2. الاَحوال السياسية في المنطقة
بينهم، وتعدّد المذاهب من جهة، عملا على التقليل من هيبة الاِمبراطوريةواتجاهها نحو الضعف و الانحلال. وقد أدّى كلّ ذلك إلى انقسام الاِمبراطورية
الرومانية إلى قسمين: شرقي و غربي. وقد استغل اليهود ذلك الضعف و الانهيار
الداخلي فخطّطوا لاِسقاط النظام، ممّا جرّ إلى ازدياد جرائم المذابح الانتقامية بين
الطرفين، ولم تهدأ الاَحوال إلاّ بعد ظهور الاِسلام وانتشاره في تلك الجهات.أمّا إمبراطورية فارس، فقد سيطرت على معظم مناطق العالم بالاشتراك مع
إمبراطورية الروم، وتميّزت الفترة بالنزاع الدائم بين إيران الساسانية والروم
للسيطرة على مناطق نفوذ جديدة، فقد بدأت الحروب بينهما منذ عهد
«أنوشيروان» (531ـ589م) حتى زمن «خسرو برويز» لمدة 24 عاماً، ممّاأضعف
الدولتين.وقد اشتهر «برويز» بالميل نحو الترف وحياة البذخ، حتى بلغت أعداد
نسائه وجواريه الآلاف منهن، كما كان أرغب الناس في جمع الاَموال والجواهر
والاَواني.وفي الجانب الاجتماعي، ظهر التمييز بين الطبقات، فالنبلاء والكهنة كانوا
على رأسها تملكوا المناصب الاجتماعية العليا، بينما حرم الكسبة والمزارعون
وبقية أبناء الشعب من كافة الحقوق الاجتماعية، سوى دفعهم للضرائب الثقيلة
والمشاركة في الحروب. وقد أدّى هذا الوضع المتردّي إلى أن تمتلك أقلية صغيرة
كلّ شيء وهي نسبة (5|11%) من مجموع الشعب، بينما حرم أكثر من (89%) من
حقّ الحياة تماماً. كما أنّ الاَغنياء فقط هم الذين تلقّوا التعليم، بينما حُرِمَ الباقون
منه، واتخذ الحكّام الساسانيون سياسةالخشونة القاسية مع الناس، وأخضعوهم
بالسيف والعنف، وفرضوا الضرائب الثقيلة، ممّا جعل الشعب غير راضٍ على
حكمهم وسيرتهم، الاَمر الذي جعل الصراع والتنافس يدب بين الاَمراء والاَعيان
وقادة الجيش، فاختار كلّ فريق أميراً من أبناء العائلة المالكة، وتفرغ لتصفية
الطوائف الاَُخرى، ممّا أصبح كلّذلك أسباباً قويّة لضعف الدولة وانقسامها
وانحلالها أيّام الفتح الاِسلامي.على أنّ الفساد الذي ظهر في أوساط رجال الدين الزرادشت،وتطرّق
الخرافات والاَساطير إلى المعتقدات الزرادشتية، تسبب في حدوث مزيد من
التشتّت والاختلاف في آراء الشعب الاِيراني وعقيدته، ممّا أفقده الثقة والاِيمان
بتلك المعتقدات.وقد أدّى تردّي الاَوضاع الاجتماعية، والصراع الطويل بين فارس والروم
في خلال عشرين عاماً، إلى عقد الصلح بينهما على أساس أن يدفع الروم إلى
فارس ما يعادل (20 ألف دينار)، إلاّ أنّ الروم عادوا إلى الحرب والمعارك الطاحنة
مرّة أُخرى لفترة سبع سنوات، تمكن فيها الملك الفارسي خسرو برويز في 614م
من الاستيلاء على بلاد الشام وفلسطين وأفريقية، ونهب أورشليم، وحرق كنيسة
القيامة ومزار السيد المسيح (عليه السلام) ، وقتل 90 ألف نصراني. وقد حدث
ذلك في زمن بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد حزن المسلمون على
هزيمة الرّوم الّذين كانوا أصحاب كتاب، و لم يتخذ الرسول «صلى الله عليه وآله
وسلم» موقفاً خاصّاً اتّجاه هذه الاَحداث حتى نزل الوحي عليه مبشّراً بانتصار
الروم في المستقبل القريب، وقد تحقّقت هذه البشارة في سنة 627 م.(1)
وقد وضع الجيش الاِسلامي بحملاته الناجحة، حداً لتلك الاَوضاع
المضطربة، ونهايةً لذلك الصراع السياسي الدامي الذي استمر خمسين عاماً،
وفسح المجال لاَن يختار الشعبُ الفارسي دينه ومعتقداته بحرية في منأى عن
القهر والقسر.
1 . راجع سورة الروم:1 ـ 6.