كلامه عليه السلام في وصف المتقين
( وصفه عليه السلام المتقين ) قال - بعد حمد الله و الثناء عليه ( 1 ) - : إن المتقين في الدنيا هم أهل الفضائل ، منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع ، خضعوا لله بالطاعة ، غاضين أبصارهم عما حرم الله عز و جل ، واقفين أسماعهم على العلم ، نزلت منهم أنفسهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء رضى بالقضاء ، لو لا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب . عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم ، فهم و الجنة كمن قد رآها فهم منعمون ( 2 ) و هم و النار كمن قد رآها و هم فيها معذبون قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و أجسادهم نحيفة و حاجاتهم خفيفة و أنفسهم عفيفة و معونتهم للاسلام عظيمة . صبروا أياما قصارا فأعقبتهم راحة طويلة مربحة يسرها لهم رب كريم . أرادتهم الدنيا و لم يريدوها . و طلبتهم فأعجزوها . أما الليل فصافون أقدامهم ، تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا ( 3 ) يحزنون به أنفسهم و يستثيرون به دواء دائهم ( 4 ) . و تهيج أحزانهم بكاءا على ذنوبهم . و وجع كلومهم ( 5 ) و جراحهم . فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت أنفسهم إليها شوقا و ظنوا أنها نصب أعينهم . و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و ظنوا أن زفير جهنم و شهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم و مفترشون جباههم و أكفهم و أطراف الاقدام ( 6 ) يطلبون إلى الله العظيم في فكاك رقابهم .1 - - منقول في النهج مع اختلاف يسير . 2 - في بعض النسخ [ متكئون ] . 3 - في بعض النسخ [ يتلونه ترسلا ] و الترسل في القراءة : الترتل . 4 - أى يختارون و فى بعض النسخ [ يستشيرون ] و فى بعض نسخ الحديث [ يستشفعون ] . 5 - الكلوم : جمع كلم - بالفتح - : الجرح . 6 - هذا ذكر لكيفية ركوعهم و سجودهم في آناء الليل . و قوله : " يطلبون " إلى قوله : " فكاك رقابهم " ذكر لغرضهم من عبادتهم تلك .