3. حجّة الوداع
وإيّاك أن تخفر عهداً أو تعين عليه، وأنهاك عن المكر فإنّه لا يحيق المكر السيّءُإلاّبأهله، وأنهاك عن البغي، فإنّه من بُغي عليه لينصرنّه اللّه».وفي اليمن دخلت قبيلة همدان كلّها في الاِسلام في يومٍ واحد، حينما قرأ
عليهم كتاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب الاِمام (عليه السلام)
بذلك إلى النبيفاستبشر وابتهجَوخَرَّ ساجداً شكراً للّه وقال: «السلام على أهل
هَمْدان». وعلى أثر إسلام همدان تتابع أهل اليمن على الاِسلام.(1)وقد حاولت جماعةٌ من القبائل اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد
اتّفق ثلاثة من أفراد قبيلة بني عامر المعروفة بالشر و الطغيان أن يدخلوا المدينة
على رأس وفد بني عامر متظاهرين بالتفاوض مع الرسول «صلى الله عليه وآله
وسلم» واغتياله غدراً. والثلاثة هم: عامر، أربد، و جبار. وشملت خطتهم أن
يتحدث عامر إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الوقت الذي يعد فيه
أربد لضربه بالسيف، إلاّ أنّ الوضع لم يجرِ كما خُطِّطَ له، فقد هاب أربد
النبيوانصرف عن نيّته، فغضب عامر و هدّد بمحاربة النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» وغادر المجلس بعد أن دعا عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى
صاحبه، فاستجاب اللّه دعاءه سريعاً حيث مات في الطريق بمرض الطاعون،
واحترق أربد بصاعقة وهو في الصحراء.3. حجّة الوداعفي عام 10 هـ أمرَ اللّهُ تعالى نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن
يشارك في مراسم الحجّ، ويعلّم مناسكه للناس، ويوقفهم على واجباتهم في هذه
العبادة الكبرى عمليّاً، كما يقوم بإزالة كلّما ارتبط بها من زوائد طيلة السنوات
1 . الكامل: 2|305؛ بحار الاَنوار: 21|360.الماضية، ويعيّن حدود عرفات ومنى و يوم الاِفاضة منها. ولذلك فقد تهيّأ عددٌ
كبير من المسلمين لمرافقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الرحلة
المباركة، فخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة يوم 26 من ذي
القعدة حتى بلغ ذي الحُليفة ـ قرب مسجد الشجرة ـ فأحرم ودخل الحَرم ملبّياً:
«لبيك اللّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحَمدَ والنعمة لك والملك
لبيك، لا شريك لك لبيك» وهو نداء إبراهيم (عليه السلام) . وكان يكرّر التلبية
كلّما شاهد راكباً أو علا مرتفَعاً من الاَرض أو هبط وادياً، وعندما شارف مكة قطع
التلبية. فدخل مكّة في اليوم الرابع من شهر ذي الحجّة متوجّهاً نحو المسجد
الحرام رأساً، ودخله من باب بني شيبة وهو يحمد اللّه ويثني عليه ويصلّي على
إبراهيم (عليه السلام) ، فبدأ من الحَجَر الاَسود فاستلمه أوّلاًً(1) ثمّ طاف سبعة
أشواط حول الكعبة المعظمة، ثمّصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)
ثمّتوجه نحو الصفا والمروة للسعي بينهما، ثمّ التفت إلى حُجّاج بيت اللّه الحرام
وقال: «من لم يسق منكم هدياً فليحلّوليجعلها عمرة (أي فليقصّر فيحل له ما حرم
عليه الاِحرام) ومن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه».إلاّ أنّ البعض منهم كره أن يحل إحرامه والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
مُحرم، فأمرهم بتنفيذ ما قال: «لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرتُ لفعلتُ كما
أمرتكم». أي أنّني لو كنت أعلم بالمستقبل وعرفت موقف الناس المتردد
وخلافهم هذا من قبل، لما سقت الهدي، وفعلتُ ما فعلتموه، ولكن ما العمل وقد
سُقتُ الهديَ فلا يمكنني الاِحلال من الاِحرام حتى يبلغ الهديُ محلّه. فمن
1 . استلمه يعني مسح الحجر الاَسود باليدين قبل الشروع بالطواف، واستلامه نوع من تجديد
الميثاق مع الخليل إبراهيم (عليه السلام) والعمل على نصرة عقيدة التوحيد على نحو ما فعل
إبراهيم (عليه السلام) . وقد اعتمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الفترة المدنية مرّتين،
واحدة في عام 7هـ و الاَُخرى عام 8 هـ بعد فتح مكة، فهذه كانت ثالث عمرة له مع الحجّ.الواجب عليّأن أبقى في إحرامي، أي أنحر هديي بمنى كما أمر اللّه سبحانه و
تعالى، وأما أنتم فمن لم يسق الهدي منكم فإنّ عليه أن يحلّإحرامه، واحسبوها
عمرةً ثمّ احرموا للحجّمرّة أُخرى.وقد كره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال فترة الحجّ أن يمكث في
دار أحد، ولذا فإنّه كان يأمر بضرب ـ أي بإعداد ـ خيمة له خارج مكّة. وقصد النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) عرفات في اليوم الثامن من ذي الحجّة عن طريق منى
التي توقّف فيها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع، فركب بعيره نحو عرفات،
ونزل في خيمة أُعدَّت له في نمرة، وألقى هناك خطاباً تاريخياً هاماً وهو على
ناقته، في جموع بلغت 100 ألف.وبدأ خطابه قائلاً: «أيّها النّاس اسمعوا قولي واعقلوه، فإنّي لا أدري لعلي لا
ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً، أيـّها النّاس، إنّ دماءَكم وأموالكم ـ
وأعراضَكم ـ عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة شهركم هذا وكحرمة بلدكم
هذا، وكحرمة يومكم هذا».وقد ألغى في هذا الخطاب عادات الثأر الجاهلية المشوَومة بادئاً بأقربائه،
مثل الانتقام، والخيانة، أي أداء الاَمانة، والربا، كما استوصى بالنساء خيراً.«وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً كتاب اللّه
وسنّة نبيّه. والمسلمُ أخو المسلم، والمسلمون إخوة، ولا نبي بعدي ولا أُمّة بعدكم.
ألا كلّشيء من أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدمي».ثمّ سار بعد الغروب إلى المزدَلَفة، ووقف فيها من الفجر إلى طلوع الشمس،
وتوجه في اليوم العاشر إلى منى وأدّى مناسكها، ثمّتوجه نحو مكّة لاَداء بقية
المناسك.وكان الاِمام علي (عليه السلام) يومذاك في اليمن، فعلم بتوجّه النبي «صلى
الله عليه وآله وسلم» إلى مكّة، فخرج مع جنوده للمشاركة في الموسم واصطحب