رسائل الشیخ بهاء الدین محمد الحسین بن الصمد الحارثی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رسائل الشیخ بهاء الدین محمد الحسین بن الصمد الحارثی - نسخه متنی

بهاء الدین محمد بن الحسین بن عبد الصمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

(399)

و الرب اما مصدر بمعنى التربية و هي تبليغ الشيء كماله
تدريجا وصف به للمبالغة كالعدل و التجوز اما عقلي أو لغوى و المبالغة في الاول اشد
و ما يظن من انتفائها في الثاني رأسا ليس بشيء اذ التقدير لتصحيح الحمل لا يوجب
انتفائها بالكلية و ان كنت في مريه من ذلك فانظر إلى حكمهم بان التشبيه المضمر
الاداة ابلغ من مذكورها و اما صفة مشبهة من ربه تريه بعد نقله إلى فعل بالضم كما
سبق مثله في الرحمن و لا اشكال في وصف المعرفة به اذ الاضافة حينئذ حقيقية من قبيل
كريم البلد لانتفاء عمل النصب مع ان المراد الاستمرار دون التجدد و سمى به المالك
لانه يحفظ ما يملكه و يربيه و لا يطلق على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار أو
مجموعا كالارباب و لعل النكتة في ذلك هى انه سبحانه هو المربى الحقيقي لكل ما حواه
نطاق الامكان وشم رائحة من الوجود و هم بأسرهم مربوبون منحطون عن مرتبة تربية الغير
فان وجدت من بعضهم بحسب الظاهر تربية
فهي في الحقيقة تربية منه جل شأنه اجراها على يده فهو الرب حقيقة و إطلاق الرب على
غيره مجاز يحتاج إلى قرينة فجعلوا تلك القرينة اما التقييد أو الجمع و العالم اسم
لما يعلم به الشيء و كثيرا ما يجئ صيغة الفاعل بالفتح اسما للآلة التي يفعل بها
الشيء كالخاتم و الطابع و القالب لكنه غلب فيما يعلم به الصانع عن شأنه مما اتسم
بسمة الامكان اعنى في كل جنس من اجناسه تارة كما يقال عالم الافلاك و عالم العناصر
و عليه جرى قوله جل و علا " و ما رب العالمين قال رب السموات و الارض و ما بينهما "
و فى مجموع تلك الاجناس اجرى كما يقال عالم المخلوقات و عالم الممكنات اعنى جميع ما
سوى الله تعالى مجردا أو ماديا فلكيا أو عنصر يا و اما إطلاقه على كل واحد من احاد
افراد الجنس فهو و ان كان مما لا مرية في جوازه اذ ما في خطة الوجود من يفتر و لا
قطمير الا و فيه حجج قاطعة على وجود الصانع الخبير الا ان الغلبة لم يتفق في ذينك
المعنيين و لعله في الآية الكريمة بالمعني الاول اذ هو بالمعني الثاني لا يجمع لعدم
جريان التعدد فيه و انما جمع معرفا باللام للاشعار بشمول ربوبيته جل شأنه جميع
الاجناس ثم لما كان مطلقا على الجنس بأسره لم يبعد تنزيله منزله الجمع بل قال في
مجمع البيان بانخراطه في سلك الجموع التي لا واحد لها كالنفر و الجيش و كما يستغرق
الجمع المعرف احاد مفرده و ان لم يصدق عليها كما قالوه في قوله تعالى " و الله يحب
المحسنين " كذلك يشمل العالم افراد الجنس المسمى به و ان لم يطلق عليها كانها احاد
مفرده التقديري فلفظ العالمين بمنزلة جمع الجمع فكما ان الاقاويل يتناول كل واحد من
آحاد الاقوال كذلك هذا اللفظ يتناول كل واحد من آحاد الاجناس و انما جمع بالواو و النون تغليبا لاجناس العقلاء من الملائكة و الانس و الجن على غيرهم و قيل
هو في الاصل اسم لذوي العلم و تناوله لغيرهم بالتبع و قيل للثقلين فقط و عليه جرى
قوله سبحانه لها ليكون للعالمين نذيرا و قيل للانس منهم هذا و قد يجعل قوله جل شأنه
رب العالمين دليلا على افتقار الممكنات في بقائها إلى المؤثر و يقرر تارة بان الصفة
المشبهة تدل على الثبوت و الاستمرار فتربيته سبحانه له مستمرة و أعظم افرادها ما هو
مناط بقية الافراد الاخر اعنى استمرار افاضته نور الوجود عليها إلى الابد الذي
يقتضيه حالها و فيه ما لا يخفى و اخرى بان شمول التربية للممكنات بأسرها على ما
يفيده تعريف الجمع يعطى ذلك اذ تربية بعضها كبعض الجمادات ليست


(400)

الا استمرار إفاضة نور الوجود عليه و اختصاصه بذلك دون غيره مما
لا يقبله العقل السليم و اما جعله اشارة إلى الدليل العقلي المشهور في إثبات هذا
المرام فهو كما ترى الرحمن الرحيم قد يتمسك بذكرهما من قال بعدم كون البسملة جزء من
الفاتحة زاعما لزوم التكرار من دون ثمرة و ليس بشيء اذ لو لم يكن فيه الا تشييد
مباني الرحمة و الاشعار في مفتتح الكتاب بان اعتناه عز و علا بها أكثر و أشد من
الاعتناء ببقية الصفات لكفى كيف و انه لما كان في وصفه سبحانه بكونه ربا للعالمين
اشارة إلى المبدء و فى قوله تعالى " مالك يوم الدين " اشارة إلى المعاد ناسب أو
يتوسط بينهما ما يشير إلى حسن صنعه جل شأنه فيما بينهما و أيضا ففيه بسط بساط
الرجاء بالتنبيه على ان مالك يوم الجزاء رحمن رحيم فلا تيأسوا أيها المذنبون من
صفحه عن ذنوبكم في ذلك اليوم الهائل و استوثقوا برحمته الكاملة ان لا يفضحكم على
رؤوس الاشهاد يوم تبلى السرائر و أيضا فتوسيط هذين الوصفين بين التخصيص بالحمد و التخصيص
بالعبادة يتضمن الايماء إلى ان المستأهل للحمد و المستحق للعبادة البالغ في الرحمة
اقصى غايتها و الموت للنعم عاجلها و آجلها جليلها و حقيرها مالك قرأ عاصم و الكسائي
و يعقوب و خلف و قرأ باقى العشرة ملك يوم الدين و قد يؤيد القرائة الاولى بالانطباق
على قوله عز من قائل " يوم لا تملك نفس لنفس شيئا و الامر يومئذ لله " و الثانية
بانها ادخل في التعظيم و أنسب بالاضافة إلى يوم الدين و أشد طباقا بقوله جل شأنه "
لمن الملك لله الواحد القهار " و انه سبحانه وصف نفسه في خاتمة الكتاب بالملكية بعد
وصفه بالربوبية فيناسب الجريان في فاتحة على ذلك المنوال و ما يتراآى من خدش هذا
الوجه بمخالفته الترتيب النزولى للترتيب الحالى ليس بذاك اذ يكفى سبق علمه عز و علا
باستقرار ترتيب القرآن على ما هو عليه ألان و المالك من له التصرف في الاعيان التي
في حوزته كيف يشاء و الملك من له التصرف في امور العامة بالامر و النهى على
سبيل الغلبة و الاستيلاء و الدين الجزاء خيرا كان أو شرا و منه قولهم كما تدين تدان
و المروي عن الباقر عليه السلام ان المراد به الحساب و اضافة اسم الفاعل إلى الظرف
لاجرائه مجرى المفعول به توسعا و المراد مالك يوم الامور كلها في ذلك اليوم و سوغ
وصف المعرفة به إرادة المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع على وتيرة و نادى
اصحاب الجنة أو إرادة الاستمرار الثبوتى بناء على التنزيل المذكور و بقاء ذلك اليوم
ابدا و على التقديرين فالإِضافة حقيقة موجبة للتعريف و اما القرائة الثانية فمؤنتها
اخف اذ هى من اضافة الصفة المشبهة إلى معمولها فهي حقيقية مثل كريم البلد اذ
اضافتها اللفظية منحصرة في الاضافة إلى الفاعل لاشتقاقها من اللازم و هذا
يصلح مؤيدا خامسا لهذه القرائة فان قلت لم لم يجعل في القرائة الاولى بدلا ليخف
المؤنة ايضا فقد اختار المحققون جواز إبدال النكرة الغير الموصوفة من المعرفة قلنا
لان البدل من المقصود بالنسبة و الغرض ان الحمد ثابت له جل و علا باعتبار هذه
الصفات و هو يفوت على هذا التقدير كمالا يخفى و تخصيص اليوم بالاضافة مع انه عز
سلطانه ملك و مالك بجميع الاشياء في كل الاوقات و الايام لتعظيم ذلك اليوم الهائل و
لمناسبة الاشارة إلى المعاد كما ان رب العالمين اشاره إلى المبدء و ما بينهما اشاره
إلى ما بين النشأتين كما مر و لان الملك و الملك الحاصلين في هذه النشأتين


(401)

لبعض الناس بحسب الظاهر يزولان و يبطلان في ذلك اليوم و ينسلخ
الخلائق عنهما انسلاخا بينا و ينفرد جل شأنه بهما انفرادا ظاهرا على كل احد و فى
اجراء هذه الصفات الاربع عليه تعالى تعليل و تمهيد لما اكتنف بها سابقا و لاحقا من
اختصاص الحمد سبحانه و قصر العبادة و الاستعانة عليه عز سلطانه دائما و لو بمعونة
مقام التمدح إلى ان هذه الصفات هى الموجبة للتخصيص و القصر المذكورين و ان من لم
يتصف بها لا يستحق ان يحمد فضلا عن ان يعبد و فى ذكرها بعد اسم الذات الدال على
استجماع صفات الكمال يلوح بان من يحمده الناس و يعظمونه انما يكون حمدهم و تعظيمهم
له لاحد امور أربعة اما لكونه كاملا في ذاته و صفاته و اما لكونه محسنا إليهم و
منعما عليهم و اما لانهم يوجبون الفوز في الاستقبال و الحال بجزيل إحسانه و جليل
امتنانه عاجلا و آجلا و اما لانهم يخافون من قهره و كمال قدرته و سطوته فكانه جل و
علا يقول يا معشر الناس ان كنتم تحمدون و تعظمون للكمال الذاتي و الصفاتى
فانى انا الله و ان كان للاحسان و التربية و الانعام فانا رب العالمين و ان كان
للرجاء و الطمع في المستقبل فانا الرحمن الرحيم و ان كان للخوف من كمال القدرة و
السطوة فانا مالك يوم الدين هذا و قد يظن ان استحمقاقه جل شأنه للحمد بسبب الرحمة
التي هى تفضل و إحسان مما لا يستقيم على مذهب المعتزلة القائلين بوجوب إيصال الثواب
و قد اسلفنا في تفسير آخر البسملة ما يحتم به ماده هذا الظن رأسا فان قلت ان قولهم
بوجوب كلما اصلح بحال العباد عليه تعالى ان ينفى التفضل بالكلية اذ لا مزية في ان
كل فرد من افراد الاحسان و أضاف الامتنان اصلح بحالهم فيكون واجبة عليه جل شأنه فلا
يكون متفضلا بشيء منها فلا يستحق الحمد عليها عندهم فقد عاد المحذور قلت انه لم
يذهب إلى الكلية الا شرذمة منهم لا يعبأ بهم و لا بكلامهم و المحققون على ان هذه
القضيه جزئية و قد نبه المحقق الطوسى في التجريد
و لم يتنبه لذلك شراح كلامه و الحاصل انهم انما يوجبون الاصلح
الذي لو لم يفعله لكان مناقضا لغرضه قالوا لما كان غرضه جل شأنه من اظهار المعجزة
على يد النبي صلى الله عليه و آله تصديق الخلق فيجب له ان يخلق فيهم ما يبصرونها به
به ان كانت من المبصرات أو ما يسمعونها به ان كانت من المسموعات لئلا يكون بإهمال
ذلك مناقضا لغرضه و كذلك لما كان غرضه من خلقنا ان نعبده كما قال عز و علا " و ما
خلقت الجن و الانس الا ليعبدون " فيجب عليه ارشادنا إلى ذلك بإرسال الرسل صلوات
الله عليهم و الا لفات الغرض و على هذا فقس و حينئذ يبقى الجدال معهم في تعليلهم
أفعاله تعالى بالاغراض و اجرائهم هذه الآية و أمثالها من الايات على ظاهرها و
سنتكلم فيه في موضع يليق به انشاء الله تعالى على انهم يقولون ان وجوب الشيء لا
ينافي التفضل به اذ انشاء وجوبه من تفضل سابق كمن ألزم نفسه بعهد أو يمين ان يتصدق
على المسكين الفلاني بمال جزيل فانه إذا أوصل ذلك المال اليه عد في العرف متفضلا
عليه و لهذا لو اعرض ذلك المسكين عن حمده و شكره مستندا إلى ان ذلك الاعطاء كان
واجبا عليه لاستحق الذم من جميع العقلاء و ما نحن فيه من ذلك القبيل فان خلقنا لم
يكن واجبا عليه سبحانه لكن لما اوجدنا من كتم ( .

.

) فضلا و إحسانا و
البسنا خلعة الوجود تفضلا و تطولا و امتنانا لنتأهل للقرب من ساحة جلاله و نستعد
للاستضائة بأنوار جماله وجب بسبب ذلك التفضل

(402)

امور اخر لا يخرجها الوجوب عن كونها تفضلا كما في المثال
المذكور و لله المثل الاعلى و به الاعتصام و به الرجعي إياك نعبد و اياك نستعين
أكثر النحاة على ان ايا هو الضمير و الكاف و الياء و الهاء الملحقة بها حروف زيدت
لبيان الخطاب و التكلم و الغيبة كتاء أنت و كاف رايتك بمعنى أخبرني المزيدة لتأكيد
الخطاب و قال الزجاج هو اسم مظهر تضاف إلى المضمرات الثلاث و احتج الخليل على
الاضافة بقولهم إذا بلغ الرجل الستين فاياه وايا الشواب و هو نعم الشاهد لو لا
شذوذه و قيل هى الضمائر واى دعامة مخرجة لها عن الاتصال إلى الانفصال و قيل بل
المجموع و العبادة على مراتب الخضوع و التذلل و لذلك لا يليق بها الا من كان موليا
لاعلى النعم
و أعظمها من الوجود و الحيوة و توابعها و من قال انها لا يستعمل الا في الخضوع لله
تعالى لعله أراد هذا و الا فظاهره مصادم لقوله تعالى " و ما تعبدون من دون الله حصب
جهنم " و اما ما رواه عمدة الاسلام رحمه الله في الكافى عن ابى جعفر محمد بن على
الباقر عليه السلام من اصغى إلى ناطق فقد عبده فان كان الناطق يؤدى عن الله فقد عبد
الله و ان كان يؤدى عن الشيطان فقد عبد الشيطان فلعله ورد على سبيل المبالغة أو ان
العبادة فيه بمعنى الطاعة و ما في مجمع البيان من إنكار القول بأنها بمعنى الطاعة
لعل المراد به إنكار كونها حقيقة فيها فما في الصحاح و غيرها من تفسيرها بالطاعة لا
ينافيه كما يظن فان أكثر اللغة كما قيل مجازات و الاستعانة طلب المعونة على الفعل
اما لتعذر الاتيان به بدونها أو لتعسره و المراد هنا طلب المعونة في المهمات و
بأسرها أو في اداء العبادة و القيام بوظائفها من الاخلاص التام و حضور القلب و فى
هذا نكتة أوردها
في تفسير الكبير هى ان المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه اوهم ذلك تبجحا و اعتداد ا
بما يصدر عنه فعقبه بقوله و اياك نستعين يريد ان العبادة ايضا لا يتم و لا تستب الا
بمعونة منه تعالى و توفيق و تقديم العبادة على الاستعانة يمكن ان يكون للاشارة إلى
هذه الثلاثة و للمحافظة على رؤوس الاى و لان العبادة من مدلولات الاسم المقدس اذ
معناه المعبود بالحق فكانت احق بالقرب منه و لانها مطلوب الله سبحانه من العباد و
المعونة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه على مطلوبهم و لان المعونة التامة انما هى
ثمرة العباد و نتيجتها كما يظهر من الحديث القدسي ما يتقرب إلى عبدي بشيء احب مما
افترضت عليه و انه ليتقرب الي بالنوافل حتى احبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به
و بصره الذي يبصر به و يده الذي يبطش بها الحديث و لانها اشد مناسبة لما تنبئ عن
الجزاء و الاستعانة أقوى اتصالا بطلب الهداية و لان التخصيص بالعباده أول ما يحصل
به الاسلام و اما التخصيص بالاستعانة فانما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين و الترقى في
مراتب اليقين فكان احق بالتأخير و لان العبادة وسيلة إلى حصول الحاجة التي هى
المعونة و تقديم الوسيلة على طلب الحاجة ادعى إلى الاجابة فهذه وجوه ثمانية لتقديم
العبادة على الاستعانة فصل و تقديم مفعولي العبادة و الاستعانة عليهما للحصر و
التعظيم و الاهتمام و تقديم ما هو مقدم في الوجود و الايماء إلى ان العابد و
المستعين و من يحذو حذوهما ينبغى ان يكون مطمح نظرهم أولا و بالذات هو الحق جل شأنه
على وتيرة ما رأيت شيئا الا رأيت الله قبله ثم منه إلى أنفسهم لا من حيث انها
ذواتها بل من حيث انها ملاحظة له عز و علا و منتسبة اليه ثم إلى اعمالهم من العبادة
و الاستعانة و المناجاة و ما

(403)

شاكلها لا من حيث صدورها عنهم بل من حيث انها نسبة شريفة و وصلة
لطيفة بينهم و بينه عز سلطانه و منه يظهر وجه تفصيل ما حكاه سبحانه عن حبيبه لا
تحزن ان الله معنا على ما حكاه عن كليمه ان معي ربي سيهدين و تكرير الضمير للتنصيص
على التخصيص بالاستعانة و الا لاحتمل تقدير مفعولها مؤخرا فيفوت دليل من يذهب إلى
ان التخصيص انما هو لمجموع الامرين لا بكل منهما مع انه هو المطلوب و للاستلذاذ
بالخطاب و لبسط الكلام مع المحبوب كما في قول موسى على نبينا و عليه السلام هى عصاي
و إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده للارشاد إلى ملاحظة القاري دخول
الحفظة أو حضار صلوة الجماعة أو كل ذرة من ذرات وجوده من قواه و حواسه الظاهرة و
الباطنة و غيرها أو جميع ما حوته دائرة الامكان و انطوى عليه نطاق الحدوث و اتسم
بسمت الوجود كما قال عز من قال و ان من شيء الا يسبح بحمده و للانذار بحقارة نفسه عند باب العظمة و الكبرياء عن عرض العبادة منفردا و
طلب الاعانة مستقلا من دون الانضمام و الدخول في جملة جماعة يشاركونه في عرض
العبادة على ذلك الباب و طلب الاعانة من ذلك الجناب كما هو الدأب في عرض الهدايا
على الملوك و رفع الحوائج أو لقصد انه انما يتكلم عن لسان غيره من المقربين الذين
لهم أهلية المخاطبة و عرض الحاجة لدى حضرة العزة و الجلال و انما هو في مراحل عن
الجريان على ذلك المنوال أو لان في خطابنا له عز و علا بأن خضوعنا التام و
استعانتنا في المهمات منحصر ان فيه جل شأنه لا يتجاوز ان عنه إلى غيره مع خضوعنا
الكامل لاهل الدنيا من الملوك و الوزراء و من ينخرط في سلكهم جزاء عظيمة و جسارة
بينة فعدل في الضلين عن الافراد إلى الجمع بعدا عن هذه الشنعة لانه يمكن ان يقصد
حينئذ تغليب الاصفياء الخلص عن غيرهم فيحرز عن تلك القرينة الظاهرة و التهور الشنيع
بخلاف صيغة الافراد و روى عن مالك بن دينار رضى الله عنه كان يقول لو لا انى مأمور
من الله تعالى بقرأته هذه الآية ما كنت اقرؤها قط لانى كاذب فيها و ما أحسن قول
رابعة العدوية رضى الله عنها لك ألف معبود
مطاع امره دون الاله و تدعى التوحيد أو لان هنا مسألة فقهية هى
ان من باع أمتعة مختلفة صفقة واحدة فكان بعضها معيبا فان المشترى لا يصح له ان يأخذ
الصحيح و يرد المعيب بل اما ان يرد الجميع أو يقبل الجميع فاراد العابد ان يحتال
لقبول عبادته و يتوصل إلى نجاح حاجته فادرج عبادته الناقصة المعيبة في عبادات غيره
من الاولياء و المقربين و خلط حاجته بحاجات من عداه من الاصفياء المخلصين و عرض
الجميع صفقة واحدة على حضرة ذي الجود و الافضال فهو عز شأنه اجل من ان يرد المعيب و
يقبل الصحيح كيف و قد نهى عبادة عن تبعيض الصفقة و لا يليق مكرمة رد الجميع فلم يبق
الا قبول الكل و فيه المطلوب فهذه وجوه خمسة في إيثار صيغة المتكلم وحده و بالله وحده الاعتصام فصل و ما تضمنته الاية من الالتفات من
الغيبة إلى الخطاب ينطوي على نكات فاتقة و لطائفة زائقة زيادة على ما في مطلق
الالتفات من المزية المقررة في فن المعاني فمنها التنبيه على ان القرائة ينبغى ان
يكون صادرة عن قلب حاضر و توجه كامل بحيث كلما اجرى القاري اسما من تلك الاسماء
العليا و نعتا من تلك النعوت العظمى على لسانه و نقشه على صفحة خيله حصل للمطلوب
مزيد انكشاف و انجلاء و أحسن هو بتزايد قرب و اعتلاء و هكذا شيئا فشيئا إلى ان
يترقى من مرتبة البرهان إلى درجة الحضور و العيان فيستدعى المقام حينئذ العدول إلى
صيغة

(404)

الخطاب و الجرى على هذا النمط المستطاب منها ان من بيده هدية
حقيرة معيبة و أراد ان يهديها إلى ملك عظيم و يطلب منه حاجته فان عرضها عليه
بالمواجهة و طلب حاجته بالمشافهة كان ذلك اقرب إلى قبول الهدية و نجاح الحاجة من
العرض بدون المواجهة فان في رد الهدية في وجه المهدي لها كسرا عظيما لخاطره فلا
يصدر عن الكريم و منها انطباق الكلام في هذه السورة الكريمة على قانون السلوك و
السير الى الحق سبحانه و جريانه على وفق حال السالك من مبادي سيره إلى حين وصوله من
اشتغاله بالذكر و الفكر و التأمل في اسمائه و النظر في الآية و الاستدلال بضائعه
على عظم شأنه و باهر سلطانه ثم لا يزال على ذلك حتى يلوح له بروق الظهور و تبدو له
ما سر
عن الحضور و تؤد به رياضته المجاهدة إلى روضة المشاهدة فيخوض
حينئذ لجة الوصول و يخترق حجب الغيبة بأنوار الشهود و رزقنا الله سبحانه و ساير
الاحباب ذلك بمنه و كرمه فقد تضمنت هذه السورة شرح ادب السير إلى ذلك الباب و تعليم
قانون العروج إلى تلك الاعتاب الارشاد إلى ما هو ثمرة ذلك اليسر و نتيجته من
المقامات العزيزة المنال و الغايات التي لا يكشف عنها المقال و لعل ذلك هو المقتضى
لوجوب قرائتها في الصلوة التي هى معراج العبد و منها ان الحمد لما كان عبارة عن
اظهار صفات الكمال و النداء على الجميل كما قاله صاحب الكشاف و غيره يكون المخاطب
به غيره تعالى اذ لا معنى لاظهار صفاته العليا عليه جل شأنه فالمناسب له طريق
الغيبة و اما العبادة فهي امر بين العبد و ربه فلا وجه لاظهار ها على الاغيار بل
ينبغى كتمانها عما عدا المعبود و عدم إظهارها لاحد سواه فالأَنسب بها طريق الخطاب و
منها التلويح بما ورد في الحديث اعبد الله كما تراه ففى هذا الالتفات اشعار بان
العبادة الشاملة عن القصور هى التي يكون العابد حال الاشتغال مستغرقا في بحر الحضور
كأنه مشاهد لجلال معبوده مطالع بجمال مقصوده و منها ان المقام مقام هائل عظيم
يتلجلج فيه اللسان و يدهش عنده الانسان فان الملك العظيم الشأن إذا امر بعض عبيده
بخدمة كقرائة كتاب مثلا بحضرته فربما غلبت مهابة ذلك الملك على قلبه و استولت على
لبه و حصل له رعشة و اعترأ له دهشة فيتغير نسق كلامه و يخرج عن اسلوبه و نظامه فمن
حق القاري ان يحصل له مثل ذلك الحال في مقام المقام عند سرادق العظمة و الجلال و
منها الاشارة إلى ان حق الكلام ان يجرى من أول الامر على طريق الخطاب لانه سبحانه
حاضر لا يغيب بل هو اقرب من كل قريب و لكنه انما جرى على طريق
الغيبة نظرا إلى البعد عن مظان الزلفى رعاية لقانون الادب الذي هو دأب السالكين و
قانون العاشقين كما قيل طرق العشق كلها اداب فلما حصل القيام بهذه الوظيفة جرى
الكلام على ما كان حقه ان يجرى عليه في ابتداء الذكر فقد قال سبحانه انا جليس من
ذكرني و منها التنبيه على علو مرتبة القرآن المجيد و اعتلاء شأنه و سميا آياته
المتضمنة لذكر الله عز شأنه و ان العبد بإجراء هذا القدر منه على لسانه يصير أهلا
للخطاب فائزا بسعادة الحضور و الاقتراب فكيف لو لازم وظائف الاذكار و واظب على
تلاوته بالليل و النهار فلا ريب في ارتفاع الحجب من البين و الوصل من الاثر إلى
العين و قد روى عن الامام جعفر الصادق عليه السلام انه قال لقد تجلى الله لعباده في
كلامه و لكن لا يبصرون و روى عنه انه خر مغشيا عليه و هو في الصلوة فسئل عن ذلك
فقال ما زلت اردد هذه الآية حتى سمعتها من

(405)

قائلها قال بعض اصحاب الحقيقة ان لسان جعفر الصادق عليه السلام
في ذلك الوقت كان كشجرة موسى على نبينا و عليه السلام عند قول انى انا لله و منها
انه لما كان الحمد و هو اظهار صفات الكمال في حال غيبة المحمود أولى و اتم و كانت
العبادة مما لا يليق للغائب و انما يستحقها من هو حاضر لا يغيب كما حكى سبحانه عن
إبراهيم على نبينا و عليه السلام فلما افلت قال لا احب الافلين لا جرم عز سبحانه عن
الحمد و إظهار الصفات بطريق الغيبة و عنها بطريق الخطاب و الحضور إعطاء كل منها ما
هو به حقيق من الاسلوب الفايق الرشيق و منها ان العابد لما أراد ان يتكلم على لسان
غيره من المقربين و يمزج عبادته المعيبة بعبادتهم ليقبل ببركتها على ما مر ساق
الكلام على النمط اللايق بحالهم و النسق المناسب لمقامهم و
مقالهم فان مقامهم مقام الخطاب مع حضرة المعبود لارتقائهم عن عوالم الغيبة إلى
معالم الحضور و الشهود و لو اتى بما ينبئ عن الغيبة لكان كاملا زار لشأنهم و
الاغضاء من رفعه مكانهم و منها ان العابد لما رام التشبيه بالقوم الذين لايشقى من
يشبه بهم سلك مسالكهم في الذكر و الفكر و التأمل في تلك الاسماء العظيمة و الصفات
الجليلة ثم انخرط في مسلكهم و تطفل عليهم و تكلم بلسانهم و ساق كلامه على طبق
مساقهم عسى ان يصير بمضمون من تشبه بقوم فهو منهم محسوبا في اعدادهم و مندرجا في
مساقهم و منها الاشارة إلى من لزم جادة الادب و الانكسار وراى نفسه بمراحل عن ساحة
القرب لغاية الاحتقار فهو حقيق ان تدركه رحمة الهبة و تلحقه عناية أزلية تجذبه إلى
حظاير القدس و توصله إلى محاضر الانس فيقوم على بساط الاقتراب و يفوز بعز الحضور و
الخطاب و منها انه لما لم يكن في ذكر
صفات الكمال مزيد كلفة بخلاف العبادة فانها العظم خطبها مشتملة
على كلفة و مشقة و من دأب المحب ان يتحمل من المشاق العظيمة في حضور المحبوب ما لا
يحتمل عشر عشيره في غيبته بل يحصل له بسبب ذلك الاطلاع و الحضور غاية الابتهاج و
السرور قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره و نظره جل شأنه إلى العابد ليحصل بذلك
تدارك ما فيها من الكلفة و ينجبر ما يلزمها من المشقة و يأتي بها العابد خالية عن
الكلال عارية عن الفتور و الملال مقرونة بكمال البساط موجبة لتمام الانبساط و منها
ان الحمد كما سبق اظهار صفات الكمال على الغير فما دام للاغيار وجود في نظر السالك
فهو يواجههم بإظهار كمالات المحبوب عليهم و ذكر مآثره الجليلة لديهم و اما إذا آل امره بملاحظة الاثار و ملازمة الاذكار إلى ارتفاع
الحجب و الاستار و اضمحلال جميع الاغيار لم يبق في نظره سوى المعبود بالحق و الجمال
المطلق و انتهى إلى مقام الجمع و صار أينما يولى فثم وجه الله فبالضرورة لا يصير
توجيه الخطاب لا اليه و لا يمكن ذكر شئ الا لديه فيغطف عنان لسانه نحو عز جنابه و
يصير كلامه منحصرا في خطابه وفوق هذا المقام مقام لا بفئ تقريره الكلام و لا يقدر
على تحريره الاقلام بل لا يزيد الكشف الا سترا و خفاء و لا يكسبه الا غموضا و
اعتلاء و ان قميصا خيط من نسج تسعة و عشرين حرفا عن معاليه قاصر فهذه أربعة عشر
وجها في نكات هذا الالتفات لم تنتظم إلى هذا الزمان في سلك و الله الهادي أللهم هب
لنا نفحة من نفحات قدسك تكشف عن بصائرنا الغواشي الجسمانية و تصرف عن ضمائرنا
النواشى الهيولانية و اجعل اعين قلوبنا وقفا على ملاحظة جلالك طلقا في مطالعة أنوار
جمالك حتى لا تطمح إلى من سواك بنظر و لا تحس


/ 60