تبنا و ماء باردا و قول متقلدا سيفا و رمحا و اضطربوا في توجيه قرائة الجر فقال
بعضهم ان الارجل فيها معطوفة على الوجوه و انما جرت لمجاورة المجرور اعنى الرؤس نحو
قولهم حجر ضب خراب و قال آخرون هى معطوفة على الرؤس و الاية مقصورة على الوضوء الذي
يمسح فيه الخفان و ليس المراد بها بيان كيفية مطلق الوضوء و لم يرتض الزمخشري في
الكشاف شيئا من هذين الوجهين بل طوى عنهما كشحا و اخترع وجها آخر حاصله ان الارجل
معطوفة على الرؤس لا لتمسح بل لتغسل غسلا يسيرا شبيها بالمسح لئلا يقع إسراف في
الماء بصبه عليها فهذا غاية ما قاله الماسحون و الغاسلون في تطبيق كل من تينك
القرائتين على ما يوافق مرادهم و يطابق اعتقادهم و اما الجامعون بين الغسل و المسح
فهم يوافقون الامامية في استفادة المسح من الاية على كل من القرائتين كما مر تقريره
و اما المخيرون
بين الامرين فرئيسهم اعنى الحسن البصري لم يقرء بنصب الارجل و
لا بجرها و انما قرأها بالرفع على تقدير و أرجلكم مغسولة أو ممسوحة و باقيهم وافقوا
الامامية على ما استفادوه من الاية فهذه أقوال علماء الامة بأسرهم في هذه الاية
الكريمة و آرائهم عن اخرهم في هذه المعركة العظيمة أللهم اهدنا لما اختلف فيه بإذنك
انك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم درس تمسك اصحابنا في وجوب المسح بما ثبت بالنقل
المتواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلم انهم كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء و
يأمرون شيعتهم بذلك و ينقلونه عن جدهم رسول الله صلى الله عليه و آله و ابيهم أمير
المؤمنين عليه السلم و ينهون عن الغسل و يبالغون في إنكاره و قد سئل أبو جعفر محمد
بن على الباقر عليه السلم عن مسح الرجلين في الوضوء فقال هو الذي نزل به جبرئيل
عليه السلم و روينا عن ابى عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلم انه قال يأتى
على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل ال له منه صلوة قيل له و كيف ذلك قال لانه يغسل ما امر الله بمسحه
و أمثال ذلك عنهم عليهم السلم أكثر من ان يحصى و من وفقه الله لسلوك جادة الانصاف و
مجانبة جانب الاعتساف لا يعتريه ريب و لا يخالجه شك في ان الاية الكريمة ظاهرة في
المسح شديدة البعد عن افادة الغسل و ان ما تمحله الغاسلون في توجيه قرأئة النصب في
عطف الارجل و الواقعة في ذيل الحكم بالمسح على الوجوه المندرجة في حكم الغسل لافادة
كونها مغسولة يوجب خروج الكلام عن حلية الانتظام لصيرورته بذلك من قبيل قول القائل
ضربت زيدا و عمرا و أكرمت خالدا و بكرا بجعل بكر معطوفا على زيد لقصد الاعلام بانه
مضروب لا مكرم و لا يخفى ان مثل هذا الكلام في غاية الاستهجان عند أهل اللسان تنفر عنه طباعهم و تشمئز منه اسماعهم فكيف يحتج اليه أو تحمل
الاية الكريمة عليه و اما ما تكلفوه لتتميم مرامهم و ترويج كلامهم في ثاني وجهي
توجيه تلك القرائة من إضمار فعل ناصب للارجل سوى الفعلين المذكورين في الاية تقديره
و اغسلوا أرجلكم فلا يخفى ما فيه فان التقدير خلاف الاصل و انما يحسن ارتكابه عند
عدم المندوحة عنه nو انسداد الطريق الا اليه و قد عرفت ان العطف على المحل طريق
واضح لا يضل سالكه و لا تظلم مسالكه و اما التقدير في الشاهدين اللذين استشهدوا
بهما فلا مناص عن ارتكابه فيهما ليصح الكلام بحسب اللغة اذ لا يقال علفت الدابة ماء
و لا فلان متقلدا رمحا و انما يقال سقيتها ماء و معتقل رمحا و ما نحن فيه ليس من
ذلك القبيل و الله الهادي إلى سواء السبيل و
جادة الصواب اما الحمل على ان المراد تعليم مسح الخفين فلا يخفى ما فيه من البعد و
لهذا اعرض عنه المحققون من المفسرين اذ لم يجر للخفين ذكر و لا دلت عليهما قرينة و
ليس الغالب بين العرب لبسهما و سيما أهل مكة و المدينة زاد هما الله عزا و شرفا
فكيف يقتصر سبحانه في ابتداء تعليم كيفية الوضوء على كيفية وضوء لابس الخف فقط و
يترك وضوء من سواه و هو الغالب الا هم و اما الحمل على ان الجر لمجاورة الارجل
الرؤس فأول ما فيه ان جر الجوار ضعيف جدا حتى ان أكثر أهل العربية أنكروه و لم
يعولوا عليه و لهذا لم يذكره صاحب الكشاف في توجية قرائة الجر و تمحل لها وجها اخر
و أيضا فان المجوزين له انما جوزوه بشرطين الاول عدم تأديته إلى الالتباس على
السامع كما في المثال المشهور اذ الخرب انما يوصف به الجحر لا الضب و الثاني ان لا
يكون معه حرف العطف و الشرطان مفقود ان في الآية الكريمة اما الاول فلان تجويز جر
الجوار يؤدى إلى التباس حكم الارجل لتكافؤ احتمال جرها بالجوار المقتضى لغسلها و
جرها بالعطف على الاقرب المقتضى لمسحها
فان قلت انما يجئ اللبس لو لم يكن في الآية قرينة على انها
مغسولة لكن تحديدها بالآية قرينة على غسلها اذ المناسب عطف ذي الغاية على ذي الغاية
لا على عديمها و تناسب المتعاطفين امر مرغوب فيه في فن البلاغة قلت هذه القرينة
معارضة بقرينة اخرى دالة على كونها ممسوحة و هي المحافظة على تناسب الجملتين
المتعاطفتين فانه سبحانه لما عطف في الجملة الاولى ذا الغاية على ذي الغاية ناسب ان
يكون العطف في الجملة الثانية ايضا على هذه الوتيرة و عند تعارض القرينتين يبقى
اللبس بحاله و اما الشرط الثاني فامره ظاهر فان قلت قد جاء الجر بالجوار في قوله
تعالى و حور عين في قرائة حمزة و الكسائي مع ان حرف العطف هناك موجود و ليست معطوفة
على اكواب ب ل على ولدان لا نهن طايفات بأنفسهن و جاء ايضا في قول الشاعر
فهل أنت ان ماتتا تانك راحل إلى ال بسطام بن قيس مخاطب بعطف خاطب على راحل وجره
بجوار قيس قلت اما الآية الكريمة فليس جر حور عين فيها بالجوار كما ظننت بل انما هو
بالعطف على جنات اى هم في جنات و مصاحبة حور عين أو على اكواب اما لان معنى يطوف
عليهم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بأكواب كما في الكشاف و غيره أو لانه يطاف بالحور
بينهم مثل ما يجاء بسرارى الملوك إليهم كما في تفسير الكواشى و غيره و دعوى كونهن
طايفات بأنفسهن لا مطافا بهن لم يثبت بها رواية و لم يشهد لها دراية و اما البيت
فبعد تسليم كونه من قصيدة مجرورة القوافي فلا نسلم كون لفظة خاطب اسم الفاعل لجواز كونها فعل امر اى فخاطبنى و اجبنى عن
سؤالي و ان سلمنا ذلك فلا نسلم كونها مجرورة لكثرة الاقواء به في شعر العرب العرباء
حتى قل ان يوجد لهم قصيدة سالمة عنه كما نص عليه الادباء فلعل هذا منه و ان سلمنا
كونها مجرورة بالجوار فلا يلزم من وقوع جر الجوار مع العطف في الشعر جوازه في غيره
اذ يجوز في الشعر لضرورة الوزن أو القافية ما لا يجوز في غيره درس و اما المحمل
الثالث الذي تمحله صاحب الكشاف حيث قال فان قلت فما تصنع بقرائة الجر و دخول الارجل
في حكم المسح قلت الارجل من بين الاعضاء الثلثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها
فكانت مظنة للاسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الرابع الممسوح لا لتمسح و لكن
لينبه على وجوب الاقتصاد في
يحسبها ممسوحة لان المسح لم تضرب له غاية في الشريعة انتهى فلا يخفى ما فيه من
التعسف الشديد و التمحل البعيد و من ذا الذي قال بوجوب الاقتصاد في غسل الرجلين واى
إسراف يحصل بصب الماء عليها و متى ينتقل المخاطبون بعد عطفها على الرؤس الممسوحة و
جعلها معمولة لفعل المسح إلى أن المراد غسلها غسلا يسيرا مشابها للمسح و هل هذا الا
مثل أن يقول شخص أكرمت زيد أو عمر أو اهنت خالدا و بكرا فهل يفهم أهل اللسان من
كلامه هذا الا أنه أكرم الاولين و اهان الآخرين و لو قال لهم اني لم أقصد من عطف
بكر على خالد انني اهنته و انما قصدت أنني أكرمته اكراما حقيرا قريبا من الاهانة لا
كثروا ملامه و زيفوا كلامه و حكموا بأنه خارج عن اسلوب كلام الفصحاء الا ترى إلى
حكم علماء المعاني بأن قول العباس الاحنف ساطلب بعد الدار عنكم لتقربوا و تسكب
عيناي الدموع لتجمدا خارج
من قانون الفصاحة لبعد انتقال السامع من جمود العين إلى ما قصده
من الفرح و السرور و لا اظنك ترتاب في أن الانتقال إلى المعنى الذي تمحله صاحب
الكشاف أبعد من الانتقال إلى المعنى الذي قصده العباس و أما جعله التحديد بالكعبين
قرينة على أن الارجل مغسولة و استناده في ذلك إلى ان المسح لم تضرب له غاية في
الشريعة فعجيب لانه ان أراد ان مطلق المسح لم تضرب له غاية في الشريعة و لم ترد به
الآية الكريمة فهو عين المتنازع بين فرق الاسلم و ان أراد ان مسح الرأس لم تضرب له
غاية فاين القرينة حينئذ على ان الارجل مغسولة و أعجب من ذلك انه لشدة اضطرابه في
تطبيق قرائة الجر على مدعاة قد ناقض نفسه في كلامين ليس بينهما الا أسطر قلائل الا
ترى إلى أنه قال عند قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم فان قلت هل يجوز أن يكون الامر
شاملا للمحدثين و غيرهم لهؤلاء على وجه الوجوب و لهؤلاء على وجه الندب قلت لا لان
تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الالغاز و التعمية ثم انه حمل قوله تعالى و امسحوا
برؤسكم على ما هو اشد الغازا و أكثر تعمية من كثير من الالغاز والمعميات و جاز
تناول الكلمة لمعنيين مختلفين اذ المسح من حيث وروده على الرؤس يراد به المسح
الحقيق و من حيث وروده على الارجل يراد به الغسل القريب من المسح فحقيق ان يقال
أيها الحاذق اللبيب كيف احترزت عن اجراء كلام الله تعالى مجرى اللغز و المعمى حين
امر سبحانه بغسل الوجه و اليدين و لم تحترز عن ذلك حين امر جل شأنه بمسح الرأس و
الرجلين و لم جوزت في آخر كلامك ما منعت منه في أوله و هل لاحظت في ذلك نكتة لطيفة
أو دقة معنوية أو هو تحكم محض و تعسف صرف لينطبق به قرائة الجر على وفق مرادك و طبق
اعتقادك درس قد عرفت ما تمحله الغاسلون في تفسير الاية الكريمة و ما حملوها عليه من
المحامل البعيدة السقيمة فلنذكر الآن بقية كلامهم في إتمام مرامهم فنقول و احتجوا
على الغسل بعد ما زعموا دلالة الآية عليه بما رواه البخاري في صحيحة عن عبد الله بن
عمر قال تخلف عنا النبي صلى الله عليه و آله في سفر فأدركنا و قد ارهقنا العصر
فجعلنا نتوضأ و نمسح على أرجلنا فنادي بأعلى صوته ويل للاعقاب من النار و بما رواه
صاحب المصابيح عن أبي حية قال رأيت على بن أبي طالب عليه السلم توضأ فغسل كفيه حتى
انقاهما ثم مضمض ثلثا و استنشق ثلثا و غسل وجهه ثلثا و ذراعيه ثلثا و مسح برأسه مرة
ثم غسل قدميه إلى الكعبين ثم قام فاخذ فضل طهوره فشربه و هو قائم ثم قال أردت أن
اريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه و آله و بما رواه عن ابن عباس انه حكى
وضوء رسول الله صلى الله عليه و آله و ختم بغسل رجليه و بما رواه عن عائشة أنها
قالت لان تقطعا احب إلى من أن امسح على القدمين بغير خفين و بما رواه عن عمر بن
الخطاب انه رأى رجلا يتوضأ فترك باطن قدميه فامره أن يعيد الوضوء و أجاب اصحابنا
بان ما رويتموه عن النبي صلى الله عليه و آله و عن أمير المؤمنين سلام الله عليه
معارض بما تواتر عن أئمة أهل البيت
بالمسح و كذلك كان وضوء أمير المؤمنين عليه السلم مع ان هذه الرواية التي تمسك به
البخارى في تحتم الغسل و المنع من المسح و عنون الباب المذكورة فيه بذلك لا دلالة
فيها بعد تسليم صحتها على ما زعمه لانها انما تضمنت امره صلى الله عليه و آله بغسل
الاعقاب فلعله لنجاستها فان اعراب الحجاز ليبس هو أهم و مشيهم في الاغلب حفاة كانت
أعقابهم تشقق كثيرا كما هو ألان مشاهد لمن خالطهم فكانت قلما تخلو من نجاسة الدم و
غيره و قد اشتهر انهم كانوا يبولون عليها و يزعمون ان البول علاج تشققها فان صدر
عنه صلى الله عليه و آله امر بغسل الاعقاب فهو لازالة النجاسة عنها و أيضا فليس في
هذه الرواية انه صلى الله عليه و آله نهاهم عن مسح الرجلين و انما تضمنت امرهم بغسل
أعقابهم لا و تخصيصه صلى الله عليه و آله الاعقاب بالذكر و سكوته عما فعلوه من
المسح يؤيد ما قلناه و أيضا ان عبد الله بن عمر و الصحابة الذين توضؤا معه و مسحوا أرجلهم
كما نقلهم عنهم لم يكن مسح أرجلهم في الوضوء اختراعا منهم و تشهيا من عند أنفسهم بل
لابد ان يكونوا سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه و آله أو شاهدوه من فعله اذ
العبادات لا تكون بالاختراع و التشهى و انما هى امور توقيفية متلقاة من الشارع فهذه
الرواية عند التأمل حجة لنا لا علينا كما ان الاية الكريمة كذلك و اما ما نقلتموه
عن أمير المؤمنين عليه السلم فيكذبه ما نقله علماؤكم من ان أئمة أهل البيت عليهم
السلم كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء و ينقلونه عن أبيهم و لا شك انهم أعلم منكم و
من فقهائكم الاربعة بشريعة جدهم و عمل أبيهم سلام الله عليهم أجمعين و اما ما
نقلتموه عن ابن عباس فهو ينافى ما اشتهر
عنه و نقلتموه في كتبكم من ان مذهبه المسح و انه كان يقول
الوضوء غسلتان و مسحتان من باهلنى باهلته و اما ما نقلتموه عن عائشة و عمر بن
الخطاب فقد تعلمون انه رايج لدينا فلا يصير علينا حجة درس و مما استدلوا به ان غسل
الرجلين هو قول أكثر الامة و فعلهم في كل الاعصار و الامصار من زمن النبي صلى الله
عليه و آله إلى هذا الزمان و اما من عداهم من الفرق الثلثة الاخر اعنى الماسحين و
الجامعين والمخيرين فهم بالنسبة إلى الغاسلين في غاية القلة و نهاية الندرة و قول
الاكثر اقرب إلى الحقية من قول الاقل و أيضا فكيف تعتقدون أيها الماسحون ان النبي
صلى الله عليه و آله كان يمسح رجليه مدة حيوته ثم لما توفاه ربه اليه اخترع سلف
اصحابنا الغسل تشهيا
من عند أنفسهم و ادخلوا في الدين ما ليس منه بمحض رأيهم من دون
امر باعث عليه أو سبب مؤد اليه و اعتقادكم هذا يحكم بفساده كل ذي مسكة و أيضا فانه
صلى الله عليه و آله كان يتوضأ في الغزوات و غيرها بمحضر جم غفير من الامة يشاهدون
أفعاله و ينقلون اقواله فكيف نقل إليكم المسح و لم ينقل إلينا و كيف اختصصتم أنتم
بالاطلاع على هذا الامر الظاهر البين من دوننا و أجاب اصحابنا عن الاول بان الكثرة
لا تدل على الحقية بل ربما كانت دلالتها على البطلان اقرب فان أكثر أهل الحق في
جميع الاعصار اقل من أهل الباطل الا ترى ان المسلمين في غاية القلة بالنسبة إلى من
سواهم الا ترى ان الفرقة الناجية منهم واحدة لا و الفرق الهالكة اثنتان و سبعون
فرقة كما نطق به الحديث المشهور فكيف تجعلون الكثرة بعد هذا دليلا على الحقية و عن
الثاني و الثالث بأنهما وارد ان عليكم ايضا و لم تجوزون على سلفنا الاختراع في
الدين و لا تجوزون على سلفكم على ان تطرق الشبهة إلى ما
(291)
قبل هذا من ان أكثر العرب في ذلك الزمان و لا سيما أهل البادية كانوا يمشون حفاة و
النعل العربية التي كان يلبسها بعضهم لم تكن تقى اقدام أكثرهم وقاية تامة كما هو
مشاهد لمن لبسها و كانت أعقابهم تنفطر ليبس هوائهم و كثرة مماستها الرمل و الحصباء
و قد اشتهر انهم كانوا يبولون عليها و يزعمون ان البول علاج لها فيجوز ان يكون
النبي صلى الله عليه و آله امرهم بغسل أرجلهم عند الوضوء لازالة النجاسة عنها لا
لكون الغسل جزء من الوضوء ثم استمروا عليه و جرت عادتهم به حتى اعتقدوا انه من
الوضوء ثم تعوضوا به عن المسح لظن ان الغسل مسح و زيادة كما مرت الاشارة اليه قبل
هذا و حينئذ لا يكون الغسل اختراعا محضا بل ناشيا عن شبهة اقتضت القول به و
مثل هذا لا يجرى في المسح و أيضا فالاختلاف في الوضوء ليس مختصا بما هو بيننا و
بينكم بل أنتم ايضا مختلفون في مسح الرأس اختلافا شديدا فالمالكية يوجبون استيعابه
كله و الحنفية يوجبون مسح ربعه لا و الشافعية يكتفون بالمسح على كل جزء منه فهل كان
النبي صلى الله عليه و آله يفعل ما يقوله احد من هؤلاء الفرق الثلث مدة حيوته ثم
اخترع الفرقتان الاخريان ما شاؤا بعد وفاته و ادخلوا في الدين ما ليس منه أوانه صلى
الله عليه و آله كان يأتى تارة بما يقول به احدى الفرق و اخرى بما يقوله الاخرى كما
يدعيه المخيرون بين الغسل و المسح أو كان يأتى بالاقسام الثلثة كما يقوله الجامعون
بين الامرين و كيف يخفى عليكم ما كان يفعله صلى الله عليه و آله بمحضر جمع كثير وجم
غفير حتى اختلفتم هذا الاختلاف الشديد فما هو جوابكم عن الاختلاف الواقع فيما بينكم
فهو جوابنا عن الواقع بيننا بينكم و الحاصل ان الاختلاف بين الامة في افعال النبي
صلى الله عليه و آله و أقواله المتكررة في غالب الاوقات كالتكتف في الصلوة و قرائة
البسملة مع الحمد و غير ذلك كثير
( و الباعث عليه معلوم ) فلا ينبغى التعجب من الاختلاف في
الوضوء فان هذا ليس أول قارورة كسرت في الاسلم نسأل الله الهداية و التوفيق درس و
ما تمسكوا به ايضا وجوه أربعة الاول ان الماسحين بأجمعهم يدعون ان الكعب هو المفصل
و هو في كل رجل واحد فلو كان المأمور به في الآية هو المسح كما يدعونه لكان الانسب
ان يقول و أرجلكم إلى الكعاب على لفظ الجمع كما انه لما كان في كل يد مرفق واحد قال
إلى المرافق فقوله سبحانه إلى الكعبين انما يوافق ما نقوله نحن معاشر الغاسلين من
ان في كل رجل كعبين الثاني ان الغسل موجب لبرائة الذمة و الخروج عن عهدة الطهارة
بيقين لانه مسح و زيارة اذ مسح العضو امساسه بالماء و غسله امساسه به مع جريان ماء فالغاسل ات بالامرين معا و عامل بالآية
الكريمة على كل تقدير فهو الخارج عن عهدة الطهارة بيقين بخلاف الماسح الثالث ان كل
من قال بالمسح قال ان الكعب عظم صغير مستدير موضوع تحت قصبة الساق في المفصل كالذي
يكون في ارجل البقر و الغنم و هذا شيء خفى مستور لا يعرفه ألعرب و لا يطلع عليه الا
اصحاب التشريح و اما نحن فالعظمان الناتيان عن جانبي القدم ظاهران مكشوفان و مناط
التكليف ينبغى ان يكون شيئا ظاهرا مكشوفا لا العروة باليوم من اين يعرف علمة الناس
ان في المفصل عظما ناتيا عن ظهر القدم يقال له الكعب لينتهوا في المسح اليه الرابع
ان الايدى التي ينتهى هى مغسولة باتفاق الامة محدودة في الآية الكريمة بغاية و
الرأس الذي هو ممسوح بالاتفاق محدود فيها بغاية و الارجل المختلف فيها لو لم تكن
محدودة فيها بغاية لكان ينبغى ان تقاس على المحدود و هو الرأس و تعطى حكمه من المسح
لكنها محدودة فيها بالغاية
تعطى حكمها من الغسل لا حكم المحدود من المسح و الجواب عن الاول ان تثنية ألكعبين
ليست باعتبار كل رجل كما ان جمع المرافق باعتبار كل يد بل تثنيتها باعتبار كل رجل
كما هو المعتبر في جمع الرؤس و القياس على الاقرب أولى من القياس على الابعد و لما
عطف في جملة الغسل محدودا على محدود كان الانسب في جملة المسح ايضا و ذلك لتناسب
الجملتان المتعاطفتان كما مر ذكره قبل هذا و عن الثاني ان لكل من الغسل و المسح
حقيقة مباينة لحقيقة الاخر عند أهل اللسان و ليس المسح مطلق الامساس بالماء بل
إمساس لا جريان معه للماء بنفسه و لو تم ما ذكرتموه لكان غسل الراس ايضا مخرجا عن
العهدة و مبرئا للذمة كالمسح و لم يقل به احد و عن الثالث انه ليس كما زعمتم من انه
كل من قال بالمسح قال بان الكعب عظم صغير واقع في المفصل فان اصحابنا على قولين
أحدهما
و هو الذي لاكثر المتأخرين انه قبة القدم بين المفصل و المشط و الكعب بهذا المعنى
مكشوف مشاهد لا سترة فيه و الثاني و هو الذي عليه العلامة و بعض القدماء و قليل من
المتأخرين هو ما ذكرتم و لكن كونه خفيا و أيضا فالخلاف بين الفقهاء انما هو فى
تعريف الكعب الذي ورد في الآية الكريمة هل هو هذا أو غيره لا في تسمية العرب له و
الاجماعات في ارجل الاحياء لا يمنع معرفة العرب به و اطلاعهم عليه في عظام الاموات
كما أطلعوا على كعاب البقر و الغنم كعبا و يبعد أن يسموا ما لا يعرفونه و أما عامة الناس فلا يلزم ان يعرفوه فان انتهى المسح
بالمفصل اليه و لهذا عبر عنه العلامة و غيره بالمفصل و عن الرابع ان القياس في اصله
ليس عندنا حجة كما ثبت في أصولنا و أيضا فهذا قياس فاسد لا تقولون به أنتم ايضا اذ
الوصف المناسب ليس علة للحكم في الاصل فكيف يجعل علة في الفرع و أيضا فيمكن معارضة
قياسكم هذا بقياس آخر مثله بان يقال كلما هو مغسول في الوضوء باتفاق الامة فهو
ممسوح في التيمم و الممسوح فيه ساقط في التيمم فينبغي ان يجعل المختلف فيه في
الوضوء مقيسا على حاله في التيمم فالوجوه و الايدى لما كانت مغسولة مسحت و الرؤس
لما كانت ممسوحة سقطت فالارجل لو كانت مغسولة ممسوحة في التيمم
قياسا على الوجوه و الايدى لكنها ساقطة فيه و هو ان يعطى قياسها على الرؤس التي هى
ايضا ساقطة فيه و يعطى حكمها من المسح فهذا ما اقتضاه الحال من تقرير أقوال الامة
في تفسير الآية الكريمة و تبيين حجتهم في هذه المعركة العظيمة و من طبعت طبيعته على
الانصاف و جبلت جبلته على مجانبة الاعتساف إذا نظر فيما حررناه بعين البصيرة و أخذ
ما قررناه بيد قصيرة ظهر عليه من هو أقوم قيلا و تبين لديه ما هو أقوى دليلا و اوضح
سبيلا و الله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم المطلب الثاني في كيفية الوضوء و احكامه
و نواقضه و ما يتبع ذلك و فيه فصول الفصل الاول في كيفيته تسعة أحاديث ثانيها و
سابعها و ثامنها من الكافى و ثالثها من الاستبصار و البواقى من التهذيب يب الثلاثة عن ابان عن الاهوازي عن ابن ابى عمير و فضالة عن
جميل عن زرارة قال حكى لنا أبو جعفر عليه السلم وضوء رسول الله صلى الله عليه و آله
فدعا بقدح من ماء فادخل يده اليمنى فاخذ كفا من ماء فاسدلها على وجهه من أعلى الوجه
ثم مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسرى في الانآء فاسدلها على اليمنى ثم مسح
جوانبها ثم أعاد اليمنى في الانآء ثم صبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ثم
مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدها في الانآء بيان الاسدال ارخاء
الستر و طرف العمامة و نحوهما و منه السديل و هو ما يرخى
(293)
معنى التراخى و إطلاق الاعادة في اليسرى على الادخال الابتدائى لعله لمشاكلة قوله
ثم أعاد اليمنى و تقديم المشاكل بالفتح شرط فيها و الضمير المنصوب في و لم يعدها
يحتمل عوده إلى اليسرى لانها المحدث عنه و إلى اليمنى لقربها و فى بعض نسخ التهذيب
و لم يعدهما بضمير التثنية و كيف كان فالمراد عدم استيناف ماء جديد كا محمد بن
إسمعيل عن الفضل بن شاذان عن الثلثة قال قال أبو جعفر عليه السلم الا احكي لكم وضوء
رسول الله صلى الله عليه و آله فقلنا بلى فدعا بقعب فيه شيء من ماء فوضعه بين يديه
ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال هذا إذا كانت الكف طاهرة ثم غرف
فملاها
فوضعها على جبينه و قال بسم الله و سد له على اطراف لحيته ثم
امر يده على وجهه و ظاهر جبينه مرة واحدة ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملاها ثم وضعه
على مرفقه اليمنى و امر كفه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه و مسح مقدم
رأسه و ظهر قدميه ببلة يساره و بقية بلة يمناه ن القعب بفتح القاف و إسكان العين
المهملة قدح من خشب و يقال جلست بين يديه اى قدامه و فى مقابله و لعل الانآء كان
اقرب إلى يمينه عليه السلم و الميل اليسير إلى احد الجانبين لا يقدح في المقابلة
العرفية فلا ينافى هذا الحديث ما اشتهر من استحباب وضع الانآء على اليمين و حسر
بالمهملات بمعنى كشف و هو متعد بنفسه و لعل مفعوله و هو الكم أو الثوب محذوف و
الاشارة في قوله عليه السلم هذا إذا كانت الكف طاهرة إلى غمس اليد في الماء القليل
من دون غسلها أولا و سدل و اسدل بمعنى ص أبو الحسين بن ابى جيد عن محمد بن الحسن بن
الوليد عن ابان
عن الاهوازي عن صفوان و فضالة عن فضيل بن عثمان عن الحذاء قال
وضأت ابا جعفر عليه السلم بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفا فغسل
به وجهه و كفا غسل به ذراعه الايمن و كفا غسل به ذراعه الايسر ثم مسح بفضلة الندى
رأسه و رجليه ن جمع بفتح الجيم و إسكان الميم المشعر الحرام و التعقيب في قوله
فناولته ذكرى و هو عطف مفصل على مجمل فان التفصيل من حقه ان يتعقب الاجمال كالتعقيب
في قوله تعالى و نادى نوح ربه فقال رب ان ابنى من اهلى ثم ان قلنا بان صب الماء في
اليد استعانة مكروهة حملنا ذلك على الضرورة أو بيان الجواز و الندى بفتح النون
مقصورا الرطوبة يب الثلاثة عن احمد بن إدريس عن احمد بن محمد عن الاهوازي عن الثلثة
عن ابى جعفر عليه السلام قال إذا وضعت يدك في الماء فقل بسم الله و بالله أللهم
اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين فإذا فرغت فقل الحمد لله رب العالمين يب
الثلاثة عن سعد عن احمد بن محمد عن الاهوازي عن الثلثة عن أبي
جعفر عليه السلم قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع و
المد رطل و نصف و الصاع ستة أرطال يب و بالسند عن الاهوازي عن النضر عن عاصم بن
حميد عن ابي بصير و محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلم انهما سمعاه يقول كان رسول
الله صلى الله عليه و آله يغتسل بصاع من ماء و يتوضأ بمد من ماء كا العدة عن احمد
بن محمد عن الاهوازي عن فضالة عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الوضوء
قال إذا مس جلدك الماء فحسبك بيان قد يستدل به على عدم وجوب الدلك و إمرار اليد كا
على بن إبراهيم عن ابيه و محمد بن إسمعيل عن الفضل بن شاذان عن الثلثة و محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلم قال انما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه
و من يعصيه و ان المؤمن لا ينجسه شيء