إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
الضعفاء، حتى لا ينتهى بهم الضعف إلىاليأس و القنوط، فيتركون الميسور من الخيرعليهم بعجزهم عن منتهى الدرجات، فما أرسلرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا رحمةللعالمين كلهم على اختلاف أصنافهم ودرجاتهم و إذا فهمت هذا علمت أن الادخار قديضر بعض الناس و قد لا يضر. و يدل عليه ماروى أبو[1] أمامة الباهلي. أن بعض أصحابالصفّة توفى فما وجد له كفن، فقال صلّىالله عليه وسلّم «فتشوا ثوبه» فوجدوا فيهدينارين في داخل إزاره. فقال صلّى اللهعليه وسلّم «كيّتان» و قد كان غيره منالمسلمين يموت و يخلف أموالا و لا يقول ذلكفي حقه. و هذا يحتمل وجهين، لأن حاله يحتملحالين: أحدهما أنه أراد كيتين من النار،كما قال تعالى (فَتُكْوى بِهاجِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ و ذلك إذا كان حاله إظهار الزهد و الفقر والتوكل مع الإفلاس عنه، فهو نوع تلبيس. والثاني أن لا يكون ذلك عن تلبيس، فيكونالمعنى به و النقصان عن درجة كماله، كماينقص من جمال الوجه أثر كيتين في الوجه. وذلك لا يكون عن تلبيس، فإن كل ما يخلفهالرجل فهو نقصان عن درجته في الآخرة، إذ لايؤتى أحد من الدنيا شيئا إلا نقص بقدره منالآخرة و أما بيان أن الادخار مع فراغالقلب عن المدخر ليس من ضرورته بطلانالتوكل فيشهد له ما روي عن بشر، قال الحسينالمغازلي من أصحابه: كنت عنده ضحوة منالنهار فدخل عليه رجل كهل أسمر خفيفالعارضين، فقام إليه بشر، قال و ما رأيتهقام لأحد غيره قال و دفع إليّ كفا من دراهمو قال: اشترى لنا من أطيب ما تقدر عليه منالطعام الطيب. و ما قال لي قط مثل ذلك. قال فجئت بالطعامفوضعته فأكل معه، و ما رأيته أكل مع غيرهقال فأكلنا حاجتنا. و بقي من الطعام شيءكثير، فأخذه الرجل و جمعه في ثوبه و حملهمعه و انصرف. فعجبت من ذلك و كرهته له. فقاللي بشر: لعلك أنكرت فعله قلت نعم أخذ بقيةالطعام من غير إذن. فقال ذاك أخونا فتحالموصلي، زارنا اليوم من الموصل.