(د) العلاقات والقانون في الدولة الإسلامية
مجلس الامم والإنتماء إليه
المسألة1: لا بأس بانتماء المسلمين في الامم المتحدة للدفاع عن حقوق المسلمين وعن حقوقالمستضعفين الذين يهضم حقهم المستغلون، لكن بشرط أن لا يساعد المنتمي على قانون غير اسلامي.وذلك لإطلاق الأدلة بشرط أن(لا يساعد) إلا إذا اضطر، وبقدر الإضطرار دقة ، وانما إذا اضطر جاز لأنه
من قانون الأهم والمهم بين أن لا يدخل أو يدخل ويمضي ما لا يجوز في الإسلام بالقانون الأولي، ولقوله:
(ليس شيء مما حرمه الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه).
جامعة الدول العربية
المسألة2: لا بأس بتشكيل المسلمين جوامع، كجامعة الدول العربية وما أشبه لأجل الدفاع عن حقوقالمسلمين ولكن بشرط أن لا يقرر هناك قانون خلاف الإسلام.على ما ذكرناه في المسألة السابقة، ولا يخفى ان الجواز في المسألتين السابقتين وكذا اللاحقتين
بالمعنى الأعم.
الروابط الإسلامية
المسألة3: لا بأس بتشكيل المسلمين روابط، لكن بالشرط المتقدم في المسألة (430 و431).كرابطة العالم الإسلامي بين الدول الإسلامية رؤساء أو وزراء أو ما أشبه ذلك.المعاهدات والأحلاف
المسألة4: لا بأس بتحالف دول الإســــلام بعضها مع بعض، أو مع الدول غير الإسلامية، لكن بالشرطالمتقدم في المسألة
(430 و431).التحالف غير تشكيل الجوامع والروابط المتقدمة، وقد تحالف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع
اليهود والمشركين مما يدل على جوازه، ولو استلزم التحالف مع الكافر المحرم كان جوازه من باب قانون
الأهم والمهم إذا أمضاه شورى الفقهاء المراجع.
المعاهدات العسكرية
المسألة5: الاتفاقات العسكرية إذا كانت في نفع المسلمين، كانت محللة، بل واجبة إذا سببت درء الخطرعن بلاد الإسلام، وإذا كانت في ضرر المسلمين كانت محرمة.الوجوب والحرمة حسب الأدلة العامة، لكن يجب أن تكون الإتفاقية حسب أدق الموازين العلمية، مما
ينظمها الأخصائيون زمنياً ودينياً، وذلك ما لا يمكن في الحكومات المستبدة إطلاقاً خصوصاً إذا كانت
الحكومة التي هي في الطرف المقابل استشارية.
المعاهدات الدولية مع الكفار
المسألة6: إذا اضطر المسلم إلى مصادقة الكفار لأجل ترفيع مستوى المسلمين حتى لايتخلفوا عن مواكبةالعالم وحتى لايعلو عليهم سائر الامم، أو اضطر المسلمون للمصادقة لأجل مساندتهم ضد كافر غازي
مهاجم، فاللازم مصادقة الكفار الذين هم أقل ضررا وأبعد طمعا .لأن الضرورات تقدر بقدرها كما وكيفا، وهذا التحديد في المصادقة الضارة، وأما إذا لم يكن هناك
محذور فلا إشكال في ايجاد الصداقات والمعاهدات الدولية مع الكفار لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن
الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبر وهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
من واجب الدول الإسلامية تجاه الدول الاخرى
المسألة7: يجب على جميع الدول الإسلامية انقاذ دولة اسلامية أو فئة مسلمة وقعت تحت أسر الكفارسياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا أو نحوها.ويدل على ذلك الأدلة الأربعة، بالإضافة إلى انه من أوضح الضروريات، قال رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم): (من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم).
دعم الفئات والدول الإسلامية
المسألة8: إذا خيف على دولة اسلامية أو فئة مسلمة أن تقع فريسة للكفار وجب على جميع الدول الإسلاميةدرء الخطر عنها.وذلك لأن دفع الضرر المحتمل واجب فكيف بمثل ذلك.
وجوب الإنقاذ عيني وكفائي
المسألة9: الوجوب المذكور في المسألة السابقة عيني إذا لم يمكن الإنقاذ والدرء إلا بجميع دولالإسلام، وكفائي إذا أمكن الإنقاذ والدرء ببعضها.وذكرنا دول الإسلام من باب انها المصداق في زماننا، وإلا فاللازم أن يكون المسلمون امة واحدة،
ولهم دولة واحدة كما في زماني الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد
ذكرنا تفصيل الدولة والدول في الفقه.
الإسلام والأسلحة الاستراتيجية
المسألة10: الإسلام يوجب بالحد من الأسلحة بمختلف أقسامها: (الاستراتيجية) و(الكيماوية)و(الجرثومية) و(الذرية) و(الهيدروجينية) وغيرها، ولكن ليس معنى ذلك أن الإسلام ينزع عن بلاده السلاح
حتى يتغلب عليه الأعداء، بل شعار الإسلام: (وأعد والهم ما استطعتم من قوة).
فهنا أمران:
الأول
ترحيب الإسلام بالسلام ومخالفته للعنف والحرب والدمار وتضييع حقوق الإنسان.الثاني
ان السلام مقدر بقدر أن لا يسبب تجري الظالمين على المظلومين أو الإنهزام أمام الكافر،فالميزان أن لا يكون منافيا لقوله تعالى: (في سبيل الله والمستضعفين).
إعارة الأسلحة
المسألة11: تجوز إعارة دولة لدولة اخرى السلاح، سواء كانت لمجرد المناورة أو المحاربة الجائزة شرعا.أما إذا لم يجز فلا يجوز، وقد يترتب على ذلك الضمان أيضا .
اجارة الأسلحة
المسألة12: مثل الإعارة فيما ذكر في المسألة السابقة الإجارة والبيع والصلح وما أشبه.لوحدة الدليل في الجميع، ولا فرق في السلاح بين الهجومي والدفاعي.سيرة المسلم شعباً وحكومة
المسألة13: يجب أن تكون سيرة الدولة الإسلامية والشعب المسلم سيرة تؤدي إلى تفوّق المسلمين على سائرالأمم وتقدمهم على سائر البلاد في مختلف شؤون الحياة، لقاعدة (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)..فإن (الإسلام يعلو)(1) ليس إخباراً، بل هو إنشاء بهذه الصيغة مثل: (لا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد
احتلام)(2) ولذا رتب الفقهاء عليه أحكاماً في مختلف الأبواب(3).
من حقوق الدولة الإسلامية
المسألة14: الظاهر أنه يجوز للدولة الإسلامية أن تبيع ما تملكها من الأراضي أو نحو ذلك لشركة أولفرد في مقابل شيء تقدمه الشركة أو الفرد للبلاد مما يكون في ذلك صلاح الإسلام والمسلمين، لكن يشترط
في ذلك أن لا يسبب البيع محذورا مستقبلا أو حالا.وذلك لإطلاق أدلة البيع والرهن والمضاربة ونحوها ولإطلاق حق الدولة وحق الفرد في ممارسة هذه
المعاملات، لكن في الفرد له الحق حتى فيما إذا كان عمله خلاف مصلحة نفسه إذا لم يكن من لا ضرر، أما في
الدولة فلا يجوز إلا المصلحة لأنها موضوعة لفعل المصالح ودرء المفاسد كما يستفاد من الأدلة
الأربعة.
الغاية لا تبرر الوسيلة
المسألة15: (الغاية تبرر الوسيلة) لا أصل لها في الإسلام، نعم(قاعدة الأهم والمهم) قاعدة اسلامية،والفرق بينهما أن(القاعدة) توازن بين(الغاية والوسيلة) فأيتهما كانت أهم قدمت على الاخرى، وهي قاعدة
عقلائية يستعملها العقلاء في كافة امورهم، فإنه كلما دار الأمر بين ضررين قدموا الضرر الأخف على
الضرر الأكثر، وذلك بخلاف(الغاية تبرر) فإنها تقدم الغاية مهما كلف الأمر، وهذه أشبه بالانتهازية
والمصلحية والنفعية، وهي لا مجال لها في الإسلام.وقاعدة الأهم والمهم قد دل عليه الأدلة الكثيرة وقد فصلناه في بعض كتبنا، وكذلك يجب أن تقاس كل
الأمثال والقواعد الإجتماعية - مثل: حشر مع الناس عيد - وما أشبه بالموازين الإسلامية، فكل زائد
عليها أو ناقص يجب أن يلغى.
دائمية الحكم الإسلامي
المسألة16: لا يجوز الإعراض عن أحكام الإسلام من غير فرق بين اللجوء إلى أحكام غير أحكام الإسلامأو إلى عدم الحكم، مثلا : قد يترك الحاكم(قطع يد السارق) إلى(حبس السارق) وقد يترك(القطع) بدون اتخاذ
أي إجراء آخر.ويدل عليه الأدلة الأربعة، ولا يخفى ان ترك القطع إلى الحبس قد يجوز إذا كان في القطع ضرر يرفع
الحكم كما ذكرناه في كتاب: (فقه الدولة).
وضع القوانين
المسألة17: لا يجوز وضع القوانين غير الإسلامية، فإنه مشمول لقوله سبحانه:(ومن لم يحكم بما أنزل
الله فاولئك هم الكافرون).ولقوله تعالى: (سانزل مثل ما أنزل الله) وقد دل على حرمته الأدلة الأربعة، والمراد بالكافر كفر
الحكم لا كفر الإعتقاد، فإن مخالف الإسلام يخرج عن الجادة المستقيمة، قال تعالى: (فاولئك هم
الفاسقون)، فيكون بذلك ظالما لنفسه ولغيره (فاؤلئك هم الظالمون)، ويكون قد ستر حكم الله عملا، فإن
الكفر هو ستر الإعتقاد الصحيح أو العمل الصحيح قولا أو فعلا، قال تعالى: (فاولئك هم الكافرون).
التجنس بجنسيتين
المسألة18: يجوز للإنسان أن يتجنس بجنسيتين أو أكثر من بلدين أو بلاد.لإطلاق حرية الإنسان، وقد ذكرنا في بعض الكتب ان مطلق الجنسية كبت لحرية الإنسان، ولذا فاللازم أنيأتي يوم يلغى فيه كل هذه القيود وذلك يكون إذا أخذ الإسلام بالزمام.
بيع الجنسية أو الهوية
المسألة19: يجوز بيع الجنسية وما أشبه من الأوراق المرتبطة بالإنسان كالهوية وغيرها.لإطلاق حرية الإنسان إلا إذا كانت مرتبطة بفرد أو جماعة أو حكومة شرعية.القوانين الإسلامية لا تقبل التغيير
المسألة20: لا يتبدل حكم الله بسبب القانون، فإذا قال القانون بتساوي حق الرجل والمرأة حتى فيما لايجوز، أو يكون الطلاق بيد المرأة، أو بأن الرجل لا يحق له أن يتزوج فوق الواحدة، أو غير ذلك، فإن
الحكم الشرعي يبقى كما هو... وانا تتبعنا القوانين المخالفة لقوانين الإسلامية فلم نجد واحدا من تلك
القوانين أصلح للبشر أو أقرب إلى المنطق والعقل.كما ذكرنا جملة من ذلك في كتبنا المختلفة الفقهية وغيرها، ويدل عليه الأدلة الأربعة، قال سبحانه:
(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) وقال(عليه السلام):
(حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة
وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة).
لا حدود جغرافية في الإسلام
المسألة21: حيث أنه لا حدود في الإسلام للبلاد، فالذهاب والمجيء، والسفر والإقامة، كلها حق للمسلمبما منحه الإسلام من الحرية، ولا مانع شرعاً من كل ذلك إلا إذا كان خطراً وضرراً كما تقدم في المسألة
السابقة.الكلام هنا كالكلام في الــمسألة السابقة في كيفية الجمع بين الأمرين، وإن الذي يوضع جمعاً، له
صبغة الوقتية لا القانونية، ثم إذا أثبت بعض من يريد السفر أو البقاء أو إدخال بضاعة أو عملة صعبة أو
إخراجها، أنه ليس من مورد الضرر ونحوه، وقد أخذ منه حسب القانون الموضوع مؤقّتاً شيء أو سببوا له
ضرراً وجب على بيت المال تداركه، كما تقدم في مسألة الألبان لأجل الوباء المشتبه في بعضها، إذا ليس
الجمع بين الدليلين من (الحكمة) حتى تطّرد، بل من (العلة) فهي خاصة بمورد المشكلة.
لا جمارك ولا تهريب في الإسلام
المسألة22: لا جمارك في الإسلام ولا تهريب، وإنما المحرم التعامل بالأمور المحرمة، مثل الخمروالخنزير وما أشبههما، نعم إذا كان عدم إعطاء الكمرك أو التهريب خطراً على النفس وضرراً بالغاً لم
يجز بعنوان ثانوي.ومن المعلوم أن العنوان الثانوي يقدر بقدره، مثلاً: إذا كان فتح الحدود بين بلد إسلامي وبلد كافر
يوجب دخول البضائع الأجنبية بما يضرر اقتصاد بلد الإسلام أو خروج البضائع الإسلامية بما يضرر
الناس، كان اللازم على الدولة الإسلامية الوقوف دون الضرر، وذلك بأية كيفية تكون أقرب إلى الحرية
الإسلامية، لا أن يضع الجمرك فإنه محرم شديد، كما أن بين (لا ضرر)(4) وبين الجمرك عموماً من وجه، كما
لا يخفى، وقد فصلنا ذلك في بعض كتب الفقه.وكذلك حال التهريب، فإن بينه وبين (لا ضرر)(5) عموماً من وجه، ويمكن تحديد الأمر بتشكيل الدولة
الاسلامية لجاناً مركبة من الإسلاميين المطلعين والأخصائيين لتحديد الأمر، ومع ذلك فليس التحديد
له صبغة القانون بل الاستثناء والوقتية ما دامت مشكلة التدافع، وكذلك حال ما إذا اصطدمت قاعدة (لا
ضرر) ببعض الحريات الإسلامية في مختلف الأبعاد، هذا ويشترط في تطبيق العناوين الثانوية العامة فتوى
شورى الفقهاء المراجع.
الإستشارية أو البرلمانية
المسألة23: إذا توقفت ادارة مصالح المسلمين على الإستشارة وجبت، ومفهوم المشورة غير مفهوم(البرلمان) و(مجلس الشيوخ) وما أشبه مما وفدت إلينا من الغرب، وإن كان بين الأمرين تلاق في بعض
البنود، وبالإصطلاح المنطقي بين الأمرين(عموم من وجه) يتصادقان في بعض البنود ويتخالفان في بنود
اخرى، نعم إذ كان البرلمان ومجلس الشيوخ بصورة اسلامية جازا.والفرق ان في بلاد الإسلام في زماننا توضع بسبب المجلسين قوانين مخالفة للإسلام، بينما يلزم أن
يكونا للتطبيق لا للتشريع كما ذكرناه في(فقه السياسة) وغيره.
استخدام الذرة
المسألة24: كما يجوز استخدام الذرة في المقاصد السلمية يجوز استخدامها في المقاصد الحربية، ومنالمعلوم أن الحرب في الإسلام لا يجوز إلا في سبيل الله والمستضعفين، فالحروب العدوانية والحروب
التجارية وحروب السيطرة لا تجوز في الإسلام اطلاقا .الجواز للإطلاقات، ثم الحرب في الإسلام نظيف من الامور غير الإنسانية إلى الغاية كما يرشد إلى ذلك
حروب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والوصي(عليه السلام).
دفع المنكر بغير الحد الشرعي
المسألة25: إذا كان الجائر يرفع المنكر باسلوب غير اسلامي، لم يجز الرجوع إليه إلا إذا كان رفع ذلكالمنكر أهم، مثلا: إذا روجع إليه في باب المتعدي على نواميس الناس يحبسه شهرا، فإنه يجوز الرجوع
إليه لدفع شر المعتدي، إذ بقاء التعدي على اعراض الناس أعظم في نظر الشارع من حبس المتعدي وإن كان
الحبس للمتعدي ليس حكما إسلاميا .لأن فيه محذور التحاكم إلى الجائر والحكم بغير الشريعة، فالمقدم ما هو الأهم عند الشارع.
المتآمرون على أمن الدولة الإسلامية
المسألة26: ما هو حكم المتآمرين الذين تلقي الدولة الإسلامية العادلة القبض عليهم، مثلا يتآمرجماعة على نشر الرعب بين الناس فينظمون لذلك أمرهم بأن يتصدى أحدهم لتحصيل المال بالسرقة ونحوها،
والآخر لتحصيل السلاح، والثالث لمعرفة الامور السياسية، والرابع لمعرفة الشخصيات وأماكنهم،
والخامس ليشرف على الامور الفنية لأجل الإتصالات السلكية واللاسلكية وهكذا، الظاهر أن حكمهم
التعزير إلا أن ينطبق على أحدهم حد محدود في الإسلام كالسارق والمفسد وشاهر السلاح.(التعزيز) لأنه حكم كل فاعل حرام، إلا إذا قرر الشارع حدا خاصا لبعض المحرمات فيجري الحد حينئذ،
وقد ذكرنا في بعض كتبنا ان التعزير أعم من الضرب بالسوط فيشمل مثل السجن والغرامة المالية وما أشبه
حسب تشخيص شورى الفقهاء.
المتآمرون والبغاة
المسألة27: إذا كان قصد المخربين الخروج على الدولة الإسلامية العادلة فحكمهم ما ذكر في كتابالجهاد في باب(البغاة).وقد ظهر من علي أميرالمؤمنين(عليه السلام) في حربه مع الناكثين والمارقين والقاسطين ما يكفي لكل
أحكام هؤلاء.
حكم الإعدام في الإسلام
المسألة28: حكم الإعدام في الإسلام قليل جدا جدا بخلاف غالب القوانين التي يغلب فيها حكم الإعدامعلى جنايات كثيرة، وتلــــك الجنايات القانونية بنظر الإسلام تنقسم إلى ما ليس بجناية أصلا وإلى ما
هو جناية ولكن حكمها طفيف ليس هو الإعدام، فمن الضروري المكافحة لأجل سيادة حكم الإسلام وانقاذ
الناس من هذه الإعدامات بدون المبرر.فإن الإعدام من أشد المحرمات، قال تعالى: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأن ما قتل الناس
جميعا) أما الموارد القليلة التي حكمها الإعدام ففيه للحاكم الشرعي تبديل الإعدام بشيء أخف كما
ذكرناه في الفقه.
الدفاع عن الإسلام
المسألة29: إذا هوجم الإسلام أمام المسلم المغترب، وجب عليه الدفاع، بشروط الأمر بالمعروف والنهيعن المنكر، وإذا أشكل عليه بما لم يتمكن من جوابه لزم الاستعانة ببلاد الإسلام في تحصيل جواب ذلك
الإشكال.وذلك لأن الدفاع عن الإسلام واجب على كل مسلم، فإن (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)(6)، ولقوله
سبحانه: ( فلذلك فادع واستقم) (7) إلى غيرهما من الآيات والروايات، وهكذا حال التبليغ إلى الإسلام،
فإنه واجب كفائي على كل مسلم، وتعليم الأحكام إلى غير ذلك، فإن المقام من مصاديقها.
الانتصار على الأعداء
المسألة30: إذا توقف انتصار المسلمين على الأعداء في الحرب (سواء كانت الحرب من باب الجهاد أو من بابالدفاع) على الهجوم بالطائرات أو ما أشبه، مما يسبب قتل الأبرياء جاز، وذلك للمعاملة بالمثل، فإنهم
أيضاً يهاجمون ويقتل بسبب هجومهم الأبرياء، بالإضافة إلى أن الانتصار واجب أهم، فإن في تسليط
الأعداء إضراراً أكبر بل الانتصار واجب ولو بقتل المسلم كما ذكروا ذلك في باب الجهاد فيما لو تترس
الكفار بالمسلمين(8)، لكن اللازم بالعمل بذلك بقدر أقصى الضرورة، فإن الضرورات تقدر بقدرها.وذلك بعد تنقيح الموضوع دقيقاً بسبب الخبراء، والمعرفة بالأهمية، وإجازة شورى الفقهاء، والظاهر:
وجوب دفع وتعويض الأضرار التي نجمت من قتل الأبرياء أو نقص عضو أو قوة منهم أو تلف المال، وإذا تردد
الأمر كان اللازم العمل بقاعدة العلم الإجمالي في غير الماليات، وبقاعدة العدل في الماليات(9).
الخدمة العسكرية
المسألة31: الجندية الإجبارية التي يطلق عليها اليوم اسم:الخدمة العسكرية حالها حال التعليم
الإجباري، كما تقدم في المسألة السابقة.لما ذكرناه في المسألة السابقة من الدليل، والعمدة أن الإغراء كاف بلا حاجة إلى الجبر.
المجهود الحربي
المسألة32: إذا ارتفعت نفقات الحرب للاحتياج إلى الصواريخ والذرّة وما أشبه ذلك، بحيث لا تتمكنالدولة من القيام بها مع فرض استنفاد جميع إمكانياتها، جاز أخذ النفقة من الرعية(10)، وإن كانت
خارجة عن الخمس والزكاة، وذلك لوجوب الجهاد على الكل والنفقة من مقدمات الجهاد.لكن اللازم ملاحظة النسبة لا الأخذ اعتباطاً، فإذا كان هناك متبرعون ولم يكف، أخذ الباقي من الناس
حسب أفرادهم أو ثرواتهم، وذلك بأن يؤخذ مثلاً من كل إنسان قادر ديناراً مثلاً، أو من كل ذي ثروة عشرة
دنانير، وهكذا.. إذ لا أولوية في اعتباطية النسبة أو اعتباطية الأخذ، ويؤيّد الاختلاف مع اختلاف
الثروة بالإضافة إلى أنه مقتضى قاعدة العدل والإنصاف: ما نراه من اختلاف أخذ الجزية من الفقير
والغني والمتوسط، أو اختلاف الخراج من مختلف الأراضي الزراعية.ولا يخفى أن مثل هذه الأحكام التي تعتبر من الأحكام الثانوية يجب الاقتصار فيها على موضع الضرورة،
فإن الضرورات تقدر بقدرها، ولا يجوز أن تكون قانوناً أولياً كما نشاهده اليوم في الدول الإسلامية،
حيث تأخذ ما لا يجوز من الضرائب وغيرها بعنوان القانون الأولي، هذا ويجب أن يكون الحاكم بهذه
الأحكام شورى الفقهاء المراجع كما ذكرناه في بعض كتبنا.
متى يجب العمل الفدائي؟
المسألة33: العمل الفدائي إذا توقف إنقاذ بلاد الإسلام عليه وجب، والإنسان الذي يدخل في العملالفدائي إذا كانت قيادته إسلامية عادلة وكان قصده إنقاذ بلاد الإسلام إذا استشهد كان محكوماً بحكم
الشهيد، إذ عمله يكون جهاداً في سبيل الله تعالى.الجواز لعموم أدلة الجهاد ولحكومة قانون الأهم والمهم، وإنما يكون بحكم الشهيد في الأحكام، لأنه
قسم من الجهاد، لكن بشرائط الشهيد المذكورة في محلها.
رمز الجندي المجهول
المسألة34: الظاهر أنه لا مانع من بناء التمثال الرمزي للجندي المجهول، وإذا كان محفّزاً للجنود علىالجهاد الإسلامي، كان راجحاً.الحرام من التماثيل ما كان يراد به العبادة، كما رأيناه في الفقه من أن التمثال المحرم ما صنع
للعبادة كالأصنام لا مطلق التماثيل(11)، ولذا كان الجواز والاستحباب كل في مورده.
1 ـ وسائل الشيعة: 17/376 ب1 ح11.2 ـ الكافي: 5/443 ح5، وفيه عنه(صلى الله عليه وآله وسلم): (لا رضاع بعد فطام ولا وصال في صيام، ولا يتم
بعد احتلام).3 ـ راجع كتاب (القواعد الفقهية) للإمام المؤلف دام ظله.4 ـ الكافي: 5/292 ح2.5 ـ التهذيب: 7/164ب22 ح4.6 ـ من لا يحضره الفقيه: 4/334 ب2 ح5719.7 ـ الشورى: 15.8 ـ راجع موسوعة الفقه: ج47 ـ 48 كتاب الجهاد.9 ـ راجع كتاب (القواعد الفقهية) للإمام المؤلف.10 ـ المسمى بالمجهود الحربي
.11 ـ راجع موسوعة الفقه كتاب المكاسب المحرمة للإمام المؤلف دام ظله.