(و) العدوى
الأمراض المعدية
المسألة1: لا يجوز للمريض الذي لمرضه عدوى، أن يبقى في المجتمع مما يسبب العدوى إلى الآخرين، وإن
كان الضرر الذي يصاب به الآخر طفيفاً مثلاً كحمى يوم، لأنه لا يجوز الإضرار بالغير ولو قليلاً.
فإن (لا ضرر) كما ذكرناه في الكتب الفقهية يشمل ثلاثة أمور:
الأول
إن تشريع الضرر غير كائن.
الثاني
إن الشخص لا يحق له أن يضرر نفسه ضرراً بالغاً، وإنما قيدناه بالبالغ لأن غير البالغ جائز،
ولذا وقف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والزهراء (عليها السلام) في العبادة حتى تورّمت قدماهما
(صلوات الله عليهما)(1) إلى غير ذلك.
الثالث
إن الشخص لا يحق له أن يضرر الآخرين ولو ضرراً غير بالغ إلا برضاهم، وإذا ضررهم بالفاً أو
غير بالغ بغير رضاهم كان عليه الغرامة، إلا في موارد القصاص ونحوه.
ضمان صاحب المرض المعدي
المسألة2: لا يجوز للإنسان الذي له مرض معدي أن يرتاد الإجتماعات ويباشر الموارد العامة الموجبة
للعدوى، ولو فعل وتلف بسببه شخص كان ضامنا .
وكذا إذا أضر بشخص، فإنه(لا ضرر ولا ضرار).
عندما ينتشر الوباء
المسألة3: إذا كان خوف الوباء أو الأمراض الفتاكة، كان للدولة الإسلامية وكذلك الفرد المسلم إجبار
الناس على استعمال الوقاية والعلاج، مثلاً: إذا تسمّم الهواء بالوباء أو بالجدري أو بالملاريا،
وأراد الطبيب تطعيم الناس فأبى إنسان،كان للطبيب إجباره، فإن دليل ( لا ضرر)(2) حاكم على دليل تسليط
الناس على أنفسهم وأموالهم(3) نعم إذا كان المرض المحتمل يسيراً يجوز تحمله شرعاً لم يجز إجبار
الناس في الوقاية أو العلاج بعد الابتلاء به.
إذ دليل (لا ضرر) لا يشمل الأضرار اليسيرة كما ذكرناه في (الفقه) و(الأصول) بالنسبة إلى أضرار
الإنسان نفسه أو تحمّله للضرر الذي توجّه اليه.
الوباء في مكة والمواقف
المسألة4: إذا اجتاح مكة المكرمة أو المواقف وباء ونحوه يكون حكم المحرم حكم المحصور الذي ذكر في
باب الحج.
لأنه حينئذ محصور ولو بالملاك.
البقاء في محل يخشى فيه المرض
المسألة5: لا يجوز البقاء في محل يخشى فيه من المرض الذي لا يجوز تحمله كالبقاء مع المجذومين أو
المسلولين أو ما أشبه فإنه كما لا يجوز للإنسان تعريض نفسه للهلاك كذلك لا يجوز تعريض نفسه للضرر
الكثير المحرم تحمله.
أما قصة الإمام(عليه السلام) وأكله مع المجذومين ــ فإن صح ــ كان المراد منه الأكل في سفرة واحدة
لا من انائهم مع رعاية ما يوجب عدم الــضرر، أو يكون من باب الإعجاز أو ما أشبه فتأمل، وذلك للأدلة
الكثيرة، نعم لا بأس بذلك مع استخدام الوسائل الوقائية الحديثة التي تحفظ الإنسان من العدوى.
البقاء في الأجواء القاتلة
المسألة6: لا يجوز البقاء في محل موبوء يخشى فيه التلف، كما إذا سم الهواء بالغبار الذري أو
بالملاريا القاتلة أو نحو ذلك.
فإن دفع الضرر المحتمل ــ عقلائيا لا مثل الوسوسة ــ واجب.
الإنتحار بالهواء المسموم
المسألة7: لا يجوز الإنتحار بالتنفس في الهواء المسموم.
لأن قتل النفس حرام بأية كيفية كان القتل، كالحرق والغرق والإلقاء من شاهق أو ما أشبه إلى غير ذلك،
وقد دل على حرمة الإنتحار الأدلة الأربعة، وقد سبق البحث عنها.
الحد من سراية الأمراض
المسألة8: لا يجوز لمن به سفلس أو الزهري أو ما أشبه مما يوجب العدوى أن يجلس على أرض الحمام او
يستعمل شيئا يبقى أثر المرض فيه ثم يسري إلى غيره.
لأنه من إضرار الغير الذي لا يجوز حتى القليل منه فكيف بالكثير، ولو فعل ذلك ضمن، لإطلاق الأدلة.
1 ـ راجع عالم العلوم 11/127 ب2 ح1 وفيه: عن الحسن البصري: (ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم
حتى تورمت قدماها)، وراجع تفسير القمي 2/58 في تفسير سورة طه وفيه: (كان رسول الله(صلى الله عليه وآله
وسلم) إذا صلّى قام على أصابع رجليه حتى تورّمت).
2 ـ وسائل الشيعة: 12/364 ب17 ح3.
3 ـ (الناس مسلطون على وأموالهم وأنفسهم) قاعدة فقهية مشهورة تطرق إليها الإمام المؤلف في كتاب
(القواعد الفقهية).