إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و الرعايا و الأتباع. فالجوارح خادمةللقلب بتأكيد صفاتها فيه. فالقلب هوالمقصود، و الأعضاء آلات موصلة إلىالمقصود. و لذلك قال النبي صلّى الله عليهوسلّم[1] «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلحلها سائر الجسد» و قال عليه السلام[2]«اللهم أصلح الراعي و الرعية» و أرادبالراعي القلب و قال الله تعالى (لَنْيَنالَ الله لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) وهي صفة القلب فمن هذا الوجه يجب لا محالةأن تكون أعمال القلب على الجملة أفضل منحركات الجوارح. ثم يجب أن تكون النية منجملتها أفضل، لأنها عبارة عن ميل القلبإلى الخير و إرادته له. و غرضنا من الأعمالبالجوارح أن يعود القلب إرادة الخير، ويؤكد فيه الميل إليه، ليفرغ من شهواتالدنيا، و يكب على الذكر و الفكر،فبالضرورة يكون خيرا بالإضافة إلى الغرض،لأنه متمكن من نفس المقصود. و هذا كما أنالمعدة إذا تألمت فقد تداوى بأن يوضعالصلاة على الصدر، و تداوى بالشرب والدواء الواصل إلى المعدة فالشرب خير منطلاء الصدر، لأن طلاء الصدر أيضا إنماأريد به أن يسري منه الأثر إلى المعدة، فمايلاقى عين المعدة فهو خير و أنفع فهكذاينبغي أن تفهم تأثير الطاعات كلها، إذالمطلوب منها تغيير القلوب و تبديل صفاتهافقط دون الجوارح. فلا تظنن أن في وضعالجبهة على الأرض غرضا من حيث إنه جمع بينالجبهة و الأرض، بل من حيث إنه بحكم العادةيؤكد صفة التواضع في القلب، فإن من يجد فينفسه تواضعا. فإذا استكان بأعضائه و صورهابصورة التواضع تأكد تواضعه و من وجد فيقلبه رقة على يتيم، فإذا مسح رأسه و قبلهتأكدت الرقة في قلبه. و لهذا لم يكن العملبغير نية مفيدا أصلا، لأن من يمسح رأس يتيمو هو غافل بقلبه، أو ظان أنه يمسح ثوبا، لمينتشر من أعضائه أثر إلى قلبه لتأكيدالرقة. و كذلك من يسجد غافلا و هو مشغولالهم بأعراض الدنيا لم ينتشر من جبهته ووضعها على الأرض أثر إلى قلبه يتأكد بهالتواضع، فكان وجود ذلك كعدمه، و ما ساوىوجوده عدمه بالإضافة إلى الغرض المطلوبمنه يسمى باطلا. فيقال: العبادة بغير نيةباطلة. و هذا معناه إذا فعل عن غفلة.