إلهیات علی هدی الکتاب و السّنة و العقل جلد 2
لطفا منتظر باشید ...
وقال سبحانه: (قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءعِلْماً)(1). وعلى هذين الأساسين ربما يتصور أنَّ تعلقذلك العلم بكل الأشياء عموماً، والأفعالالاختيارية للإنسان خصوصاً، يجعل الإنسانمجبوراً مضطراً متظاهراً بالحريةوالاختيار، لأنه سبحانه إذا كان يعلم منالأزل، أنَّ هذا الشخص سيرتكب الذنبالفلاني في الساعة المعينة، فبما أنَّالعلم الإلهي لا يتخلف عن معلومه يجب أنيكون الشخص مصدراً لهذا الذنب، ولا يستطيعأن يتخلف عنه بأية قوة وقدرة، بل لا يستطيعأن يغير من كميته وكيفيته، إذ تخلفه نفستخلف علم الله عن الواقع، وصيرورة علمهجهلاً تعالى الله عنه. أقول: إنَّ هذا المقام هو المزلقة الكبرىللسطحيّين الذين مالوا إلى الجبر، لأجلكون أفعال العباد متعلقة لعلمه تعالى، غيرمتخلفة عن متعلقها ولكنهم لو وقفوا علىكيفية تعلق علمه بصدور أفعال العباد منهم،لرجعوا عن هذا الحكم الخاطئ. والجواب عن ذلك: إنَّ علمه سبحانه لميتعلق بصدور أي أثر من مؤثره على أي وجهاتفق، وإنما تعلق علمه بصدور الآثار عنالعلل مع الخصوصية الكامنة في نفس تلكالعلل. فإن كانت العلة علة طبيعية فاقدةللشعور والاختيار أو واجدة للعلم فاقدةللاختيار، فتعلق علمه سبحانه بصدور فعلهاوأثرها عنها بهذه الخصوصية، أي أن تصدرالحرارة من النار من دون أن تشعر فضلاً عنأن تريد، ويصدر الارتعاش من الإنسانالمرتعش عن علم ولكن لا بإرادة واختيار،فالقول بصدور هذه الظواهر عن عللها بهذهالخصوصية يستلزم انطباق علمه على الواقعوعدم تخلفه عنه قيد شعرة. وإن كانت العلَّة عالمة وشاعرة ومريدةومختارة كالإنسان، فقد تعلق علمه على صدورأفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغفعلها بصبغة الاختيار والحرية. فلو صدرفعل الإنسان منه بهذه الكيفية، لكان علمهمطابقاً للواقع