إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
ثم لو أبصر الغذاء و عرف أنه موافق له، فلايكفيه ذلك للتناول ما لم يكن فيه ميل إليهو رغبة فيه، و شهوة له باعثة عليه. إذالمريض يرى الغذاء و يعلم أنه موافق، و لايمكنه التناول لعدم الرغبة و الميل، ولفقد الداعية المحركة إليه. فحق اللهتعالى له الميل، و الرغبة و الإرادة، وأعنى به نزوعا في نفسه إليه، و توجها فيقلبه إليه ثم ذلك لا يكفيه، فكم من مشاهدطعاما راغب فيه، مريد تناوله، عاجز عنهلكونه زمنا. فخلقت له القدرة و الأعضاءالمتحركة حتى يتم به التناول. و العضو لايتحرك إلا بالقدرة و القدرة تنتظر الداعيةالباعثة، و الداعية تنتظر العلم والمعرفة، أو الظن و الاعتقاد، و هو أن يقوىفي نفسه كون الشيء موافقا له، فإذا جزمتالمعرفة بأن الشيء موافق، و لا بد و أنيفعل، و سلمت عن معارضة باعث آخر صارف عنه،انبعثت الإرادة، و تحقق الميل فإذا انبعثتالإرادة انتهضت القدرة لتحريك الأعضاء.فالقدرة خادمة للإرادة، و الإرادة تابعةلحكم الاعتقاد و المعرفة. فالنية عبارة عنالصفة المتوسطة، و هي الإرادة و انبعاثالنفس بحكم الرغبة و الميل إلى ما هو موافقللغرض، إما في الحال و إما في المآلفالمحرك الأول هو الغرض المطلوب، و هوالباعث، و الغرض الباعث هو المقصد المنويو الانبعاث هو القصد و النية، و انتهاضالقدرة لخدمة الإرادة بتحريك الأعضاء هوالعمل إلا أن انتهاض القدرة للعمل قد يكونبباعث واحد، و قد يكون بباعثين اجتمعا فيفعل واحد. و إذا كان بباعثين فقد يكون كلواحد بحيث لو انفرد لكان مليا بانهاضالقدرة و قد يكون كل واحد قاصرا عنه إلابالاجتماع، و قد يكون أحدهما كافيا لو لاالآخر. لكن الآخر انتهض عاضدا له و معاونا،فيخرج من هذا التقسيم أربعة أقسام، فلنذكرلكل واحد مثالا و اسما أما الأول: فهو أنينفرد الباعث الواحد و يتجرد، كما إذا هجمعلى الإنسان سبع، فكلما رآه قام من موضعه،فلا مزعج له إلا غرض الهرب من السبع، فإنهرأى السبع و عرفه ضارا، فانبعثت نفسه إلىالهرب و رغبت فيه، فانتهضت القدرة عاملةبمقتضى الانبعاث، فيقال نيته الفرار منالسبع، لا نية له في القيام لغيره. و هذهالنية تسمى خالصة، و يسمى العمل بموجبهاإخلاصا بالإضافة إلى الغرض الباعث، ومعناه أنه خلص عن مشاركة غيره و ممازجته وأما الثاني: فهو أن يجتمع باعثان كل واحدمستقل بالإنهاض لو انفرد. و مثاله منالمحسوس