3. فتح مكّة - سیرة المحمدیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سیرة المحمدیة - نسخه متنی

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

3. فتح مكّة

وكانت تضحية الاِمام (عليه السلام) وشجاعته من الاَهمية بحيث نزلت فيها
سورة العاديات كاملة:(وَالعادِياتِ ضَبْحاً* فَالمُورياتِ قَدحاً* فَالمُغِيراتِ صُبْحاً*
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوسَطْنَ بهِِ جَمْعاً) .(1)

وهناك عدد من الموَرّخين كالطبري، نقلوا هذه الواقعة بنحو آخر مختلف
عمّا ذكرناه، فلا يبعد أن تكون ذات السلاسل اسماً لغزوتين، وقد نقل كلٌّ من
الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ واحدة منها وأعرض عن الاَُخرى لاَسباب خاصّة.(2)

3. فتح مكّة

أخلّت قريش باتفاقية الحديبية ونقضتها، حينما زودت قبيلة بني بكر
بالاَسلحة، وهي من كنانة المتحالفة معها، وحرضتهم على أن يبيتوا لخزاعة
المتحالفين مع المسلمين فيغيروا عليهم ليلاً ، يقتلون فريقاً ويأسرون آخرين. و
أُبلغ النبيبما حدث لخزاعة على أيدي بني بكر، فوعدهم النصرة. ولكن قريشاً
ندمت على فعلتها من تأليب بني بكر على خزاعة، واشتراكهم معها في العدوان،
فأرسلوا زعيمهم أبا سفيان إلى المدينة لتطييب خاطر النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» وتسكين غضبه وتأكيد احترام قريش لمعاهدة الصلح، إلاّ أنّه عندما وصل
إلى بيت ابنته أُمّ حبيبة زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لم يجد التقدير
والاحترام المطلوب لديها على أساس أنّه مشرك نجس، فتوجه إلى الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّمه حول إمكانية تجديد العهد، فلم يرد عليه وهو
ما يعني عدم اعتنائه به، فسار إلى بعض أصحابه يطلب منهم أن يشفعوا له عند
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإقناعه بتجديد ميثاق الصلح، ولكن دون


1 . العاديات:1 ـ 5.

2 . تاريخ الطبري:2|315؛ السيرة الحلبية:3|190؛ المغازي:2|769.

جدوى. فذهب إلى منزل الاِمام علي (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء«عليها
السلام» فرد عليه الاِمام (عليه السلام) : «واللّه لقد عزم رسول اللّه «صلى الله عليه
وآله وسلم» على أمر ما نستطيع أن نكلّمه». فالتفت إلى السيدة الزهراء «عليها
السلام» وهو يطلب شفاعتها أو شفاعة الحسنين لدى النبي ص: يا ابنة محمد، هل
لك أن تأمري و بُنَيّك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟
فقالت(عليها السلام) وهي تعلم بنواياه الشريرة:« ذلك إلى رسول اللّه «صلى الله
عليه وآله وسلم» وإنّهما صبيان وليس مثلهما يجير».(1) فطلب النصيحة من الاِمام
(عليه السلام) فقال له: «ما أجد لك شيئاً أمثل من أن تقوم فتجير بين الناس ـ أي
تعطي الاَمان للمسلمين ـ ثمّ إلحق بأرضك». فأدّى ما طلبه منه، ورجع إلى مكّة
وأخبر سادة قريش بما صنع، فاجتمعوا للتشاور فيما يطفىَ غضب المسلمين
ويثني الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عزمه.(2)

أمّا النبيّ الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أعلن التعبئة العامة بهدف
فتح مكة، وتحطيم أقوى قلعة من قلاع الوثنية، وإزالة حكومة قريش الظالمة، التي
كانت أقوى الموانع والعقبات في طريق تقدم الدعوة الاِسلامية وانتشار الاِسلام.

وطلب من اللّه سبحانه و تعالى في دعائه أن يعمي عيون قريش
وجواسيسهم كيلا يعلموا بحركة المسلمين وهدفهم: «اللّهم خُذ على قريش
أبصارهم فلا يروني إلاّبغتةً ولا يسمعون بي إلاّ فجأة».(3)

واجتمع في مطلع شهر رمضان الكثيرون، فقد شاركت قبائل وطوائف
مختلفة في هذا الفتح العظيم، اشتهر منهم:

ـ المهاجرون: 700+3 ألوية إضافة إلى 300 من الخيل.


1 . إمتاع الاَسماع:1|359.

2 . المغازي:2|780؛ السيرة النبوية:2|389؛ بحار الاَنوار: 21|102.

3 . المغازي:2|796.

ـ الاَنصار: 4000+ألوية كثيرة إضافة إلى 700 من الخيل.

ـ قبيلة مزينة: ألف مع مائة فرس، ولواءان.

ـ قبيلة جهينة: 800 مع خمسين فرساً و 4 ألوية.

ـ قبيلة بني كعب: 500 مع ثلاثة ألوية.

هذا بالاِضافة إلى اشتراك عدد آخر من قبائل غفار وأشجع وبني سليم.(1)

ويذكر ابن هشام، أنّ جميع من شهد فتح مكّة من المسلمين بلغوا عشرة
آلاف، من بني سليم 700، ويقول بعضهم ألف، ومن بني غفار400، ومن أسلم
400، ومن مزينة ألف و300 نفر، وسائرهم من قريش والاَنصار وحلفائهم
وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد.(2)

إلاّ أنّ أخبار هذه الحملة الكبيرة وصلت إلى قريش، فقد أخبر جبرائيل
(عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ أحد المسلمين أرسل كتاباً إلى
قريش يخبرهم فيه بتوجههم إلى مكة، وأنّ امرأة تدعى «سارة» وهي مغنية، تريد
توصيل الكتاب لهم لقاء حصولها على مال. وقد ساعد النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» و المسلمون هذه المغنية من قبل، عندما تركت عملها في مكة واتجهت
إلى المدينة، ورغم ذلك فإنّها خانتهم بعملها جاسوسة تعمل لصالح قريش. ممّا
جعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب من الاِمام علي (عليه السلام)
والمقداد و الزبير أن يلحقوا بها ويدركوها ويصادروا منها الكتاب. وتمكّنوا من
اللحاق بها عند روضة الخاخ ـ الخليقة ـ إلاّ أنّها أنكرت وجود كتاب لديها في
رحلها، فهددها الاِمام (عليه السلام) : لتخرجنّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك.
فاستخرجت الكتاب.(3)


1 . المغازي:2|800؛ إمتاع الاِسماع:1|364.

2 . السيرة النبوية:4|63.

3 . بيّن القرآن الكريم ذلك في عدّة آيات من سورة الممتحنة.

وهكذا أعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحركة الكبرى، دون أن يعلم
أحد وجهته على وجه التحديد، وكان ذلك في يوم 10 رمضان. وفي الطريق أفطر
على الماء وأمر جنده بالاقتداء به: «إنّكم مصبحوا عدوكم،والفطر أقوى لكم». إلاّ أنّ
البعض منهم أمسك عن الاِفطار ظناً منهم أنّ الجهاد أفضل في حالة الصوم،
فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك و قال عنهم: «أُولئك العصاة».(1)

وفي هذا الوقت، خرج العباس بن عبد المطلب من مكة متوجهاً إلى
المدينة ليلتحق بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال الطريق، فهو سيوَدي
دوراً بارزاً هاماً في عملية الفتح العظيم. كما التحق به عدوّان له أحجما عن الاِيمان
برسول اللّه والاستجابة لدعوته و هما: أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
وعبد اللّه بن أبي أُمية بن المغيرة، فقد كانا من أشدّ المعارضين للرسول «صلى الله
عليه وآله وسلم» والموَذين له، بالرغم من أنّ أبا سفيان هذا كان ابن عمّ الرسول
ص وأخاه من الرضاعة، وعبد اللّه هو أخو أُمّ سلمة ابنةعاتكة عمّة الرسول «صلى
الله عليه وآله وسلم» . وحاولا مقابلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّه لم
يأذن لهما، ولم تنفع الوسائط في ذلك، إلاّما ذكره لهما الاِمام علي (عليه السلام) ،
بأن يقولا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( قالُوا تاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَإنْ كُنّا
لخاطِئين)(2) فسوف يعفو عنهما كما فعل يوسف (عليه السلام) مع إخوته.وقد
حدث ما اقترحه الاِمام (عليه السلام) فقبل إسلامهما.

وحينما وصل الجيش الاِسلامي إلى مشارف مكّة، عمد النبي ص إلى
إرعاب أهلها وتخويفهم بإشعال النيران فوق الجبال والتلال، وزيادة في التخويف
وإظهار القوة، أمر بأن يشعل كلّفرد منهم ناراً في شريط طويل على الاَرض.

وهنا اتّجه «العباس بن عبد المطلب» ليوَدّي دوره العملي لصالح الطرفين،


1 . وسائل الشيعة: 7|124؛ السيرة الحلبية:3|90؛ المغازي:2|802.

2 . يوسف:91.

فيقنع قريشاً بالتسليم وعدم المقاومة، إذ أخبرهم بقوّة المسلمين وعددهم
ومحاصرتهم لمكّة المكرمة، واصطحب معه أبا سفيان حتى يطلب له الاَمان و لهم
كذلك من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأجاره عند الوصول إلى معسكر
المسلمين، خاصة عندما حاول «عمر بن الخطاب» أن يقضى عليه ـ أي يقتل أبا
سفيان ـ كما أنّه حاول إعادة قتله أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أساس
أنّه عدو للّه فلابدّأن يقتل.

وتحدث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خيمته مع أبي سفيان قائلاً:
«ألم يأن لك أن تعلم أنّه لاإله إلاّاللّه؟» فقال أبو سفيان: بأبي أنت و أُمّي ما أحلمك
وأكرمك وأوصلك، واللّه لقد ظننت أن لو كان مع اللّه إله غيره، لقد أغنى عني شيئاً
بعد. فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول
اللّه؟ »فقال: أما واللّه فإنّ في النفس منها حتى الآن شيئاً. فغضب العباس من عناده
و قال: أسلم واشهد ألاّ إله إلاّاللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه قبل أن يُضرب عنقك.
فشهد شهادة الحقّ وأسلم ودخل في عداد المسلمين. فارتفع بذلك أكبر سد،
وانزاح أكبر مانع من طريق الدعوة الاِسلامية. ومع ذلك فقد أمر النبي «صلى الله
عليه وآله وسلم» العباس بحبسه لاَنّه لم يأمن جانبه بعد، قبل أن يتم فتح مكّة: «يا
عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ـ أي أنفه ـ حتى تمر به جنود اللّه
فيراها». فطلب العباس من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ أبا سفيان رجل
يحب الفخر فاجعل له شيئاً. فاستجاب له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:

«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن،ومن دخل
المسجد فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن». وذلك بالرغم من أخلاق أبي
سفيان المنحدرة وأعماله السيئة تجاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
والمسلمين، طيلة السنوات الماضية».

وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عزم على أن يفتح مكة دون إراقة

دماء وإزهاق أرواح وتسليم العدو دون شروط. وقد تم ذلك نتيجة التخطيط
السليم،وتحييد موقف أبي سفيان العدائي وهوقائد قريش،ولما كانت القطع
العسكرية الاِسلامية تمر من أمام أبي سفيان، كان العباس يوضح له اسمها
وخصوصياتها، فمرت كتيبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال للعباس: ما
لاَحد بهوَلاء قبل ولا طاقة يا أبا الفضل، واللّه لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة
عظيماً. فرد عليه العباس موبخاً: ويحك يا أبا سفيان، ليس بملك، إنّها النبوة.

وحينئذٍ أطلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا سفيان ليرجع إلى مكّة
فيخبرهم بما رأى من قوّة الجيش الاِسلامي، ويحذرهم من مغبة المواجهة
والمقاومة، والتسليم للاَمر الواقع بإلقاء السلاح والاستسلام دون قيد أو شرط.
فصاح في أهل مكّة: يا معشر قريش، هذا محمّد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، أو
قال: هذا محمّد في عشرة آلاف، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، و من ألقى
السلاح فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن،ومن أغلق بابه فهو آمن.

وأضاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذلك: و من دخل تحت لواء
أبي رويحة فهو آمن. وهو موقع خامس عينه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
للتأمين من القتل.

وأدّى كلّ ذلك إلى إضعاف نفوس أهل مكّة، حتى القياديين الاَعداء، ركنوا
إلى المطالبة بالتسليم دون مقاومة.

وبالرغم من أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر جنوده بعدم بدء
القتال، فلا يقاتلوا إلاّمن قاتلهم، إلاّ أنّه أمر بقتل عشرة من الاَفراد وإن وجدوا تحت
أستار الكعبة وهم:

1. عكرمة بن أبي جهل

2. هبار بن الاَسود

3.عبد اللّه بن أبي السرح

4. قيس بن حبابة الكندي

5. الحويرث بن نقيند

6. صفوان بن أمية

7. وحشي بن حرب، قاتل حمزة

8. عبد اللّه بن الزبعرى

9. حارث بن طلالة

10. عبد اللّه بن خطل

وأربعة نساء.(1)

وكان كلّواحد من هوَلاء إمّا قتل أحداً، أو ارتكب جناية أو شارك في
موَامرة أوحرب ضدّ الاِسلام والمسلمين.

وفي دخول مكّة أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحيطة والحذر،
ففرّق الجنود، على أن يدخلوها من أسفلها، وآخرون يتخذون طريقاً من أعلاها،
وأعداداً أُخرى تدخل من جميع المداخل والطرق الموَدية إلى داخل مكّة،
فدخلت الفرق كلّها مكّة دون قتال، إلاّ ما حدث مع جبهة خالد بن الوليد، الذي
قابلته مقاومة صغيرة تمكن من السيطرة على الوضع بعد هروب المعتدين.

أمّا النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد دخل مكة من ناحية أذاخر
وهي أعلى نقطة في مكّة، فضربت له قبة من أدم بالحجون ـ عند قبر عمّه العظيم
أبي طالب ـ ليستريح فيها، فقد أبى أن ينزل في بيت من بيوتها. واغتسل بعد
الاستراحة، فركب راحلته القصواء متوجهاً إلى المسجد الحرام لزيارة بيت اللّه
المعظم والطواف به على راحلته، حيث لم يترجل،وكبّـر فكبّـر المسلمون، حتى


1 . السيرة النبوية:2|410؛ تاريخ الخميس:2|90.

ارتجت مكة لدويّصوتهم، فسمعه المشركون الذين تفرّقوا في الجبال ينظرون
المشهد المثير. وحينما كان يمر على أي صنم من أصنام المشركين، يقول و هو
يشير بقضيب في يده: ( جاءَ الحقُّ وزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(1) فيقع الصنم
لوجهه، ثمّأمر بتحطيم أكبر الاَصنام على مرأى من المشركين.

وبعد أخذ استراحة، طلب من عثمان بن طلحة أن يأتيه بمفتاح الكعبة، فقد
كان هو سادن الكعبة، حيث كانت السدانة تتوارث جيلاً بعد جيل. وفتح النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) باب الكعبة و دخل البيت، و دخل بعده، أُسامة بن زيد،
و بلال وعثمان. ثمّأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) بإغلاق الباب، الذي قام خالد
بن الوليد بحراسته ومنع الناس عنه.

ولمّا كانت جدران الكعبة من الداخل مغطاة بصور الاَنبياء والملائكة
وغيرهم، فإنّ النبيص أمر بمحوها جميعاً وغسلها بماء زمزم.

وقد اشترك الاِمام علي (عليه السلام) في كسر بعض الاَصنام الموضوعة
في الكعبة، وحاول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصعد على كتفيه، إلاّأنّ
ضعف الاِمام (عليه السلام) لم يساعده في ذلك، فطلب منه النبي «صلى الله عليه
وآله وسلم» أن يصعد ـ عليٌ ـ على كتفه قائلاً: «يا عليّاصعد على منكبي»، فصعد
على منكبه، فألقى صنم قريش الاَكبر وأصنام أُخرى محطمة إلى الاَرض.(2) ثمّ
وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على باب الكعبة وقال: «الحمد للّه الذي
صدق وعده ونصر عبده وهزم الاَحزاب وحده». ثمّ اتجه إلى الناس الذين
يشاهدون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يكسر الاَصنام ويحمد اللّه،
فسألهم:

«ماذا تقولون وماذا تظنون؟» فقالوا: نقول خيراً ونظن خيراً. أخ كريم وابن


1 . الاِسراء: 81.

2 . مسند أحمد بن حنبل:1|84؛ السيرة الحلبية:3|86؛ تاريخ الخميس:2|86.

أخ كريم، وقد قدرت. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فإنّي أقول لكم كما قال
أخي يوسف: (قالَ لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ اليَومَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمين)(1).

وبهذا أعلن (صلى الله عليه وآله وسلم) العفو العام والشامل عن أهل مكة
بقوله: «ألا لبئس جيران النبي كنتم،لقد كذّبتم،وطردتم وأخرجتم وآذيتم ثمّ ما
رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني، اذهبوا فأنتم الطلقاء».(2)

وكان الوقت ظهراً فحان وقت الصلاة ، فصعد بلال سطح الكعبة ورفع نداء
التوحيد و الرسالة ـ الاَذان ـ وبعدها ردّمفتاح الكعبة على عثمان بن طلحةو قال له:

«هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم برّ ووفاء». فالنبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» هو أوّل من يلتزم بالتعليم الاِلهي في أداء الاَمانة إلى أهلها، فيعيد مثل تلك
الاَمانة الكبرى إلى صاحبها. ثمّ ألغى جميع مناصب الكعبة السائدة في الجاهلية، إلاّ
ما كان نافعاً للناس، كالسدانة، والحجابة ـ و هي القيام بشوَون أستار الكعبة ـ و
سقاية الحجيج.(3)

وفي حديث له (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أقاربه، في اجتماع ضم بني
هاشم و بني عبد المطلب، أوضح لهم أنّ صلة القربى التي تربطهم به «صلى الله
عليه وآله وسلم» لا تبرر لاَحد منهم أن يتجاهل قوانين الحكومة الاِسلامية، فيتخذ
من انتسابه إلى زعيمها ذريعةوغطاء لارتكاب ما لا يحل للآخرين.

وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا قد شجب كلّ تمييز وتفضيل غير
صحيح وسليم، داعياً إلى لزوم العدل ومراعاة المساواة بين جميع الطبقات: «يا بني


1 . يوسف:92.

2 . بحار الاَنوار: 21|106؛ السيرة الحلبية:2|412.

3 . بحار الاَنوار: 21|132.

هاشم، يا بني عبد المطلب، إنّي رسول اللّه إليكم وإنّي شفيق عليكم، لا تقولوا
أنّمحمّداً منّا، فواللّه ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلاّ المتّقون، فلا أعرفكم تأتوني
يوم القيامة تحملون الدنيا على رقابكم، ويأتي الناس يحملون الآخرة. ألا وإنّي قد
أعذرت فيما بيني و بينكم وفيما بين اللّه عزّوجلّ وبينكم، وإنّ لي عملي ولكم
عملكم».(1)

ثمّ دعا إلى اجتماع تاريخي كبير عند بيت اللّه الحرام، حضره حشد كبير من
أهالي مكة، وألقى فيهم خطاباً تاريخياً عالج الاَمراض الاجتماعية الخاصة
بالمجتمع العربي في ذلك العصر وحتى عصرنا الحالي، ومن أهمّما ورد وتناوله
(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الخطاب:

1. التفاخر بالنسب: فقد كان من الاَمراض المستحكمة في البيئة العربية
الجاهلية، إذ كان من أكبر أمجاد المرء أن ينتسب إلى قبيلة معروفة، أو يتفرع نسبه
عن عشيرة بارزة كقريش مثلاً. فأبطل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في
خطابه هذه العادة السيئة بقوله: «أيّها الناس إنّ اللّه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية
وتفاخرها بآبائها، ألا إنّكم من آدم و آدم من طين».

وبذا فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) صنّف الشخصية بالتقوى و الورع: «ألا
إنّ خير عباد اللّه عبد اتقاه» فأعطى الفضيلة والمنزلة لاَهل التقوى والورع خاصة.

2. التفاضل بالقومية العربية: فقد اعتبروا الانتساب إلى العرق العربي
مفخرة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ العربية ليست بأب والد، ولكنّه
لسان ناطق، فمن قصر عمله لم يبلغ به حسبه».

3. المساواة بين أفراد البشر: فقد دعا إلى دعم المساواة بين الاَفراد
والجماعات: «إنّ الناس من آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي


1 . بحار الاَنوار: 21|111.

على العجمي، ولا للاَحمر على الاَسود، إلاّ بالتقوى». وبذلك ألغى التمييز
العنصري موَسساً بذلك ميثاق حقوق الاِنسان قبل أيّ جهة عالمية.

4. الاَحقاد والحروب الطويلة : إذ أنّالحروب المتلاحقة بين القبائل العربية
أدت إلى نشأة الحقد و الضغينة، فلم يجد طريقاً للقضاء عليها إلاّبالطلب من
الناس أن يتنازلوا عمّا لهم من دماء في أعناق الآخرين، سفكت في عهد الجاهلية،
فتعتبر ملفات العهد القديم باطلة. وقال في ذلك«ألا إنّ كلّمال ومأثرة ودم في
الجاهلية تحت قدمي هاتين».

5. الاَُخوة الاِسلامية: حيث دعا إلى اتّحاد المسلمين ووحدة كلمتهم
وحقّالمسلم على أخيه المسلم، فهو من أهمّ مميزات الدين الاِسلامي، وهو بهذا
يرغّب غير المسلم في اعتناق الاِسلام إذا سمع ورأى مثل هذه الحقوق والعلاقات
المتبادلة بين المسلمين:«المسلم أخو المسلم، و المسلمون إخوة، وهم يد واحدة
على من سواهم، تتكافوَ دماوَهم ليسعى بذمّتهم أدناهم».(1)

وبعد ذلك تفرّغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحكم على بعض
المجرمين والموَذين،حيث كان هناك عدد من المجرمين المكيّين، كان لابدّ من
عقابهم على ما فعلوا من أعمال سيئة، وذلك بالرغم من إصدار العفو العام، وقد
طارد الاِمام علي (عليه السلام) اثنين منهم لجآ إلى بيت أُمّ هانىَ أُخت الاِمام (عليه السلام) التي أجارتهما،ولكن الاِمام (عليه السلام) طلب منها أن يعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمانها ليعطي رأيه في جوارها وأمانها كمرأة، فقبل (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك و قال: «قد أجرنا من آجرت، وأمّنا من أمّنت، فلا يقتلهما».(2)


1 . روضة الكافي:246؛ السيرة النبوية:2|412؛ مغازي الواقدي:2|836؛ بحار الاَنوار:21|105.

2 . الاِرشاد:72.

/ 104