1. ورود وفد نجران، و المباهلة
أحداث السنة العاشرة من الهجرة
أحداث السنة العاشرة من الهجرة1. ورود وفد نجران، و المباهلةتقع نجران على الحدود بين الحجاز و اليمن، واعتنق أهلها المسيحية،وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدكتب إلى أُسقف نجران أبو حارثة يدعوه
إلى الاِسلام أو دفع الجزية، أو الحرب بين الطرفين، فتشاور مع رجاله وشخصيات
دينية كان من ضمنهم شرحبيل الذي عرف بالعقل والحكمة والتدبير فقال: قد
علمتُما وعد اللّه إبراهيم في ذرّية إسماعيل من النبوّة. ثمّ اتّفقوا على إرسال وفد
منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمّ ستين شخصاً من أهل العلم بقيادة
ثلاثة من أساقفتهم:ـ أبو حارثة بن علقمة: أسقف نجران الاَعظم والممثل الرسمي للكنائس
الرومية في الحجاز.ـ عبد المسيح : رئيس الوفد.ـ الاَيهم: من الشخصيات المقدّرة عندهم.(1)وحينما وصلوا المدينة ودخلوا المسجد لمقابلة النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» في ملابسهم الخاصة من ديباج وحرير وذهب، والصلبان في أعناقهم،
انزعج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك فأخبرهم الاِمام علي (عليه السلام)
1 . السيرة الحلبية:3|211.بأن يضعوا حللهم وخواتيمهم ثمّ يعودوا إليه، فدخلوا من ثمّ على النبي الاَكرم
(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي احترمهم وتقبّل هداياهم، ثمّ طلبوا الاِذن بالصلاة
ـ أي صلاتهم ـ فأذن لهممدلّلاً بذلك على التسامح الديني الذي تميز به الرسول
الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والاِسلام.ثمّ جرت المفاوضات و المناقشات الدينية بينهم و بين النبي ص وخاصة
فيما يرتبط بالسيد المسيح، فأوضح لهم النبي ص ما جاء حوله مفصلاً في القرآن
الكريم، و أنّه بشر وليس إلهاً ولكنّهم لم يرضخوا لمنطق النبي ودلائله فدعاهم إلى
المباهلة بعدما نزلت عليه الآيات: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِماجاءَكَ مِنَالعِلْمِ فَقُلْ
تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل
لَعْنَتَ اللّهِ عَلى الكاذِبين) .(1)واتّفق الطرفان على إجراء المباهلة في الصحراء خارج المدينة، فاختار
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهله أربعة أشخاص فقط هم: الاِمام علي
(عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والاِمامان الحسن و
الحسين «عليهما السلام» فلم يكن غيرهم أطهر نفساً وأقوى وأعمق إيماناً. وفي
الموعد المحدد سار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الموقع بأسلوب مميز،
فقد احتضن الاِمام الحسين (عليه السلام) وأخذ بيد الاِمام الحسن (عليه السلام)
وسارت السيدة الزهراء(عليها السلام) خلفه ، والاِمام علي (عليه السلام) خلفها،
وهو يقول: إذا دعوتُ فأمِّنُواوكان زعماء الوفد النجراني قد قرروا أنّه إذا خرج النبيبأهله فقط، لم
يباهلوه فإنّ ذلك يدل على صدقه وثقته بحاله، فلما شاهدوا ذلك بأنفسهم
اندهشوا له، فكيف خرج النبيبابنته الوحيدة وأفلاذ كبده المعصومين
للمباهلة،فأدركوا أنّهواثق من نفسه ومن دعوته، إذ لو لم يكن كذلك لما خاطر
بأحبائه ولما عرضهم للبلاء السماوي، ولهذا قال أُسقف نجران: يا معشر
1 . آل عمران:61.النصارى، إنّي أرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها، فلا
تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الاَرض نصراني إلى يوم القيامة. فاتّفقوا بذلك
على عدم أداء المباهلة، واستعدادهم لدفع الجزية سنوياً للنبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» في مقابل قيام الدولة الاِسلامية بالدفاع عنهم.وجاء عن السيدة عائشة: أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج
يوم المباهلة وعليه مرط ـ كساء ـ مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثمّ
جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة ثمّ علي، ثمّ قال: (إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَعَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ البيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً).(1)ويوَكد الزمخشري، أنّ ذلك دليل قويّ على فضل أصحاب الكساء، وبرهان
على صحّة نبوّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .وأمّا عن وقت حدوث المباهلة، فقد جاء أنّه لا خلاف بين الموَرخين بأنّ
كتاب الصلح كتب عام 10هـ وفي يوم 25 من شهر ذي الحجّة.ويذكر السيد ابن
طاووس أنّه كان يوم 24 وهو الاَصح، بينما رأى فريق آخر أنّه كان في يوم 21 أو
27 من الشهر نفسه.(2)وقد جاء عن السيد ابن طاووس قصة المباهلة في كتاب الاِقبال بصورة
مفصّلة لم ترد في أيّ كتاب آخر، مشيراً بأنّ محتوياته اقتبست من كتابين:1. كتاب المباهلة لاَبي الفضل محمّد بن عبد المطلب الشيباني.(3)2. كتاب عمل ذي الحجّة تصنيف الحسن بن إسماعيل بن إشناس.(4)
1 . الاَحزاب:33.2 . الاِقبال:743.3 . يرى النجاشي أنّ له فترتين من الحياة، كان في إحداها موثوقاً به، وفي الاَُخرى لم يكن
موثوقاً به.4 . من مشايخ الطائفة الاِمامية، توفي 460هـ ونقل أحاديث المباهلة.أما رأينا حول توقيت المباهلة، فإنّ الدراسة العلمية تثبت أنّ الواقعة لم
تحدث في شهر ذي الحجّة عام 10هـ، أنّ الرسول ص كان قد توجه إلى مكّة
لتعليم مناسك الحجّ في هذه السنة، وفي اليوم 18 من هذا الشهر ـ و هو يوم
الغدير، نصب علياً (عليه السلام) في غدير خم(1) خليفة على المسلمين من بعده،
ولم تكن حادثة الغدير بالاَمر الهيّن حتى يتابع النبي ص سفره فوراً إلى المدينة، إذ
أنّه نصب خيمة جلس فيها الاِمام علي (عليه السلام) ليدخل عليه
المهنّئون،واستمر ذلك حتى ليلة 19 من ذي الحجّة، حيث بدأت أُمّهات الموَمنين
في التهنئة عند نهاية المراسيم، فلا يمكن لذلك أن يغادر الرسول «صلى الله عليه
وآله وسلم» غدير خم في يوم 19، نظراً لوجود الكثير من الحجّاج الذين كانوا
يودعون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه البقعة.والشواهد التاريخية توَكد أنّ النظرية المذكورة في توقيت المباهلة لا تحظى
بالاعتبار الكافي، فلابدّ لمعرفة زمن الحادثة التي هي من مسلمات القرآن والتفسير
والحديث، تحرّي المزيد من التحقيق والدراسة والتقصّي. وأمّا سبب اختيار
العلماء للوقت والزمن، فذلك لاَنّ الشيخ الطوسي اختاره استناداً إلى روايات نَقَلها
في كتابه، مع وجود رجال غير ثقات ضمن سنده.وتعتبر قصة مباهلة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع وفد نجران من
أحداث التاريخ الاِسلامي الجميلة و المثيرة، وإن قصّر بعض المفسرين
والموَرخين في رواية تفاصيلها وتحليلها، إلاّ أنّ عدداً من العلماء كالزمخشري في
الكشاف، والاِمام الفخر الرازي في تفسيره، وابن الاَثير في الكامل، تناولوها
بدقائقها.(2)
1 . تبعد عن الجحفة ميلين، والجحفة على 6 أميال من البحر الاَحمر،وتقرب من رابغ الآن، و4
أميال من مكة. أمّا بحساب المقاييس الحديثة فهي تبعد عن مكّة 220 كم. والميل عبارة عن 3
آلاف ذراع، والفرسخ يساوي 9 آلاف ذراع، و قيل إنّ الميل 4 آلاف ذراع،والفرسخ 12 ألف ذراع. و
الميل ثلث الفرسخ،والفرسخ يعادل 3 أميال.2 . الكشاف: 1|382؛ مفاتيح الغيب للرازي:2|471؛ الكامل: 2|112.