إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
ابن أدهم نزل من الجبل، فقيل له: من أينأقبلت فقال من الأنس بالله. و ذلك لأنالأنس بالله يلازمه التوحش من غير الله. بلكل ما يعوق عن الخلوة فيكون من أثقلالأشياء على القلب، كما روي أن موسى عليهالسلام لما كلمه ربه، مكث دهرا لا يسمعكلام أحد من الناس إلا أخذه الغشيان، لأنالحب يوجب عذوبة كلام المحبوب و عذوبةذكره، فيخرج من القلب عذوبة ما سواه. ولذلك قال بعض الحكماء في دعائه: يا منآنسني بذكره، و أوحشني من خلقه. و قال اللهعز و جل لداود عليه السلام: كن لي مشتاقا، وبي مستأنسا و من سواي مستوحشا. و قيللرابعة. بم نلت هذه المنزلة قالت بتركي مالا يعنيني، و أنسي بمن لم يزل و قال عبدالواحد بن زيد: مررت براهب فقلت له. ياراهب. لقد أعجبتك الوحدة فقال يا هذا، لو ذقت حلاوة الوحدةلاستوحشت إليها من نفسك. الوحدة رأسالعبادة فقلت يا راهب: ما أقل ما تجده فيالوحدة قال الراحة من مداراة الناس، والسلامة من شرهم. قلت يا راهب: متى يذوقالعبد حلاوة الأنس بالله تعالى قال إذاصفا الود و خلصت المعاملة. قلت و متى يصفوالود قال إذا اجتمع الهم فصار هما واحدافي الطاعة و قال بعض الحكماء: عجبا للخلائقكيف أرادوا بك بدلا! عجبا للقلوب كيفاستأنست بسواك عنك! فإن قلت فما علامةالأنس فاعلم أن علامته الخاصة ضيق الصدرمن معاشرة الخلق، و التبرم بهم، واستهتاره بعذوبة الذكر. فإن خالط فهوكمنفرد في جماعة، و مجتمع في خلوة و غريبفي حضر، و حاضر في سفر، و شاهد في غيبة، وغائب في حضور، مخلط بالبدن منفرد بالقلب،مستغرق بعذوبة الذكر، كما قال علي كرمالله وجهه في وصفهم: هم قوم هجم بهم العلمعلى حقيقة الأمر، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترفون، و أنسوا بمااستوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيابأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى،أولئك خلفاء الله في أرضه، و الدعاة إلىدينه. فهذا معنى الأنس بالله، و هذهعلامته، و هذه شواهده و قد ذهب بعضالمتكلمين إلى إنكار الأنس و الشوق والحب، لظنه أن ذلك يدل على التشبيه، و جهلهبأن جمال المدركات بالبصائر أكمل من جمالللمبصرات، و لذة معرفتها أغلب على ذويالقلوب، و منهم أحمد بن غالب يعرف بغلامالخليل، أنكر على الجنيد، و على