وما كنت أحسب أن يبلغ هنا العناد بالرازي حتّى يجعل الفضيلة التي تمنّاها ابن عمر منقصة! ثمّ قال الرازي: " وأمّا قوله: (وتاب الله عليكم)، فليس في الآية أنّه تاب عليكم من هذا التقصير، بل يحتمل أنّكم إذا كنتم تائبين، راجعين إلى الله سبحانه وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، فقد كفاكم هذا التكليف "(1). وكأنّه يرى أنّ الله تعالى قد أوكل إليه معاني الكتاب العزيز، وأن يُـحْدِث له معاني لا تنطبـق على ألفاظه، فإنّ الجملة الشرطية التي احتملها لا أثر لها في الآية أصلا، ولا تدلّ عليها بإحدى الدلالات. وظاهر الآية أو صريحها هو التوبة عليهم من عدم فعلهم للصدقة. وإنّ المعنى: فإذ لم تفعلوا ما أُمرتم به وتاب الله عليكم فلا تُخِلّوا بالواجبات الأُخر، وهي: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله. ومن تأمّل في الحقيقة، وتدبّر في إيجاب عالِمِ الغيب للصدقة على مَن يعلم أنّهم لم يعملوا مع نسخه عنهم قريباً بعد فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتّى أَنزل بذلك قرآناً يُتلى على مرور الأيّام، وأنكر على المسلمين إشفاقهم وبخلهم، علم أنّ المقصود كشف أحوال المسلمين وبيان فضل أميـرهم عليهم. (1) تفسير الفخر الرازي 29 / 274.