فإذا تأملت هذه الحكايات عرفت قطعا أنالرضا بما يخالف الهوى ليس مستحيلا، بل هومقام عظيم من مقامات أهل الدين و مهما كانذلك ممكنا في حب الخلق و حظوظهم كان ممكنافي حق حب الله تعالى و حظوظ الآخرة قطعا. وإمكانه من وجهين أحدهما: الرضا بالألم لمايتوقع من الثواب الموجود، كالرضا بالفصد،و الحجامة، و شرب الدواء انتظارا للشفاء.
و الثاني الرضا به لا لحظ وراءه، بل لكونهمراد المحبوب و رضا له، فقد يغلب الحب بحيثينغمر مراد المحب في مراد المحبوب، فيكونألذ الأشياء عنده سرور قلب محبوبه و رضاه،و نفوذ إرادته، و لو في هلاك روحه كما قيل.
فما لجرح إذا أرضاكم ألم
و هذا ممكن مع الإحساس بالألم. و قد يستولىالحب بحيث يدهش عن إدراك الألم، فالقياس والتجربة و المشاهدة دالة على وجوده، فلاينبغي أن ينكره من فقده من نفسه، لأنه إنمافقده لفقد سببه و هو فرط حبه و من لم بذقطعم الحب لم يعرف عجائبه، فللمحبين عجائبأعظم مما وصفناه و قد روي عن عمرو بنالحارث الرافعي قال: كنت في مجلس بالرقةعند صديق لي، و كان معنا فتى يتعشق جاريةمغنية، و كانت معنا في المجلس، فضربتبالقضيب و غنت
علامة ذل الهوى
و لا سيما عاشق
إذا لم يجد مشتكى
على العاشقين البكا
إذا لم يجد مشتكى
إذا لم يجد مشتكى
فقال لها الفتى: أحسنت و الله يا سيدتي، أفتأذنين لي أن أموت فقالت مت راشدا. قالفوضع رأسه على الوسادة، و أطبق فمه، و غمضعينيه، فحركناه فإذا هو ميت و قال الجنيد:رأيت رجلا متعلقا بكم صبي، و هو يتضرع إليهو يظهر له المحبة، فالتفت إليه الصبي و قالله: إلى متى ذا النفاق الذي تظهر لي فقالقد علم الله أنى صادق فيما أورده، حتى لوقلت لي مت لمت. فقال إن كنت صادقا فمت. قال:فتنحى الرجل و غمض عينيه، فوجد ميتا و قالسمنون المحب: كان في جيراننا رجل و لهجارية يحبها غاية الحب، فاعتلت الجاريةفجلس الرجل ليصلح لها حيسا، فبينا هو يحركالقدر إذا قالت الجارية آه. قال: فدهشالرجل، و سقطت الملعقة من يده، و جعل يحركما في القدر بيده حتى سقطت أصابعه. فقالت