بالمرآة فسكت ساعة ثم قال: نعم فقيل له فيذلك، فقال: كان لي في المدري نية، و لمتحضرني في المرآة نية، فتوقفت حتى هيأهاالله تعالى و مات حماد بن سليمان، و كانأحد علماء أهل الكوفة، فقيل للثوري، ألاتشهد جنازته فقال لو كان لي نية لفعلت. و كان أحدهم إذاسئل عملا من أعمال البر يقول: إن رزقنيالله تعالى نية فعلت و كان طاوس لا يحدثإلا بنية. و كان يسئل أن يحدث فلا يحدث، ولا يسئل فيبتدئ. فقيل له في ذلك، قال: أ فتحبون أن أحدثبغير نية إذا حضرتني نية فعلت و حكي أنداود بن المحبر لما صنف كتاب العقل، جاءهأحمد بن حنبل، فطلبه منه، فنظر فيه أحمدصفحا ورده، فقال: مالك قال فيه أسانيدضعاف. فقال له داود: أنا لم أخرجه علىالأسانيد، فانظر فيه بعين الخبر، إنمانظرت فيه بعين العمل فانتفعت. قال أحمد:فرده علي حتى أنظر فيه بالعين التي نظرت.فأخذه و مكث عنده طويلا ثم قال: جزاك اللهخيرا. فقد انتفعت به و قيل لطاوس: ادع لنا،فقال: حتى أجد له نية. و قال بعضهم: أنا فيطلب نية لعيادة رجل منذ شهر فما صحت لي بعدو قال عيسى بن كثير: مشيت مع ميمون بنمهران، فلما انتهى إلى باب داره انصرفتفقال ابنه: ألا تعرض عليه العشاء قال ليسمن نيتى: و هذا لأن النية تتبع النظر، فإذاتغير النظر تغيرت النية. و كانوا لا يرونأن يعملوا عملا إلا بنية. لعلمهم بأن النيةروح العمل، و أن العمل بغير نية صادقة رياءو تكلف، و هو سبب مقت لا سبب قرب. و علموا أنالنية ليست هي قول القائل بلسانه نويت، بلهو انبعاث القلب يجرى مجرى الفتوح من اللهتعالى، فقد تتيسر في بعض الأوقات، و قدتتعذر في بعضها نعم من كان الغالب على قلبهأمر الدين تيسر عليه في أكثر الأحوالإحضار النية للخيرات، فإن قلبه مائلبالجملة إلى أصل الخير، فينبعث إلىالتفاصيل غالبا. و من مال قلبه إلى الدنياو غلبت عليه، لم يتيسر له ذلك، بل لا يتيسرله في الفرائض إلا بجهد جهيد، و غايته أنيتذكر النار، و يحذر نفسه عقابها، أو نعيمالجنة، و يرغب نفسه فيها، فربما تنبعث لهداعية ضعيفة، فيكون ثوابه بقدر رغبته ونيته و أما الطاعة على نية إجلال اللهتعالى لاستحقاقه الطاعة و العبودية، فلاتتيسر للراغب في الدنيا،