حكمه صلى الله عليه وآله وسلم وكلامه وموعظته
( و من حكمه صلى الله عليه و آله و كلامه ) في جمله خبر طويل و مسائل كثيرة سأله عنها راهب يعرف بشمعون بن لاوي ابن يهودا من حواري عيسى عليه السلام فأجابه عن جميع ما سأل عنه على كثرته فآمن به و صدقه ، و كتبنا منه موضع الحاجة إليه . و منه قال : أخبرني عن العقل ما هو و كيف هو و ما يتشعب منه و ما لا يتشعب وصف لي طوائفه كلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله : إن العقل عقال من الجهل ، و النفس مثل أخبث الدواب فعن لم تعقل حارت ، فالعقل عقال من الجهل ، و إن الله خلق العقل فقال له : أقبل ، فأقبل و قال له : أدبر فأدبر ، فقال الله تبارك و تعالى : و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أعظم منك و لا أطوع منك ، بك أبدء و بك اعيد ، لك الثواب و عليك العقاب ( 1 ) ، فتشعب من العقل الحلم و من الحلم العلم و من العلم الرشد و من الرشد العفاف و من العفاف الصيانة و من الصيانة الحياء و من الحياء الرزانة و من الرزانة المداومة على الخير و من المداومة على الخير كراهية الشر و من كراهية الشر1 - يعنى بك خلقت الخلق و أبدأتهم و بك أعيدهم للجزاء ، إذ لو لا العقل لم يحسن التكليف و لو لا التكليف لم يكن للخلق فائدة و لا للثواب و العقاب منفعة و لا فيهما حكمة - قاله المجلسي ( ره ) في البحار - و أقول : أن للانسان حقيقة موجودة فيه و بها يختار أحد الضدين من الفعل و الترك بمعنى أنه إذا اختار فعلا و أقبل عليه يمكنه أن يختار تركه و أدبر عنه و بهذا فالإِنسان قادر بإرادته و اختياره أحد طرفي الفعل بخلاف غيره من ذوى الارواح فان اختيار أحد الطرفين موجود فيهم بإرادتهم بل كان فطريا و جبليا فيهم ، لا يتغير و لا يتبدل كالملائكة في أفعالهم ، و على هذا فالاقبال و الادبار مختص بالانسان لحقيقة موجودة فيه و هي العقل إذ له الاقبال على الشيء و له الادبار عنه و لذلك ترتب عليه التكليف و الثواب و العقاب و المواخذة و الاعادة في المعاد ، و قد اشتق لفظ العقل من العقال و هو الحبل الذي يشد به البعير ليمسكه .