به من إراءة نقض العهد وحفظه، ولكن يشكل بإغناء البياض والسواد عنه في التمييز مع دلالة الآيـة، كما عرفت.
على أنّ الفائدة في أخذ الميثاق كونُه حجّةً عليهم لا تمييز الملائكة، فلا بُـدّ أن يكون معنى الآية أنّ الله عزّ وجلّ أخرج ذُرّيّـة بني آدم من ظهورهم ; لكونهم نطفة في أصلابهم، وأشـهدهم على أنفسـهم، فقال لهم ـ بما أراهم من عجائب الصنع في أنفسهم ـ: (ألسـتُ بربّكم)؟ فقالوا: (بلى شهدنا)، بلسان حالهم وحاجتهم إلى مدبّر لهم يخرج النطفة، ثمّ يجعلها عَـلَـقَـةً، ثمّ مضغةً، ثمّ بشراً سويّـاً(1).
ولهذا نظائر في الكتاب العزيز وغيره..
قال تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)(2) ; فإنّ قولهما: (أتينا طائعين) إنّما هو بلسان الحال.
وقال الشاعر [ من الرجـز ]:
امتلأ الحوضُ وقال: قَطْنِـي(3)
مَهلا رُوَيْداً قَد مَلأتَ بَطني(4)
مَهلا رُوَيْداً قَد مَلأتَ بَطني(4)
مَهلا رُوَيْداً قَد مَلأتَ بَطني(4)
اسـتدلال المصنّف (رحمه الله) ـ بما ذكره ـ إمّا مبنيٌّ على إلزام الأشاعرة
(1) انظر: تفسير الفخر الرازي 15 / 53 ضمن القول الثاني، مجمع البيان 4 / 359 ضمن الوجه الثاني.
(2) سورة فصّلت 41: 11.
(3) قَـطْ: حَسْـبُ، وهو الاكتفاء، وقَطني بمعنى: حسـبي، أي: اكتفيت ; انظر: الصحاح 3 / 1153، النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 78، لسان العرب 11 / 218 ـ 219، مادّة " قَطَطَ ".
(4) هذا رجز من شواهد اللغة، استشهد به الجوهري في " الصحاح "، ولم ينسبه لأحد، وإنّما قال: " قال الراجز "، وكذا في " لسان العرب "، إلاّ أنّه قال: " سلا رويداً " ; راجع الهامش السابق.