و حديث لسان و فكر، أو انتقال من خاطر إلىخاطر، و النية بمعزل من جميع ذلك. و إنماالنية انبعاث النفس و توجهها و ميلها إلىما ظهرها أن فيه غرضها. إما عاجلا، و إماآجلا. و الميل إذا لم يكن لا يمكن اختراعه واكتسابه بمجرد الإرادة. بل ذلك كقولالشبعان: نويت أن أشتهى الطعام و أميل إليه. أو قولالفارغ: نويت أن أعشق فلانا و أحبه و أعظمهبقلبي. فذلك محال. بل لا طريق إلى اكتسابصرف القلب إلى الشيء، و ميله إليه، وتوجهه نحوه، إلا باكتساب أسبابه. و ذلك مماقد يقدر عليه، و قد لا يقدر عليه. و إنما تنبعث النفس إلى الفعل إجابة للغرضالباعث الموافق للنفس، الملائم لها. و مالم يعتقد الإنسان أن غرضه منوط بفعل منالأفعال فلا يتوجه نحوه قصده. و ذلك مما لايقدر على اعتقاده في كل حين و إذا اعتقدفإنما يتوجه القلب إذا كان فارغا غيرمصروف عنه بغرض شاغل أقوى منه. و ذلك لايمكن في كل وقت. و الدواعي و الصوارف لهاأسباب كثيرة بها تجتمع، و يختلف ذلكبالأشخاص، و بالأحوال، و بالأعمال. فإذاغلبت شهوة النكاح مثلا، و لم يعتقد غرضاصحيحا في الولد دينا و لا دنيا، لا يمكنهأن يواقع على نية الولد، بل لا يمكن إلاعلى نية قضاء الشهوة إذ النية هي إجابةالباعث. و لا باعث إلا الشهوة، فكيف ينويالولد! و إذا لم يغلب على قلبه[1] أن إقامةسنة النكاح اتباعا لرسول الله صلّى اللهعليه وسلّم يعظم فضلها، لا يمكن أن ينويبالنكاح اتباع السنة، إلا أن يقول ذلكبلسانه و قلبه و هو حديث محض ليس بنية. نعم طريق اكتساب هذه النية مثلا أن يقوىأولا إيمانه بالشرع، و يقوى إيمانه بعظمثواب من سعى في تكثير أمة محمد صلّى اللهعليه وسلّم، و يدفع عن نفسه جميعالمنفردات عن الولد من ثقل المؤنة، و طولالتعب، و غيره، فإذا فعل ذلك ربما انبعث منقلبه رغبة إلى تحصيل الولد للثواب، فتحركهتلك الرغبة، و تتحرك أعضاؤه لمباشرةالعقد. فإذا انتهضت القدرة المحركة للسانبقبول العقد طاعة لهذا الباعث الغالب علىالقلب، كان ناويا. فإن لم يكن كذلك، فمايقدره في نفسه، و يردده في قلبه من قصدالولد، وسواس و هذيان و لهذا امتنع جماعةمن السلف من جملة من الطاعات، إذ لم تحضرهمالنية، و كانوا يقولون. ليس تحضرنا فيه نية، حتى أن ابن سيرين لميصل على جنازة الحسن البصري و قال: ليستحضرني نية. و نادى بعضهم امرأته، و كانيسرح شعره، أن هات المدري. فقالت: أجيء [1] حديث النكاح سنة رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم: تقدم في آداب النكاح