كتابه عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام
( كتابه إلى ابنه الحسن عليهما السلام ) من الوالد الفان المقر للزمان ( 1 ) ، المدبر العمر ، المستسلم للدهر ، الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها إليهم غدا إلى المولود المؤمل ما لا يدرك ( 2 ) السالك سبيل من [ قد ] هلك ، غرض الاسقام و رهينة الايام و رمية المصائب ( 3 ) و عبد الدنيا و تاجر الغرور و غريم المنايا و أسير الموت و حليف الهموم و قرين الاحزان و نصب الآفات و صريع الشهوات و خليفة الاموات ( 4 ) - أما بعد - فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني و جموح الدهر علي و إقبال الآخرة إلي ما يزعني عن ذكر من سواي ( 5 ) و الاهتمام بما ورائي أنه حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدفني رأيي و صرفني هواي و صرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب و صدق لا يشوبه كذب ( 6 ) [ و ] وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا [ لو ] أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت ( 7 ) . فإني أوصيك بتقوى الله أي بني و لزوم أمره و عمارة قلبك بذكره و الاعتصام1 - أى المقر له بالغلبة و القهر ، المعترف بالعجز في يد تصرفاته كانه قدره خصما ذا بأس . 2 - أى يؤمل البقاء و هو مما لا يدركه أحد . 3 - الرهينة : ما يرهن . و الرمية : الهدف و التاء لنقل الاسم من الوصفية إلى الاسمية الصرفة . 4 - الحليف : المحالف و الحلف بالكسر : الحلف بالفتح : التعاقد و المعاهدة على التعاضد و التساعد و الاتفاق . و قوله : " نصب الافات " يقال : فلان نصب عيني - بالضم - اى لا يفارقني . و الصريع : الطريح . 5 - جمح الفرس إذا غلب على صاحبه فلم يملكه . و يزعنى أى يمنعنى و لفظ " ما " اسم " إن " . 6 - صدفه : صرفه و الضمير للرأي . و المحض : الخالص . و أفضى أى انتهى . و الشوب المزج و الخلط . 7 - " بل وجدتك كلى " اى عبارة عن كله اذ كان هو الخليفة له و القائم مقامه و وارث علمه و فضائله و كتب اليه هذه الوصية ليكون له ظهرا و مستندا يرجع إلى العمل بها في حالتي بقائه و فنائه عنه .