4. الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
معه شيئاً من بز اليمن وحريرها أخذها جزية من أهل نجران. وبعد أن أدّى مناسكالعمرة، رجع الاِمام (عليه السلام) إلى جنوده حسب ما أمره الرسول «صلى الله
عليه وآله وسلم» فوجد أنّ نائبه الذي عينه أثناء غيابه قد وزّع على كلّ فرد منهم
حلّة من البز، كان يريد تسليمها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فطلب منهم
ردّها مع الاَشياء الاَُخرى من جزية أهل نجران.4. الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)هل الخلافة منصبٌ تعييني أو انتخابي؟ يرى الشيعة أنّ القيادة منصب
تعييني فيه نصٌّ،فلابدّ أن يتعيّن خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جانب
اللّه سبحانه و تعالى، بينما يرى أهلُ السنّة أنّها منصب انتخابي جمهوري، أي تقوم
الاَُمّة هي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باختيار فرد منهم يتولّى إدارة البلاد.
و لكلّ من الاتّجاهين دلائل ذكرها أصحابها في الكتب العقائدية.إنّ الظروف السائدة في تلك الفترة حتمت بأن يعيّن النبي ص خليفةً له،
وذلك لما كان عليه الوضع من تهديد العدو للدولة الاِسلامية، فأوجب مواجهة
الاَخطار الخارجية بتعيين قائدٍ سياسىٍّ يمكنه السيطرة على الوضع، كما أنّ خطر
حزب النفاق كان لا يزال له دوره في تقويض دعائم الكيان الاِسلامي داخلياً، وقد
بيّن دورهم التخريبي وخطرهم الاَكيد، القرآن الكريم في عدّة سور.ولذا فإنّه مع وجود تلك الاَخطار الخارجية والداخلية، التي كانت تنتهز
الفرص للقضاءعلى الدولة الاِسلامية الحديثة، فإنّه كان لابدّ من تعيين قائد ديني
سياسي، يمكنه القضاء على ما يظهر من اختلاف وانشقاق بعده «صلى الله عليه
وآله وسلم» في المجتمع الاِسلامي، ويكون بذلك ضماناً لبقائه واستمراريته.وبالاِضافة إلى تلك الاَحوال الاجتماعية والسياسية للمسلمين، فإنّ هناك
روايات وأخباراً أكدت صحّة الموقف والرأي الذي ذهب إليه علماء الشيعة،
وثبتت في المصادر المعتبرة، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نصّ على
خليفته مراراً، إذ لم ينص على خليفته ووصيه في أواخر حياته فحسب، بل بادر
إلى ذلك في بدء الدعوة، وخاصة في الفترة التي أمره فيها سبحانه وتعالى بأن ينذر
عشيرته الاَقربين ويدعوهم إلى عقيدة التوحيد، حينما وقف خطيباً في أربعين
رجلاً من زعماء بني هاشم:«أيُّكم يوَازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي
ووصيي وخليفتي فيكم؟» فأحجم القوم و قام علي (عليه السلام) وأعلن موَازرته
له، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي
فيكم فاسمعوا له وأطيعوا».(1)وعُرف هذا الحديث بحديث يوم الدار، وحديث بدء الدعوة.كما أنّ حديث الغدير يُعدّ من أهمّ الاَحداث والوقائع التي توَكّد صراحة
على خلافته (عليه السلام) إذ أنّه في الطريق إلى المدينة، بلغ موكب الحجّ العظيم
رابغ(2) حيث نزل جبرائيل (عليه السلام) على رسول اللّه «صلى الله عليه وآله
وسلم» بمنطقة تدعى غدير خم و بلغه الآية التالية: (يا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ ما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْلَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالتهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَمِنَ النّاسِ)(3) وكان
ذلك الاَمر هو الاِعلان عن خلافة الاِمام علي (عليه السلام) أمام 100 ألف شاهد.وقال في خطابه: «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً،
كتابَ اللّه سببٌ، طرفٌ بيد اللّه، وطرفٌ بأيديكم، فتمسّكوا به؛ والآخر عترتي، وإن
1 . تاريخ الطبري:2|216؛ الكامل في التاريخ:2|62.2 . تقع الآن على طريق مكة ـ المدينة، وتبعد عن الجحفة ثلاثة أميال، والتي هي من مواقيت
الاِحرام، وتتشعب منها طرق أهل المدينة ومصر والعراق.3 . المائدة:67.اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهما
فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا». ثمّ رفع يَدَ الاِمام علي (عليه السلام) قائلاً:
«يا أيّها الناس من أولى الناس بالموَمنين من أنفسهم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ اللّه مولاي و أنا مولى الموَمنين، وأنا أولى
بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه.(1) اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه،
وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبّه، و ابغض من أبغضه، وأدر
الحقّ معه حيث دار».وفي الحقيقة إنّنا قلّما نجد حادثةً تاريخية حظيت في العالم في التاريخ
الاِسلامي والاَُمّة الاِسلامية بمثل ما حَظِيَت به واقعة الغدير. فقد استقطبت اهتمام
فئاتٍ مختلفة من المحدثين والمفسرين والفلاسفة والكتاب والشعراء والاَُدباء
والخطباء وأرباب السير والتراجم، واعتنوا بها أشدّ الاعتناء. و من أسباب خلودها
واستمراريتها، نزول آيتين حولها في القرآن الكريم.(2) كما أنّ المسلمين سابقاً
والشيعة بصورة خاصة ، اتّخذوا هذا اليوم عيداً ومناسبةً مفرحةً، جعله خالداً حتّى
الآن. فقد كان يوم 18 من شهر ذي الحجّة معروفاً بيوم عيد الغدير عندهم، حتى أنّ
بعض الموَرخين أرّخوا به بعض الاَحداث، كما أنّ أبا ريحان البيروني والثعالبي،
اعتبراه من الاَعياد الاِسلامية.(3)كما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر المهاجرين والاَنصار، ونساءه
بالدخول على الاِمام علي (عليه السلام) لتقديم التهنئة له بهذه الفضيلة الكبرى،
مثلما ذكر زيد بن أرقم، وأنّ أوّل من صافق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وعلياً: أبو بكر وعمر و عثمان وطلحة والزبير، وباقي المهاجرين والاَنصار
1 . كرر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه العبارة ثلاث مرات دفعاً لاَيّ التباس.2 . المائدة:67و3.3 . وفيات الاَعيان:1|60؛ الآثار الباقية: 395؛ ثمار القلوب: 511.والناس.كما أنّ 110 صحابياً تناولوا هذه الواقعة التاريخية الهامة بالرواية والحديث،
كما رواه أيضاً 89 تابعياً، و 360 شخصاً من علماء أهل الشيعة وفضلائهم،
وصحّحه جمع كبير من الآخرين. فقد رواه في القرن 3هـ: 92 عالماً، وفي القرن
4هـ: 44 عالماً، إلى القرن 14 هـ حيث رواه عشرون عالماً. وألّف الطبري في ذلك
كتاباً أسماه:الولاية في طرق حديث الغدير روى فيه الحديث عن النبي «صلى الله
عليه وآله وسلم» بـ57 سنداً. كما رواه عدد من علماء الحديث أمثال: ابن حجر
العسقلاني، وأبو سعيد السجستاني، والنسائي، وأبو العلاء الهمداني. وبلغ عدد من
ألّف رسالة خاصة أو كتاباً مستقلاً حول الواقعة و تفاصيلها 26 شخصاً. أمّا علماء
الشيعة فقد تناولوا فيها كتباً و موَلفات قيّمة، أشملُها الغدير الذي كتبه العلاّمة
القدير آية اللّه الشيخ الاَميني.(1)وبعد نزول الآية السابقة، والاِجراءات التي أقدم عليها النبي ص نزلت الآية:
(اليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الاِِسْلامَ دِيناً).(2)فكبّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصوت عال وقال: «الحمد للّه على
إكمال الدّين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب
بعدي». ثمّ قام حسّان ابن ثابت الاَنصاري واستأذن النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» في أن ينشد أشعاراً بهذه المناسبة.
1 . يشتمل على 11 مجلد في 6 آلاف صفحة.2 . المائدة: 3.