إلهیات علی هدی الکتاب و السّنة و العقل جلد 2
لطفا منتظر باشید ...
ثم إنَّ القاضي يرد على أدلة الأشاعرةالتي نقلناها عنهم(1). و أنت خبير بأنَّ هذه الدلائل على فرضتماميتها ترد القول بالجبر أي ارتباطأفعال العباد باللّه سبحانه و انقطاعها عنالعبد و لا تثبت العكس، و أنَّ فعل العبدمخلوق للعبد لا صلة له بنحو من الأنحاءباللّه سبحانه كما هو مدّعى المعتزلة،ولأجل ذلك هنا منهج ثالث و هو الأمر بينالأمرين كما سيوافيك: و في الحقيقة إنّ هذه الطائفة تنكرالتوحيد الأفعالي الذي ركّز عليه النقل والعقل، و هو أنَّه لا خالق إلاَّ اللّهسبحانه. توضيح ذلك: إنَّ دافع المعتزلة إلى القولبالتفويض هو الحفاظ على وصف من أوصافهسبحانه و هو «العدل». فلما كان العدل عندهمهو الأصل و الأساس في سائر المباحث، عمدواإلى تطبيق مسألة أفعال العباد عليه فخرجوابهذه النتيجة: إنَّ القول بكون أفعالالعباد مخلوقة للّه سبحانه ينافي عدله. ولجأوا بعدها إلى القول بأنها من صنع العبدو ليس للّه فيها أي صنع. و لمَّا كان الأصلعند الأشاعرة هو التوحيد الأفعالي و أنهلا مؤثر إستقلالا و لا تبعاً غيره سبحانه،عمدوا إلى تطبيق هذه المسألة على أساسهم.فجعلوا أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه وليس للعبد فيها صنع. فالطائفتان لم تتدبرا في مسألة أفعالالعباد تدبراً عميقاً، بل جعلتا النظرفيها فرعاً للنظر في الأصل الذي تبنتاه. وقد غفلتا عن أنَّ هناك طريقاً ثالثاًيجتمع فيه الأصلان: التوحيد الأفعالي ووصف العدل، مع القول بالإِختيار، كماسيتضح ذلك عند البحث عن المنهج الثالثللإِختيار. فلنعطف عنان الكلام إلى الأصل الفلسفيالذي بُني عليه القول بتفويض أفعال العبادإلى أنفسهم.