3. غزوة تبوك: وهي قلعة قويّة في طريق حجر والشام.
يديه (صلى الله عليه وآله وسلم).(1)3. غزوة تبوك: وهي قلعة قويّة في طريق حجر والشام.أعدّ إمبراطور الروم قوّة عسكرية لمهاجمة المسلمين الذين ازدادت قوّتهموأعدادهم وخطرهم على الدولة الرومانية. وتألفت هذه القوّة من 40 ألف فارس و
كانت مجهزة بأحدث الاَسلحة و المعدات، وتقدمت إلى منطقة البلقاء، فأمر النبي
ص عندها أصحابه بالتهيّوَ والاستعداد لغزو الروم، في موسمٍ شديد الحرارة،
وجدب وعسرة، إلاّ أنّ الدوافع المقدّسة والجهاد في سبيل اللّه غَلَبَ على كلّتلك
الاَُمور الدنيوية، فشارك 30 ألف من المسلمين في هذه الغزوة تحددت نفقاتها
من الزكاة من أهل الغنى والثروة. وقد اعتبرت هذه الغزوة خيرَ مَحَكٍّ لمعرفة
المجاهدين الصادقين من المنافقين والمبدعين، إذ أنّ بعضهم تخلّف بحجّة
الخوف من أن يفتتن بالنساء الروميات، وهو عذر صبياني أقبح من الذنب: (وَمِنْهُمْ
مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتنِّي أَلا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لمُحيطَةٌ بِالكافِرين) .(2)وكان منهم أيضاً المنافقون الذين تظاهروا بالاِسلام، فثبَّطوا الناس عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) وخوفوهم من قوّة الرومان، و اعتذروا بالحر الشديد:
(وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّحرّاً لَوْ كانُوا يَفْقَهُون) .(3)كما أنّ مجموعة من الخونة ألّفت شبكة جاسوسية في المدينة، تمكن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) من القضاء عليها بهدم المكان الذي اجتمعت به
وحرقة، وهو بيت سويلم اليهودي.
1 . مغازي الواقدي:2|988؛ السيرة النبوية:3|578؛ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة
الاِمامية:352.2 . التوبة:49.3 . التوبة:81.وكذلك تخلّف عنهم المخلّفون الثلاثة، الذين جاء ذكرهم في القرآن
الكريم، حينما قالوا بأنّهم سيلحقون بركبه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما
يفرغون من الحصاد، فوبّخهم اللّه تعالى وعاقبهم، ليكونوا عبرةً لغيرهم. كما
تخلف عن الغزوة ولكن بنية صادقة البكاوَون، وذلك لعدم تمكّنهم من المشاركة
في الجهاد، لفقرهم و عدم حصولهم على دواب تحملهم، ولم يستطع النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجهز ذلك لهم فقال: لا أجد ما أحملكم عليه. كما
لم يشارك فيها الاِمام عليّ (عليه السلام) فقد أبقاه النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» في المدينة، خوفاً من إثارة فتنة أو قيام انقلاب خلال غيابه، بمساعدة
القوى المضادة للاِسلام. وبالرغم من أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد
استخلف على المدينة«محمد بن مسلمة» فإنّه قال للاِمام علي (عليه السلام) :
«أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي و قومي» فكأنّه تعيّن كقائد عسكري في
المدينة يحفظ الاَمن والاستقرار فيها. ولذا فإنّ المنافقين استغلوا ذلك فرصة لنشر
الشائعات والاَقاويل في عدم اصطحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للاِمام
علي (عليه السلام) معه في الجيش، ممّا جعل الاِمام (عليه السلام) يسير إلى
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو على بعد ثلاثة أميال من المدينة ليسأله
عن هذا الاَمر قائلاً: «يا نبي اللّه، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني
وتخففت عني» فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حينئذٍ كلمته التاريخية
الخالدة التي اعتبرت من الاَدلة القاطعة على إمامته وخلافته بعده «صلى الله عليه
وآله وسلم» : «كَذِبوا ولكنّي خلّفتُك لما تركتَ ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي
وأهلك، أفلا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ
بعدي».(1)وهكذا فقد استعرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المعسكر قبل
تحرّك الجيش، وألقى فيهم خطاباً هاماً لتقوية معنويات المجاهدين، وشرح فيه
هدفه من هذه التعبئة العامة الشاملة.
1 . إمتاع الاَسماع:1|450.وفي الطريق واجه متاعبَ ومشاق كثيرة، ولذا سمى هذا الجيش بجيش
«العسرة»، إلاّأنّ إيمانهم العميق، وحبّهم للهدف المقدس، سهّل عليهم الاَمر.
وعندما مروا بأرض ثمود، غطى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهَه بثوبه وأمر
أصحابه بسرعة السير: «لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلاّوأنتم باكون خوفاً أن
يصيبكم مثلما أصابهم». كما نهاهم أن يشربوا من مائها ولا يتوضأوا به للصلاة ولا
يطبخ به طعام.(1) ولكنّهم شربوا عندما وصلوا إلى البئر التي كانت تشرب منها ناقة
صالح (عليه السلام) فنزلوا عليها بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .كما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أظهر في الطريق بعض الاَُمور
الغيبية حتى لا يوَثّر شكّ بعضهم في إيمان الآخرين، مثلما جرى لناقته التي ضلت
الطريق، وبدأ المنافقون في التقليل من قوّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
واتّصاله باللّه سبحانه و تعالى، فأخبرهم بموقعها، بعلم من اللّه تعالى. وتنبأ عن
أبي ذر و ما سيجري له عندما تأخّر عنهم فقال: رحم اللّه أبا ذر يمشي وحده
ويموت وحده ويبعث وحده.(2)على كلّ حال، وصل الجيش في مطلع شهر شعبان إلى أرض تبوك، دون
أن يجدوا أثراً لجيش الروم الذي كان قد انسحب إلى داخل بلاده مفضلاً عدم
مواجهة المسلمين، وموَكدين حيادهم تجاه الحوادث والوقائع التي تجري في
الجزيرة العربية. فجمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القادة و شاوَرَهم في أمر
التقدّم في أرض العدو، أو العودة إلى العاصمة. فقرروا العودة ليستعيد الجميعُ
نشاطَه بعد المشاق والتعب، إضافة إلى أنّهم حقّقوا هدفهم بتخويف العدو وإلقاء
الرعب في قلوبهم، فقالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن كنت أُمرت بالسير
فَسِرْ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لو أُمرت به ما استشرتُكم فيه».(3) فاحترم
1 . السيرة النبوية:2|521؛ السيرة الحلبية:3|134.2 . السيرة النبوية:2|521؛ السيرة الحلبية:3|134.3 . مغازي الواقدي: 3|1019.الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) آراء هوَلاء وقرر العودة إلى المدينة.ورأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الوقت مناسب للاتّصال ببعض
حكّام وروَساء المناطق الحدودية، ليعقد معهم معاهدات أمن وعدم إعتداء، ليأمن
جانبهم. فاتصل شخصياً بزعماء أيلة وأذرح والجرباء. وعندما قدم يوحنا بن روَبة
زعيم أيلة، إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم له فرساً أبيض وأعلن عن
طاعته له (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فاحترمه (صلى الله عليه وآله وسلم)
وصالحه وكساه برداً يمانياً، وقبل أن يدفع جزية قدرها 300 دينار سنوياً على أن
يبقى على دينه المسيحي، ووقع الطرفان على كتاب أمان، فضمن بذلك أمن
المنطقة الاِسلامية شمالاً.وفي طريق تبوك تقع منطقة دومة الجندل ذات الخضرة والماء، وتبعد عن
الشام 50 فرسخاً، وعن المدينة عشرة أميال، حكمها رجلٌ مسيحي هو: أكيدر بن
عبد الملك. فأرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوّة بقيادة خالد بن الوليد
لاِخضاعه، فتمكن من السيطرة عليهم وإحضار أكيدر إلى الرسول «صلى الله عليه
وآله وسلم» ، فأعلن خضوعه وقبل دفع الجزية والبقاء على دينه، وكتب عهداً
وصالحه، وأهداه، ثمّ أوصله إلى بلده بحراسة خاصة.(1) فانتهت بذلك الاَعمال
العسكرية في تبوك.ويمكن تقييم نتائج تلك العمليات العسكرية كما يأتي:1. إبراز مكانة وسمعة الجيش الاِسلامي في المناطق الخارجية، ممّا أثر في
القبائل هناك فتسارعوا بالقدوم والوفود على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
بعد عودته من تبوك، لتعلن خضوعها وطاعتها، حتى سمّي ذلك العام بعام
الوفود.2. ضمان أمن الحدود بعد توقيع المعاهدات والاتفاقيات مع حكّام تلك
1 . بحار الاَنوار: 21|246؛ طبقات ابن سعد: 2|166.المناطق.3. تمهيد الطريق للمسلمين لفتح الشام بعد ذلك، عندما تعلموا منه «صلى
الله عليه وآله وسلم» أساليب تكوين وإعداد الجيوش الكبرى لمحاربة القوى
العظمى.4. تمييز الموَمن عن المنافق.وبعد أن مكث (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرين يوماً في تبوك، توجه
إلى المدينة، إلاّ أنّ اثني عشر منافقاً تآمروا لاغتيال النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» قبل أن يصل إلى عاصمته، كان ثمانية منهم من قريش والآخرون من أهل
المدينة، وذلك بتنفير ناقته في العقبة ـ بين المدينة والشام ـ ليطرحوه في الوادي،
غير أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) علم بموَامرتهم فأرعبهم بصياحه فيهم، فتركوا
العقبة هاربين، ورفض (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرسل من يقضي عليهم أو
اللحاق بهم. ثمّ وصل الجيش إلى المدينة فرحين مسرورين معتزين بما حقّقوه
من انتصار على الاَعداء، وإلقاء الرعب في قلب دولة كبيرة، ولما أرادوا التفاخر
والتباهي على الذين تخلّفوا بعذر وقلوبهم مع جنود الاِسلام، فإنّ النبي «صلى الله
عليه وآله وسلم» منعهم من ذلك، لاَنّ النيّة الصالحة والفكر الطيّب يقوم مقام
العمل الصالح الطيّب.ثمّ أقدم (صلى الله عليه وآله وسلم) على معاقبة الثلاثة الذين تخلّفوا عن
الجيش بأعذار واهية وهم: هلال بن أُمية، كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، فقد
أعرض بوجهه الكريم عنهم، ولم يكترث بهم حينما قدّموا التهنئة بعودتهم
مظفرين، وقال فيهم: لا تكلّموا أحداً من هوَلاء الثلاثة، ممّا أثر في التعامل معهم
تجارياً، فكسدت بضائعهم ، وانقطعت روابطهم مع أقربائهم، فأثر ذلك في
نفسياتهم: (حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الاََرضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفسُهُمْْ) .(1)
1 . التوبة:118.