجب في أربع فراسخ و قال بعضهم ان أمكنه ان يحضر الجمعة و يبيت بأهله من تكلف تجب عليه الجمعة و الا فلا و هذا حسن و يتصل بهذا اقامة الجمعة في أيام الموسم بمنى قال أبو حنيفة و أبو يوسف تجوز اقامة الجمعة بها إذا كان المصلى بهم الجمعة هو الخليفة أو أمير العراق أو أمير الحجاز أو أمير مكة سواء كانوا مقيمين أو مسافرين أو رجلا مأذونا من جهتهم و لو كان المصلى بهم الجمعة أمير الموسم و هو الذي أمر بتسوية أمور الحجاج لا لا يجوز سواء كان مقيما أو مسافرا لانه مأمور بإقامة الجمعة الا إذا كان مأذونا من جهة أمير العراق أو أمير مكة و قيل ان كان مقيما يجوز و ان كان مسافرا لا يجوز و الصحيح هو الاول و قال محمد لا تجوز الجمعة بمنى و اجمعوا على انه لا تجوز الجمعة بعرفات و ان أقامها أمير العراق أو الخليفة نفسه و قال بعض مشايخنا ان الخلاف بين أصحابنا في هذا بناء على أن منى من توابع مكة عندهما و عند محمد ليس من توابعها و هذا سديد لان بينهما أربعة فراسخ و هذا قول بعض الناس في تقدير التوابع فاما عندنا فبخلافه على ما مر و الصحيح أن الخلاف فيه بناء على أن المصر الجامع شرط عندنا الا أن محمدا يقول ان منى ليس بمصر جامع بل هو قرية فلا تجوز الجمعة بها كما لا تجوز بعرفات و هما يقولان انها تتمصر في أيام الموسم لان لها بناء و ينقل إليها الاسواق و يحضرها وال يقيم الحدود و ينفذ الاحكام فالتحق بسائر الامصار بخلاف عرفات فانها مفازة فلا تتمصر باجتماع الناس و حضرة السلطان و هو تجوز صلاة الجمعة خارج المصر منقطعا عن العمران أم لا ذكر في الفتاوى رواية عن أبى يوسف ان الامام إذا خرج يوم الجمعة مقدار ميل أو ميلين فحضرته الصلاة فصلى جاز و قال بعضهم لا تجوز الجمعة خارج المصر منقطعا عن العمران و قال بعضهم على قول أبى حنيفة و أبى يوسف يجوز و على قول محمد لا يجوز كما اختلفوا في الجمعة بمنى و أما اقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين فقد ذكر الكرخي انه لا بأس بان يجمعوا في موضعين أو ثلاثة عند هكذا ذكر و عن أبى يوسف روايتان في رواية قال لا يجوز الا إذا كان بين موضعى الاقامة نهر عظيم كدجلة أو نحوها فيصير بمنزلة مصرين و قيل انما تجوز على قوله إذا كان لا جسر على النهر فاما إذا كان عليه جسر فلا لان له حكم مصر واحد و كان يأمر بقطع الجسر يوم الجمعة حتى ينقطع الفصل و فى رواية قال يجوز في موضعين إذا كان المصر عظيما و لم يجر في الثلاث و ان كان بينهما نهر صغير لا يجوز فان أدوها في موضعين فالجمعة لمن سبق منهما و على الآخرين ان يعيدوا
(261)
الظهر و ان أدوها معا أو كان لا يدرى كيف كان لا تجوز صلاتهم و روى محمد عن أبى حنيفة انه يجوز الجمع في موضعين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك و ذكر محمد في نوادر الصلاة و قال لو أن أميرا أمر إنسانا ان يصلى بالناس الجمعة في المسجد الجامع و انطلق هو إلى حاجة له ثم دخل المصر في بعض المساجد وصلى الجمعة قال تجزي أهل المصر الجامع و لا تجزئه الا أن يكون أعلم الناس بذلك فيجوز و هذا كجمعة في موضعين و قال أيضا لو خرج الامام يوم الجمعة للاستسقاء يدعو و خرج معه ناس كثير و خلف إنسانا يصلى بهم في المسجد الجامع فلما حضرت الصلاة صلى بهم الجمعة في الجبانة و هي على قدر غلوة من مصره وصلى خليفته في المصر في المسجد الجامع قال تجزئهما جميعا فهذا يدل على أن الجمعة تجوز في موضعين في ظاهر الرواية و عليه الاعتماد انه تجوز في موضعين و لا تجوز في أكثر من ذلك فانه روى عن على رضى الله عنه انه كان يخرج الي الجبانة في العيد و يستخلف في المصر من يصلى بضعفه الناس و ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم و لما جاز هذا في صلاة العيد فكذا في صلاة الجمعة لانهما في اختصاصهما بالمصريان و لان الحرج يندفع عند كثرة الزحام بموضعين غالبا فلا يجوز أكثر من ذلك و ما روى عن محمد من الاطلاق في ثلاث مواضع محمول على موضع الحاجة و الضرورة و أما السلطان فشرط أداء الجمعة عندنا حتى لا يجوز اقامتها بدون حضرته أو حضرة نائبة و قال الشافعي السلطان ليس بشرط لان هذه صلاة مكتوبة فلا يشترط لاقامتها السلطان كسائر الصلوات و لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم شرط الامام لالحاق الوعيد بتارك الجمعة بقوله في ذلك الحديث و له امام عادل أو جائز و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أربع إلى الولاة وعد من جملتها الجمعة و لانه لو لم يشترط السلطان لادى إلى الفتنة لان هذه صلاة تؤدى بجمع عظيم و التقدم على جميع أهل المصر يعد من باب الشرف و أسباب العلو و الرفعة فيتسارع إلى ذلك كل من جبل على علو الهمة و الميل إلى الرئاسة فيقع بينهم التجاذب و التنازع و ذلك يؤدى إلى التفاتل والتفالى فقوض ذلك إلى الوالي ليقوم به أو ينصب من رآه أهلا له فيمتنع غيره من الناس عن المتنازعة لما يرى من طاعة الوالي أو خوفا من عقوبته و لانه لو لم يفوض إلى السلطان لا يخلوا ما أن تؤدى كل طائفة حضرت الجامع فيؤدى الي تفويت فائدة الجمعة و هي اجتماع الناس لاحراز الفضيلة على الكمال و اما أن لا تؤدى الا مرة واحدة فكانت الجمعة للاولين و تفوت عن الباقين فاقتضت الحكمة و ان تكون اقامتها متوجهة إلى السلطان ليقيمها بنفسه أو بنائبه عند حضور عامة أهل البلدة من مراعاة الوقت المستحب و الله أعلم هذا إذا كان السلطان أو نائبه حاضرا فاما إذا لم يكن اماما بسبب الفتنة أو بسبب الموت و لم يحضروال آخر بعد حتى حضرت الجمعة ذكر الكرخي أنه لا بأس أن يجمع الناس على رجل حتى يصلى بهم الجمعة و هكذا روى عن محمد ذكره في العيون لما روى عن عثمان رضى الله عنه أنه لما حوصر قدم الناس عليا رضى الله عنه فصلى بهم الجمعة و روى في العيون عن أبى حنيفة في و إلى مصر مات و لم يبلغ الخليفة موته حتى حضرت الجمعة فان صلى بهم خليفة الميت أو صاحب الشرط أو القاضي أجزأهم و ان قدم العامة رجلا لم يجز لان هؤلاء قائمون مقام الاول في الصلاة حال حياته فكذا بعد وفاته ما لم يفوض الخليفة الولاية إلى غيره و ذكر في نوادر الصلاة أن السلطان إذا كان يخطب فجاء سلطان آخر ان أمره أن يتم الخطبة يجوز و يكون ذلك القدر خطبة و يجوز له أن يصلى بهم الجمعة لانه خطب بأمره فصار نائبا عنه و ان لم يأمره بالاتمام و لكنه سكت حتى أتم الاول خطبته فأراد الثاني أن يصلى بتلك الخطبة لا تجوز الجمعة و له أن يصلى الظهر لان سكوته محتمل يحتمل أن يكون أمرا و يحتمل أن لا يكون أمرا فلا يعتبر مع الاحتمال و كذلك إذا حضر الثاني و قد فرغ الاول من خطبه فصلى الثاني بتلك الخطبة لا يجوز لانها خطبة امام معزول و لم توجد الخطبة من الثاني و الخطبة شرط هذا كله إذا علم الاول بحضور الثاني و ان لم يعلم فخطب وصلى و الثاني ساكت يجوز لانه لا يصيرمعزولا الا بالعلم كالوكيل الا إذا كتب اليه كتاب العزل أو أرسل اليه رسولا فصار معزولا و أما العبد إذا كان سلطانا فجمع بالناس أو أمر غيره جاز و كذا إذا كان حرا مسافرا و هذا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر شرط صحة الجمعة هو الامام الذي هو حر مقيم
(262)
حتى إذا كان عبدا أو مسافرا لا تصح منه اقامة الجمعة وجه قول زفر انه لا جمعة على العبد و المسافر قال النبي صلى الله عليه و سلم أربعة لا جمعة عليهم المسافر و المريض و العبد و المرأة فلو جمع بالناس كان متطوعا في اداء الجمعة و اقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه صلى الجمعة بالناس عام فتح مكة و كان مسافرا حتى قال لهم في صلاة الظهر بعد ما صلى ركعتين و سلم أتموا صلاتكم يا أهل مكة فانا قوم سفر و عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال أطيعوا السلطان و لو أمر عليكم عبد حبشي أجدع و لو لم يصلح اماما لم تفترض طاعته و لانهما من أهل الوجوب الا انه رخص لهما التخلف عنها و الاشتغال بتسوية أسباب السفر و خدمة المولي نظرا فإذا حضر الجامع لم يسلك طريقة الترخص و اختار العزيمة فيعود حكم العزيمة و يلتحق بالاحرار المقيمين كالمسافر إذا صام رمضان فيصح الاقتداء به و به تبين ان هذا اقتداء المفترض بالمفترض فيصح و أما المرأة و الصبي العاقل فلا يصح منهما اقامة الجمعة لانهما لا يصلحان للامامة في سائر الصلوات ففى الجمعة أولى الا ان المرأة إذا كانت سلطانا فأمرت رجلا صالحا للامامة حتى صلى بهم الجمعة جاز لان المرأة تصلح سلطانا أو قاضيا في الجملة فتصح امامتها و أما الخطبة فالكلام في الخطبة في مواضع في بيان كونها شرطا لجواز الجمعة و فى بيان وقت الخطبة و فى بيان كيفية الخطبة و مقدارها و فى بيان ما هو المسنون في الخطبة و فى بيان محظورات الخطبة أما الاول فالدليل على كونها شرطا قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله و الخطبة ذكر الله فتدخل في الامر بالسعى لها من حيث هى ذكر الله أو المراد من الذكر الخطبة و قد أمر بالسعى إلى الخطبة فدل على وجوبها و كونها شرطا لانعقاد الجمعة و عن عمر و عائشة رضى الله عنهما انهما قالا انما قصرت الصلاة لاجل الخطبة أخبرا أن شطر الصلاة سقط لاجل الخطبة و شطر الصلاة كان فرضا فلا يسقط الا بالتحصيل ما هو فرض و لان ترك الظهر بالجمعة عرف بالنص و النص ورد بهذه الهيئة و هي وجوب الخطبة ثم هى و ان كانت قائمة مقام ركعتين شرط و ليست بركن لان صلاة الجمعة لا تقام بالخطبة فلم تكن من أركانها و أما وقت الخطبة فوقت الجمعة و هو وقت الظهر لكن قبل صلاة الجمعة لما ذكرنا لنها شرط الجمعة و شرط الشيء يكون سابقا عليه و هكذا فعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و وقت الخطبة بعرفة قبل الصلاة أيضا لكنها سنت لتعليم المناسك و اما الخطبة في العيدين فوقتها بعد الصلاة و هي سنة لما نذكر ان شاء الله تعالى و اما كيفية الخطبة و مقدارها فقد قال أبو حنيفة ان الشرط أن يذكر الله تعالى على قصد الخطبة كذا نقل عنه في الامالي مفسرا قل الذكر أم كثر حتى لو سبح أو هلل أو حمد الله تعالى على قصد الخطبة اجزأه و قال أبو يوسف و محمد الشرط أن يأتى بكلام يسمى خطبة في العرف و قال الشافعي الشرط ان يأتى بخطبتين بينهما جلسة لان الله تعالى قال فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع و هذا ذكر مجمل ففسره النبي صلى الله عليه و سلم بفعله و تبين ان الله تعالى أمر بخطبتين و لهما ان المشروط هو الخطبة و الخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلى الله عليه و سلم و الدعاء للمسلمين و الوعظ و التذكير لهم فينصرف المطلق إلى المتعارف و لابي حنيفة طريقان أحدهما ان الواجب هو مطلق ذكر الله لقوله فاسعوا إلى ذكر الله و ذكر الله تعالى معلوم لا جهالة فيه فلم يكن مجملا لانه تطاوع العمل من بيان يقترن به فتقييده بذكر يسمى خطبة أو بذكر طويل لا يجوز الا بدليل و الثاني أن يقيد ذكر الله تعالى بما يسمى خطبة لكن اسم الخطبة في حقيقة اللغة يقع على ما قلنا فانه روى عن عثمان رضى الله عنه انه لما استخلف خطب في أول جمعة فلما قال الحمد لله ارتج عليه فقال أنتم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال و ان أبا بكر و عمر كانا يعد ان لهذا المكان مقالا و ستأتيكم الخطب من بعد و أستغفر الله لي و لكم و نزل وصلى بهم الجمعة و كان ذلك بمحضر من المهاجرين و الانصار وصلوا خلفه و ما أنكروا عليه صنيعه مع انهم كانوا موصوفين بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر فكان هذا إجماعا من الصحابة رضى الله عنهم على ان الشرط هو مطلق ذكر الله تعالى و مطلق ذكر الله تعالى مما ينطلق عليه اسم الخطبة لغة و ان كان لا ينطلق عليه عرفا و تبين بهذا ان الواجب هو الذكر لغة و عرفا و قد وجد أو ذكر هو خطبة لغة و ان لم يسم خطبة في العرف و قد أتى به و هذا لان العرف انما يعتبر في
(263)
معاملات الناس فيكون دلالة على غرضهم و أما في أمر بين العبد و بين ربه فيعتبر فيه حقيقة اللفظ لغة و قد وجد على ان هذا القدر من الكلام يسمى خطبة في المتعارف ألا ترى إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال للذي قال من يطع الله و رسوله فقد رشد و من عصاهما فقد غوى بئس الخطيب أنت سماه خطيبا بهذا القدر من الكلام و أما سنن الخطبة فمنها أن يخطب خطبتين على ما روى عن الحسن بن زياد عن أبى حنيفة انه قال ينبغى أن يخطب خطبة خفيفة يفتتح فيها بحمد الله تعالى و يثنى عليه و يتشهد و يصلى على النبي صلى الله عليه و سلم و يعظ و يذكر و يقرأ سورة ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى يحمد الله تعالى و يثنى عليه النبي صلى الله عليه و سلم و يدعو للمؤمنين و المؤمنات و يكون قدر الخطبة قدر سورة من طوال المفصل لما روى عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخطب خطبتين قائما يجلس فيما بينهما جلسة خيفية و يتلو آيات من القرآن و كان الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل البخارى يستحب أن يقرأ الخطيب في خطبته يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ثم القعدة بين الخطبتين سنة عندنا و كذا القراءة في الخطبة و عند الشافعي شرط و الصحيح مذهبنا لان الله تعالى أمر بالذكر مطلقا عن قيد القعدة و القراءة فلا تجعل شرطا بخبر الواحد لانه يصير ناسخا لحكم الكتاب و انه لا يصلح ناسخا له و لكن يصلح مكملا له فقلنا ان قدر ما ثبت بالكتاب يكون فرضا و ما ثبت بخبر الواحد يكون سنة عملا بهما بقدر الامكان و عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان يخطب خطبة واحدة فلما ثقل أى أسن جعلها خطبتين و قعد بينهما فهذا دليل على ان القعدة للاستراحة لا انه شرط لازم و منها الطهارة في حالة الخطبة فهي سنة عندنا و ليست بشرط حتى ان الامام إذا خطب و هو جنب أو محدث فانه يعتبر شرطا لجواز الجمعة و عند أبى يوسف لا يجوز و هو قول الشافعي لان الخطبة بمنزلة شطر الصلاة لما ذكرنا من الاثر و لهذا لا تجوز في وقت الصلاة فيشترط لها الطهارة كما تشترط للصلاة و لنا انه ليس في ظاهر الرواية شرط الطهارة و لانها من باب الذكر و المحدث و الجنب لا يمنعان من ذكر الله تعالى و الاعتبار بالصلاة سديد ألا ترى انها تؤدى مستدبر القبلة و لا يفسدها الكلام بخلاف الصلاة ثم لم يذكر اعادة الخطبة ههنا و ذكر في أذان الجنب انه يعاد و الفرق ان الاذان تحلي بحلية الصلاة و هي استقبال القبلة بخلاف الخطبة فكان الخلل المتمكن في الاذان أشد و كثير النقص مستحق الرفع دون قليله كما يجبر نقص ترك الواجب بسجدتي السهو دون ترك السنن و يحتمل أن تكون الاعادة مستحبة في الموضعين كذا ذكر في نوادر أبى يوسف انه يعيدها و ان لم يعدها جاز لانه ليس من شرطها استقبال القبلة هكذا ذكر اشار إلى انها ليست نظير الصلاة فلا تشترط لها الطهارة الا انها سنة لان السنة هى الوصل بين الخطبة و الصلاة و لا يتمكن من اقامة هذه السنة الا بالطهارة و منها أن يخطب قائما فالقيام سنة و ليس بشرط حتى لو خطب قاعدا يجوز عندنا الظاهر النص و كذا روى عن عثمان انه كان يخطب قاعدا حين كبروا سن و لم ينكر عليه أحد من الصحابة الا انه مسنون في حال الاختيار لان النبي صلى الله عليه و سلم كان يخطب قائما و روى ان رجلا سأل ابن مسعود رضى الله عنه أ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب قائما أو قاعدا فقال ألست تقرأ قوله تعالى و تركوك قائما و منها أن يستقبل القوم بوجهه و يستدبر القبلة لان النبي صلى الله عليه و سلم هكذا كان يخطب و كذا السنة في حق القوم أن يستقبلوه بوجوههم لان الاسماع و الاستماع واجب للخطبة و ذا لا يتكامل الا بالمقابلة و روى عن أبى حنيفة انه كان لا يستقبل الامام بوجهه حتى يفرغ المؤذن من الاذان فإذا أخد الامام في الخطبة انحرف بوجهه اليه و منها أن لا يطول الخطبة لان النبي صلى الله عليه و سلم أمر بتقصير الخطب و عن عمر رضى الله عنه انه قال طولوا الصلاة و قصروا الخطبة و قال ابن مسعود طول الصلاة و قصر الخطبة من فقه الرجل أى أن هذا مما يستدل به على فقه الرجل و أما محظورات الخطبة فمنها انه يكره الكلام حالة الخطبة و كذا قراءة القرآن و كذا الصلاة و قال الشافعي إذا دخل الجامع و الامام في الخطبة ينبغى أن يصلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد احتج الشافعي بما روى عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنه انه قال دخل سليك الغطفانى يوم الجمعة و النبي صلى الله عليه و سلم بخطب فقال له
(264)
أ صليت قال لا قال فصل ركعتين فقد أمره بتحية المسجد حالة الخطبة و لنا قوله تعالى فاستمعوا له و أنصتوا و الصلاة تفوت الاستماع و الانصات فلا يجوز ترك الفرض لاقامة السنة و الحديث منسوخ كان ذلك قبل وجود الاستماع و تزول قوله تعالى و إذا قرئ القرآن فاستعموا له و أنصتوا دل عليه ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر سليكا ان يركع ركعتين ثم نهى الناس أن يصلوا و الامام بخطب فصار منسوخا أو كان سليك مخصوصا بذلك و الله أعلم و كذا كل ما شغل عن سماع الخطبة من التسبيح و التهليل و الكتابة و نحوها بل يجب عليه أن يستمع و يسكت و أصله قوله تعالى و إذا قرئ القرآن فاستعموا له و أنصتوا قيل نزلت الآية في شأن الخطبة أمر بالاستماع و الانصات و مطلق الامر للوجوب و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من قال لصاحبه و الامام يخطب انصت فقد لغا و من لغا فلا صلاة له ثم ما ذكرنا من وجوب الاستماع و السكوت في حق القريب من الخطيب فاما البعيد منه إذا لم يسمع الخطبة كيف يصنع اختلف المشايخ فيه قال محمد بن سلمة البلخى الانصات له أولى من قراءة القرآن و هكذا روى المعلى عن أبى يوسف و هو اختيار الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخارى و وجهه ما روى عن عمر و عثمان انهما قالا ان أجر المنصت الذي لا يسمع مثل أجر المنصت السامع و لانه في حال قربة من الامام كان مأمورا بشيئين الاستماع و الانصات و بالبعد ان عجز عن الاستماع لم يعجز عن الانصات فيجب عليه و عن نصير بن يحيى انه أجاز له قراءة القرآن سرا و كان الحكم بن زهير بن أصحابنا ينظر في كتب الفقة و وجهه ان الاستماع و الانصات انما وجب عند القرب ليشتركوا في ثمرات الخطبة بالتأمل و التفكر فيها و هذا لا يتحقق من البعيد عن الامام فيلحرز لنفسه ثواب قراءة القرآن و دراسة كتب العلم و لان الانصات لم يكن مقصودا بل ليتوصل به إلى الاستماع فإذا سقط عنه فرض الاستماع سقط عنه الانصات أيضا و الله أعلم و يكره تشميت العاطس ورد السلام عندنا و عند الشافعي لا يكره و هو رواية عن أبى يوسف لان رد السلام فرض و لنا انه ترك الاستماع المفروض و الانصات و تشميت العاطس ليس بفرض فلا يجوز ترك الفرض لاجله و كذا رد السلام في هذه الحلة ليس بفرض لانه يرتكب بسلامه مأثما فلا يجب الرد عليه كما في حالة الصلاة و لان السلام في حالة الخطبة لم يقع تحية فلا يستحق الرد و لان رد السلام مما يمكن تحصيله في كل حالة أما سماع الخطبة لا يتصور الا في هذه الحالة فكان أقامته أحق و نظيره ما قال أصحابنا ان الطواف تطوعا بمكة في حق الا فاقى أفضل من صلاة لتطوع و الصلاة في حق المكي أفضل من الطواف لما قلنا و على هذا قال أبو حنيفة ان سماع الخطبة أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فينبغي ان يستمع و لا يصلى عليه عند سماع اسمه في الخطبة لما أن إحراز فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم مما يمكن في كل وقت و إحراز ثواب سماع الخطبة يختص بهذه الحالة فكان السماع أفضل و روى عن أبى يوسف انه ينبغى ان يصلى على النبي صلى الله عليه و سلم في نفسه عند سماع اسمه لان ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة فكان إحراز الفضيلتين أحق و اما العاطس فهل يحمد الله تعالى فالصحيح انه يقول ذلك في نفسه لان ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة و كذا السلام حالة الخطبة مكروه لما قلنا هذا الذي ذكرنا في حال الخطبة فاما عند الاذان الاخير حين خرج الامام إلى الخطبة و بعد الفراغ من الخطبة حين أخذ المؤذن في الاقامة إلى أن يفرغ هل يكره ما يكره في حال الخطبة على قول أبى حنيفة يكره و على قولهما لا يكره الكلام و تكره الصلاة و احتجا بما روى في الحديث خروج الامام يقطع الصلاة و كلامه يقطع الكلام جعل القاطع للكلام هو الخطبة فلا يكره قبل وجودها و لان النهى عن الكلام لوجوب استماع الخطبة و انما يجب حالة الخطبة بخلاف الصلاة لانها تمتد غالبا فيفوت الاستماع و تكبيرة الافتتاح و لابي حنيفة ما روى عن ابن مسعود و ابن عباس رضى الله عنهما موقوفا عليهما و مرفوعا الي رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال إذا خرج الامام فلا صلاة و لا كلام و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الناس الاول فالأَول فإذا خرج الامام طووا الصحف و جاؤا يستمعون الذكر فقد
(265)
أخبر عن طى الصحف عند خروج الامام و انما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام لانهم إذا تكلموا يكتبونه عليهم لقوله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد و لانه إذا خرج للخطبة كان مستعدا لها و المستعد للشيء كالشارع فيه و لهذا الحق الاستعداد بالشروع في كراهة الصلاة فكذا في كراهة الكلام و اما الحديث فليس فيه أن الكلام يقطع الكلام فكان تمسكا بالسكوت و أنه لا يصح و يكره للخطيب أن يتكلم في حالة الخطبة و لو فعل لا تفسد الخطبة لانها ليست بصلاة فلا يفسدها كلام الناس يكره لانها شرعت منظومة كالاذان و الكلام يقطع النظم الا إذا كان الكلام أمرا بالمعروف فلا يكره لما روى عن عمر انه كان يخطب يوم الجمعة فدخل عليه عثمان فقال له أية ساعة هذه فقال ما زدت حين سمعت النداء يا أمير المؤمنين على أن توضأت فقال و الوضوء أيضا و قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بالاغتسال و هذا لان الامر بالمعروف يلتحق بالخطبة لان الخطبة فيها وعظ فلم يبق مكروها و لو أحدث الامام بعد الخطبة قبل الشروع في الصلاة فقدم رجلا يصلى بالناس ان كان ممن شهد الخطبة أو شيأ منها جاز و ان لم يشهد شيأ من الخطبة لم يجز و يصلى بهم الظهر أما إذا شهد الخطبة فلان الثاني قام مقام الاول و الاول يقيم الجمعة فكذا الثاني و كذا إذا شهد شيأ منها لان ذلك القدر لو وجد وحده وقع معتدا به فكذا إذا وجد مع غيره و يستوى الجواب بين ما إذا كان الامام مأذونا في الاستخلاف أو لم يكن بخلاف القاضي فانه لا يملك الاستخلاف إذا لم يكن مأذونا فيه و الفرق أن الجمعة مؤقته تفوت بتأخيرها عند العذر اذ لم يستخلف فالأَمر بإقامتها مع علم الوالي انه قد يعرض له عارض يمنعه من الاقامة يكون اذنا بالاستخلاف دلالة بخلاف القاضي لان للقضاء مؤقت لا يفوت بتأخيره عند العذر فانعدم الاذن نصا و دلالة فهو الفرق و أما إذا لم يشهد الخطبة فلانه منشئ للجمعة و ليس بيان تحريمته على تحريمه الامام و الخطبة شرعا انشاء الجمعة و لم توجد و لو شرع الامام في الصلاة ثم أحدث فقدم رجلا جاء ساعتئذ أى لم يشهد الخطبة جاز وصلى بهم الجمعة لان تحريمه الاول انعقدت للجمعة لوجود شرطها و هو الخطبة و الثاني بني تحريمته على تحريمه الامام و الخطبة شرط انعقاد الجمعة في حق من ينشئ التحريمة في الجمعة لا في حق من يبنى تحريمته على تحريمه غيره بدليل أن المقتدى بالامام تصح جمعته و ان لم يدرك الخطبة لهذا المعنى فكذا هذا و لو تكلم الخليفة بعد ما شرع الامام في الصلاة فانه يستقبل بهم الجمعة ان كان ممن شهد الخطبة و ان كان لم يشهد الخطبة فالقياس ان يصلى بهم الظهر و فى الاستحسان يصلى بهم الجمعة وجه القياس ظاهر لانه ينشئ التحريمة في الجمعة و الخطبة شرط انعقاد الجمعة في حق المنشئ لتحريمة الجمعة وجه الاستحسان انه لما قام مقام الاول التحق به حكما و لو تكلم الاول استقبل بهم الجمعة فكذا الثاني و ذكر الحاكم في المختصر ان الامام إذا أحدث و قدم رجلا لم يشهد الخطبة فأحدث قبل الشروع لم يجز و لو قدم هذا الرجل محدثا آخر قد شهد الخطبة لم يجز لانه ليس من أهل اقامة الجمعة بنفسه فلا يجوز منه الاستخلاف و بمثله لو قدم جنبا قد شهد الخطبة فقدم هذا الجنب رجلا طاهرا قد شهد الخطبة جاز لان الجنب الذي شهد الخطبة من أهل الاقامة بواسطة الاغتسال فيصح منه الاستخلاف و لو كان المقدم صبيا أو معتوها أو إمرأة أو كافرا فقدم غيره ممن شهد الخطبة لم يجز تقديمه بخلاف الجنب و الفرق ان الجنب أهل لاداء الجمعة لانه قادر على اكتساب أهلية الاداء بإزالة الجنابة و الحدث عن نفسه فكان هذا استخلافا لمن له قدرة القيام بما استخلف عليه فصح كما في سائر المواضع التي يستخلف فيها فإذا قدم هو غيره صح لانه استخلفه بعد ما صار خليفة فكان له ولاية الاستخلاف بخلاف الصبي و المعتوه و المرأه فان الصبي و المعتوه ليسا من أهل أداء الجمعة و المرأة ليست من أهل امامة الرجال و لا قدرة لهم على اكتساب شرط الاهلية فلم يصح استخلافهم إذا لاستخلاف شرع ابقاء للصلاة على الصحة و استخلاف من لا قدرة له على اكتساب الاهلية مفيد فلم يصح و إذا لم يصح استخلافهم كيف يصح منهم استخلاف ذلك الغير فإذا تقدم ذلك الغير فكانه تقدم بنفسه لالتحاق تقدمهم بالعدم شرعا و لو تقدم بنفسه في هذه الصلاة لا يجوز بخلاف سائر الصلوات حيث لا يحتاج فيها إلى التقديم و الفرق ان اقامة الجمعة متعلقة بالامام